تدفقت عبر الميديا الأجنبية والإفريقية سيل تحليلات ومقالات وتعليقات حول مستقبل القارة الإفريقية في ظل الإدارة المرتقبة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة؛ ولا يرتبط هذا السياق بطبيعة الحال بسياسات واشنطن فحسب بل بالنظر إلى طبيعة تحالفات الأخيرة مع الدول الأوروبية والغربية الحليفة وما يتوقع معه من اندفاعة جماعية وراء واشنطن في القارة الإفريقية حال توجه إدارة ترامب المقبلة جديًا نحو مقاربة إفريقية جديدة أو إيجابية مقارنة بمقاربة الإدارات السابقة ومنها إدارة ترامب الأولى (2017- 2021)، وبدت إشارات ملفتة في هذا السياق في دول مختلفة، مثل بريطانيا التي مددت في الأسبوع الأول من نوفمبر الجاري إجراءات فرض عقوبات على شركات وأفراد وصفتهم بانهم على صلة بتمويل الإرهاب والأنشطة الروسية في إفريقيا، وكندا وغيرهما.
يتناول المقال الأول تطورات صياغة أوتاوا، التي استقبلت في مطلع الشهر الجاري، عددًا من مسئولي الاتحاد الإفريقي، لما باتت تطلق عليه استراتيجية كندا الإفريقية بعد ثلاثة أعوام من المداولات والمقترحات وتعديلاتها. وكشف المقال بعض تفاصيل هذه الاستراتيجية التي ترتبط بشكل واضح بالمتغيرات الأمريكية المرتقبة في إفريقيا وجهود واشنطن إعادة تكوين اصطفاف غربي خلف مقاربتها المحتملة تجاه القارة. ولفت المقال بشكل خاص إلى مبادرة كندية لتقديم دعم إغاثي مهم لإقليم دارفور في السودان يؤشر بدوره إلى اهتمام كندي متجدد بالسودان وقضاياه.
أما المقال الثاني فقد طوف على مجمل السياسات الأمريكية المرتقبة تجاه إفريقيا مع بدء الرئيس المنتخب دونالد ترامب فترة رئاسته الثانية يناير المقبل. وحاول المقال تقديم مسوغات هامة اعتبرها كشفًا لأهمية القارة الإفريقية بالنسبة للولايات المتحدة وضرورة تغيير الأخيرة سياساتها الإفريقية في ضوء اعتبارات كون القارة أكبر سوق في العالم (ربع سكان العالم في غضون سنوات قليلة، ومصدر لا ينضب للقوى العاملة الشابة التي تكتسب كفاءة ومهارة يومًا بعد آخر). كما تناول المقال، بشيء من الجدية والتحليل العميق، مسألة وقوع إفريقيا عالقة في التنافس الدولي (الأمريكي- الروسي والصيني بشكل خاص) وضرورة إعادة واشنطن النظر في مشروطاتها السياسية وتفهم حاجات الدول الإفريقية الحقيقية.
وجاء المقال الثالث ليقدم وجهة نظر روسية مقابلة للرؤى الأمريكية- الغربية وأكد اتهامات روسية لأوكرانيا (ومن خلفها القوى الغربية بطبيعة الحال) بالوقوف وراء دعم أنشطة جماعات عنف إرهابية في إقليم الساحل، على خلفية اهتمام روسيا بنجاح منتدى الشراكة الروسية الإفريقية الذي تشهد عقده راهنًا (9- 10 نوفمبر).
استراتيجية إفريقيا على الطاولة مجددًا مع افتتاح اوتاوا سفارات جديدة ومشروعات أمنية([1]):
وعد الليبراليون الفيدراليون في كندا مرة أخرى بإطلاق استراتيجية إفريقية بالتزامن مع إعلان فتح سفارات جديدة ومشروعات أمنية مشتركة مع الدول الإفريقية. وأعلنت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي أمام صحفيين في تورنتو “نريد تحقيق تعاون أقوى مع الاتحاد الإفريقي نفسه، وعلاقات ثنائية أكثر قوة مع الكثير من الدول الإفريقية”. وأعلنت ذلك خلال مؤتمر صحفي مع وزيرة التجارة ماري نج Mary Ng ووزير التنمية الدولية أحمد حسين، بعد اجتماعهم مع نظرائهم من الاتحاد الإفريقي، مؤكدة “أننا نعمل على (وضع) استراتيجية إفريقية جديدة، نشترك فيها جميعًا”.
وأكدت الوزيرة الكندية تخصيص حكومة بلادها 54.4 مليون دولار في ثلاث مبادرات رئيسة تشمل مشروعات بناء السلام ومنع الصراع في السودان بهدف حماية المدنيين في دارفور ودعم الناجين من العنف الجنسي. وتتعلق المبادرتان الأخريين بالعمل مع الأمم المتحدة انطلاقًا من المغرب في مواجهة الإرهاب والتهديدات الإجرامية في غرب إفريقيا، وكذلك مشروعات تكافح تهديدات بيولوجية. وقالت جولي أيضًا أن أوتاوا ستفتتح سفارة جديدة في بنين ومفوضية عليا في زامبيا، وستعلن عن منصب مبعوث خاص لإفريقيا ككل وآخر لإقليم الساحل. ومن جانبها كشفت ماري نج أن كندا ستسمح في القريب العاجل بتسيير رحلات جوية مباشرة من وإلى نيجيريا، وأن محادثات بدأت بالفعل من أجل ترتيبات مماثلة مع غانا. وأعلنت أيضًا خطط للقيام ببعثة تجارية للقارة في وقت غير محدد.
وقال حسين أن أوتاوا تعمل على وضع خطط للمساعدة في انتقال الدول النامية من الاعتماد على المعونات الخارجية إلى خلق الأعمال، وكشف عن مشروعات بقيمة 176.6 مليون دولار في أرجاء القارة تركز على تمكين الشباب والمرأة والتغير المناخي. ويقوم الليبراليون بوضع ما أطلقوا عليه “استراتيجية إفريقية” على مدار الأعوام الثلاثة الفائتة. وخفضت في العام الماضي إلى ما أطلقت عليه “إطار عمل” ثم أطلقت عليه في أغسطس “مقاربة” للقارة. وفي الخميس 7 نوفمبر الجاري قالت “جولي” انه سيكون هناك مستجدات “لاستراتيجيتنا الإفريقية مستقبلًا”. كما أصدرت لجنة الشئون الخارجية بمجلس العموم تقريرها حول انخراط كندا في إفريقيا بعد جلسات استماع بدأت في أبريل 2024.
لماذا لا يمكن لترامب تجاهل إفريقيا بسكانها ومواردها ([2])؟
لم يضع الرؤساء الأمريكيون تاريخيًا العلاقات الأمريكية الإفريقية في قائمة أولوياتهم، فيما ركزوا تاريخيًا على الأقاليم التي تصوروها ذات أهمية استراتيجية لبلادهم. لكن في ضوء نمو أهمية إفريقيا عالميًا فإنه لا يمكن للإدارة الجديدة بقيادة دونالد ترامب تجاهل القارة. واليوم فإنه بات لدى القادة الأفارقة مجموعة أوسع من الخيارات للتحالفات وإدراك كامل بميزات هذه الخيارات. وفيما تشير بعض السرديات إلى فقدان الولايات المتحدة أرضًا لها في إفريقيا لصالح النفوذ الروسي والصيني، فإنه من الأهمية بمكان الاعتراف بأن الرؤساء السابقين لم يظهروا سوى اهتمامًا محدودًا وغير مستمر بالاستثمار في الدول الإفريقية.
وعادة ما نظر القادة الأفارقة للتأكيد (الأمريكي) على وجود نظام دولي قائم على القواعد، ومشروطيات حقوق الإنسان وإصلاحات الحكم على أنها قواعد مقيدة إن لم تكن متعالية. وعلى نقيض ذلك فإن مقاربة الصين المركزة على الأعمال وضعت أولوية للمكاسب الاقتصادية الآنية دون فرض شروط مسبقة- تمثل مقاربة تلائم أكثر القادة الإفريقية بتركيزها على نتائج ملموسة.
روسيا تملأ الفراغ:
وفي هذا الوقت ملئت روسيا استراتيجيًا، الفراغ الذي تركه الغرب، بتقديمها دعمًا عسكريًا مباشرًا عبر مبادرات مثل الفيالق الإفريقية (مجموعة فاغنر سابقًا). وتساعد روسيا دولًا مثل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى في معركتها ضد الجماعات المتطرفة العنيفة وغيرها، ووضعت روسيا نفسها بمثابة حليف يعول عليه لدى الدول الإفريقية التي تواجه تحديات أمنية.
وكانت هذه المساعدات الروسية في وقتها تمامًا (بالنسبة لإفريقيا) مع مواصلة الولايات المتحدة وحلفائها وضوع أولوية مصالحها الاستراتيجية في أوروبا والشرق الأوسط. ونتيجة لذلك لقيت بدائل الشراكات مع الصين وروسيا قبولًا لدى القادة الأفارقة الذين يسعون في المقام الأول لتحقيق النمو والاستقرار وفق شروط تتسق بشكل أكبر مع مصالحهم الوطنية الآنية. وكان هذا النهج الأمريكي الانتقائي بالتركيز على أقاليم خارج القارة الإفريقية مؤثرًا في اختيار الأخيرة لتفضيلات تحالفها مع الخارج، بما يسمح للقادة الأفارقة بتلبية الحاجات التنموية والأمنية الملحة دون شروط المعونات الغربية المألوفة.
وفيما يتجاوز المنافسة الجيوسياسية فإن الأهمية الديمغرافية والاقتصادية المتزايدة لـ إفريقيا تتطلب اهتمامًا جادًا من الإدارة المقبلة. وبحلول العام 2050 يتوقع أن يصل سكان إفريقيا إلى 2.5 بليون نسمة يمثلون ربع سكان العالم ويضيفون أكثر من 790 مليون نسمة لقوة العمل في العالم. ويمنح مثل هذا النمو الهائل، المصحوب بتحكم إفريقيا في نحو 30% من الاحتياطيات المعدنية الهامة في العالم، القارة رافعة لا يمكن إنكارها في التجارة العالمية. وتكتسب هذه الموارد أهمية كبيرة لدى تكنولوجيات مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب والمركبات الهجينة hybrid vehicles نظم الدفاع. ومع وقوع تسعة من أكثر 20 اقتصاد في العالم في سرعة النمو فإن مسار القارة الاقتصادي يميز أهميتها من الناحيتين الاقتصادية والجيوسياسية. وفي ضوء مثل هذه العوامل فإن تجاهل إفريقيا سيمثل بكل تأكيد فرصة ضائعة للإدارة الأمريكية الجديدة.
توازن الأهداف الجيوسياسية مع التوقعات المحلية:
ومن أجل البقاء في حالة تنافسية، فإنه على الإدارة المقبلة أن توظف أدوات مثل قانون الفرص والنمو الإفريقي African Growth and Opportunity Act (AGOA)، الذي مثل صلة حيوية بين المساعدات الأمريكية والتجارة الثنائية لدى العديد من الدول الإفريقية. بأي حال فإنه من المقرر أن ينتهي نفاذ قانون الفرص والنمو الإفريقي AGOA في 30 سبتمبر 2025. ويوقن الكثير من القادة الأفارقة بوجوب ألا يتم الاكتفاء بتمديد قانون الفرص والنمو الإفريقي AGOA فحسب بل إعادة هيكلته من أجل تعزيز أفضل للقدرات الصناعية في إفريقيا، وعلى نحو يسمح بدخول مزيد من المنتجات الإفريقية تامة الصنع للأسواق الأمريكية.
وعلى سبيل المثال، فإن استهداف صناعات ذات سلاسل قيمة أطول، مثل المنسوجات، يمكن أن يخلق فرص اقتصادية هائلة، ولاسيما بالنسبة للنساء المشاركات في هذه القطاعات. ويتسق قانون الفرص والنمو الإفريقي AGOA بشكل كبير مع اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية African Continental Free Trade Area (AfCFTA)، والتي ستمنح للدول الإفريقية مجتمعة وصولًا للسوق الأمريكية وتميز التزام الإدارة المقبلة تجاه دعم التنمية الإفريقية.
وفي ضوء هذه الاعتبارات، فإن انخراط الإدارة الأمريكية مع إفريقيا يجب أن توازن بين أهدافها الجيوسياسية مع توقعاتها المحلية وأن تبحر بعناية وسط التحديات التي يفرضها المنافسون. وإن كانت الإدارة المقبلة تريد إعادة الانخراط مع إفريقيا على نحو جدي، فإنه عليها القيام بذلك بتفهم واضح لتطلعات القارة وتحدياتها الفريدة من نوعها.
إن فرض معايير مرتفعة للحوكمة وحقوق الإنسان دون معرفة بالسياقات التاريخية والحقائق المحلية تعوق إمكانات تحقيق شراكات حقيقية. وعلى الإدارة المقبلة الاعتراف بأن الكثير من الدول الإفريقية تسعى لتحقيق شراكات موثوق فيها تحترم استقلالها وتسمح لها باتباع سبل تنميتها، وليس مجرد جذبها لدوائر المنافسة بين القوى العالمية.
نظام كييف يدعم الإرهاب في إفريقيا([3]):
وفقًا لدبلوماسي روسي فإن روسيا ستواصل القتال ضد الممارسات الأوكرانية غير المقبولة في القارة الإفريقية وكذلك “في بقية أقاليم العالم”.
أكد جورجي ميخنو Georgy Mikhno، رئيس قسم التحديات والتهديدات الجديدة Department for New Challenges and Threats (DNCT) بوزارة الخارجية الروسي، أن السلطات الأوكرانية تدعم بشكل علني تمامًا الإرهابيين في إفريقيا وأن روسيا سوف تحارب هذه الممارسات غير المقبولة. وقال خلال المؤتمر الوزاري لمنتدى شراكة روسيا و إفريقيا في سيريوس Sirius المنعقد في 9-10 نوفمبر أن “الأنشطة التخريبية لنظام كييف الإجرامي، التي تدعم علنًا مجموعات إرهابية، وهو أمر لا يجب التغاضي عنه”، ووفقًا لهذا الدبلوماسي فإن روسيا ستواصل القتال ضد هذه الممارسات غير المقبولة في القارة الإفريقية. وأشار ميخنو إلى برهنة بيانات سابقة على سلوك المسئولين الأوكرانيين وتقديم كييف مساعدات للقوات الإرهابية في مالي كدليل واضح على دعمهم للإرهاب الدولي. مضيفًا “وهذا يفسر اعتبارنا لقرار جمهورية مالي والنيجر قطع علاقاتهما الدبلوماسية على الفور مع كييف أمر منطقي تمامًا”.
منتدى الشراكة الروسية- الإفريقية:
ينعقد المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة الروسية- الإفريقية في 9-10 نوفمبر في سيريوس. ويجمع الحدث تحت سقفه نحو 1500 مشارك بمن فيهم أكثر من 40 وزيرًا من القارة الإفريقية. ومن الطرف الروسي سيشارك وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في المؤتمر. وقالت مؤسسة روسكونجرس Roscongress Foundation، التي تدير تنظيم الحدث، في بيان سابق أن أكثر من 40 وزيرًا إفريقيًا سيشارك في المؤتمر الوزاري الأول إلى جانب تأكيد أكثر من 1500 فرد مشاركتهم.
علاوة على ذلك سيحضر الحدث قيادة مفوضية الاتحاد الإفريقي والهيئات التنفيذية لجهات التكامل الإقليمي. وتم توجيه الدعوة لممثلين للمؤسسات المالية والشركات الروسية والإفريقية والدوائر العامة والعلمية ووسائل الإعلام الجماهيرية للمشركة في برنامج عمل المؤتمر. وسيناقش المشاركون في المؤتمر الوزاري الأول قضايا الأمن بما فيها أمن المعلومات وجهود مواجهة الإرهاب ومنع سباق التسلح حسبما أكدت مصادر في مؤسسة روسكونجرس.
ومن المقرر أن تركز مناقشات المنتدى على مجموعة واسعة من القضايا من التعاون في المجال الأمني، بما في ذلك أمن المعلومات الدولي، وجهود مواجهة الإرهاب، ومنع سباق التسلح في الفضاء، والتجارة، والشراكة الاقتصادية والاستثمارية، والأمن الغذائي والزراعي، والاستكشاف الجيوسياسي لنقل الكفاءات والتحول الرقمي بالإدارة العامة والتعليم وتدريب الدبلوماسيين، والرعاية الصحية مع الاهتمام الخاص إزاء التعاون بين دول القارة الإفريقية واتحاد أوراسيا الاقتصادي.
………………………………………………….
[1] Dylan Robertson, Africa strategy back on the table as Ottawa heralds new embassies, security projects, Times Colonist, November 8, 2024 https://www.timescolonist.com/the-mix/africa-strategy-back-on-the-table-as-ottawa-heralds-new-embassies-security-projects-9777129
[2] Olajumoke Ayandele, Why Trump can’t afford to ignore Africa’s 2.5bn people and their resources, the Africa Report, November 9, 2024 https://www.theafricareport.com/367861/opinion-why-trump-cant-afford-to-ignore-africas-2-5bn-people-and-their-resources/
[3] Kiev regime supports terrorists in Africa — diplomat, Russian News Agency (TASS), November 9, 2024 https://tass.com/world/1869951