اختتم المنتدى الـ11 للتعاون بين تركيا وإفريقيا فعالياته، في مدينة إسطنبول التركية تحت شعار “الاستثمار في إفريقيا استثمار للمستقبل”.
وناقش المنتدى، الذي امتد على مدار يومين، سبل تعزيز التعاون بين تركيا والقارة الإفريقية، وفتح آفاق جديدة للشراكات التجارية، وجمع 1500 مشارك من 54 دولة إفريقية.
كما شهد مشاركة واسعة من شركات تركية تعمل في قطاعات متنوعة، وتضمن فعالياته معرضا خاصا، إلى جانب تخصيص مساحة للقاءات الثنائية بين المشاركين، لتعزيز التفاعل وبناء علاقات تجارية مباشرة.
وفي كلمته الافتتاحية للمنتدى، شدد وزير التجارة التركي عمر بولات على الأهمية المتزايدة للمنتدى، الذي أصبح منذ انطلاقه محطة رئيسية للتعاون بين تركيا والقارة الإفريقية، موفرا فرصا جديدة لرجال الأعمال الذين يسعون إلى توسيع نشاطاتهم في إفريقيا أو دخول السوق التركي.
وأعاد بولات التأكيد على أن تركيا تبنت في عام 2003 إستراتيجية تهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول القارة الإفريقية، وهذا ما أفضى إلى إطلاق العديد من المشاريع والشراكات الناجحة التي أسهمت في تعزيز الروابط بين الجانبين.
ولفت بولات إلى التصور الخاطئ بشأن بعد المسافة بين تركيا وإفريقيا، موضحا أن القارة ليست بعيدة كما يعتقد البعض، حيث يمكن الوصول إليها خلال ساعة واحدة بالطائرة من جنوب تركيا، مضيفا أن العلاقات التاريخية العميقة بين تركيا وإفريقيا تعزز هذا التقارب.
وتطرق الوزير التركي إلى تطور العلاقات الثنائية منذ عام 2013 في إطار “سياسة الشراكة مع إفريقيا”، مشيرا إلى أن عدد السفارات التركية في إفريقيا قفز من 12 في عام 2003 إلى 44 في 2024، مع توقعات بأن يتجاوز العدد 50 سفارة قريبا. وأضاف بولات أن تركيا باتت تمتلك حاليا 31 مكتبا تجاريا في إفريقيا، مقارنة بـ4 مكاتب فقط في 2003، وهو ما يجسد التوسع اللافت في العلاقات الاقتصادية الثنائية.
وأكد الوزير على الأهمية الإستراتيجية المتزايدة لإفريقيا في النظام الدولي، مشيرا إلى أن القارة بفضل إمكانياتها الاقتصادية يُتوقع أن تصل إلى ناتج محلي إجمالي يبلغ 3 تريليونات دولار مع نسبة نمو تقدر بـ3.7% عام 2024، كما أوضح أن 11 من بين 20 دولة مرشحة لتحقيق أسرع نمو اقتصادي في العالم هذا العام، توجد في إفريقيا.
وأكد بولات، أن العلاقات التجارية بين تركيا وإفريقيا شهدت قفزة نوعية على مدى العقدين الماضيين، حيث تضاعفت صادرات تركيا إلى القارة الإفريقية 10 مرات منذ عام 2003، لترتفع من 2.1 مليار دولار إلى 22 مليار دولار في 2023. وفي المقابل، بلغت واردات تركيا من إفريقيا 15 مليار دولار، ما يعكس التوسع الملحوظ في الشراكة التجارية بين الجانبين.
وأشار بولات إلى أن حجم التجارة الكلي بين تركيا وإفريقيا، الذي كان لا يتجاوز 5.4 مليارات دولار في 2003، ارتفع 7 أضعاف ليصل إلى 37 مليار دولار بحلول 2023. وفي الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، اقترب حجم التبادل التجاري بين الطرفين من 27 مليار دولار، منها 15.8 مليار دولار صادرات تركية، و11.1 مليار دولار صادرات إفريقية إلى تركيا.
كما أوضح الوزير أن الاستثمارات التركية في إفريقيا شهدت نموا لافتا، حيث ارتفعت من 67 مليون دولار في 2003 إلى 2.3 مليار دولار، بينما تجاوزت القيمة السوقية لهذه الاستثمارات 10 مليارات دولار، وهذا ساهم في خلق فرص عمل لنحو 100 ألف شخص في القارة.
وأضاف أن المشاريع التركية في إفريقيا تتنوع بين قطاعات أساسية تشمل الغذاء، والنسيج، والصلب، والبناء، والتعدين، والنقل، والطاقة، وإدارة الموانئ، مؤكدا أن هذه الاستثمارات تعزز استمرار نمو العلاقات التجارية والاستثمارية بين تركيا وإفريقيا، وتفتح آفاقا جديدة للتعاون الاقتصادي بين الجانبين.
من جانبه، شدد أحمد غوليتش، نائب رئيس مجلس المصدرين الأتراك، على أن نهضة إفريقيا تمثل إستراتيجية مهمة لتركيا، مؤكدا على العلاقات التاريخية الوثيقة التي تجمع الجانبين. وأضاف أن تركيا تعتبر إفريقيا شريكا وشقيقة، وتطمح إلى أن تشهد القارة استقرارا ورخاء.
وأشار غوليتش إلى أهمية العمل المشترك بين تركيا وإفريقيا، لافتا إلى الجهود التي بذلتها الحكومة التركية خلال السنوات الماضية في افتتاح بعثات دبلوماسية في معظم الدول الإفريقية وتعزيز حجم التبادل التجاري بين الجانبين.
كما أوضح غوليتش أن هناك 3 اتفاقيات مناطق حرة موقعة مع الدول الأفريقية، والرابعة في طريقها للتوقيع، متوقعا المزيد من هذه الاتفاقيات في المستقبل.
وأكد وزير الطرق في غانا، فرانسيس أسينسو بواكي، خلال كلمته في المنتدى، أن المبادرات المشتركة بين تركيا وإفريقيا تساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي وتبادل الأفكار. واعتبر أن الاستثمار في البنية التحتية، خاصة الطرق، يلعب دورا حاسما في دفع النمو الاقتصادي بالقارة.
وشدد الوزير على أن تركيا، بقوتها الصناعية الكبيرة، تمثل شريكا دوليا مهما في هذا المسار، مشيرا إلى عمق العلاقات التي تربط تركيا بإفريقيا، وتطلعاتهما المشتركة نحو تعزيز التعاون في مختلف المجالات.
وأشار بواكي إلى أن موارد إفريقيا وإمكاناتها الهائلة، خاصة الشباب، تحتاج إلى استثمارات إستراتيجية سريعة وشراكات لتحقيق التنمية المستدامة. وأكد على أهمية تعزيز العلاقات بين تركيا وإفريقيا، داعيا إلى مزيد من التعاون في مجالات مثل التصنيع والبناء ونقل التكنولوجيا.
وقال الباحث الاقتصادي عثمان إيبيك إن تركيا رغم طموحاتها الكبيرة في تعزيز وجودها الاقتصادي في إفريقيا، لم تتمكن حتى الآن من تحقيق هدفها المتمثل في الوصول إلى حجم تجارة متبادلة يبلغ 50 مليار يورو (54.4 مليار دولار) مع القارة، وهو الهدف الذي تم تحديده منذ أن صنف الاتحاد الإفريقي تركيا شريكا إستراتيجيا عام 2012. يشار إلى أن حجم التجارة البينية حاليا يقترب من 40 مليار دولار.
وأشار الباحث في حديثه للجزيرة نت، إلى ضرورة أن تختار تركيا شركاءها التجاريين في إفريقيا بحذر أكبر. مضيفا أنه بدلا من التركيز على دول ذات إمكانيات اقتصادية محدودة مثل الصومال والسودان، كان بإمكان تركيا تحقيق عوائد أكبر لو ركزت على دول ذات إمكانات واعدة مثل إثيوبيا، وتنزانيا، وكينيا، والتي تتمتع باقتصادات أكثر قوة وقدرة على التعاون في المشاريع الكبرى.
وأكد إيبيك أن تركيا تمتلك رؤية طموحة لتعزيز تجارتها مع الدول الإفريقية، وتسعى لتوقيع اتفاقيات تجارية حرة جديدة، وهذا يعزز موقعها كلاعب اقتصادي رئيسي في القارة، وأن إفريقيا توفر لتركيا فرصا اقتصادية هائلة، نظرا لاقتصاداتها المتسارعة النمو ومواردها الطبيعية الكبيرة.