استقرت المجتمعات والنُّظُم السياسية المعاصرة على وسيلةٍ وحيدةٍ للتغيير السّلمي، وتداول السلطة بين فرقاء أيّ نظامٍ سياسي، وهي أداة «الانتخابات»، وذلك بعد عقودٍ من اختبار أدوات ووسائل عدّة للتغيير؛ بين عنيفة وسلميّة؛ تفاوتت تكلفتها المجتمعية والسياسية والاقتصادية، وأخفقت في تحقيق الاستقرار السياسيّ المنشود، كأدوات الانقلاب العسكريّ العنيف، والانقلاب العسكريّ الأبيض، وانقلاب النّخبة، والتفاوض السياسي، والمحاصصة السياسية.
بيد أنّ تلك الأداة (الانتخابات)، الثمينة سياسيّاً للشعوب المعاصرة، لا تحظى بالقيمة نفسها في الخبرات الإفريقية المتفاوتة، والتي تستعين بها منذ عقودٍ دون الولوج لجوهرها في حالاتٍ عدة، كما تدمجها بأدواتٍ أخرى تقليدية عديدة؛ قد تُفرغها في بعض الأحيان من مضمونها الديمقراطي.
وتنهض أهمية هذه الدراسة، في هذا التوقيت من عام 2016م، في ضوء ما شهدته وتشهده القارة الإفريقية من اختبارٍ واسع النطاق لأداة «الانتخابات» بوصفها وسيلةً للتغيير السياسي، أو الاستدامة السياسية، في إفريقيا على حدّ السواء، حيث بلغت حالات الانتخابات ستة عشر استحقاقاً رئاسيّاً في عام 2016م.
ويستهدف هذا التحليل رصد الانتخابات الرئاسية التي شهدتها القارة الإفريقية جنوب الصحراء مؤخراً؛ في محاولةٍ لاختبار الأداة الديمقراطية المعروفة بـ «الانتخابات»؛ بوصفها وسيلةً للتغيير السياسيّ الديمقراطي، أو وسيلة للاستدامة السياسية غير الديمقراطية في كثيرٍ من الأحيان.
لذا؛ فإنّ محور التحليل في هذا المقام هو: اختبار صحّة تلك المقولة المعنية باعتبار «الانتخابات» وسيلة للتغيير السياسيّ الديمقراطيّ في إفريقيا، أو أنها وسيلة لاستدامة النٌّظُم غير الديمقراطية في إفريقيا، وذلك في الدول التي شهدت انتخاباتٍ رئاسيةً منذ مطلع عام 2016م، ومحاولة اختبار تلك المقولة في الدول التي ستشهد في هذا العام انتخاباتٍ رئاسية، وذلك لتحديد المسافة بين الديمقراطية والتغيير السياسيّ في تلك البلدان.
أما عن قائمة الدول التي شهدت- أو ستشهد- انتخابات عامّة رئاسية، أو عامّة برلمانية؛ ينتج عنها تسمية رئيس الوزراء وحكومته في عام 2016م، فهي: (إفريقيا الوسطى، النيجر، بنين، تشاد، الرأس الأخضر، أوغندا، جزر القمر، ساوتومي وبرنسيب، وجامبيا، وغينيا الاستوائية، الجابون، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية الكونغو الشعبية، جيبوتي، غانا، الصومال، زامبيا) (1) .
وسيتم الإشارة إلى واقع تلك الانتخابات كما يأتي:
أولاً: استمرار «الانتخابات» كوسيلة لاستدامة النُّظُم السياسية في غير سبيل الديمقراطية في النصف الأول من عام 2016م:
شهدت تسع دول في القارة الإفريقية انتخابات عامّة رئاسية، أو برلمانية؛ نتج عنها تسمية رئيس الحكومة، وذلك حتى قرابة نهاية أبريل 2016م، وهي دول: (إفريقيا الوسطى، والنيجر، وبنين، أوغندا، جزر القمر، تشاد، الكونغو الشعبية، جيبوتي، الرأس الأخضر).
وقد شهدت تلك الدول اختباراً حقيقيّاً لمعضلة عجز الديمقراطية عن التغيير في إفريقيا، كما سيرد بالعرض والتحليل فيما يأتي:
إفريقيا الوسطى (فبراير 2016م):
شهدت تلك الدولة، التي لاقت ويلات عنفٍ مركّبٍ- بين سياسيٍّ وطائفيٍّ وديني- في السنوات الثلاث الأخيرة، إجراء الدور الثاني للاقتراع الرئاسيّ في 14 فبراير 2016م (2)، وقد انتهت تلك الانتخابات بفوز «فوستان اركانج تواديرا» (آخر رئيس وزراء للرئيس السابق فرانسوا بوزيزي الذي أُطيح به عام 2013م) على منافسه «أنيسي جورج دولوجيليه» (رئيس الوزراء السابق في الفترة (1999م – 2001م) إبّان حكم الرئيس «آنجي فيليكس باتاسي») في جولة الإعادة، حيث حصل على ما يربو عن 62% من الأصوات، في حين أعلن المرشح الرئاسيّ الخاسر «دولوجيليه» قبوله بالنتائج، وعدم التقدّم بأية طعون (3).
النيجر (فبراير 2016م):
انتُخب الرئيس المنتهية ولايته «محمدو إيسوفو» (البالغ من العمر 64 عاماً) لولايةٍ ثانية، مدّتها خمس سنوات، بعد فوزه في جولة الإعادة بنسبه 92.5% من الأصوات، في مقابل أربعة عشر مرشحاً رئاسيّاً (4)، أبرزهم المرشّح الرئاسيّ المعارض، والمعتقل منذ نوفمبر 2015م على خلفية اتهامه بالتورط في قضية «اتجار بالأطفال»: «هاما أمادو» (البالغ من العمر 66 عاماً) الذي حصل على 7.5% من الأصوات، حيث عُقدت جولة الإعادة في النصف الثاني من مارس 2016م، في حين عُقدت الجولة الأولى في 21 فبراير 2016م، وذلك في مناخٍ سادته الاتهامات بالتضييق، وعدم النزاهة، والمقاطعة (5) ، بنسب مشاركةٍ بلغت حوالي 60% في الدور الثاني؛ مقابل ما يقرب من 67% في الدور الأول؛ وفقاً للإحصائيات الرسمية بالنيجر، في حين توقعت مصادر ببدء محادثاتٍ للمصالحة بين الرئيس الفائز مؤخراً والمعارضة السياسية في البلاد (6) .
أوغندا (فبراير 2016م):
أُجريت الانتخابات الرئاسية الأوغندية في 18 و 19 فبراير 2016م، في مناخٍ من التحفّظ والتوتر، في ضوء ترشّح الرئيس الأوغنديّ المنتهية ولايته «يووري موسيفيني» (البالغ من العمر 71 عاماً) لولاية خامسة، مدّتها خمس سنوات، وهو الرئيس الذي يحكم البلاد منذ عام 1986م عبر تولّيه منصب رئاسة الدولة؛ بالإضافة لمنصبَي وزير الدفاع ورئيس حزب حركة المقاومة الوطنية (7).
وقد حصل أقرب المرشّحين المنافسين للرئيس الحالي على 35.4% من الأصوات؛ وفقاً للنتائج الرسمية، وهو مرشّح حزب منتدى التغيير الديمقراطيّ المعارض «كيزا بيسيجي»، والذي يعدّ معارضاً ومنافِساً تاريخيّاً لموسيفيني، حيث خسر الانتخابات الرئاسية من الدورة الأولى في آخر ثلاثة انتخابات، وهي انتخابات أعوام: (2001م، 2006م، 2011م) على التوالي، كما أنه شغل منصب «وزير» مرّات عديدة؛ بالإضافة لكونه الطبيب الخاصّ بالرئيس «موسيفيني» إبّان حروب المقاومة (8) .
جزر القمر (فبراير 2016م):
شهدت جزر القمر انعقاد أولى دورات انتخاباتها الرئاسية في 21 فبراير 2016م، وهي الانتخابات التي تنافس فيها 25 مرشّحاً، وجرت على دورتَيْن، ومن الجدير بالذكر أنّ مرشّحي تلك الانتخابات ينحدرون من جزيرة القمر الكبرى (إحدى الجزر الثلاثة المكوّنة للدولة)، حيث ينصّ الدستور أنّ رئاسة الدولة دورية بين الجزر الثلاث، لذا فإنّه لن يصوّت في الدورة الأولى كلّ ناخبي الاتحاد، وإنما الناخبون من جزيرة القمر الكبرى فقط، والبالغ عددهم 159 ألفاً، في حين يحقّ لناخبي الجزر الثلاثة التصويت في الدورة الثانية من الانتخابات، وهي الدورة التي عُقدت في العاشر من أبريل 2016م (9) .
وقد أسفرت تلك الانتخابات في دورتها الثانية عن فوز العقيد «عثمان غزالي»، وقد سبق أن حكم البلاد في الفترة: (1999م إلى 2006م) (10) .
بنيـن (مارس 2016م):
عُقدت في 6 مارس 2016م الانتخابات الرئاسية في بنين؛ في أعقاب إعلان الرئيس «توماس بوني ياي» رحيله عن السلطة، بعد تولّيه فترتَيْن رئاسيتَيْن منذ عام 2006م، حيث لا يجوز له إعادة الترشّح بموجب الدستور البنيني، وإن اتجهت نيته لتعديل الدستور للترشّح لولايةٍ ثالثة؛ لولا المعارضة القوية التي تلمسّها في هذا الشأن.
وتعدّ تلك الانتخابات سادس عملية اقتراعٍ رئاسيٍّ في بنين منذ بدء مسارها الديمقراطيّ الراهن في عام 1991م، وقد تنافس في تلك الانتخابات 33 مرشّحاً، كان أبرزهم «ليونيل زينسو» رئيس الوزراء قُبيل الانتخابات، وهو اقتصاديٌّ ومصرفيّ سابق، كما يحظى بدعم الرئيس «توماس» (11).
انتهت الانتخابات بفوز المرشّح الرئاسيّ ورجل الأعمال «باتريس تالون» (البالغ من العمر 57 عاماً) في الدور الثاني للانتخابات، والذي عُقد في 20 مارس 2016م، وقد أقرّ المرشح الخاسر بنتائجها، حتى قبل إعلانها رسميّاً، ويعدّ الرئيس «تالون» المستثمر الرئيس في بنين عبر زراعة القطن، وإدارة ميناء مدينة «كوتونو»، كما يُذكر أنه الممول الرئيس للحملات الانتخابية للرئيس المنتهية ولايته، إلا أنه أضحى أبرز منافسيه السياسيين فيما بعد (12).
الكونغو الشعبية (برازافيل) (مارس 2016م):
بعد التصديق على دستورٍ جديدٍ للبلاد، في استفتاء دُعي له في نوفمبر 2015م، أُلغي بموجبه حاجز العمر، وعدد الولايات الرئاسية للترشّح للانتخابات الرئاسة، وفي مناخ من التحفّظ والتضييق عبر قطع السلطات الرسمية لخطوط الهاتف والإنترنت والرسائل النصية القصيرة لدواعٍ وصفتها بـ «الأمنية»، دُعي نحو 2 مليون ناخب لاختيار رئيس لدولة الكونغو برازافيل في 20 مارس 2016م، وهي الانتخابات التي فاز بها الرئيس المنتهية ولايته «دينيس ساسو نغيسو» (البالغ من العمر 72 عاماً)، وأعلن خمسة مرشّحين رئاسيين من المعارضة: أنّ الانتخابات تمّت في مناخٍ يُفقدها وصف الـ «نزيهة، وشفافة، وتتمتع بالمصداقية»- على حدّ قولهم- (13).
وقد حكم الرئيس المنتهية ولايته (الفائز بتلك الانتخابات) البلاد لما يربو عن 32 عاماً، في الفترات من (1979م) إلى (1992م)، ثم خسر الانتخابات في ذلك العام، ليعود عام 1997م بعد الحرب الأهلية، ثمّ فاز في انتخاباتٍ محلّ تحفظاتٍ وجدلٍ في عام 2002م، وما تزال مستمرة بفوزه الأخير (14).
الرأس الأخضر (مارس 2016م):
شهدت جمهورية الرأس الأخضر في العشرين من مارس 2016م انعقاد الانتخابات التشريعية، برقابةٍ من بعثة الاتحاد الإفريقي، وقد دُعي لها ما يقرب من 350 ألف مواطن، لانتخاب نوابٍ جددٍ للجمعية الوطنية (البرلمان)، لمدة خمس سنوات مقبلة، وهي الانتخابات التي تتشكّل على إثرها حكومة الأغلبية البرلمانية.
وتنافست في تلك الانتخابات ستة أحزاب، هي:
1 – الحزب الإفريقي لاستقلال الرأس الأخضر، وهو الحزب الحاكم إبّان تلك الانتخابات منذ عام 2001م، كما أنه عضو «الاشتراكية الدولية».
2 – حزب الحركة من أجل الديمقراطية.
3 – حزب الاتحاد المستقل والديمقراطي للرأس الأخضر.
4 – الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
5 – حزب العمل والتضامن.
6 – حزب الشعب.
وتسفر تلك الانتخابات عن انتخاب 72 عضواً بالجمعية الوطنية من 13 دائرة انتخابية، ويتراوح عدد الأعضاء المنتخبين عن كلّ دائرة بين عضوَين إلى ثمانية عشر عضواً، وتتمّ الانتخابات بأسلوب التمثيل النسبيّ عبر القائمة المغلقة (15).
وقد أسفرت الانتخابات عن فوز حزب «الحركة من أجل الديمقراطية» برئاسة «يوليسيس كوريا إي سيلفا»، وهو حزبٌ ذو توجه «ليبرالي»، ويعدّ حزب المعارضة الرئيس قُبيل تلك الانتخابات، حيث فاز بما يربو عن 50% من الأصوات؛ ليعود للسلطة مرة أخرى، حيث فاز بأول انتخابات تعددية عام 1991م، ثم انتخابات 1995م، لينتقل لصفوف المعارضة عام 2001م، ثم يعود مرة أخرى للأغلبية البرلمانية ومقعد رئيس الوزراء هذا العام (16).
تشاد (أبريل 2016م):
جرت الانتخابات الرئاسية في تشاد في العاشر من أبريل 2016م، في مناخٍ شهد اتهامات من المعارضة بانحياز لجنة الانتخابات إلى الحزب الحاكم من ناحية، ووجود رقابة بعثة من الاتحاد الإفريقيّ من ناحية أخرى (17).
فاز في تلك الانتخابات الرئيس المنتهية ولايته «إدريس ديبي» بفترة ولايةٍ خامسة، والذي يحكم البلاد منذ 26 عاماً، وذلك بعد حصوله على 61% من الأصوات، من ضمن 13 مرشّحاً منافساً، ليفوز بها من الجولة الأولى، في حين جاء أقرب منافسيه «صالح كبزابو» في المركز الثاني، حيث حصل على 13%، وقد بلغت نسبة المشاركة ما يقرب من 76%، وذلك وفقاً للإحصائيات الرسميّة بالبلاد (18) .
جيبوتي (أبريل 2016م):
أُجريت يوم الجمعة الموافق 8 أبريل 2016م الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بجيبوتي، برقابة من: الجامعة العربية، والاتحاد الإفريقيّ، والتعاون الإسلاميّ، وهي الانتخابات التي خاضها الرئيس المنتهية ولايته «إسماعيل عمر جيله» (البالغ من العمر 69 عاماً)، الذي يتقلد هذا المنصب منذ 17 عاماً، ويعدّ ثاني رئيس لجيبوتي منذ استقلالها عن فرنسا عام 1977م، وذلك بعد خلافته لعمّه الرئيس الأول لها «حسن جولد أبتيدون» عام 1999م (19).
وقد نافسه في تلك الانتخابات: «عمر علمي خيره»، بصحبة المرشّح «محمد داود شحم»، ممثلَيْن لائتلاف المعارضة الجيبوتي، تحت اسم: «الاتحاد من أجل الإنقاذ الوطني»، والذي يتكون من سبعة أحزاب معارضة، قاطعت ثلاثةٌ منها تلك الانتخابات، حيث أخفقت أحزاب الاتحاد في الاتفاق على تسمية مرشّحٍ واحدٍ للانتخابات الرئاسية، أما المرشحون المستقلون بتلك الانتخابات فهُم: «حسن إدريس أحمد»، «محمد موسى علي»، «جامع عبد الرحمن جامع»، وتبلغ الكتلة الناخبة 187 ألف ناخب تقريباً؛ من إجماليّ 875 ألف مواطن بدولة جيبوتي (20) .
وقد فاز الرئيس المنتهية ولايته «إسماعيل عمر جيله» بتلك الانتخابات؛ لتكون رابع ولاية رئاسية له، حيث حصل على نسبة أصوات تجاوزت 80% من أصوات الناخبين (21).
غينيا الاستوائية (أبريل 2016م):
شهدت جمهورية غينيا الاستوائية، في الرابع والعشرين من أبريل 2016م، انعقاد الدور الأول للانتخابات العامّة الرئاسية لانتخاب رئيس البلاد، تمّت الانتخابات بمراقبة بعثة للاتحاد الإفريقيّ مكوّنة من أربعين عضواْ، ويترأسها رئيس جمهورية بنين السابق «يوني يايي» (22)، ومن المنتظر أن يفوز بها الرئيس المنتهية ولايته «تيودورو أوبيانج» (البالغ من العمر 73 عاماً)، والمستمر في الحكم منذ 36 عاماً؛ في أعقاب انقلابٍ عسكريٍّ عام 1979م، ليكون أقدم مَن تولّى منصب «الرئيس» في القارة الإفريقية، ومستمر حتى تاريخه (23).
ثانياً: «الانتخابات» كوسيلة للاستدامة السياسية في الربع الثالث من عام 2016م:
شهد ويشهد النصف الثاني من عام 2016م انتخابات عامّة رئاسية في سبع دول، مرتبة وفقاً للتواريخ التي عُقدت فيها الانتخاب، أو المزمع انعقاد الانتخابات بها- سيأتي ذكرها في: ثالثاً-، وذلك كما يأتي:
ساوتومي وبرنسيب (يوليو 2016م):
كان من المزمع أن تُعقد الانتخابات العامّة بدولة «جمهورية ساوتومي وبرنسيب الديمقراطية» في يوليو من عام 2016م، وقد عُقدت بالفعل في 17 يوليو، وأُعلنت نتيجتها الرسمية في السابع من أغسطس عام 2016م، وقد كان التغيير عبر الانتخابات العامّة الراهنة متوقّعاً في «ساوتومي وبرنسيب»؛ لاعتبارات السنّ خاصّة، حيث إنّ الرئيس الحالي «مانويل بينتو دا كوستا» وُلد عام 1937م، وهو أول رئيس لها عند الاستقلال عام 1975م، ثمّ خسر الانتخابات في: (1996م، 2001م)، وبالإضافة لاعتبارات السنّ؛ فإنّ المسار الديمقراطي بها مرشّح للتماسك (24) .
أما البيانات الإحصائية لتلك الانتخابات؛ فكان إجمالي عدد الكتلة الناخبة في تلك الانتخابات 51.173 ألف صوت، من إجماليّ عدد أصوات مسجلة تبلغ 111.222 ألف صوت، والأصوات الصحيحة منها بلغت 43.606 ألف صوت، والباطلة 7.567 ألف صوت، وقد ترشّح لتلك الانتخابات مرشّحَان اثنان، أحدهما: الرئيس المنتهية ولايته «مانويل بينتو دا كوستا»، والآخر هو: «إفاريستو اسبيريتو سانتو كارفالو»، وهو مرشّح الحركة الديمقراطية المستقلة، وقد انسحب الرئيس المنتهية ولايته من الانتخابات بعد جولتها الأولى في ضوء ادعاءاته بتزويرها، مما جعل «كارفالو» المرشّح الوحيد في الجولة الثانية، والتي انتهت بفوزه بها بعدد 42.058 ألف صوت؛ بما نسبته 82.19%، لتبدأ مرحلة جديدة من التداول السّلمي للسلطة في هذه الدولة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 200 ألف نسمة (25).
الجابون (أغسطس 2016م):
أما الجابون؛ فقد كان يُتوقع عدم حدوث تغييرٍ سياسيٍّ عبر هذه الانتخابات، وذلك وفقاً لآراء المراقبين قبل انطلاقها، وذلك في ضوء تولّي «علي» ابن الرئيس السابق «عمر بونغو» للسلطة خلفاً لوالده في عام 2009م، والذي تولّى السلطة منذ عام 1967م، وحتى وفاته في 2009م .
وقد عُقدت الانتخابات على دورةٍ واحدةٍ وليست دورتَيْن، في السبت الموافق 27 أغسطس 2016م، بين عددٍ من المرشحين، ودُعي لها حوالي 628 ألف ناخبٍ، تحت إشراف مراقبين من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقيّ (26).
فاز في هذه الانتخابات الرئيس المنتهية ولايته «علي عمر بونغو أوديمبا» (57 عاماً) في سياقٍ غريبٍ، حيث أعلن منافسه الرئيس المعارض «جان بينغ» (73 عاماً)– وهو الرئيس السابق لمفوضية الاتحاد الإفريقيّ، ووزير لعدد من الحقائب الوزارية في عهد بونغو الأب- فوزه هو الآخر في الانتخابات، وهو ما قاد إلى مصادماتٍ على إثر اتهاماتٍ متبادلةٍ بالتزوير، فقد شهدت أنحاء من البلاد، وبخاصّة مدينة «بور جنتي» بجنوب غربي البلاد، وهي مدينة غنية بالبترول، احتجاجات واشتباكات بين قوات الأمن ورافضين لما وصفوه بتزويرها، وقد انتهت أحداث الشغب والمصادمات بعدما خلّفت ثلاثة قتلى؛ وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن السلطات الحكومية، وذلك بعد فترةٍ وجيزةٍ من الانتخابات (27).
زامبيا (أغسطس 2016م):
أما زامبيا؛ ثاني أكبر منتج للنحاس في إفريقيا، والتي تعاني من تراجعٍ اقتصاديٍّ جراء انخفاض أسعار السلع، فقد انتُخب «إدغار لونغو»، وهو وزير الدفاع السابق، في 24 يناير 2015م، في انتخابات خاصّة لاستكمال مدة حكم الرئيس «مايكل ساتا» الذي تولّى الحكم في 2011م عبر الانتخابات، وتُوفي في 2014م، وعليه كان من المزمع أنّ تُعقد انتخابات عامّة رئاسية في أغسطس 2016م لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للبلاد، لذا فإنّ زامبيا كانت على موعد مع استكمال مسارها الديمقراطي (28) .
وقد عُقدت الانتخابات في موعدها، وانتُخب فيها «إدغار لونجو» بصعوبةٍ بالغة، بهامشٍ ضئيلٍ نسبيّاً (50.35% للمرشّح الفائز مقابل 37.63% لمنافسه)، لفترة رئاسةٍ جديدةٍ بعد فوزه على منافسه الرئيسي «هاكيندي هيشيليما» مرشّح حزب المعارضة الرئيسي في زامبيا «الحزب المتحد للتنمية الوطنية»، في الانتخابات التي وصفها الأخير بأنه تمّ التلاعب بنتائجها، وقد رفض حزب المرشّح المعارض النتائج، وأكد أنه سيطعن عليها أمام المحكمة الدستورية؛ متهماً مسؤولي الانتخبات بتوزيرها (29) .
ثالثاً: «الانتخابات» كأداة في إفريقيا لتحقيق الاستدامة السياسية للنّخبة الحاكمة:
من العرض السابق لمسار الانتخابات العامّة في الدول الإفريقية ونتائجها- بعاليه-، والسيناريوهات المتوقعة لتلك التي لم تُعقد بعد، يمكن الوقوف على الآتي:
– استمر الرئيس المنتهية ولايته في ستّ دول- من أصل عشر دول- في الحكم؛ عبر إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2016م، وهي: (النيجر، تشاد، أوغندا، الكونغو الشعبية، جيبوتي، وغينيا الاستوائية)، أي ما نسبته 60%.
– تغيّر شخص «الرئيس» – «رئيس الوزراء» (في حالة النظام البرلماني بالرأس الأخضر)- في أربع حالات، هي: (إفريقيا الوسطى، بنين، جزر القمر، الرأس الأخضر)؛ من أصل عشر دول؛ بنسبة 40%.
– يلاحظ أنّ كلّ الرؤساء المستمرين في الحكم عبر الانتخابات- المشار إليها بعاليه-، إنما تولّوا في أعقاب انقلابٍ عسكريٍّ، أو هُم من بقايا حركات استقلالٍ وطني.
– يلاحظ أنه في الدول التي شهدت تغيير في شخصية «الرئيس» عبر «الانتخابات»، وهي الدول الأربعة سالفة الذكر، فإنّ المرشّح الفائز في الانتخابات بإفريقيا الوسطى محسوب على الرئيس الذي تمّت إزاحته قبل اتساع دائرة العنف، كما أنّ المرشّح الفائز في الانتخابات– أو الحزب الفائز في حالة الرأس الأخضر- بجزر القمر والرأس الأخضر: تولّوا الحكم في فترات سابقة.
– أنّ الديمقراطية وآليتها الانتخابية تحرز تقدّماً واضحاً في: (الرأس الأخضر، وبنين، وجزر القمر)، وهي دول تحقّق مواقع جيدة مقارنةً بالدول الستّ التي لم تشهد تغييراً في رأس السلطة عبر الانتخابات، باستثناء إفريقيا الوسطى التي شغلت موقعاً متقدّماً– أي أكثر سوءاً-؛ وفقاً لتقرير «الدول الفاشلة» الصادر لعام 2015م، كما هو موضح في الجدول الآتي (30) :
جدول:
الدول التي شهدت انتخابات عامّة في النصف الأول من عام 2016م، وموقعها وفقاً لتقرير الدول الهشّة
المصدر: الجدول من تصميم الباحث؛ استناداً لتقرير الدول الهشّة لعام 2015م.
– استناداً للجدول السابق؛ يتضح أنّ الدول التي شهدت تغيّراً في رأس السلطة تحرز تقدّماً– باعتبارها الأبعد عن الفشل؛ وفقاً للمؤشّر السالف- في كونها أكثر الدول الإفريقية تماسكاً واستقراراً ونموّاً، باستثناء حالة إفريقيا الوسطى، وعليه؛ فإنّ الديمقراطية تؤتي ثمارها في نطاق الدول الأطراف بالقارة، بيد أنّ قلب القارة لا يزال عصيّاً على التغيير الديمقراطي.
– أنّ الدول التي عُقدت الانتخابات بها في الربع الثالث من عام 2016م؛ لم تختلف نتائجها عن التوقعات التي ذهب لها المراقبون قُبيل هذه الانتخابات.
– لربما تعدّ زامبيا الحالة الوحيدة التي اختلف حولها المراقبون بشأن استمرار الرئيس المنتهية ولايته من عدمه؛ في ضوء اعتقاد تماسك المسار الديمقراطيّ بها.
خاتمة:
في النهاية؛ يبدو أنّ الديمقراطية بآليتها الوحيدة المتمثلة في «الانتخابات» لا تزال عاجزة عن التغيير في إفريقيا، وأنه على الرغم من وجود حالات مقدّرة للتغيير عبر الديمقراطية- كالتي سبق ذكرها-؛ فإنها لا تزال تعدّ استثناءً في واقعٍ إفريقيٍّ معقّد ومضطرب.
الإحالات والهوامش:
(1) تقرير بعنوان: “2016: الانتخابات في إفريقيا”، معهد البحوث الإفريقية، المملكة المتحدة، لندن، عبر الرابط الآتي:
http://www.africaresearchinstitute.org/blog-sticky/2016-elections-africa/ (22/04/2016)
(2) “إفريقيا الوسطي: إجراء الدور الثاني الحاسم في الانتخابات”، خبر منشور بتاريخ 14 فبراير 2016م، شبكة يورونيوز عربية عبر الرابط:
(3)عادل دلال: “فوستان اركانج تواديرا رئيس جديد لجمهورية إفريقيا الوسطي”، منشور بتاريخ 20 فبراير 2016م، شبكة يورونيوز عربية، عبر الرابط الآتي:
(4)عبدالله ماسالاكي: “النيجر تجري انتخابات الرئاسة، وايسوفو يسعي لولاية ثانية”، وكالة أنباء رويترز، 21 فبراير 2016م، عبر الرابط:
http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN0VU08I
(5)ربع ناخبي النيجر محرومون من الانتخابات، وكالة أنباء سكاي نيوز عربية، 23 يناير 2016م، عبر الرابط الآتي:
http://www.skynewsarabia.com/web/article/810094/
(6)إعادة انتخاب إيسوفو رئيساً للنيجر، والمعارضة ترفض النتائج، شبكة الجزيرة الإخبارية، بتاريخ 23 مارس 2016م، عبر الرابط الآتي:
http://www.aljazeera.net/news/international/2016/3/23/
(7)”أوغندا: موسيفيني يفوز في الانتخابات الرئاسية”، وكالة أنباء أر تي التركية، 21 فبراير 2016م، عبر الرابط:
https://arabic.rt.com/news/812057
(8)”الانتخابات الرئاسية في أوغندا تنطلق علي وقع التذمر والاحتجاجات”، جريدة الشرق الأوسط السعودية، 19 فبراير 2016م، عدد رقم 13597، ومتاح عبر الرابط الآتي للجريدة:
http://aawsat.com/home/article/572161/
(9)”بدء الانتخابات الرئاسية في جزر القمر”، جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 21 فبراير 2016م، عبر الرابط الآتي:
http://www.alhayat.com/Articles/14083680/
(10)”انتخاب عثمان غزالي رئيساً لجزر القمر”، شبكة الجزيرة الإخبارية، بتاريخ 16 أبريل 2016م، عبر الرابط الآتي:
http://www.aljazeera.net/countries/comoros
(11)الانتخابات الرئاسية تبدأ في بنين، شبكة الجزيرة الإخبارية، بتاريخ 6 مارس 2016م، عبر الرابط الآتي:
http://www.aljazeera.net/news/international/2016/3/6/
(12)السيد عبد العليم: “بنين: انتخابات نزيهة وأمن واستقرار وتخلف وفساد لا مثيل لها”، مقال منشور بجريدة الوطن العمانية، بتاريخ 5 أبريل 2016م، عبر الرابط الآتي: http://alwatan.com/details/106443
(13)”نغيسو رئيساً للكونغو برازافيل لولاية جديدة”، شبكة الجزيرة الإخبارية، 24 مارس 2016م، عبر الرابط:
http://www.aljazeera.net/news/international/2016/3/24
(14)”فوز رئيس الكونغو ساسو نغيسو بفترة رئاسية جديدة”، جريدة الشرق الأوسط السعودية، بتاريخ 24 مارس 2016م، العدد رقم 13631، عبر الرابط الآتي للجريدة: http://aawsat.com/home/article/599721/
(15)تغطية الموقع الرسمي للاتحاد الإفريقي لانتخابات جمهورية الرأس الأخضر، عبر الرابط:
http://au.int/ar/2016-parliamentary-elections-cape-verde
(16)”حزب المعارضة الرئيسي في الرأس الأخضر يعود إلى السلطة”، يومية إيلاف الإلكترونية، العدد 5420، بتاريخ 24 مارس 2016م، عبر الرابط: http://elaph.com/Web/News/2016/3/1078859.html
(17)”بعثة إفريقية إلى تشاد لمراقبة الانتخابات الرئاسية”، شبكة الجزيرة الإخبارية، بتاريخ 6 أبريل 2016م، عبر الرابط:
http://www.aljazeera.net/news/international/2016/4/6
(18)”ديبي يفوز بفترة رئاسية خامسة في تشاد”، شبكة الجزيرة الإخبارية، بتاريخ 22 أبريل 2016م، عبر الرابط:
http://www.aljazeera.net/news/international/2016/4/22/
(19)”بدء التصويت في الانتخابات الرئاسية بجيبوتي”، جريدة الشرق الأوسط السعودية، بتاريخ 8 أبريل 2016م، العدد رقم 13646، عبر الرابط الآتي للجريدة: http://aawsat.com/home/article/611461
(20)”إقبال ضعيف في انتخابات الرئاسة في جيبوتي”، وكالة أنباء سكاي نيوز عربية، بتاريخ 8 أبريل 2016م، في الرابط: http://www.skynewsarabia.com/web/article/831139
(21)”إسماعيل غيلة يفوز بالانتخابات الرئاسية في جيبوتي”، جريدة الرياض السعودية، بتاريخ 9 أبريل 2016م، في الرابط الآتي: http://www.alriyadh.com/1145276
(22)”رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي توافق على نشر بعثة مراقبة قصيرة المدى إلى الانتخابات الرئاسية في جمهورية غينيا الاستوائية”، بيان صحفي منشور علي إدارة الإعلام والاتصال، مفوضية الاتحاد الإفريقي، بتاريخ 14 أبريل 2016م، عبر الرابط:
(23)”ناخبو غينيا الاستوائية يتوجهون إلى صناديق الاقتراع لتمديد ولاية الرئيس، جريدة الشرق الأوسط السعودية، 24 أبريل 2016، العدد رقم 13662، عبر الرابط الآتي للجريدة: http://aawsat.com/home/article/624191/
(24)انظر: https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/tp.html
(25) Election guide: Democracy assistance & Elections News/ Sao Tome and Principe , via link;
http://www.electionguide.org/elections/id/2973/
(26) Gambian presidential election set for December 2016, news24, via link;
http://www.news24.com/Africa/News/gambian-presidential-election-set-for-december-2016-20151208
(27)”محتجون على نتائج الانتخابات في الجابون يشتبكون مع الشرطة”، وكالة أنباء رويترز بالعربية، 1 سبتمبر 2016م، عبر الرابط: http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN11747A
(28)”لونجو يفوز بفارق ضئيل على منافسه في انتخابات الرئاسة في زامبيا”، وكالة أنباء رويترز، 24 يناير 2015م، الرابط:
http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN0KX0SJ20150124
(29)”فوز لونجو رئيس زامبيا بفترة جديدة في انتخابات متنازع على صحتها”، وكالة أنباء رويترز بالعربية، 15 أغسطس 2016م، الرابط: http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN10Q14L
(30)تقرير «الدول الهشّة» لعام 2015م، متاح على الرابط الآتي للتقرير: http://fsi.fundforpeace.org