بسام المسلماني
انتهت أزمة تسليم السلطة في غامبيا دون أن تراق الدماء بعد تدخل دول غرب إفريقيا (الأيكواس) وتهديداتها بالتدخل العسكري لتسليم السلطة للرئيس المنتخب آدم بارو ، الأمر الذي دفع الرئيس المنتهية ولايته (يحيي جامع ) للرضوخ للتهديدات وقبوله التنازل عن الحكم في مقابل الخروج الآمن .
فما الذي دفع يحيي جامع الرضوخ والتنازل عن السلطة بعدما أعلن رفضه لنتائج الانتخابات …؟
هناك العديد من العوامل التي دفعت جامع لاتخاذ هذا الموقف ويمكن إجمال هذه العوامل في النقاط التالية:
1- ضعف الموقف السياسي لجامع :
فقد أضعف جامع موقفه السياسي بعد أن أعلن قبوله بنتائج الانتخابات الرئاسية ، فقد خرج في خطاب متلفز أعترف بنتائج الانتخابات التي جاء فيها جامع في المرتبة الثانية بحصوله على 212,099 صوتا, وحاز الرئيس المنتخب وزعيم ائتلاف المعارضة, آدما بارو, على 263,515 صوتا ، وعقب الاعتراف بنتائج الانتخابات عمت البلاد فرحة عارمة ، لكن أحلام نشوة التحرر من النظام المستبد التي عاشها المليونان من الغامبيين في فترة قصيرة تبخرت بعد تراجع الرئيس يحيى جامع عن قرار اعترافه بفوز منافسه .
وعلى الرغم من تراجع جامع إلا أن ظهوره المتلفز واعترافه بنتائج الانتخابات ساهم في إضعاف موقف السياسي.
2- موجة الاستقالات التي تقدم بها مسئولون في حكومة غامبيا :
في ظل تطور الأوضاع وشعور الوزراء بدخول البلاد في نفق مظلم تقدم عدد من الوزراء (الإعلام ، والخارجية ، والمالية ، والتجارة ، والبيئة باستقالاتهم مفاقمين بذلك متاعب جامع ، وزاد الأمر سوءا عندما تقدمت “ايساتو نجي سايدي” نائبة رئيس غامبيا باستقالاتها من منصبها الذي تولته منذ عام 1997م، لتصبح أكبر مسؤول يغادر معسكر الرئيس يحيى جامع ، ويظهر معسكره وكأنه يتعرض للانهيار.
3-الانقسام في الجيش الغامبي :
كان هناك ثمة انقسامات في صفوف الجيش حيث يؤيد طرف يحيى جامع وآخر آدم بارو، حيث أدلى الرئيس المنتخب آدم بارو بتصريحات أثناء مؤتمر صحفي أشار فيها إلى أن عثمان باجي رئيس هيئة أركان الجيش أكد إخلاصه في الولاء له عبر اتصال هاتفي، غير أن جامع قام بعد تراجعه عن الاعتراف بنتائج الانتخابات بتعيين 49من ضباط الجيش في مناصب استراتيجية في الجيش .
لكن تصريحات باجي الأخيرة ، قبل يوم من مغادرة جامع البلاد، التي أكد من خلالها أنه لن تكون هناك حرب في البلاد وأن الأمر تحت سيطرة الكاملة ، تؤكد أن السيطرة في الجيش في نهاية الأمر كانت لصالح معسكر الرئيس المنتخب آدم بارو ، مما أفقد جامع الورقة التي كان يناور بها.
4- ضعف الدعم الدولي والإقليمي لجامع:
الرئيس المنتهية ولايته يحيي جامع من الرؤساء الذي أثاروا العديد من القلاقل خلال فترة حكمهم وكان على خلاف مع جارته السنغال ، كما هاجم في أكثر من مناسبة دولا إفريقية وغربية وانسحب من دول الكومنولث والمحكمة الجنائية الدولية ، الأمر الذي أدى إلى انعزال غامبيا .
5- ضعف الدعم الشعبي :
لا يمكن لجامع أن يعتمد على التأييد الشعبي له في مواجهة الضغوط الغربية ، حيث يفتقد للشعبية ولا يقف إلى جواره إلا أعداد قليلة من الشعب الغامبي من أبناء قبيلته ، ويعود ضعف الدعم الشعبي لجامع إلى تدهور الاقتصاد الغامبي في ظل حكمه ، مما تسبب في معاناة الشعب الغامبي ، وفي عام 2016, فرضت السلطات الغامبية زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية للشاحنات التي تدخل أراضيها من السنغال، ونتج عنها حصار وتوقف الإمدادات الحيوية لعدة أشهر.
وغذّى الاستياء العام، ما شهدته البلاد من مضايقات الشرطة وإفلات الفسدة والمسؤولين في الأجهزة الأمنية من المساءلة القانونية والعقاب، وخاصة وكالة المخابرات الوطنية التي تقدم تقاريرها مباشرة ليحيى جامع.
وينتمي الرئيس “جامع” إلى عرقية جولا في غامبيا, وهي تعتبر من العرقية “الأقلية” في البلاد. غير أنه ارتكب خطأ فادحا في يونيو من هذا العام، عندما أعطى تصريحا بأنه “سيمحو” شعب الماندينكا المحتجين ضدّه – والماندينكا من أكبر جماعة عرقية في غامبيا.
6- تهديدات الايكواس:
الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ( الايكواس ) أضحت على استعداد أكبر من الجماعات الإقليمية الأخرى لاستخدام القوة العسكرية لفرض قواعد الديمقراطية التي تبناها الاتحاد الأفريقي وهيئاته الفرعية. ويستند هذا الموقف الصارم على معارضة القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي لكافة أشكال “التغييرات غير الدستورية للحكومة”. وقد تم تفسير هذا النص بوضوح ليشمل ليس فقط إسقاط حكومة منتخبة عن طريق انقلاب عسكري، ولكن أيضا رفض تسليم السلطة بعد الهزيمة في انتخابات حرة.
وكان مصدر عسكري في نيجيريا ، قد صرح بأن بلاده تعمل مع دول أخرى في غرب أفريقيا على تشكيل قوة مشتركة للتدخل عسكريا في غامبيا إذا أصر الرئيس يحيى جامع على عدم تسليم السلطة لخلفه. وقال المصدر “اتخذ قرار بأنّه (جامع) لن يظل رئيسا لغامبيا بعد انتهاء فترته الرئاسية.”
وقال مارسل دي سوزا رئيس ايكواس إن التجمع وضع قواته في حالة تأهب للتدخل في غامبيا.
وكانت أيكواس قد بدأت فعليا التجهيز للتدخل في غامبيا إلا أنها قبيل التدخل ، علقت مؤقتا، العملية العسكرية التي أعلنت عنها ، من أجل السماح بوساطة تقنع الرئيس الخاسر في الانتخابات يحيى جامع بالتخلي عن المنصب.
واعتبر رئيس الإيكواس مارسيل دي سوزا ، أن تعليق العملية “فرصة أخيرة” أمام جامع، مشيرا إلى أن العملية العسكرية سوف تستأنف إذا لم يسلم جامع السلطة للرئيس الجديد أداما بارو.
مغادرة البلاد:
هذه العوامل مجتمعة كانت تشير بقوة إلى أن جامع يقود معركة خاسرة وأن التنازل عن السلطة أمر حتمي لا مفر منه ، لذلك رضخ في النهاية وقبل بالتنازل عن السلطة في مقابل الخروج الآمن من البلاد.
ليغادر غامبيا ، مساء السبت الموافق 21 من يناير من عام 2017م ، واضعا بذلك حدا للأزمة التي شهدتها البلاد .
وقد صرح إلى التلفاز قبيل مغادرته قائلا : : “أؤمن بأهمية الحوار، وبقدرة الأفارقة على حل تحدّيات الديمقراطية بأنفسهم، ولهذا السبب قررت التنحّي عن قيادة هذه الأمة العظيمة”.
فهل تكون هذه بداية لتحول سلمي للسلطة في بقية الدول الإفريقية ؟ وهل تتدخل المنظمات الإقليمية الإفريقية في بقية دول القارة لفرض الديمقراطية؟