شهدت نيجيريا عدة أحداث مثيرة للنقاش والجدل على الصعيدين السياسي والاقتصادي في العام 2019م؛ بدءًا من الرئاسيات التي فاز فيها الرئيس محمد بخاري بفترة ولاية ثانية وأخيرة؛ رغم مزاعم حدوث مخالفات مِن قِبَل أحزاب المعارضة، ومرورًا بقرار إغلاق حدود نيجيريا البرية.
وبجانب هذه الأحداث، وما أثارتها من نقاشات؛ لأهميتها، وارتباطها بالسياسة العامة، واحترام القانون؛ توجد تنبؤات إيجابية لقطاع التكنولوجيا المالية، وشركات التكنولوجيا الناشئة في البلاد. ويمكن حصر أهمّ هذه الأحداث فيما يلي:
خسارة “بوكولا ساراكي” في الانتخابات الأخيرة:
في 24 فبراير 2019م، أعلنت لجنة الانتخابات الوطنية المستقلة (INEC) خسارة السياسي المتمرّس ورئيس مجلس الشيوخ السابق “بوكولا ساراكي” دائرته الانتخابية “Kwara central” التي يسعى إلى تمثيلها في مجلس الشيوخ النيجيري بأبوجا تحت مظلة “حزب الشعب الديمقراطي” (PDP) المعارض، بينما فاز بالمقعد مَن يعتبره بعض النيجيريين “مراهقًا سياسيًّا”؛ وهو الطبيب “يحيى أولوريحيغبي” من حزب “مؤتمر جميع التقدميين” (APC) الحاكم.
وقد أحيتْ خسارة “ساراكي” نقاشات ساخنة تصدَّرتها حقيقة نواياه في معارضته الشديدة لمختلف المشاريع القانونية وبرامج الرئيس “بخاري”؛ رغم انتمائهما إلى الحزب نفسه؛ ففي يوليو 2018م أعلن “ساراكي” تركه لـ”حزب مؤتمر جميع التقدميين” الحاكم، لكنه فشل في خطته للحصول على تذكرة حزبه الجديد المعارض للترشح لرئاسيات فبراير 2019م. بل وفشل أيضًا في الفوز بمقعد في مجلس الشيوخ، وهي خطته الأخيرة للبقاء في مجلس الشيوخ.
إنشاء إمارات جديدة في ولاية كانو:
في مايو الماضي، وافق محافظ ولاية كانو، عبد الله عمر غندوجي، على إنشاء أربع إمارات جديدة في الولاية (بالإضافة إلى إمارة كانو)، وذلك بالتوقيع على مشروع قانون تُنشَأ بموجبه إمارات “غايا”، و”رانو”، و”كارايي”، و”بِتْشِي”؛ وكلها كانت سابقًا مناطق تابعة لمجلس إمارة “كانو”، التي يرأسها الأمير “محمد سانوسي الثاني”.
وقد برّرت حكومة ولاية “كانو” قرار إنشاء هذه الإمارات بأنها تسعى إلى تقريب التطورات إلى البلديات المحلية وسكان “كانو”؛ لرفع المستوى التنموي في الولاية؛ حيث ستكون جميع مجالس هذه الإمارات مستقلة عن بعضها البعض (بدلاً من تبعيّتها لإمارة كانو) تحت حكومة الولاية.
ومع ذلك؛ رأى الكثيرون أن الهدف من هذا التطور هو النيل من أمير كانو، محمدو سانوسي الثاني؛ بسبب موقفه في الانتخابات الأخيرة التي جرت في الولاية؛ فمحافظ الولاية “غندوجي” يرى أن الأمير “سانوسي” مؤيد لمجموعة “أبي كبير يوسف” مرشح “حزب الشعب الديمقراطي” لمنصب المحافظ، و”رابع موسى كوانكواسو”، محافظ ولاية كانو السابق.
إغلاق الحدود البرية النيجيرية:
أغلقت الحكومة منذ أغسطس الماضي جميع حدودها البرية؛ لمعالجة تهريب البضائع المحظورة، وتعزيز الإنتاجات الزراعية المحلية. غير أن هذه الخطوة لا تؤثر فقط على التجار النيجيريين؛ إذ تعاني التجارات في جميع أنحاء المنطقة من القرار، وعلى رأسها جمهورية بنين التي توجد في حدودها مع نيجيريا محاصيل زراعية متعفنة ومئات من البضائع التي تنتظر عند نقاط التفتيش، على أمل إعادة فتح المعابر كي تدخل نيجيريا.
وعلى الرغم من الخسائر التي قالت الحكومة النيجيرية: إن البلاد تتكبدها بسبب البضائع التي تدخل البلاد عبر هذه الحدود بطرق غير قانونية، إلا أن عمليات الإغلاق قد أثارت غضب جيران نيجيريا والدول الأعضاء في “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (ECOWAS) والأفارقة الذين يعتبرون الخطوة ضربة قاصمة ضد مساعي الاتحاد الإفريقي لفتح الحدود الإفريقية، وخلق منطقة تجارة قارّية حرَّة.
قضية الناشط “Sowore” واقتحام أمن الدولة للمحكمة:
يرى العديد من المحللين أن قضية احتجاز الصحفي والناشط النيجيري “أوموييلي سووري” (Omoyele Sowore) ستحتلّ موقعها في الكتابات المستقبلية حول فترات حكم الرئيس محمد بخاري، ومدى احترام إدارته للقانون وأوامر المحاكم.
كان “سووري” -الذي اعتُقل في 3 أغسطس الماضي- مؤسس الصحافة الاستقصائية الإلكترونية -صحارى ريبورترز-، ومقرها في لاغوس والولايات المتحدة. وقد ترشح للرئاسة في انتخابات فبراير الماضية، ودعا النيجيريين إلى مظاهرة في جميع أنحاء البلاد ضد الرئيس “بخاري”؛ بسبب تردّي الأوضاع المعيشية، وضعف الكفاءات التي تدير البلاد؛ فاحتُجِزَ مِن قِبَل جهاز أمن الدولة (DSS) في لاغوس، وَوُجِّهت إليه تهمة الخيانة، وغسل الأموال، ومطاردة الرئيس على الإنترنت؛ وهي تُهَم نفى جميعها، وفشلت الحكومة في إثباتها أمام المحكمة.
وقد أطلق أمن الدولة سراح “سووري” في يوم الخميس 5 ديسمبر 2019م بعد تهديد من القاضي لمخالفة هذه الوكالة الأمنية أمرين مختلفين سابقين من المحكمة بإطلاق سراحه بكفالة. ومع ذلك، اقتحم أفراد من الوكالة الأمنية في اليوم التالي الموافق 6 ديسمبر 2019م المحكمة في أبوجا، وأعادوا اعتقاله بطريقة أثارت تساؤلات حول حرية التعبير في البلاد وأنشطة المعارضة في البلاد.
في 24 ديسمبر 2019م، أمر وزير العدل والمدعي العام للفدرالية، أبو بكر ملامي، جهاز أمنَ الدولة بالإفراج عن “سووري” ومستشار الأمن القومي السابق “سامبو داسوكي”، وذلك بعد موجة الانتقادات ضد الرئيس “بخاري” داخل نيجيريا، وتهديدات من حكومات أوروبية ومسؤولي منظمات دولية الذين دعوا إلى ضرورة احترام القانون، وإطلاق سراحه بشكل فوري.
“الموت شنقًا” لخطاب الكراهية:
في نوفمبر الماضي، نال مجلس الشيوخ النيجيري نصيبه من غضب النيجيريين عندما قدم أحد أعضائه مشروع قانون بعنوان: “اللجنة الوطنية لحظر خطاب الكراهية 2019م”.
فمشروع القانون الذي رعاه سابي عبد الله -نائب المنسق العام للكتلة النيابية في مجلس الشيوخ-، يسعى إلى تطبيق عقوبة الإعدام لأيّ شخص أُدِينَ بأيّ شكلٍ من أشكال خطاب الكراهية الذي يؤدي إلى وفاة شخص آخر.
وإلى جانب ذلك، ذكَر مشروع القانون أنه عندما: “ينشر شخصٌ أو يعرض، ينتج، يشارك، يوفر، يوزع و/أو يوجّه أداء أيّ مادة مكتوبة و/أو بصرية، مهدِّدة، مسيئة أو مُهينة أو تنطوي على استخدام كلمات أو تصرُّفات مهدِّدة أو تعسفية أو مهينة؛ يرتكب جريمة إذا كان هذا الشخص ينوي بذلك إثارة الكراهية الإثنية، أو بالنظر إلى جميع الظروف التي من المرجّح أن تثار الكراهية العرقية ضد أيّ شخص أو أشخاص ينتمون إلى هذه المجموعة العرقية في نيجيريا”؛ من بين أمور أخرى.
وقد احتجّ النيجيريون ضد هذا المشروع القانوني عبر وسائل مختلفة في أبوجا ولاغوس؛ حيث رأى بعضهم أن التشريع المقترح هو محاولة لخنق حرية التعبير ومنع النيجيريين من انتقاد سوء الإدارة مِن قِبَل السياسيين.
وقال آخرون: إن عقوبة الجريمة –وهي “الموت شنقا”– يستحقّها السياسيون الفاسدون الذين أَفقروا النسبة الكبرى من مواطني البلاد؛ بسبب جشعهم وأنانيّتهم، ونهبهم لأموالٍ يفترض أن ينفقوها في ترقية التعليم ورفاهية حياة المواطنين.
توقُّعات إيجابية لعام 2020 في مجال التكنولوجيا المالية:
أشار موقع “تك كرانتش” في تقريره الأخير عن الجولة التكنولوجية في إفريقيا إلى أن 2019م كان العام الذي أصبحت فيه نيجيريا عاصمة غير رسمية لإفريقيا في مجال الاستثمار والتكنولوجيا الناشئة، وهو لقب حصلت عليه كينيا سابقًا؛ للنجاح المحلي، والإشادة العالمية بمنتجها M-Pesa للأموال المحمولة.
وقد شهدت نيجيريا إقبال عدد من مؤسسات الاستثمار في التكنولوجيا الناشئة وزيارات متكررة لقادة كبريات الشركات التكنولوجية العالمية الذين يختارون البلاد كمركز للنمو الرقمي في القارة.
وقُدّرت حصيلة تغطية “تك كرانتش” عن نيجيريا لعام 2019م للاستثمارات المرتبطة بالتكنولوجيا المالية في نيجيريا بحوالي 400 مليون دولار على مدار 12 شهرًا الماضية؛ ما يعادل ثلث جميع رأس المال المخاطر (VC) للشركات الناشئة في القارة بأكملها في عام 2018م.
كما أن نيجيريا تتمتع بوجود شركات ناشئة وشركات مالية كبرى على أراضيها – كـ OPay و PalmPay وحتى Visa. بل إنَّ اتخاذ المستثمرين نيجيريا مقرًّا لعملياتهم المالية الرقمية واستراتيجيات التوسع في إفريقيا، يعطي فكرة عن التوقعات الإيجابية لنيجيريا في مجال التكنولوجيا في عام 2020م.
“إن صناعة التكنولوجيا المالية النيجيرية واحدةٌ من أكثر الصناعات تقدمًا في إفريقيا، إلى جانب كينيا وجنوب إفريقيا”؛ هكذا أوضح مؤسس شركة ChipperCash ، حام سيرونغوغي، لـ “تك كرانتش” في مايو الماضي عن أهمية عملهم في نيجيريا. وأضاف: “نيجيريا هي أكبر اقتصاد والأكثر اكتظاظًا بالسكان في إفريقيا”.
وبناءً على ما سبق، يُتوقَّع أن تجذب نيجيريا اهتمامًا أكبر في عام 2020م؛ بعد تنفيذ مشاريع البنى التحتية التي تعهدت حكومة الرئيس “بخاري” بإنهائها، وإصدار مشاريع القوانين المتعلقة بالتمويل والضرائب في نيجيريا. أما المستثمرون الأجانب؛ فستكون اهتماماتهم في التطورات والمستجدات التكنولوجية في البلاد، وحصيلة استثمارات الشركات الأوروبية في صناعة الأفلام النيجيرية.