شهدت القارة الإفريقية اتجاهًا متزايدًا نحو إنشاء تجمعات إقليمية أو تفعيل القائم منها، وذلك – وفق المنطق السائد فى القارة – لمواجهة التحديات الجديدة التي تفرضها حالة تهميش القارة، وكذلك تداعيات العولمة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا.
في هذا السياق جرت محاولات لإنشاء وتطوير تجمعات مثل: الكوميسا، الإيكواس، السادك، الجماعة الاقتصادية الأفريقية، كما تم تطوير منظمة الوحدة الأفريقية لتصبح الاتحاد الإفريقي الذي تم إقراره فى قمة لومي (يوليو 2000)، وإعلان قيامه في قمة سرت الثانية (مارس 2001) وتدشين أول قمة له في يوليه 2002 بمدينة ديربان بجنوب أفريقيا.
إن خريطة تلك التجمعات تشير إلى زحام اقتصادي إقليمي على الساحة الإفريقية، يرتبط بأهداف كبرى يوجد خلاف حول تقييم ما أدت إليه فعليا على الأرض، فهناك من يقلل من أهمية تلك التجمعات على أساس أنها تعكس نفس خبرة الفشل العربي، وهناك من يقرر أنها قد تكون أكثر انضباطا من الناحية التنظيمية، ويمكن أن تمثل قاعدة جادة للتعاون، ويبدو أن المسألة ترتبط بظروف كل حالة على حدة، رغم وجود سمات عامة تشير أيضا إلى مشاكل حادة.
ويحاول هذا التقرير إلقاء الضوء على تلك التجمعات من حيث النشأة والأهداف ومدى اتساقها مع الواقع الإفريقي على المستوى الاقتصادي، كخطوة أولى لتقييم أداء منظمات نسمع يوميا عن نشاطات لها دون إدراك لما إذا كان ذلك يفرز نتائج حقيقية أم لا؟
ومن هذه التجمعات الكوميسا والتي تم توقيع معاهدة إنشاء الجماعة في مايو عام 1975 وضمت كلا من (بنين،بوركينافاسو، توجو، جامبيا،غانا، غينيا، غينيابيساو،كوت ديفوار،سيراليون، السنغال، ليبيريا،مالي،موريتانيا، نيجيريا، النيجر). وقد دخلت المعاهدة حيز التنفيذ فى نوفمبر عام 1976، وانضمت دولة الرأس الأخضر إلى الجماعة عام 1977 وانسحبت الدولة العربية الوحيدة من التجمع مؤخراً .
وقد قامت نيجيريا بدور رئيسي في تكوين الجماعة إذ قامت بمساع إقليمية لإقناع الدول بالانضمام لهذه المنطقة حيث قامت بتقديم الدعم المعنوي (الدبلوماسي) والمادي (المنح والقروض والمعونات) للدول الأكثر فقراً في الإقليم، وتهدف الجماعة إلى تحقيق التعاون والتنمية الزراعية فى كافة مجالات النشاط الاقتصادي بخاصة في مجال الصناعة والطاقة والنقل والاتصالات السلكية واللاسلكية، العمل على تنمية العلاقات التجارية والاستثمارية بين الدول، تقوية العلاقات بين الدول ككل في إطار التنمية الاقتصادية للقارة الأفريقية.
وفي 21 / 12 / 1981 تم التوقيع على اتفاقية منطقة التجارة التفضيلية لدول شرق وجنوب أفريقيا PTA –Preferential Trade Area ودخلت حيز التنفيذ في 30 / 9 / 1982.
اتفاقية الكوميسا كمنطقة تجارة تفضيلية تهدف للوصول لإقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء لتتطور لتصبح اتحادا جمركيا ثم سوقاً مشتركة . حيث يصل إجمالي عدد سكان دول الكوميسا إلى 472,1 مليون نسمة عام 2006 ، ويبلغ إجمالي الناتج المحلى لها 256 مليار دولار عام 2005 ، ويبلغ متوسط نمو الناتج المحلى لدول الكوميسا 4و4%عام 2005
نتيجة للنجاح الذي حققته هذه الاتفاقية قررت الدول الأعضاء تطوير التعاون فيما بينهم وذلك بإقامة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا COMESA كخطوة جديدة نحو تحقيق الجماعة الاقتصادية الأفريقية وتم توقيع الاتفاقية في 8 / 12 / 1994 لتحل السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا محل اتفاقية منطقة التجارة التفضيلية PTA.
مدة الاتفاقية
سارية إلا إذا قررت هيئة رؤساء الدول والحكومات إلغاؤها بناءً على توصية المجلس الوزاري.
الأهداف الرئيسية للسوق المشتركة
1- التوصل إلى النمو المتواصل والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء وذلك عن طريق تشجيع هيكل إنتاج وتسويق متوازن ومتناسق.
2- دفع عجلة التنمية المشتركة في كافة مجالات النشاط الاقتصادي وكذا التبني المشترك لسياسات الاقتصاد الكلي وبرامجه وذلك لرفع مستويات المعيشة السكانية وتشجيع العلاقات الحميمة بين الدول الأعضاء.
3- التعاون في خلق مناخ مواتي للاستثمار المحلي والأجنبي والعابر للحدود.
4- التعاون في تعزيز العلاقات بين السوق المشتركة وبقية دول العالم.
5- التعاون في مجال دفع مسيرة السلام والأمن والاستقرار بين الدول الأعضاء وذلك لتقوية أواصر التنمية الاقتصادية في المنطقة.
الدول الأعضاء
تضم الكوميسا في عضويتها 20 دولة بيانها كالتالي:
مصر ، ليبيا ، أنجولا، بوروندي، جزر القمر، جمهورية الكونغو الديمقراطية، جيبوتي، اريتريا، إثيوبيا، كينيا، مدغشقر، ملاوي، موريشيوس، ناميبيا، رواندا ، السودان، سوازيلاند، أوغندا، زامبيا، وزمبابوي.
( مع ملاحظة انسحاب تنزانيا من الاتفاقية في سبتمبر 2000) .
– وقعت 9 دول من الدول الأعضاء في الكوميسا بتاريخ 31/10/2000 على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة بينها هي: ( مصر / وكينيا / السودان / موريشيوس / زامبيا / زيمبابوي / جيبوتي / ملاوي / مدغشقر) ، وانضمت إليهم رواندا و بوروندي فى 1/1/2004 حيث تقوم تلك الدول بمنح إعفاء تام من الرسوم الجمركية المقررة على الواردات المتبادلة بينها شريطة أن تكون تلك المنتجات مصحوبة بشهادة منشأ الكوميسا.
– يمكن الاستفادة من الإعفاءات المتبادلة حيث أن هناك إحدى عشرة دولة قد انضمت إلى منطقة التجارة الحرة التابعة للكوميسا وتقوم تلك الدول بمنح وارداتها من الدول الأخرى إعفاء تاماً ، بالإضافة إلى وجوب تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع باقي الدول الأعضاء .
– يمكن الاستفادة من هيكل واردات الدول الأعضاء حيث تُقبل تلك الدول على استيراد العديد من السلع التي تتمتع بها أي دولة بميزة عالية في إنتاجها .
– يتضح من هيكل إنتاج الدول الأعضاء أنها دولاً تعتمد على تصدير خامات ومواد خام وسلع رئيسية مثل النحاس والبن والشاي والجلود الخام و الماشية اللحوم و السمسم و الذرة والتبغ وهي سلع هامة يؤثر منحها الإعفاء على رفاهية المستهلك .
– الاستفادة من المساعدات المالية التي يقدمها بنك التنمية الإفريقي وغيره من المؤسسات المالية الدولية في مجال تنمية الصادرات إلى دول إفريقيا .
– تنص المادة 158 من اتفاقية الكوميسا على تشجيع التعاون في مجالات الاستثمار و كما تنص المادة 164 على تحرير التجارة في الخدمات مما يتيح الفرصة لتصدير الخبرات الفنية خاصة في مجال التجارة في الخدمات .
– تنص الاتفاقية على إقامة نظام متقدم لتبادل المعلومات داخل الدول الأعضاء.
– هناك مكاسب أخرى ناجمة عما تضمنه الاتفاق في مجال التعاون الصناعي والزراعي وكذا في مجال النقل والمواصلات.
وقد حقق التجمع عددا من الخطوات لتدعيم جهوده التكاملية، وكان من أبرزها:
ـ في أكتوبر عام 2000 وفى قمة لوساكا، تم إنشاء منطقة تجارة حرة خاصة انضمت إليها بعض دول التجمع، حيث تم إلغاء الرسوم الجمركية للسلع المتداولة فيما بين هذه الدول.
– من المنتظر بحلول سبتمبر 2008 أن يدخل أيضا الاتحاد الجمركي حيز التنفيذ متأخرا عن موعده الأصلي، الذي كان محددا له عام 2004 وذلك بسبب الخلافات بشأن التعريفات الجمركية، حيث اعترضت بعض الدول الأعضاء على خفض التعريفات الجمركية على الواردات وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الجمركي يمهد لإنشاء اتحاد مدفوعات ينتهي بإقامة وحدة نقدية وعملة موحدة (عام ـ 2025) وصولا إلى الهدف المنشود وهو إقامة وحدة اقتصادية كاملة.
وقد نفذت الكوميسا نحو 70% من البروتوكولات المتعلقة بإزالة القيود على التأشيرات بين أعضائها.
ومن أهم التحديات التي تواجه التجمع في المرحلة المقبلة كيفية تأهيل البنية الأساسية لمتطلبات التجارة البينية والتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، حيث إن استكمال المشروعات المتعلقة بها سيسهم في خفض تكلفة الاستثمار بين الدول الأعضاء.
وهناك أيضا تحديات تتعلق بنقص الطاقة والمياه ومعوقات التمويل الاستثماري وندرة النقد الأجنبي، نظرا لتخلف القطاع المصرفي في العديد من دول الكوميسا، مما قد يعرقل عمليات التصدير والاستيراد.
فضلا عما سبق، هناك التحديات السياسية التي تتعلق باستتباب الأمن والسلام في بعض دول الكوميسا، وفى مقدمتها أزمة دارفور شرق السودان، والتوتر الإريتري ـ الإثيوبي، ثم التدخل الإثيوبي في الصومال في ديسمبر 2006، وما قد يثيره ذلك من توتر مع دول أخرى ذات مصالح في المنطقة مثل جيبوتي وإريتريا.
المصادر
مركز الأهرام الاستراتيجي
موقع الاتحاد الأفريقي
موقع جوريسبيديا القانون المشارك