نشرت مؤسسة “كونراد إديناور/ Konrad Adenauer Stiftung” الألمانية تقريرًا أعده “لوكاس كوبفرناجيل/Lukas Kupfernagel “، رئيس مكتب مؤسسة “كونراد أديناور” في إثيوبيا والاتحاد الإفريقي، يستعرض الفرص التي تتمتع بها اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، وما لديها من قدرة على قيادة القارة الإفريقية نحو مستقبل اقتصادي مثمر، من شأنه أن يؤثر بالإيجاب على أكثر من 1.2 مليار شخص؛ حيث وقَّعت 54 دولة على الاتفاقية منذ عام 2018م. ولكنّ هناك تحديات عديدة تحول دون تنفيذ بنود الاتفاقية سريعًا، الأمر الذي يطرح تساؤلًا مهمًّا، ألا وهو: إلى أين ستقود اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية مستقبل القارة؟
بقلم: لوكاس كوبفرناجيل
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
إن دعوة إفريقيا إلى تَحمُّل قدر أكبر من المسؤولية وتقرير المصير يمكن سماع أصدائها في مختلف أنحاء القارة، سواء في الجزائر أو أكرا أو أديس أبابا. وفي الوقت الذي صِيغَ فيه شعار “حلول إفريقية لإشكاليات إفريقية” كأساس للعمل المشترك بهدف الحدّ من النفوذ الأجنبي في الصراعات، طوَّر الاتحاد الإفريقي مشروعًا ملموسًا يهدف إلى قيادة إفريقيا إلى الرخاء المُستدام: ألا وهو تدشين منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية؛ كحجر أساس لهذا المشروع ضمن أجندة 2063م القارية. ومن المُقرَّر أن تفتح أغلب الدول الإفريقية أسواقها أمام بعضها البعض في غضون العقود القليلة المقبلة؛ من أجل ضمان تبادُل سَلِس للسلع والخدمات، وهو مشروع طموح من شأنه أن يؤسّس أكبر منطقة تجارة حرة في العالم.
ولكن في ضوء الأزمات المتعددة والعلاقة الصعبة مع دور المنظمات متعددة الأطراف في القارة، بدأت الأصوات الأولى تنسحب من اتفاقية التجارة الحرة. ولكن ما هو الوضع الحقيقي للمشروع المحوري للاتحاد الإفريقي؟ وكيف يمكن أن يؤثر تنفيذه على مستقبل القارة قاطبة؟ وما هي الخطوات التي يتم اتخاذها لتحقيق هذا الهدف على أرض الواقع؟
من الحمائية إلى التجارة الحرة
منذ تأسيس الجماعة الاقتصادية الإفريقية -المعروفة باسم معاهدة أبوجا- في عام 1991م، شنَّت العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي والمؤسسة التي سبقته حملةً من أجل تحقيق تكامل اقتصادي أكثر شمولية في القارة. ولا تزال القارة هي الأقل تكامُلًا على مستوى العالم. وبالنسبة للدول الإفريقية الأقوى اقتصاديًّا، كان وما يزال الأكثر ربحية أن تتاجر مع دول في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
ويقابِل ذلك تطلعات إلى مزيد من التمثيل الإفريقي في قضايا السياسة الاقتصادية العالمية. وعقب المفاوضات في جوهانسبرج وكيجالي، قررت جميع الدول الأعضاء، باستثناء إريتريا في عام 2018م، إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وفتح أسواقها تدريجيًّا أمام بعضها البعض. وبحلول عام 2063م، سوف يجري التخلص مما يصل إلى 90 في المائة من التعريفات الجمركية، وسيؤدي التبادل الاقتصادي إلى خلق المزيد من فرص العمل، ومكافحة الفقر، وستصبح إفريقيا مُحركًا اقتصاديًّا عالميًّا، وسيرتفع الناتج المحلي الإجمالي التراكمي لإفريقيا ليصل إلى 3.4 تريليون دولار أمريكي، وسيرتفع إجمالي الدخل بمقدار 450 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2035م، وسيُنتشَل ما يصل إلى 30 مليون مواطن إفريقي من براثن الفقر المُدقع. وفي قطاع التصنيع وحده، ستتوافر 16 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2063. باختصار: سوف تكون هناك آليات لمكافحة العديد من الإشكاليات بفضل تدشين مشروع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية العملاق.
اتفاقية التجارة الحرة والتنمية الاقتصادية للقارة
*حرية التنقل
ستظل القارة الإفريقية هي القارة الأكثر شبابًا من الناحية الديموغرافية في المستقبل المنظور؛ إذ يقل متوسط أعمار سكانها قليلًا عن 19 عامًا، ويبلغ معدل نمو سكانها 2.4% سنويًّا، كما سيبلغ تعدادها 4.5 مليار شخص بحلول عام 2050م. وهذه الأرقام إنما تحمل مؤشرات ومخاطر في آنٍ واحدٍ على صعيد النمو الاقتصادي في إفريقيا.
في الوقت الراهن، يمكن ملاحظة أن دول القارة الأقوى اقتصاديًّا تُسجّل نموًّا سكانيًّا أقل، فيما تشهد وسط أوروبا معدلات مماثلة في غضون العقود المقبلة. كذلك تعد هجرة العِمالة المُدرَّبة تدريبًا جيدًا من هذه البلدان إلى المدن الاقتصادية الكبرى في العالم ظاهرة مثيرة للقلق في ضوء المناقشات الحالية حول “هجرة العقول مقابل اكتساب العقول”. كما أن هناك فرصة أن تُعوِّض هجرة العمالة داخل إفريقيا مثل هذا التراجُع.
تُظهِر تجربة الاتحاد الأوروبي أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية يمكن أن تعمل بشكل أكثر فعالية في حال ضمان حرية تَنقُّل مواطنيها. وحتى لو لم يتمكن الاتحاد الإفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية من ضمان ذلك، فقد تم بالفعل تدشين مبادرات أولية في بعض المناطق؛ مثل مجموعة شرق إفريقيا، لفتح الأبواب والمنافذ أمام المواطنين في قارة عُرِفَت، على مدار عقود، بكونها لا تحظى بالتكامل إقليميًّا، فيما تشير مبادرات أخرى، مثل تلك التي قام بها رئيس كينيا، ويليام روتو، الذي ألغى متطلبات التأشيرة لكينيا كأول دولة في العالم في مطلع عام 2024م؛ إلا أنه على الرغم من الحماية الاقتصادية، فإن شعورًا بانتماء إفريقي يتزايد في بعض الدول بما يتجاوز النقاشات المناهضة للاستعمار. إن مُدنًا مثل “نيروبي” و”كيب تاون” و”أكرا ” أصبحت بالفعل تمثل بوتقة تنصهر فيها الثقافات الإقليمية ولديها القدرة على التطور والتحول إلى مدن اقتصادية وإبداعية إفريقية.
وفي الوقت نفسه، لا ينبغي تجاهُل مخاطر حرية التنقّل. فمن المؤسف أن الجريمة المنظمة والميليشيات والمنظمات الإرهابية لا تزال تهيمن على المناقشات والحياة اليومية لدى الكثير من المواطنين في منطقة القرن الإفريقي ومنطقة الساحل وخليج غينيا. إن عودة ظهور ميليشيا الشباب في الصومال وخططها لإقامة دولتها في “قلب الصومال” المُعلن ذاتيًّا، والذي يشمل أجزاء من كينيا وإثيوبيا وجيبوتي، باستخدام القوة المُسلحة والهجمات، المُموّلة من التهريب والابتزاز، تُقوِّض الجهود الحالية التي تبذلها مجموعة شرق إفريقيا لإلغاء متطلبات التأشيرة بين أعضائها.
وبعيدًا عن المخاطر السياسية والأمنية، تسود الشكوك والرفض لفكرة حرية التنقل في بعض البلدان، خاصةً في شمال إفريقيا. فقد أعقب التصريحات العنصرية والشعبوية للرئيس التونسي “قيس سعيد” في خريف 2022م وصيف 2023م اشتباكات عنيفة بين التونسيين ومجموعات المهاجرين في العاصمة تونس ومدينة صفاقس الساحلية.
ويمكن ملاحظة ظواهر مشابهة في جنوب إفريقيا في عام 2022م؛ حيث سقط مواطنو زيمبابوي ونيجيريا، تحديدًا، ضحية لحملات معادية للأجانب وهجمات اضطهاد. من ناحية أخرى، تحاول إثيوبيا، وهي بلد الانطلاق والعبور ووجهة لمختلف حركات الهجرة، أيضًا السيطرة على أعداد اللاجئين من إريتريا والسودان المجاورتين في ظل وضع اقتصادي أكثر صعوبة.
وتعكس هذه الأمثلة من شمال وشرق إفريقيا أن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للاستفادة الكاملة من التأثيرات الإيجابية لحرية تنقُّل الأفراد. وكذلك يجب إيجاد حلول مقبولة لمثل هذه التحديات بهدف تعزيز حرية التجارة بين البلدان الإفريقية، التي لا تزال أقل من المتوسط ولا تمثل سوى 15% من إجمالي التجارة الإفريقية.
* المرونة الاقتصادية من خلال القطاع الخاص المبتكر
“حلول إفريقية لإشكاليات إفريقية”– يُصادِف زُوار العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” هذا الشعار بمجرد وصولهم إلى المطار الدولي. وفي مدن إفريقية كبرى أخرى، تترسخ هذه الشعارات في الأذهان بواسطة رسومات على الجدران أو من خلال عبارات تَتردَّد كالأقوال المأثورة على لسان كبار السَّاسة في المؤتمرات الدولية.
ومن خلال الانضمام إلى مجموعة العشرين، حدد الاتحاد الإفريقي هدفًا لنفسه بأن يُمثِّل صوتًا أقوى على مستوى العالم من أجل معالجة التحديات القارية بطريقة أكثر تنظيمًا. وانطلاقًا من هذا الهدف، يمكن النظر إلى إنشاء منطقة التجارة الحرة لتعزيز مرونة المجتمعات الإفريقية باعتبارها خطوة مهمة على هذا الطريق تهدف إلى تمكين الاتحاد الإفريقي أيضًا من التحرر من الاعتمادية (النقدية) على المانحين الخارجيين. كما يسعى الاتحاد الإفريقي إلى تعزيز قدرته على جذب الدول الأعضاء؛ حتى يزيد من فرص تحويل مساهماتهم في الوقت المحدد، وذلك من شأنه أيضًا أن يُعزّز الاستقلالية النقدية.
إن تعزيز القطاع الخاص والهروب المرتبط به من سيطرة الدولة القائمة غالبًا على الشركات يخلق ديناميكيات جديدة تتعلق بمصير الأفراد. لقد نشأت نُخَب جديدة مترابطة على مستوى العالم تنقل خبراتها من المدن الكبرى؛ مثل سنغافورة أو دبي أو نيويورك إلى بلدانها الأصلية. وبفضل الشبكات والأفكار ورأس المال الأولي اللازم، أصبح الجيلان الثاني والثالث هما اللذان يستثمران في بلدان آبائهما وأجدادهما حاليًّا. وهذا يحدث بالفعل، ولكن يجب تعزيز هذه المبادرات، بشكل نشط. لقد أظهر تخصيص الاتحاد الإفريقي قسمًا مستقلًا لقضايا الشتات مدى أهمية هذه الجهات الفاعلة فيما يتعلق بمستقبل القارة.
هناك أيضًا اهتمام بالعمل من أجل مستقبل بلدان المنشأ بما يتجاوز مسألة التحويلات المالية، ولكن يبقى تجاوز الإجراءات الإدارية الصارمة، لكنها مهمة صعبة، في الوقت الراهن، وينبغي معالجتها على الصعيدين الوطني والقاري. ويشمل ذلك خطوات قد تبدو ضئيلة، لكنها فعَّالة، تتمثل في التأشيرات الإلكترونية في العديد من دول القارة الإفريقية، مما يسهل على رواد الأعمال السفر والتنقل بحرية داخل إفريقيا. وفي تقرير عام 2023م، رجح المنتدى الاقتصادي العالمي أن رواد الأعمال الشباب من أصل إفريقي هُم الذين سيقودون برنامج تنفيذ منطقة التجارة الحُرة القارية الإفريقية. علاوةً على ذلك، شهدت القارة أيضًا معدلات متزايدة من التصنيع منذ عام 2010م، وهو بمثابة شرط أساسي لخلق سلاسل القيمة والتنويع الاقتصادي.
وعلى الرغم من كافة المعوقات الجغرافية أو الثقافية أو اللغوية، توجد مبادرات متباينة يقودها الاتحاد الإفريقي والقطاع الخاص بغرض خلق شبكات أقوى بين الجهات الفاعلة في القطاع الخاص. فعلى سبيل المثال، يوفر معرض التجارة البينية الإفريقية فُرصًا للتغلب على العوائق التاريخية. ويبدو التبادل البسيط للخبرات وتسهيل سُبل التجارة عبر الحدود مع الحد من عراقيل البيروقراطية أمرًا مطلوبًا في الوقت الحالي، ومن شأنه أن يزيد من فرص الرخاء ويخلق بيئة سريعة التطور وأكثر استجابة للصدمات الاقتصادية والسياسية والبيئية.
لقد أطلق الاتحاد الإفريقي، تحت رعاية المفوض، ألبرت موشانجا، العديد من المشاورات وما يُسمَّى بـ “اللجان رفيعة المستوى” لإشراك القطاع الخاص على المستوى القاري. وقد أظهرت المناقشات في نيروبي والجابون أن الشركات الأكبر حجمًا، لديها توقعات بوجود فرص مواتية للتوسع في حال كان الإطار المؤسسي أكثر ملائمة.
* الاعتماد المتبادل كحافز للسلام
على الرغم من أن مبدأ الحزب الاجتماعي الديمقراطي في ألمانيا “التغيير من خلال التجارة” أصبح منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا أكثر من مجرد موضوع للنقاش، إلا أن هناك توافقًا بين الخبراء في القارة الإفريقية على أنه يمكن احتواء الصراعات بين الدول، والحد من احتمالات وقوع أعمال عنف متجددة؛ من خلال تعزيز العلاقات التجارية. لهذا السبب، تتزايد المبادرات التي تهدف إلى إشراك القطاع الخاص في عمليات بناء السلام، وكذلك إعادة دمج بؤر الصراع سريعًا في شبكات التجارة.
إن الاهتمام المشترك بالاستخدام السلمي لطرق التجارة سيقلل من مخاطر الصراع المسلح داخل الدول وبينها. بدورها، أكدت مديرة صندوق السلام التابع للاتحاد الإفريقي، داغماويت موجيس، أن التكاليف التي تتحملها الأطراف عند اندلاع الصراعات سترتفع للغاية مع تعزيز التكامل الإقليمي، مما سيجعل السلام والأمن أكثر جاذبية. وعلى قارة تصدرت، في السنوات الأخيرة، عناوين الأخبار جراء الانقلابات والحروب الأهلية والأزمات، أن تنظر إلى تعزيز التكامل الإقليمي بواسطة سياسات تجارية قارية باعتباره بديلًا مُرحَّبًا به من شأنه أن يُعزّز فرص الاعتماد المتبادل.
إن رغبة الاتحاد الإفريقي في تحديد التجارة باعتبارها محورًا أساسيًّا داخل أجندة 2063م، ومفتاحًا لتنمية القارة تتجلى بوضوح عند النظر إلى أوراق العمل والإستراتيجيات الصادرة عن الهيئات المختلفة. والآن يتعيّن على الدول الأعضاء ومؤسسات الاتحاد الإفريقي كسر التبعيات القديمة في العلاقة بين الأمن والتجارة وإيجاد إستراتيجيات بديلة يمكن من خلالها للأمن الشمولي أن يصبح ذا تأثير إيجابي على العلاقات التجارية، ويمكن للعلاقات التجارية بدورها أن تؤدي إلى إرساء بنية أمنية أكثر استدامة في الدول الأعضاء.
*من التكامل الإقليمي إلى هوية إفريقية
لم يتمكن الاتحاد الإفريقي، حتى الآن، من تحقيق هدفه المتمثل في أن يُنظَر إليه ككيان مُوحَّد بسبب إشكاليات متعددة. ففي الوقت الذي حققت فيه بالفعل بعض المجموعات الاقتصادية الإقليمية؛ مثل مجموعة إيكواس أو مجموعة شرق إفريقيا بعض قصص النجاح الصغيرة، لا تزال تبدو الصورة العامة للتكامل الإفريقي غير مُرضية إلى حد كبير في الوقت الراهن. كذلك يتركز النقل البشري على عدد قليل من المحاور، فيما تعوق العودة إلى إستراتيجيات تعزيز الهويات الوطنية استغلال الإمكانات المتاحة على أكمل وجه. علاوة على أن الانقسامات بين الشمال والجنوب -التي زادت حدتها بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة- أصبحت صارخة. ستُشكل المجتمعات الاقتصادية الإقليمية المعززة وسيلة لتجاوز الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة. وفي ظل الضغوط المتزايدة التي تواجهها حاليًّا، ستكتسب أهمية أكبر، وبالتالي يجري تعزيزها مؤسسيًّا حتى يتم تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بالكامل.
ما الذي أعاق تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية؟
على الرغم من أن تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لا يزال على قائمة أولويات الاتحاد الإفريقي، إلا أن مراحل التنفيذ تباطأت. وفضلًا عن التحديات العالمية التي صعَّبت مراحل التنفيذ، ظهرت أيضًا مشاكل هيكلية عرقلت خطط النجاح المتوقعة.
* عواقب الجائحة
لقد ضربت جائحة كورونا القارة الإفريقية بشدة، مما أدى إلى تعميق الانقسام الاقتصادي داخل إفريقيا، بحسب ملاحظة المحللة “أنابيل جونزاليس”. وكان لا بد من تأجيل تنفيذ الاتفاقية، التي خُطِّط لتنفيذها فعليًّا، بشكل طموح، خلال صيف 2020م. بالإضافة إلى ذلك، تحوَّلت دفة التركيز وتدفقت الأموال (المُخفَّضة) من المانحين نحو مجالات أخرى مثل الكشف المبكر عن الأزمات أو القطاع الصحي. كما أدَّى إغلاق الحدود والموانئ والمطارات المغلقة إلى تقييد التجارة الهشَّة بالفعل بين الدول الإفريقية.
*مسألة القدرة التنافسية
تتطلب المنافسة المفتوحة وجود عدد كبير من الشركات التي تعمل -بدافع المنافسة- على تزويد السوق بكمية هائلة من المنتجات أو الخدمات. ومِن ثَم عليها أن تعمل باستمرار على هيكلة نفسها من أجل الحفاظ على قدرتها التنافسية. ولكن تكمن المشكلة في أن المنافسة الجادة تكاد تكون مَعدومة في العديد من بلدان القارة الإفريقية. ففي كثير من الأحيان، تهيمن الشركات المملوكة للدولة على قطاعات بأكملها، الأمر الذي يجعل من المستحيل تقريبًا على الشركات الخاصة أن تكتسب موطئ قدم ناجح في السوق. وغالبًا ما تكون الشركات المملوكة للدولة “أكبر من أن يُسمَح لها بالإفلاس”، ولكنها تتكبَّد الخسائر على مدار سنوات، وبالتالي تثقل كاهل ميزانيات الدولة. وبسبب المخاوف من إمكانية بيع المشاريع الوطنية المرموقة مثل؛ الخطوط الجوية لجنوب إفريقيا إلى مستثمرين أجانب، وبالتالي خسارة جزء من الهوية الوطنية، يتجنَّب صُنّاع القرار إجراء التغييرات الضرورية في التوجهات. وفي الوقت نفسه، أظهرت الموجة الأولى من الخصخصة في بلدان مثل؛ نيجيريا أن التحرير بأيّ ثمن يمكن أن يكون غير ذي جدوى وربما أيضًا يُضعف الدول من حيث القدرة التنافسية. ويحتاج كلّ من الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء إلى إيجاد أرضية مشتركة مقبولة هنا لفتح الأسواق، وتعزيز القطاع الخاص، ولكن في الوقت نفسه تحتاج إلى الحفاظ على التوازن.
*القارة الإفريقية – معضلة جغرافية ولوجستية وبنيوية
ليس من المُستغرب أن اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي تغطي مساحة 30 مليون كيلو متر مربع و54 دولة ليست بالمهمة السهلة، فهناك 15 دولة في القارة بمثابة دول حبيسة لا تُطلّ على منافذ مائية. وفي بعض دول الساحل، يبعد أقرب ميناء أكثر من 2000 كيلو متر، مما يعني أن جزءًا كبيرًا من التجارة يكون إما عن طريق البر أو عن طريق الجو. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأنهار الكبيرة في القارة الإفريقية غير مناسبة للنقل الداخلي، وباقي مساحة القارة عبارة عن صحاري وغابات كثيفة.
وعلى الرغم من أن البنية التحتية الضعيفة عبر إفريقيا؛ إلا أنها لا تزال تعتبر واحدة من أصغر العقبات، ومع ذلك لا ينبغي إهمالها. ومن الأمثلة على ذلك: مشروع الميناء الطموح في مدينة “بربرة” الصومالية، والذي يُنظر إليه على أنه بديل لميناء جيبوتي، خاصة بالنسبة لإثيوبيا، الدولة غير الساحلية الأكثر اكتظاظًا بالسكان في إفريقيا. لقد تم الانتهاء من مشروع الميناء، الذي تُموّله دولة الإمارات العربية المتحدة وتديره شركة موانئ دبي العالمية، منذ فترة طويلة، وكذلك تم الانتهاء من الطريق المؤدي إلى الحدود الصومالية الإثيوبية؛ إلا أن بناء الطريق على الجانب الإثيوبي لم يكتمل بعد بسبب مشاكل سياسية داخلية.
لقد أدت البنية التحتية الضعيفة والتحديات الجغرافية، وكذلك الرسوم الجمركية المرتفعة، والفساد المرتبط بها عند المعابر الحدودية؛ إلى ارتفاع تكاليف الخدمات اللوجستية حتى الآن. وكان يتعين التعامل مع المنتجات التي من المفترض أن تصل من شرق إفريقيا إلى غربها في الموانئ الرئيسية على الخليج العربي وشحنها إما عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط أو حول رأس الرجاء الصالح. كما يرتبط النقل المتّجه إلى البلدان غير الساحلية بجهد كبير لدرجة أن شركات الخدمات اللوجستية لا تُقدّمه، أو تُتيحه بتكاليف مرتفعة للغاية؛ مما يجعل هذا الفرع من التجارة لا يستحق العناء. ووفقًا لمجلة الإيكونيميست، فإن هذا الأمر يتفاقم بسبب المفارقة المتمثلة في أن تجار التجزئة غالبًا ما لا يتمكنون من العثور على شركات الخدمات اللوجستية، في حين يشكو المسؤولون عن الخدمات اللوجستية من وجود الكثير من المساحات الشاغرة. والسبب في ذلك هو اختلال التوازن في حجم التجارة؛ حيث يتم استيراد كميات كبيرة جدًّا (خاصة من خارج إفريقيا)، في حين لا يتم تسليم أيّ صادرات تقريبًا إلى المدن الساحلية. ولهذا السبب فإن السوق لا يكاد يكون مربحًا لشركات الخدمات اللوجستية.
*التجارة الحرة بين الانقلابات والحروب الأهلية
بعد فشل “الربيع العربي” الذي بدأ في شمال إفريقيا في 2010/2011م، وصعود جماعة “بوكو حرام” وما يسمى بـ “تنظيم الدولة” في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، والأداء السياسي والاقتصادي غير المُستقر في العديد من الدول الإفريقية؛ كان من المفترَض أن يكون العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين نقطة تحول تضع القارة على طريق النمو لعقود قادمة. ولكن حتى الآن، اتسم هذا العقد الجديد بالصراعات والانقلابات في القارة الإفريقية، وبالتالي وضع الاتحاد الإفريقي أيضًا على حافة الاضطرابات.
ومنذ عام 2020م، شهدت إفريقيا أكثر من 15 محاولة انقلاب. علاوة على ذلك، فإن النزاعات الداخلية والدولية هي التي تعيق اتخاذ خطوات فعَّالة على طريق تنفذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. تُهدّد المشكلات في منطقة الساحل، التي تُعتبر حلقة الوصل بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، والحرب الأهلية في السودان، والتوترات في القرن الإفريقي، حاليًّا إستراتيجيات التنفيذ الوطنية للاتفاقية، كما تُعيق طرق التجارة ذاتها. ونظرًا لذلك، أثار بعض الخبراء، مثل أحد موظفي اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة والأستاذ النيجيري “أديكي أديباجو”، المخاوف بشأن الصعوبات التي باتت تهدّد تحقيق أهداف اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في الوقت الحالي؛ نظرًا للأزمات الأمنية، وزيادة عدد الانقلابات والصراعات الناشئة بين الدول.
ماذا تعني منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بالنسبة لأوروبا وألمانيا؟
إن المطالبة بـ”حلول إفريقية لإشكاليات إفريقية” واضحة وضوح الشمس ويجب أخذها على محمل الجد. وكذلك اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية هي بمثابة مشروع إفريقي يهدف، أولًا، إلى تنمية القارة الإفريقية، وينبغي أن يدعمه الأفارقة. ومن الصعب إغفال حقيقة أن تدشين منطقة تجارة حرة إفريقية سيكون مفيدًا بدوره لكل من أوروبا وألمانيا.
ففي السنوات الأخيرة، تعالت الانتقادات الموجَّهة للجهات الفاعلة والمانحين الأوروبيين من الجانب الإفريقي. وتمثل الاتهام الأساسي في أن سياسة التنمية الأوروبية والألمانية لا تراعي مصالح البلدان المُتلقية. وفي الوقت نفسه، دارت مناقشات، وخاصة في ألمانيا، حول ما إذا كان ينبغي لسياسات التنمية أن تكون أكثر إستراتيجية وتضع في الاعتبار أولويات ومصالح البلاد الخاصة. ومن ثم، يمكن أن تكون منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية مثالًا محوريًّا على أن المصالح لا يجب أن تتقاطع وتتباعد بالضرورة. بل ويمكن لهذا المشروع أن يلعب دورًا مركزيًّا في خلق علاقة تكاملية بين التنمية والتجارة والسياسة الخارجية.
تعني سياسة تجارية متكاملة وموحدة أيضًا إرساء قاعدة تفاوض أكثر موثوقية بالنسبة للشركات الأوروبية. وتضمن السوق الإفريقية الشاملة تبادلًا مكفولًا بالثقة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة الإفريقية والأوروبية. وفي الوقت الحاضر، لا يستحق الأمر أن تكتسب الشركات الأوروبية موطئ قدم في إفريقيا؛ فالعقبات الإدارية كبيرة للغاية. ومن ناحية أخرى، نادرًا ما تمكنت الشركات الصغيرة والمتوسطة الإفريقية من ترسيخ وجودها في أوروبا.
وفي الوقت الراهن، يتعين على العديد منها أن تأمل في إبرام اتفاقيات ثنائية، فهي تعاني، كما هو الحال في صناعة القهوة، من صعوبات تتعلق بتوجيهات سلاسل التوريد الأوروبية. ومن الواضح أنه لا بد من التوصل إلى حل وسط من أجل أن تصبح الشركات الإفريقية أكثر قدرة على المنافسة وأن تظل كذلك (الشركات الأوروبية). ومن ثم، سوف تضطر زيادة التكامل الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي صانعي القرار إلى خوض مثل هذه النقاشات من أجل الوصول إلى حل وسط.
إن ازدهار القارة الإفريقية اقتصاديًّا لن يُغيّر تطوراتها الديموغرافية المُتوقعة، لكنه سيخلق فرصًا جديدة. ومن شأن أسواق العمل الديناميكية وحرية حركة الأشخاص أن تخلق فرصًا جديدة لتمكين الهجرة النظامية بين البلدان الإفريقية، مع الحد من حركات الهجرة غير النظامية داخل القارة وخارجها.
إن ما يسمى بالفضاء ما قبل السياسي لم يكن موجودًا حتى الآن في القارة الإفريقية. فالجمعيات نادرًا ما تمارس مسؤوليتها السياسية، ولا يوجد سوى تبادل عرضي بين السياسة ورواد الأعمال. وهذا يمثل إشكالية خاصة عندما يتم الشروع في تنفيذ مشاريع ضخمة مثلما هو الحال في منطقة التجارة الحرة وفتح الأسواق بالتشاور مع الشركات. ولهذا السبب، ينبغي تشجيع إنشاء قطاع خاص نشط، ولكن ينبغي أن يسبقه في البداية تدشين فضاء ما قبل سياسي بهدف إيجاد حلول مبتكرة للتحديات الإقليمية والقارية والدولية. وبهذه الطريقة، يمكن صياغة مواقف مشتركة، وتعزيز “الصوت الإفريقي” في قضايا السياسة الاقتصادية، ويمكن أيضًا استخدام المفاهيم الجديدة كحافز لمناطق أخرى من العالم.
كيف يمكننا المساعدة في تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية وما يحدث بالفعل؟
يجب النظر إلى منطقة التجارة الحرة دائمًا من منظور متعدد الأطراف ومن منظور وطني، ويمكن لألمانيا تقديم الدعم في كلا الاتجاهين، وإن كان جزء كبير من الإنفاق المالي والبشري يجب أن يأتي من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي. على المستوى متعدد الأطراف، من المهم مواصلة دعم الاتحاد الإفريقي وأجهزته وتعزيز قدرتها على العمل، فضلًا عن اتباع نهج أوروبي في هذا الصدد من أجل فتح قنوات للمفاوضات المستقبلية بين المؤسستين، وهو ما يخدم المصالح الأوروبية والألمانية أيضًا. ففي أوقات التفكك العام التي تمر بها هيئات متعددة الأطراف، وبالتالي مؤسسات التجارة الكبرى؛ مثل منظمة التجارة العالمية؛ يرغب الاتحاد الإفريقي ودوله الأعضاء في تعزيز التكامل القاري، على الأقل على مستوى السياسة التجارية، وهو توجُّه محمود يجب دعمه. وعلى هذا النحو، تستطيع أوروبا، وقبلها ألمانيا، أن تلعب دورًا رئيسيًّا في المستقبل البعيد وأن تجد شركاء جدد محتملين لتنويع شبكة علاقاتها التجارية.
وتلعب القارة الإفريقية أيضًا دورًا رئيسيًّا في المنافسة على النظام العالمي. ومن حيث الجغرافيا السياسية والسياسة التجارية، تُعَدّ إفريقيا حاليًّا قارة تعيد اكتشاف نفسها ولديها العديد من الخيارات. بالإضافة إلى أوروبا، تبحث دول الخليج العربي والصين وروسيا عن أسواق مبيعات وشراكات إستراتيجية ونفوذ. ومن حيث السياسة الأمنية، ستلعب أوروبا دورًا ثانويًّا في المستقبل المنظور. ولكن من حيث السياسة التجارية، تظل ألمانيا تحظى باحترام كبير في العديد من البلدان وكذلك من قبل الاتحاد الإفريقي.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن مشروع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، على الرغم من أنه مشروع إفريقي بحت، إلا أنه له العديد من أوجه التشابه مع السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن أوروبا وألمانيا شريكان طبيعيان. لذلك، فإن الالتزام الأقوى من جانب أوروبا من شأنه أن يؤدي أيضًا إلى ربط مؤسسة الاتحاد الإفريقي بشكل أوثق بأوروبا. وعلى عكس العلاقات الثنائية للدول الإفريقية -وخاصة مع فرنسا- فإن الاتحاد الإفريقي نفسه يتمتع بمكانة أقوى كشريك وصديق للاتحاد الأوروبي.
في المستقبل، لن تلعب ألمانيا ولا الاتحاد الأوروبي وشركاته أيّ دور في إفريقيا، وخاصةً في مشاريع البنية الأساسية الضخمة. نادرًا ما تستطيع الشركات الأوروبية المنافسة مع الأسعار من الشرق الأوسط أو تركيا أو الصين، وإجراءات المناقصات المُعقدة تعرقل سير المشاريع التي يتعين تنفيذها سريعًا. لذلك من المنطقي الدخول في شراكات مبكرة مع اللاعبين المهيمنين في القارة الإفريقية.
وتشمل الإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت واحدة من أهم شركاء البنية الأساسية للدول الإفريقية في السنوات الأخيرة عبر شبكة كثيفة من الموانئ على الساحل الشرقي لإفريقيا، وتركيا، التي تلعب الآن دورًا مهمًّا؛ بفضل شبكة الطرق المتطورة لشركة الخطوط الجوية التركية وشركة الخطوط الجوية التركية للشحن والعروض التي تتوافق أكثر مع الأسواق في القارة من حيث السعر والأداء مقارنةً بنظيرتها المُنافِسة من أوروبا الوسطى. كما أن هناك حاجة إلى اتباع دبلوماسية تجارية ذكية للاستفادة من هياكل المنافسين والشركاء.
يجب أيضًا أن يكون من الواضح أن تطوير السوق الموحدة يستغرق وقتًا. ويمكن للدول الأعضاء وقطاعاتها الخاصة التي انضمت إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي لاحقًا أن تتبادل تجاربها مع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي وأن تطور منتديات لتقديم المشورة لها بشأن دخول السوق. وبهذه الطريقة، تستطيع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي ليس لها ماضٍ استعماريّ أن تلعب دورًا أكثر نشاطًا في هذه العملية، وأن تزول تهمة “الاستعمار الجديد من الباب الخلفي.”
وعلى المستوى الثنائي، تستطيع ألمانيا المساهمة في تقديم المشورة للجان الوطنية لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وإعداد الدول الأعضاء لخفض تعريفاتها الجمركية تدريجيًّا. ونظرًا لأن جمهورية ألمانيا الاتحادية تقدم بالفعل دعمًا مؤسسيًّا مكثفًا لتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية من خلال الجمعية الألمانية للتعاون الدولي، وهي أكبر جهة مانحة على مستوى العالم، يجب على الجهات الفاعلة الأخرى، وخاصة مراكز البحوث والرأي والجمعيات، وأيضًا الشركات، دعم الشركاء الأفارقة بالمشورة ومنصات المناقشة.
إن توقع الدعم النشط من الشركات الألمانية متوسطة الحجم في هيئة استثمارات يبدو في الوقت الحالي أمرًا غير واقعي. وبما أن القطاع الخاص الألماني يعتبر بشكل عام غير راغب في خوض المخاطر، فربما يتعين حل جميع المشاكل المذكورة أعلاه قبل أن يتسنى الشروع في إجراء أيّ استثمارات كبرى. ومع ذلك، يمكن للشركات متوسطة الحجم تحديدًا أن تعمل كجهة استشارية، وإذا لزم الأمر، بناء جسر اقتصادي بين إفريقيا وألمانيا من خلال مشاريع مشتركة في إطار بيئة محمية.
ما الذي نأمله؟!
لا تزال منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية مشروعًا رائدًا للاتحاد الإفريقي وستحدد، إلى حد كبير، نجاح أو فشل أجندة 2063م. وكذلك يدرك صُنّاع القرار في أديس أبابا والدول الأعضاء هذه الأهمية. نحن لا نزال حاليًّا في بداية مشروع تأخر بسبب جائحة كورونا، لكنه شهد نجاحات أولية من خلال ما يسمى بمبادرة التجارة الموجهة. ومن خلال فكرة خفض التعريفات الجمركية في بلدان مختارة وفي قطاعات مختارة، أثبت الاتحاد الإفريقي قدرته على التحرك على الرغم من التباطؤ العرضي. من ناحية أخرى، تُظهِر دراسة نشرتها مؤخرًا مؤسسة “كونراد أديناور” في إثيوبيا أنه عقب بداية مضطربة، تتطور المبادرة، بوتيرة متلاحقة، إلى مشروع ناجح. وبعد أن خفضت ثماني دول – الكاميرون وغانا ومصر وموريشيوس وكينيا ورواندا وتونس وتنزانيا- التعريفات الجمركية على 96 مُنتجًا، مثل الأواني الخزفية والشاي والقهوة والفواكه المُجففة؛ من المُتوقع أن يصبح إجمالي 31 دولة جزءًا من مبادرة التجارة الموجهة بحلول نهاية عام 2024م.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد اللجان الوطنية في إعداد الاقتصادات والشركات الفردية لسوق حرة، وبالتالي التهيئة لأجواء منافسة أكثر صرامة، وفي الوقت نفسه فتح أسواق مبيعات جديدة. بالتعاون مع أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في أكرا ومفوضية الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا والمانحين العالميين، يتم رسم الإستراتيجيات وإجراء تحليلات التقدم وجمع البيانات من أجل الاستعداد، بشكل مناسب، لتحديات المستقبل.
مع بدء تنفيذ الخطوات الأولى في عام 2021م، ما زلنا في بداية طريق طويل نحو التحرير. ومع ذلك، تم بالفعل اتخاذ قرارات بشأن قضايا مهمة مثل التحكيم واللوائح المتعلقة بوضع العلامات الأصلية على معظم المنتجات وتخفيض التعريفات الجمركية على ما يقرب من 45 منتجًا. ومن المقرر أن يجري تنفيذ معظم القواعد بحلول عام 2034م. ووفقًا لمؤسسة “بروكينجز”، لن يكون هناك تأثير ملحوظ إلا بعد هذا الوقت.
وفي الوقت الحالي، يبدو الطريق وعرًا نحو بناء منطقة تجارة حرة ناجحة تضم جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي؛ فالصراعات المتلاحقة، وعدم قدرة بعض المجموعات الاقتصادية الإقليمية على التصرُّف، وضعف مسارات التكامل الإقليمي، وغير ذلك من القضايا الساخنة التي تبدو أكثر أهمية من التجارة الحرة؛ تطغى على التقارير الصادرة عن القارة الإفريقية والاتحاد الإفريقي. ومع ذلك، فإن نجاحات مبادرة التجارة الموجهة، واستعداد الدول الأعضاء للمشاركة في عملية تصميم منطقة التجارة الحرة، والحاجة إلى اختراق حواجز الانعزالية في العديد من الدول الإفريقية تعطي الأمل في النجاح. ولهذا السبب، سيكون من الحكمة الاستمرار في دعم هذا المشروع بحكمة وصبر، والذي بإمكانه أن يُحقّق نجاحًا عالميًّا من حيث السياسة التنظيمية والتجارية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط التقرير: