كان عُمْر الأوغندي “بوبي واين” أربعَ سنوات فقط عندما تولى “يويري موسيفيني” رئاسة البلاد؛ فهو لم يعرف رئيسًا آخر منذ 33 سنة حتى اليوم سوى “موسفيني”، وما زالت الأوضاع تزداد سوءًا دون تغيير؛ كما عهدها منذ طفولته.
ومنذ أن أعلن “بوبي واين” نيّته الترشّح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في عام 2021م؛ أصبح أكبر تهديدٍ للرئيس “موسيفيني” الذي ينوي البقاء في الحكم، ومواصلة السيطرة على مفاصل الدولة.
وقد ميّز “بوبي واين” قاعدته الشعبية عن غيرها في أوغندا بتبنّي ارتداء قبعة مستديرة حمراء (بيريه)، وهو بهذه الموضة يسلك مسلك المعارض “جوليوس ماليما” الذي يحقّق منذ عام 2012م شهرة واسعة، ويحتلّ مكانة مهمة، ويُعدّ حزبه “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية” (EFF) اليوم أكبر تهديد لحزب “حركة المقاومة الوطنية” (NRM) الحاكم.
على أنّ “بوبي واين” في مهمته للإطاحة بالرئيس، وتحقيق ما لم ينجح فيه أيّ أوغنديّ آخر منذ أكثر من 30 عامًا؛ قد عرَّض حياته للخطر؛ إذ اعتُقِلَ مرارًا وَوُجِّهَت إليه تهمة الخيانة. ومع ذلك يراهن “بوبي واين” على شعبيته الكبيرة في جميع أنحاء البلاد، والتي يتصدّرها الشباب؛ وبعضهم عاطلون عن العمل، أو غير قادرين على الالتحاق بالمدارس والجامعات.
“إننا نعلم أن سلطة الشعب أقوى من الأشخاص الموجودين في السلطة”؛ هكذا قال “بوبي واين” البالغ من العمر 37 عامًا، في مقابلة أُجْرِيَتْ معه في منزله في كمبالا، وأضاف: “لسنا في هذا من أجل الشكلية. نحن في هذا لتغيير بلدنا”.
النشأة والتعبير عن محنة البسطاء:
لم يكن “روبرت كياغولاني” –أو “بوبي واين” كما اشتهر به في المسرح- مجرّد فنّان يسعى إلى تغيير الوضع السياسي الراهن؛ إذ نشأ في حيٍّ فقير بالعاصمة الأوغندية، والتحق بجامعة ماكيريري الرائدة في أوغندا للحصول على درجة البكالوريوس في الآداب.
وقد فطن “بوبي واين” إلى ربط أغانيه بالأوضاع المعيشية، ومعاناة المواطنين، والقضايا السياسية الشائكة؛ الأمر الذي ساعده في أبريل 2017م عندما أعلن ترشُّحه للبرلمان في انتخابات فرعية لدائرة “كيادوندو” الشرقية؛ فجذب انتباه الأوغنديين بسبب حملته القائمة على المشي من بابٍ إلى بابٍ لكسب الناخبين وتوضيح برامجه. وقد فاز في تلك الانتخابات بفارق كبير متغلبًا على اثنين من المرشحين المتمرسين من حزب “حركة المقاومة الوطنية” الحاكم (NRM) وحزب “منتدى التغيير الديمقراطي” (FDC) المعارض الرئيسي.
بعد وصوله إلى البرلمان، استغلّ منصبه كمُشرِّعٍ وأغانيه وخبرته كصاحب أعمال خيرية -خاصة بتسهيل الوصول إلى التعليم وتعليم البنات–؛ للتعبير عن غضب المواطنين البسطاء، وانتقاد الحكومة.
وقد أكسبه كل ذلك لقب “رئيس الفقراء” أو “Ghetto President“، وحصد هو نفسه أكبر النتائج في العامين الماضيين؛ حيث انتقل في عام 2017م من مؤدّي الريغي المشحونة بالسياسة أمام المستمعين والمحبين في منازل مزدحمة، إلى ناشط سياسيّ اتّخذ فنونه كأداة لتبليغ رسالته وإحداث التغيير عبر حركته “سلطة الشعب” (People Power).
“سلطة الناس ليستْ عن بوبي واين أو أيّ شخص. هذا المصطلح لا يشير إليَّ؛ لأنني واحد فقط من بين 40 مليون أوغندي. سلطة الناس هي الجميع؛ هي ذلك المحامي الشاب أو المشرّع أو الشاب في مرحلة Boda Boda (الشاب الذي يكسب قوته من دراجته النارية، أو الذي يركبها) والذي لا يزال عبدًا في بلده. قوة الشعب هي كلنا. سلطة الشعب هي الجميع وليست منظمة سياسية”.
أساليب معتادة أم تكتيكات جديدة؟
يرى البعض تشابهًا بين تكتيكات “بوبي واين” في حملاته وأنماط الرئيس “يويري موسفيني” في أداء اللعبة؛ فـ “بوبي واين” فنان “ريغي” شهير، بينما نُسِبَ أيضًا إلى “موسفيني” في نوفمبر 2010م أغنية “الراب” الشعبية بعنوان “U Want Another Rap“.
غير أن الفرق بين أعمال “واين” وأغنية “موسفيني”؛ أن الأولى بسبب لغتها وطريقة أدائها لقيتْ رواجًا وقبولاً بين الشباب وسكان المدن الأوغندية، في حين كانت أغنية “موسيفيني” بـ “رانيانكور” – وهي لغة يُتحدّث بها غالبًا في المناطق الريفية من البلاد.
إن ما سبق يؤشِّر إلى طبيعة القاعدة الشعبية التي يعتمد عليها الجانبان؛ “بوبي واين” يستهدف بأسلوبه الحديث غالبية السكان بشبابها ورجالها ونسائها وأطفالها، بينما تؤكد كلمات أغنية “موسفيني” القاسية على المقاومة الفردية ومرونة الحياة الريفية.
بل ويمكن فهم طبيعة التحدي بين الاثنين عبر أزيائهما؛ حيث يرتدي كلٌّ منهما قبعة معينة؛ “موسفيني” يرتدي قبعة شمسية واسعة الحافة مع ربطٍ جلدي. مما يعني أن هناك: رجل عجوز مع قبعة البَسْتَنَة العريضة ومنافسه الشاب في قبعة ثورية حمراء.
“هذه (الحركة) ليست سياسة كالمعتاد”؛ هكذا أعلن “بوبي واين” أمام تجمع حاشد في كمبالا في سبتمبر الماضي: “إنها ثورة”.
حملة القمع على المعارضة:
لقد أثبتتْ حركة “بوبي واين” الجامعة لمؤيدين من مختلف الخلفيات والأطياف السياسية أنها بالفعل معضلة للرئيس “موسيفيني”، وأنها تختلف عما واجهه الرئيس في الماضي من حيث هزيمته لأحزاب المعارضة التقليدية. ولذلك يواجه “بوبي واين” عدّة مضايقات وتُهَمٍ وسلسلة اعتقالات. بل ومُنِع من ممارسة مهنته كفنّان في كثير من المناسبات.
وفي حدّ تعبير “بوبي واين” نفسه: “لقد قُدِّم لي العديد من العروض ليجعلوني أحد دُمُياتهم، لكنني رفضتها بشكل قاطع. أخبَرُوني مؤخرًا أنهم سيحظرون عروضي، ويثبطون أعمالي التجارية حتى أُفْلِس.. إنهم يعتقدون خطأً أنه من خلال إيقاف عروضي سيُفْقِرُونني، ويكسرون ثباتي ويُقَوِّضُون قيمي”.
وإذ دعا “بوبي واين” كل مؤيديه وأنصار حملته إلى ارتداء القبعة الحمراء لإظهار إحباطهم من الوضع الراهن؛ فقد لجأت الحكومة إلى تصنيف القبعات الحمراء كملابس عسكرية، وبالتالي سيتم اعتقال أيّ مدنيين شُوهِدُوا وهم يرتدونها.
“الرئيس موسيفيني ونظامه لم يعودوا يرون قوّتهم في إقناع الناس”؛ يقول “بوبي واين” في 13 أغسطس: “إنهم يرون قوتهم في الإكراه. اليوم يمثّل مرور عامٍ منذ محاولة اغتيالي. منذ ذلك الحين تم القبض على الكثير من الناس، واختفى آخرون. وقُتِلَ كثيرون”.
وفي وقت سابق من تجريم القبعة الحمراء، اتهمت الحكومة الأوغندية “بوبي واين” بـ”إزعاج” الرئيس “موسفيني”. فحطَّم القوات الأمنية بعنف تجمعات للمعارضة، وشدّدت الرقابة على وسائل الإعلام، مع تجنيد مجموعات شبه عسكرية للمساعدة في السيطرة على الاحتجاجات؛ وفقًا لعددٍ من المصادر.
بل وأدركت الحكومة الأوغندية الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في أنشطة المعارضين؛ فهي مفتاح نجاح “بوبي واين” الذي يتابع رسائله وفيديوهاته أعدادٌ كبيرة من الأوغنديين داخل البلاد وخارجها. وقد استخدم وجوده شبه اليومي في “تويتر” و”فيسبوك” و”انستغرام” لنشر آرائه حول الأحداث المحلية، وأحدث التطورات حول حركته والتي تصاحبها صورة من مؤيديه يرتدون القبعات الحمراء.
ونتيجة لذلك؛ أعلنت الحكومة عن “ضريبة وسائل التواصل الاجتماعي”، مجبرةً الأوغنديين على دفع 200 شلن (حوالي خمسة سنتات أمريكية) يوميًّا لاستخدام باقة من 60 تطبيق -بما في ذلك “تويتر”، و”واتساب”، و”فيسبوك”، و”انستغرام”- بالرغم من أن 41.7٪ من الأوغنديين في عام 2018م يعيشون على أقل من دولارين يوميًّا.
“بوبي واين” وانتخابات 2021م:
يرى العديد من المحللين الأوغنديين أنّ كل إجراءات القمع التي تقوم بها حكومة الرئيس “موسيفيني” جزءٌ من تكتيكات حزبه “حركة المقاومة الوطنية” (NRM) الحاكم للبقاء في السلطة في انتخابات 2021م القادمة؛ حيث شعر الحزب بدرجة الاستياء العام من حكمه، وتزايد فُرص “بوبي واين” الذي تعهّد بمواجهة الرئيس “يويري موسيفيني”.
وبالتالي، لم يبقَ للحزب الحاكم سوى المحافظة على النظام الحالي بقبضة من حديد وقمع المنتقدين، حتى وإن كان القمع قد يزيد في شهرة المعارضة الأوغندية ودعمها والتعاطف معها. وقد يؤدي القمع أيضًا إلى التمرّد في حال كثرته.
جديرٌ بالذكر هنا أن الرئيس “موسيفيني” استولى على السلطة في عام 1986م، بعد سنوات من الاضطراب السياسي –بما فيها فترة “عيدي أمين دادا” التي تُوصَف دائمًا بـ “الدكتاتورية”-؛ وإذ أعاد تعددية الأحزاب السياسية في البلاد قبل 15 عامًا، إلا أنَّ زعماء المعارضة بمن فيهم “كيزا بيسيجي” يواجهون اعتقالات واعتداءات جسدية متكررة مِن قِبَل السلطات قبيل الانتخابات السابقة على مدى العقدين الماضيين.
“الرئيس عيدي أمين أعلن نفسه رئيسًا مدى الحياة، لكنه لم يمت رئيسًا”؛ هكذا يقول “بوبي واين” الذي أضاف: “لا يمكن قهر القذافي على ما يبدو، ولكنه (أيضًا) لم يمت رئيسًا”.
ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة في أوغندا عام 2021م، يواجه “بوبي واين” نفسه سلسلة انتقادات؛ منها: أنه دمية لقوى خارجية، وأنه يُمَثِّل المصالح الغربية في أوغندا.
وفي المقابل توجد دلائل تشير إلى أن الرئيس “موسيفيني” ربما يستعد لتكثيف الحملة على خصومه ومنافسيه؛ خاصةً وأن الحكومة رفعتْ ميزانيتها الأمنية هذا العام إلى ما يقرب من مليار دولار؛ ليتم إنفاقها على المعدات وتدريب أفراد القوات الأمنية.