نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقيّة العليا، جامعة القاهرة
تمهيد:
مع ما يعصف بالقارة الإفريقية، في الكثير من بقاعها، من اضطرابات وتوترات كمنطقة القرن الإفريقي، تُثار بعض النقاشات عن عمليات بناء وحفظ السلام في إفريقيا، خاصةً تلك التابعة للاتحاد الإفريقي، بدءًا من دوافع ومُحفِّزات تكوينها، وما يُواجهها من تحدّيات ومستجدات، سواء خلال إنشائها أو في مراحل لاحقة عقب نشرها بالفعل.
وفي هذا السياق المتعلق ببعثات بناء وحفظ السلام تأتي أهمية كتاب
“النضال من أجل السلام في الصومال: تاريخ وتحليل أداء بعثة الاتحاد الإفريقي (أميصوم) 2007-2017م“([1])
Fighting for Peace in Somalia – A History and Analysis of the African Union Mission (AMISOM), 2007–2017
للباحث والأكاديمي دكتور “بول دي ويليامز” Paul D. Williams، الذي يُقَدِّم أول تحليل شامل لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم)، وهي العمليّة التي تم نشرها في الصومال عام 2007م، لتحقيق الاستقرار في البلاد والدفاع عن حكومتها الناشئة ضد واحدة من أخطر الجماعات المسلحة في العالم، وهي حركة الشباب.
وعن سبب اختيار “أميصوم” لتكون الموضوع الرئيس للكتاب، يقول “ويليامز” في حوار سابق له: “كانت أميصوم الخيار الأساسي لكتابي، بالنظر إلى خبرتي في عمليات حفظ السلام، التي جعلتني أختار هذه البعثة على وجه التحديد، والتي أصبحت أطول وأكبر بعثات الاتحاد الإفريقي وأكثرها تكلفةً وأكثرها دمويةً؛ لذا استحقت اهتمامًا بالغًا.
كما أصبحت البعثة في أواخر 2000 و2010م أساسًا مهمًّا لمجموعة أوسع من المناقشات الدوليّة، بدءًا من الكيفية التي يُمكِن أن تقوم بها قوات حفظ السلام بمكافحة التمرُّد والإرهاب، وصولًا لتحديات ما أسماها الأمين العام للأمم المتحدة بـ”شراكات حفظ السلام”؛ حيث عمل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي سويًّا لاستمرار عمليات “أميصوم”.([2])
استنادًا لما تم بيانه سيتم تقسيم عرض الكتاب وفقًا للمحاور الرئيسيّة التاليّة:
- أولًا: حول المؤلِّف والكتاب.
- ثانيًا: الأفكار الرئيسية للكتاب:
- الجزء الأول.. قصة السنوات العشر الأولى لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”.
- الجزء الثاني: تحليل التحدّيات العمليّة الستة لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”.
- خاتمة.
أولًا: حول المؤلِّف والكتاب
- عن المؤلِّف:
يعمل الباحث والأكاديمي “بول ويليامز” Paul D. Williams مؤلِّف هذا الكتاب أستاذًا للشؤون الدولية بكلية إليوت، بجامعة جورج واشنطن Elliott School of International Affairs at the George Washington University. وقبل انتقاله إلى كلية إليوت في عام 2006م، كان “ويليامز” عضوًا في هيئة التدريس بجامعة برمنجهام وجامعة وأرويك في المملكة المتحدة University of Birmingham and the University of Warwick in the UK. كما عمل مستشار أول غير مُقيم بالمعهد الدولي للسلام (2011-2019م)؛ حيث أدار مشروعًا عن عمليات حفظ السلام بعنوان “Providing for Peacekeeping Project”. وفي 2014-2015م، كان زميلًا في مركز وودرو ويلسون للعلماء الدوليين Woodrow Wilson Center for International Scholars، وخلال الفترة من عام 2011م إلى عام 2014م عمل أستاذًا زائرًا في معهد دراسات السلام والأمن في جامعة أديس أبابا في إثيوبيا Institute for Peace and Security Studies at Addis Ababa University. كما كان باحثًا زائرًا في جامعة جورج تاون وجامعة كوينزلاند Georgetown University and the University of Queensland. هذا وتركز أبحاثه على الشؤون السياسيّة وفعاليّة عمليات السلام المعاصرة، وديناميكيات الحرب في إفريقيا، والتهديدات الأمنية الناشئة.
- حول الكتاب: الأهميّة والتقسيم
- أهمية الكتاب:
تنبع أهمية هذا الكتاب -الذي استغرق إعداده ما يقرب من أحد عشر عامًا (والبالغ 387 صفحة)- من كونه يضع أساسًا مهمًّا لفهم الجوانب المختلفة لأنشطة بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “AMISOM” The African Union Mission in Somalia خاصةً مع معايشة مؤلِّف الكتاب لأفراد من البعثة الإفريقية بالصومال، وكذلك لمسؤولين بالاتحاد الإفريقي قاموا بمساعدته في إجراء كثير من المقابلات لأشخاص ذوي صلة بالبعثة، كما ساعدوه للوصول إلى الوثائق والمواد ذات الصلة بالبعثةـ مع العلم بأن ذلك لم يؤثر على حيادية الكاتب الذي انتقد خلال هذا العمل بعضًا من سياسات الاتحاد الإفريقي ذات الصلة بالبعثة، مع اعترافه بالامتنان للدعم البنّاء الذي تلقّاه لأكثر من عقدٍ من الزمن من مسؤولي الاتحاد الإفريقي.
- تقسيم الكتاب:
انقسم الكتاب (الذي تألَّف من ثلاثة عشر فصلًا) إلى جزأين أساسيين وخاتمة وعدّة ملاحق؛ حيث ركّز الجزء الأول، الذي تألَّف من 7 فصول، على تتبُّع تطور بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، منذ محاولات تأسيسها وحتى نشرها داخل مقديشيو. أما الجزء الثاني، الذي تألَّف من 6 فصول، فقد ركز على تحليل التحدّيات التي واجهت البعثة، كالتحدّيات المتعلقة بالدعم اللوجستي، إصلاح قطاع الأمن الصومالي، حماية المدنيين، وغيرها. أما الجزء الختامي فقد تناول الكيفية التي ينبغي أن نُقيِّم بها عملية السلام هذه والدروس الرئيسية التي تنبثق عنها. كما أرفق الكاتب عددًا من الملاحق بكتابه حول الجماعات المسلحة الصومالية الفاعلة من دون الدول، والقيادة العليا لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، وأخيرًا: مذكرة بشأن تقديرات بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال للوفيات التي وقعت خلال عمل البعثة.
ثانيًا: الأفكار الرئيسية للكتاب
في كتابه “النضال من أجل السلام في الصومال: تاريخ وتحليل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم)، 2007-2017م”، يُقَدِّم “بول دي ويليامز” توثيقًا وتحليلًا شاملًا ومتوازنًا إلى حد كبير لـ (أميصوم)، نعرض أبرز ما جاء به من أفكار وفقًا لفصول الكتاب الـ13 على النحو التالي:
الجزء الأول: قصة السنوات العشر الأولى لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”
سعى الكاتب خلال هذا الجزء، وخصوصًا في الفصل الأول منه، إلى التطرق إلى أبرز المراحل التي صاحبت تكوين بعثة “أميصوم”، وحتى قبل ذلك فيما يتعلق بالسياق المُحيط بالتأسيس؛ حيث رأى “ويليامز” أن هذه البعثة قد برزت كرد دولي رئيسي على أربعة تطورات مهمة في الصومال والقرن الإفريقي في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001م، وهم:
أولًا: إنشاء حكومة اتحادية انتقالية في الصومال في عام 2004م، بعد أكثر من اثنتي عشرة محاولة فاشلة.
ثانيًا: استجابة الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيغاد -IGAD” للدعوة التي وجَّهتها الحكومة الاتحادية الانتقالية لإيفاد بعثة لبناء السلام لمساعدة النظام الصومالي على ترسيخ وجوده.
ثالثًا: انتصار اتحاد المحاكم الإسلامية في يونيو 2006م، على مختلف أمراء الحرب الذين كانوا يحكمون مقديشو في السابق وجزءًا كبيرًا من جنوب وسط الصومال.
رابعًا: برزت البعثة كإستراتيجية خروج للقوات الإثيوبية، بعد أن قرر رئيس الوزراء الإثيوبي “ميليس زيناوي” التدخل عسكريًّا للإطاحة بالمحاكم الإسلامية وتنصيب الحكومة الاتحادية الانتقالية في مقديشو في ديسمبر 2006م… وهكذا اتُّخِذَ قرار إنشاء بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال.
وعلى صعيد تكوين البعثة والمساهمين بها، يوضّح الكاتب وفقًا للجدول التالي حجم القوات الإفريقيّة المساهمة في عملية حفظ السلام بالصومال، وغيرها من بيانات حول هذه القوات، خلال الفترة (2007-2014م)، كما يلي:
Source: Paul D. Williams, Fighting for Peace in Somalia – A History and Analysis of the African Union Mission (AMISOM), 2007–2017, (Oxford: Oxford University, 2018), p.3.
أما في الفصل الثاني فقد ناقش “ويليامز” خلاله عددًا من النقاط حول تطورات البعثة، كان أبرزها: تحديات النشر الأوليّة التي واجهت بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال والمشاكل التي نتجت عن العمل في ظل إثيوبيا. كما تطرَّق الكاتب إلى وصول بوروندي باعتبارها ثاني البلدان المساهمة بـ”أميصوم”. إضافةً لذلك قام “ويليامز” بمناقشة عملية جيبوتي للسلام في عام 2008م؛ باعتبارها الطريق الذي تمكنت إثيوبيا من خلاله من سحب قواتها، وما ترتب على هذا الانسحاب من فرص وتحديات، وما يعنيه ذلك بالنسبة لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال التي تُرِكَت وحدها لتضطلع بالدور القيادي المتمثل في حماية الحكومة الاتحادية الانتقالية الصومالية من حركة الشباب.
من جهة أخرى استعرض الفصل الثالث الخصائص الرئيسية لديناميات الصراع في مقديشو، كما ركز على المسائل اللوجستيّة التي كانت إحدى أبرز مجالات الضعف للبعثة، وما ارتبط بذلك من قرار مجلس الأمن بإنشاء مكتب دعم جديد لـ “أميصوم” في عام 2009م، من أجل تزويدها بدعم لوجستي أفضل. كما ناقش “ويليامز” كيف بدأ التوازن السياسي والعسكري يميل لصالح البعثة خلال النصف الثاني من عام 2010م نتيجة لخطأين كبيرين تم ارتكابهما مِن قِبَل حركة الشباب، وهما قرار قصف أهداف مدنيّة بالعاصمة الأوغنديّة “كمبالا”، وفشل هجومها الذي ارتكبته خلال شهر رمضان بمقديشو عام 2010م.
وفي الفصل الرابع، ناقش الكاتب عددًا من التطورات الإيجابية لـ “أميصوم”، والتي تمكنت من إجبار حركة الشباب على سحب قواتها من مقديشو في أغسطس 2011م. كما حققت البعثة تكتيكات مبتكرة مكّنتها من شنّ حملة ناجحة من حرب المدن. على الرغم مما تعانيه من بعض الثغرات بين صفوفها، وذلك بفضل نشر 4000 جندي كان مجلس الأمن قد أذن بنشرهم في ديسمبر 2010م. كما ساعد استخدام الطائرات بدون طيار مِن قِبَل كل من الولايات المتحدة والبعثة في تحقيق تقدُّم ملموس خلال الاشتباكات بين البعثة وحركة الشباب.
من زاوية أخرى قام “ويليامز” خلال الفصل الخامس بمناقشة عدد من التطورات، كان أبرزها دخول القوات الكينية مقديشيو، ومعاناة القوات البوروندية خلال عملية عسكرية تم تنفيذها بشكل خاطئ للغاية. كما تناول الكاتب خلال هذا الفصل عودة القوات الإثيوبية إلى الصومال اعتبارًا من نوفمبر 2011م، للعمل مرة أخرى خارج “أميصوم”، وكذلك انضمام قوات تابعة لجيبوتي إلى البعثة في ديسمبر 2011م، وقيام الكاتب بتفسير أسباب هذا القرار. كما قدم “ويليامز” تحليلًا لبعض التكتيكات الجديدة للبعثة، التي تم تطويرها في أعقاب التدخلات الكينية والإثيوبية.
أما في الفصل السادس، فقد سعى الكاتب إلى تقييم عدد من التطورات، نذكر منها: قرار سيراليون بأن تصبح خامس قوة مساهمة في البعثة. كما سلَّط الضوء على تداعيات مهاجمة مقاتلي حركة الشباب مركز “وستجيت” التجاري في نيروبي في سبتمبر 2013م، والذي أدَّى لتجديد قوام البعثة بأكثر من 4,000 جندي إضافي للعودة إلى الهجوم.
وفي الفصل السابع والأخير من الجزء الأول بالكتاب، تطرّق المؤلف إلى عدة مسائل، كان أبرزها قيام إثيوبيا بدمج بعض قواتها في “أميصوم”، وحدوث ذلك لأسباب مالية في المقام الأول، ولأن مخاوف قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية بشأن الاحتفاظ بالسيطرة على عملياتها قد سهَّلها ضعف بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال.
الجزء الثاني: تحليل التحدّيات العمليّة الستة لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”
على صعيد التحدّيات التي واجهت بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، والتي جاءت بدءًا من الفصل الثامن وحتى الثالث عشر يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1- تحدّيات المسائل اللوجستيّة: على هذا الشأن واجهت “أميصوم” تحدّيات عدة (على صعيد النواحي اللوجستية)؛ كتوسيع نطاق المهام الموكلة لمكتب الأمم المتحدة المعاون للبعثة، وما صاحَب ذلك من ارتفاع لحجم النفقات (كما سيوضح الشكل التالي)، بما يتعارض مع الموارد المتاحة بالفعل، والصدام بين الأمم المتحدة والمبادئ التنظيمية المعمول بها في الاتحاد الإفريقي؛ إضافةً إلى بيئة العمل غير الآمنة تمامًا في الصومال.
شكل رقم (1)
إجمالي احتياجات دعم ميزانية “أميصوم” وفقًا لمكتب دعم البعثة التابع للأمم المتحدة– مُقَدَّرة بالمليون دولار أمريكي
خلال السنوات المالية من (2009-2010م)، وحتى (2017-2018م)
Source: Paul D. Williams, Op.Cit., p.216.
2- مُعضلة إصلاح قطاع الأمن الصومالي: والتي تجلَّت في يوليو 2017م، مع إعلان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بالشراكة مع الأمم المتحدة والحكومة الفيدرالية الصومالية -وكجزء من محاولاته للمضي قدمًا في إستراتيجية خروج بعثة الاتحاد الإفريقي من الصومال- أنه بحاجة إلى التأكد من قدرة الجيش الوطني الصومالي وجهاز الشرطة على استلام المهمة في جميع قطاعات العمليات عقب خروج البعثة، للحدّ من التهديد الذي تُشكّله حركة الشباب واحتوائه إلى مستوى مقبول. ولكن حتى هذا الهدف الأقل طموحًا لم يكن تحققه باليسير؛ لصعوبة إصلاح قطاع الأمن الصومالي. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن معظم هذه القطاعات، وخاصة الجيش، كان لا بد من بنائه بالكامل تقريبًا من الصفر. وكما قالت إحدى الدراسات التي أُجريت عام 2017م: إنه ليس من المبالغة الإشارة إلى أن الصومال يبني جيشه من جديد. كما زاد من الأمر صعوبة افتقار النُّخَب الصومالية لرؤية حول إصلاح قطاع الأمن، في حال تواجد هذه النُخَب من الأساس.
3- صعوبة حماية المدنيين: رغم تكليف بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال ببعض المهام غير العسكرية (من حيث تقديم المساعدات الإنسانية للصوماليين المنكوبين، والحماية للشخصيات السياسيّة المرتبطة بالمصالحة)؛ إلا أن ذلك لم يمنع تداول صور لأفراد البعثة، وهم يدعمون قوة احتلال وحشية في مقديشو (قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية)، ويغضون الطرف عن تجاوزات لقوات الأمن التابعة للحكومة الاتحادية الانتقالية. كما اتُّهِمَت قوة الاتحاد الإفريقي بإلحاق الأذى بالمدنيين بشكل مباشر، من خلال سياسات إطلاق النار العشوائية، وحالات الاستغلال الجنسي، كما فشلت البعثة في أوقات عديدة في حماية المدنيين من قناصة حركة الشباب وهجماتها، وغيرها من انتهاكات نُسِبَت للبعثة.
4- الافتقار للتواصل الإستراتيجي: بما يعني تسليط الضوء إعلاميًّا على أعمال البعثة، بتحديد الجمهور والرسالة المراد إيصالها والهدف منها. وفي عمليات الأمم المتحدة لبناء السلام على سبيل المثال، عادةً ما تكون هذه المهمة من اختصاص وحدة الإعلام. وعلى صعيد بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، فعند نشرها لم يكن لدى الاتحاد الإفريقي أيّ قدرات تقريبًا في هذا المجال، وبالتالي انتشرت بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال دون القدرة على إطلاق أيّ حملات اتصالات إستراتيجية فعّالة. وقد كان هذا سهوًا كبيرًا، خاصةً مع المقارنة بجهد حركة الشباب في هذا الإطار، والتي تمكنت بنجاح فائق من تسليط الضوء على نجاحاتها في ساحة المعركة، وهو ما لم تتمكن “أميصوم” من تحقيقه، ما دفَع الأخيرة إلى تدمير الكثير من البنية التحتية للاتصالات الخاصة بالشباب خلال معارك مشتركة بمقديشيو عام 2011م.
5- مأزق تحقيق الاستقرار: على الرغم من أن بعثات الأمم المتحدة في هايتي منذ عام 2004م، وجمهورية الكونغو الديمقراطية منذ 2010م، ومالي منذ عام 2013م، وجمهورية إفريقيا الوسطى منذ عام 2014م، تحمل جميعها كلمة “الاستقرار” في أسمائها، إلا أن الأمم المتحدة لا تزال تفتقر إلى تعريف أو إطار واضح لهذا المفهوم، وينطبق الشيء نفسه على الاتحاد الإفريقي.
ويزيد من صعوبة الأمر أن القوة العسكرية لأيّ بعثة لبناء السلام لا يمكن أن توفّر سوى جزء من معادلة الاستقرار، وفي نهاية المطاف فإن القدرة على إنشاء هياكل حكم شرعية مستدامة وتقديم الخدمات الأساسية للسكان المحليين هي التي تحمل مفتاح الاستقرار الناجح. وبشأن هذه المسألة على وجه التحديد كافحت بعثة الاتحاد الإفريقي كثيرًا في الصومال. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن بيئة التهديد في الصومال جعلت أيّ جهود لتحقيق الاستقرار صعبة للغاية، ناهيك عن بعض التوترات الداخليّة السياسية، كافتقار الحكومة الانتقالية للشرعية من وجهة نظر السكان المحليين، والهجمات غير المتوقفة من حركة الشباب، كما يعود هذا الإخفاق في جزء آخر منه إلى افتقار الاتحاد الإفريقي لرؤية حول تحقيق الاستقرار، ليس هذا فحسب، بل أن إستراتيجية البعثة بشأن “عمليات دعم السلام” لم تذكر شيئًا عن “الاستقرار”.
6- إشكاليّة الخروج: واجهت بعثة “أميصوم” خلال تخطيطها للخروج من الصومال عددًا من التحدّيات، كان أبرزها عدم قدرة النخبة السياسية في الصومال على إعطاء الأولوية للأهداف طويلة الأجل لبناء الدولة. كما أدت الجولات العديدة من الاقتتال الداخلي بين النخب السياسية الصومالية إلى صرف انتباههم عن بناء جيش وطني وجهاز شرطة قادرين على إيقاف هجمات الشباب أو على أقل تقدير الحفاظ على ما أنجزته البعثة. وكانت المشكلة الأخرى لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (وشركائها الدوليين) هي أن الصومال تُرِكَ دون إستراتيجية أمنية وطنية تُحدّد رؤية وأدوار قواتها الأمنية. وبدون هذه الوثيقة لا يمكن أن يكون هناك وضوح بشأن كيفية بناء قوات أمن وطنية شاملة بحق تتفق والمتطلبات الأمنية الصوماليّة.
خاتمة:
في الأخير يرى مؤلف الكتاب “بول ويليامز” أن نموذج بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال الذي تطور في أواخر عام 2009م، لا يمكن ولا ينبغي إعادة تبنّيه (كما هو) كأساس للاضطلاع بمهام مُستدامة أخرى لإنفاذ السلام في القارة الإفريقيّة، بالنظر إلى أن كلّ بعثة يحيط بها عوامل متفردة ومتغيرّة، على الأصعدة الثلاث: الداخلية والإقليميّة والدوليّة (وهو ما حدث بالفعل في الحالة الصوماليّة)، وما ترتبه هذه المتغيّرات من أهداف وإستراتيجيات ذات صلة، وتأثير ذلك على القوات المُساهِمَة بالبعثة والشركاء الداعمين، وغيرها من متغيرات لن تكون واحدة بكافة البعثات، كما لن تكون ثابتة بالبعثة الواحدة نفسها.
وبالتالي، فمن المُرجّح أن تمثل “أميصوم” استثناءً أكثر من أن تكون قاعدة ووسيلة لتنظيم عمليات قوية لإنفاذ السلام، ولا يمنع ذلك من استخلاص الكثير من الدروس المستفادة من خلال ما واجهته البعثة من تحدّيات سواء على مستوى المسائل اللوجستية، حماية المدنيين، تحقيق الاستقرار، إستراتيجية الخروج. وغيرها من تحدّيات تم تسليط الضوء عليها، يمكن الاستفادة منها (وتجنُّبها) في بعثاتٍ مُقبِلَة.
……………………………………..
([1]) Paul D. Williams, Fighting for Peace in Somalia – A History and Analysis of the African Union Mission (AMISOM), 2007–2017, (Oxford: Oxford University, 2018).
([2]) “الكفاح من أجل السلام في الصومال… مقابلة مع بول ويليامز حول أميسوم”، چيسكا، 7 فبراير 2024م، متاح على الرابط: https://www.geeska.com/ar/alkfah-mn-ajl-alslam-fy-alswmal-mqablt-m-bwl-dy-wylyamz-hwl-amyswm