أعلنت حكومة زيمبابوي في يونيو الماضي عودة عملتها المحلية؛ الدولار الزيمبابوي، وذلك بعد مرور أكثر من 10 سنوات على انهيار العملة، وضعف فائدتها، وترك التداول بها؛ بسبب التضخم المفرط.
وكانت عودة العملة -وفقًا للبنك المركزي في زيمبابوي- تعني انتهاء قبول التداول بالعملات الأجنبية المستخدَمة منذ عام 2009م بطريقة قانونية في المعاملات داخل البلاد، والتي تشمل الدولار الأمريكي و”راند” الجنوب إفريقي.
وفي الحقيقة، كانت هذه العملة المحلية عبارة عن أوراق السندات التي قُدِّمَت في عام 2016م، ويتاجر بها داخل البلاد فقط، ويُعرف الدولار الإلكتروني المكافئ للعملة بـ RTGS.
حظر العملات الأجنبية:
لا جديد في أنّ الاقتصاد الزيمبابوي في حالة من الفوضى، ولم تُسْعِفْ سلسلة الحلول المقترحة والخطط المختلفة لحلّ المشكلة؛ فأعداد كبيرة من الأشياء في أسواق البلاد مستوردة، وهناك نقص في النقد المادّي، إضافة إلى تكلفة المعيشة الباهظة وارتفاع نسبة البطالة.
وقد تفاقمت أزمة العملة في البلاد حتى بعد الانقلاب على الرئيس السابق الراحل “روبرت موغابي”، وحل محلّه الرئيس الحالي “إميرسون منانغاغوا” في أواخر عام 2017م. وعيَّن الأخير البروفيسور الاقتصادي “مثولي نكوبي” وزيرًا للمالية في عام 2018م؛ والذي قام أتى باعتماد سياسة نقدية جديدة تركّز على حلّ أزمة العملة.
وقد جرّبت البلاد في عام 2016م طريقًا آخر للحل بتقديم أوراق السندات، وهي عملة موازية لا يمكن استخدامها إلا في زيمبابوي فقط. ورغم ربط العملة رسميًّا بالدولار الأمريكي، إلا أن قيمتها في الأسواق، وفي نظر العامة، أقل كثيرًا من الدولار؛ الأمر الذي أدَّى إلى ظهور سوق سوداء مزدهرة، وجعلت زيمبابوي مجتمعًا بدون أوراق نقدية يعتمد على المعاملات بالبطاقات الإلكترونية، وتحويل الأموال عبر الهاتف المحمول.
وإذا كان لزيمبابوي قبل 2016م عملتها الخاصة المعروفة بـ “الدولار الزيمبابوي”؛ فقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن سلطات البلاد تخلَّت عن الدولار الزيمبابوي بعد أن وصل معدل التضخم إلى 500 مليار في المائة عام 2008م. ومنذ ذلك الحين استخدمت البلاد عددًا من العملات الأجنبية الإفريقية وغير الإفريقية وأوراق السندات و RTGS$.
وفي فبراير 2019م، أعادت السلطات تسمية أوراق السندات والنقد الإلكتروني بـ”دولارات RTGS“، وعوّمتها لسحق السوق السوداء. غير أن العُمَّال -الذين تُدْفَع رواتبهم بالدولار الأمريكي قبل هذه الخطوة– وجدوا أن دولارات RTGS غير قادرة على مواكبة التضخم الذي وصل 100٪ آنذاك، ما أدَّى إلى مطالبة مؤتمر النقابات العمالية في زمبابوي (ZCTU) من الحكومة أن تعود مرة أخرى إلى دفع رواتبهم بالدولار الأمريكي.
وحاول البنك المركزي في إعلانه عن عودة الدولار الزيمبابوي في يونيو 2019م تهدئة مخاوف المواطنين؛ حيث أشار إلى أن الأموال الموجودة في حسابات العملات الأجنبية لن تتأثر بالقرار، إلا أنه سيعيد إلى ذاكرة الزيمبابويين ما حدث في عام 2008م من تدمير المعاشات التقاعدية وفقدان المدخرات.
إطلاق أوراق الدولار الزيمبابوي والدفاع عنها:
لقد كانت عودة استخدام الدولار الزيمبابوي في يونيو الماضي في شكل إلكتروني فقط دون الأوراق النقدية. ولذلك كان إعلان السلطات في أكتوبر الماضي أنها ستطرح أوراقًا نقدية جديدة للدولار الزيمبابوي في شهر نوفمبر 2019م بمثابة خطوة مهمة؛ نظرًا للنقص الحادّ في النقد الورقي، مما أجبر المواطنين على إجراء معظم معاملاتهم على المنصات الإلكترونية باستخدام أنظمة النقود المتنقلة مثل Ecocash.
“لا نملك ما يكفي من المال في النظام لتلبية احتياجات الناس من المعاملات”؛ هكذا قال الاقتصادي الزيمبابوي الشهير “ايدي كروس” لهيئة إذاعة زيمبابوي، مضيفًا أن “الأوراق النقدية الجديدة ستحدّ من الطوابير في البنوك، وستساعد الناس على امتلاك أموال كافية للاستخدام اليومي”.
وكما أشار إليه محافظ البنك المركزي في زيمباوي “جون مانجوديا” -بصفته رئيس لجنة السياسة النقدية الجديدة للبنك-، فإن الأوراق الجديدة التي سيقدمها بنك الاحتياطي الزيمبابوي تشمل فئة 2 دولار (Z$2) و5 دولارات (Z$5)، إضافة إلى عملات سندات معدنية بقيمة Z$2.
ومن التحديات التي تواجه الدولار الزيمبابوي: فقدان الثقة العامة ومخاوف حول عدم استقرار العملة الذي يُعدّ عاملاً أساسيًّا إذا كان سيُعتَبر مِن قِبَل المواطنين كمخزن للقيمة؛ حيث سيسمح استقرار العملة للذين يكسبون بها أن يدَّخروا في البنوك المحلية. يُضاف إلى ذلك أهمية قدرة السلطات على التنبؤ والتخطيط طويل الأجل، وتوفير ضمان استقرار معقول في الأسعار.
وقد قام بنك الاحتياطي الزيمبابوي -في محاولة للدفاع عن هذه العملة- بحظر وحذف حوالي مليار دولار أمريكي من الأموال المعطلة في مختلف الحسابات البنكية، والتي تم استثمارها في سند يحمل فائدة بموافقة المالكين. وفي أغسطس الماضي جمَّدت وحدة الاستخبارات المالية (FIU) التابعة للبنك حوالي خمسة حسابات بنكية لشركات كان يُشتبه بأنها تتداول وتؤثر على تغيرات أسعار الفائدة.
“عندما نطرح الأوراق النقدية، سيكون حقن النقود في النظام من خلال تبديل دولار RTGS بالدولار النقدي، وبهذا يمكننا التحكم في طرح النقود في الاقتصاد”؛ هكذا قال وزير المالية والتنمية الاقتصادية البروفسور “مثولي نكوبي” لصحيفة هيرالد الزيمباوية.
وتابع الوزير: “لذلك، لن يكون الأمر مجرد ضخّ نقديّ إضافيّ، ولكن سيكون عملية استبدال (دولارات RTGS بالأوراق النقدية والعملات المعدنية)، وسنقوم بسحب (RTGS) من التداول.. لن يتم تنفيذ كل شيء في يوم واحد، لكننا سنقوم بذلك وفقًا لما سبق”.