اندلعت اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين ينتمون للكنيسة الأنجليكانية في مقاطعة “بالاكا”، واستمرّت لعدة ساعات قبل تدخُّل الشرطة المالاوية، وهي حادثة يمكن عدّها ضمن سلسلة الحوادث التي تقع بمختلف الدول الإفريقية بسبب محاولات مسؤولي المدارس غير المسلمين منع الطالبات من ارتداء الحجاب؛ ولو بنمط غير مُخِلٍّ بمواصفات الزي المدرسي.
ففي يونيو الماضي، ظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يأمر فيه حرّاس إحدى المدارس النيجيرية ومعلميها الفتيات المسلمات بخلع حجابهن قبل دخول حرم المدرسة الواقعة بمدينة “إبادان” ولاية أَوْيَوْ جنوب غرب البلاد، وهي واقعة أثارت غضب مسلمي نيجيريا؛ لأنها تعارض الحكم التاريخي عام 2016م الذي قضت فيه محكمة الاستئناف النيجيرية بأن الحجاب حقّ دستوريّ، وينبغي السماح به في المدرسة وفي أيّ مكان، مما يلغي قرار محكمة ابتدائية أيَّدتْ حظره في ولاية لاغوس جنوب غرب البلاد.
إنّ تكرار الحوادث المتعلقة بحظر الحجاب في نيجيريا وكينيا وبعض الدول داخل إفريقيا تؤكّد انحياز مسؤولي المدارس وحكومات هذه الدول لدينٍ معيَّن ضد آخر، بالرغم من ادّعاء “علمانية” دساتير بلدانهم وممارسات مؤسساتهم الأكاديمية، ومزاعم حرية الأديان واحترام معتقدات الآخرين.
أما في مالاوي التي يُقدّر عدد المسلمين فيها بما لا يقلّ عن 5 ملايين (من مجموع السكان المقدر بـ18.62 مليون نسمة)؛ فقد اتخذت القضية منعطفًا آخر؛ بسبب الاشتباكات وإصرار الكنيسة الأنجليكانية على موقفها؛ حيث أكدت الشرطة أن نزاع الأسبوع الماضي حول حجاب الطالبات المسلمات في شرق مالاوي قد أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص، وإلحاق أضرار ببعض الممتلكات.
ارتداء الحجاب في مدارس مالاوي:
لقد سبق أن أدانت المجتمعات المسلمة في مالاوي مساعي بعض سلطات المدارس العامة لمنع الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب في الحرم المدرسي. ونظَّم المسلمون في يناير 2019م احتجاجًا للتعبير عن رفضهم لهذا السلوك الذي وصفوه بانتهاك لحقوق الإنسان.
“نطالب جميع سلطات المدرسة باحترام الدستور، وبالتالي السماح للطالبات المسلمات بارتداء الحجاب، أو ارتداء ملابس إسلامية في الفصل أو في جميع أنحاء المدرسة”؛ هكذا جاء في بيان بتاريخ 30 يناير 2019م وقَّعَه “تويبو لاوي”؛ الأمين العام للجمعية الإسلامية في مالاوي (Muslim Association of Malawi).
ورغم أن هذا السلوك من بعض سلطات المدارس قد أدَّى إلى ترك بعض الطالبات المسلمات دراستهن، ورغم أن السكرتير الرئيسي لوزارة التعليم والعلوم والتكنولوجيا “جوستن سعيدي” اعترف وقتذاك باستلام شكوى المجتمعات المسلمة؛ إلا أنَّ حكومة مالاوي لم تتَّخذ أيّ خطوة ملموسة لحلّ القضية، حتى شهر مايو 2019م عندما أصدرت الحكومة أمرًا تمنع فيه أيّ مؤسسة تعليمية في البلاد من استبعاد أيّ طالبة وطردها من المدرسة؛ بسبب ملابسها المرتدية وفقًا لعاداتها الدينية.
منع الطالبات من ارتداء الحجاب:
لم تتخلَّ الكنيسة الأنجليكانية عن موقفها بعدم السماح للطالبات بدخول المدرسة إلا بدون حجاب، على الرغم من أمر الحكومة؛ فاندلعت بداية نوفمبر 2019م مواجهة عنيفة بين أفراد من المسلمين والمسيحيين الأنجليكانيين في بلدة “بالاكا” بالمنطقة الجنوبية في البلاد، وذلك بعد أن استبعدتْ مدرسة عامة تُمَوِّلها الكنيسة الأنجليكانية بعضَ الطالبات من المدرسة لارتدائهن الحجاب، وهو قرار أثار غضب المسلمين في البلدة؛ لأنه يخالف أمر الحكومة المالاوية الذي يقتضي تركهن يرتدين أزياءهن المدرسية وفق عقائدهن، كما يُعدّ تراجعًا مفاجئًا عن الاتفاق الذي أبرمه القادة المسلمون في اجتماع سابق مع قيادة الكنيسة التي وافقتْ على ارتداء الطالبات للحجاب.
ووفقًا لصحف مالاوية؛ فقد احتجَّ أفراد من الجالية المسلمة في بالاكا، الغاضبة على القرار باقتحام مدرسة “ممانغا” الابتدائية بالحجارة، وحطَّموا المدرسة ونوافذ أسقفية “مامانغا” الأنجليكانية بما في ذلك منزل القسيس “مباتسو بانغو”، ممَّا تسبَّب في عملية انتقام من المسيحيين وهجومهم على المسلمين في المنطقة.
“لقد عقدنا اجتماعًا في الأسبوع الماضي مع قيادة كل من الكنيسة الأنجليكانية والجمعية الإسلامية في مالاوي؛ حيث تم اتخاذ قرار السماح للفتيات بارتداء الحجاب. لكن خلال اجتماع آخر يوم الأحد، قال سكرتير التعليم الأنجليكاني: “إنهم غيّروا موقفهم. هذا هو ما أغضب أفراد المجتمع الإسلامي، وحشدوا أنفسهم للرد على هذا النحو”؛ هكذا قال “دينالا شابوليكا” – المتحدث باسم الجمعية الإسلامية في مالاوي عن أسباب الحادثة.
وقد أدت هذه المواجهات العنيفة والهجمات الانتقامية إلى تضرُّر العديد من الممتلكات في البلدية، بما في ذلك مدارس وكنيسة ومسجد. وتطوَّرت إلى تتبُّع كل بابٍ والهجوم على أهله، الأمر الذي أدَّى إلى توقّف الأعمال التجارية وشلّ حركة النقل لعدة ساعات قبل تدخُّل شرطة ملاوي.
جدير بالذكر أن محاولات خبراء التعليم في المنطقة للتوفيق بين الطرفين المتحاربين غير مثمرة، ومن ثم أُحيلت القضية إلى وزارة التعليم في البلاد لحلها، والتي بدورها عقدت اجتماعًا عاجلاً مع قادة الجمعية الإسلامية في مالاوي وقادة الكنيسة الأنجليكانية؛ للتباحث بشأن القضية، والتوصل إلى حلّ دائم. وفي الوقت نفسه، عزّزت الحكومة تواجد ضباط الأمن في المنطقة للحفاظ على السلام والنظام.
وعبَّرت الأمم المتحدة يوم الأربعاء الماضي عن قلقها إزاء الحادثة؛ حيث انتقدت “ماريا خوسيه توريس” -منسق الأمم المتحدة المقيم في مالاوي الواقعة في إفريقيا الجنوبية- قرارَ منع الفتيات من دخول المدرسة لارتدائهن الحجاب، داعية “جميع المالاويين إلى احترام المعتقدات الدينية الخاصة ببعضهم البعض، والدخول في حوار سلميّ لحلّ الخلافات”.
كما دعت سلطات البلاد إلى “ضمان قدرة جميع مواطني مالاوي على ممارسة معتقداتهم وممارساتهم الثقافية بدون اضطهاد وتمييز”.
أما الكنيسة الأنجليكانية؛ فإنها لم تتراجع عن قرارها حتى بعد الحادثة ونتائجها المؤلمة؛ حيث أشار “فيليكس ماسامبا” -سكرتير لجنة التعليم الأنجليكاني- في مذكرة جديدة لجميع رؤساء المؤسسات التعليمية التي تُمَوِّلها الكنيسة الأنجليكانية، إلى أن “الأسقفية تنصح بشدة بالالتزام بقواعد وأنظمة المدرسة المقرَّرة فيما يتعلق باستخدام الزي المدرسي”.