محمد الأمين سوادغو(*)
هو ديبلوماسي بوركينابي مشهور، يَنْحَدِر من عمق قبيلة يَرْسِي ذات الأغلبية المسلمة في بوركينافاسو، لكنَّه نصراني كاثوليكي للنخاع، وُلد في (18 أغسطس 1942م)، في واغادوغو عاصمة بوركينافاسو، متزوج، أبٌ لطفلٍ واحدٍ.
نشأته وتعليمه:
السيَّد كَفَانْدُو صاحب شهادات عليا، وهو من الأكاديميين النَّادريين في بوركينافاسو وفي غرب أفريقيا، تخرج من ثانوية جون المعمدان دي لاسال عام (1956م) إلى (1963م)، درس في السنغال بين عام (1964 ـ 1968م)، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في القانون العام من جامعة بُورْدُو في عام (1969م ـ 1970م)، ثم على دبلوم الدَّراسات السِّياسية في باريس في عام(1970 ـ 1972م)، كما تحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السِّياسية في جامعة السوربون الفرنسية (عام 1990م).
وظائفُهُ، وخبراتُه السِّياسية والدِّبلوماسية:
السيد كَفَانْدُو سياسي دبلوماسي مُحنَّك، من طرازٍ رفيعٍ في بوركينافاسو بخاصَّة وفي غرب أفريقيا بعامَّة، يُعد من العقول الأفريقية المتميزة والحيّة في أفريقيا، يُعرف ذلك من خلال الوظائف التي تقلَّدها طيلة حياته السِّياسية والدِّبلوماسية، ومن أهم هذه الوظائف:
كان وزيراً للتعاون الدولي في فولتا العليا بين (1976 ـ 1978م).
ومديراً للعلاقات الدولية ما بين (1978 ـ 1979م).
ومدير المنظمات الدولية بين (1979 ـ 1981م).
ومستشار وزير الخارجية للسيد موسى كَرْغُوغُو.
وعين ممثلاً لجمهورية فولتا العليا في الأمم المتحدة عام (1981م)
ثم عين وزيراً للشؤون الخارجية في جمهورية فولتا العليا في حكومة لاميزانا 30 ديسمبر عام (1982).
وكان كافندو الوحيد الَّذي بقي في حكومة سي زيربو بين عام (1982 ـ 1983م) .
وكان أيضاً نائباً في البرلمان البوركينبي آنذاك عام( 1982م).
مثَّل بوركينافاسو في العديد من المنظمات الدَّولية والإقليمية، شغل منصب الممثل الدَّائم لبوركينا فاسو لدى الأمم المتحدة، تقدم بأوراق اعتماده إلى الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، في 15 نيسان 1998م، وأعيد إلى الأمم المتحدة مرة أخرى بين (1998 ـ 2011م)، ومثَّل بوركينافاسو بعد انتخاب بوركينافاسو عضواً غير دائم في مجلس الأمن بين (2008 ـ 2009م)، وعين نائب رئيس المركز الأفريقي لحماية البيئة، وترأس وفوداً باسم بوركينافاسو إلى المنظمة الوحدة الأفريقية، والأوروبية .
أهم أسباب تعيينه من بين زملاءه المرشحين:
1 ـ المرشحون لمنصب الرئاسة الانتقالية:
بعد الإطاحة ببليز كومبوري بثورة شعبية يوم (30 أكتوبر 2014م)، وبعد خَلعه يوم (31 أكتوبر 2014م) وإعلانه للاستقالة كُرهاً، ظهرتْ الوجوه والأسماء بكثرة في الدولة، وتحيَّر الشَّعب والسَّاسة جميعاً، واختلفتْ الآراء على الشَّخصية المناسبة التي ينبغي قيادة المرحلة الانتقالية لمدَّة سنة، وعمَّت الإشاعات في كل أنحاء الدولة، ترِد من كل فجٍّ عميقٍ، تتمايل يُمنةً ويُسرةً، تارةً أنَّ العسكر سيطر على الحكم ويريد تطبيق النَّموذج المصري الجائر، وتارةَ أخرى أنَّ العسكر يبحث عن شخصية وطنية قادرة على تحمل تركة التي خلفتها الثورة من دمار اقتصادي التي تقدَّر بـ (200) مليار فرنك سيفا.
ومِن هنا كثرت الأسماء والوجوه، واختلف الأطماع والأهداف، وأصيبت الجماهير بخيبة أمل بما رأوا من وجوه غريبةٍ ومخيفة، لا تبشر بطموحات الثوار الَّذين قدَّموا أرواحهم فداءً للوطن، وبرزت (5) شخصيات أمام الشَّعب البوركينبي بقوّة بعد تطبيق ميثاق الوفاق أو قانون العزل السِّياسي على الجميع، وهم:
1 ـ المطران بُولْ ويدروغو(Mgr Paul Ouédraogo) ، وهو رئيس أساقفة بوبوجولاسو، وهي المدينة الثَّانية لبوركينافاسو، يرأس بُولْ لجنة الأسقفية لبوركينافاسو وجمهورية النيجر الجارة.
2 ـ شريف سي(y (Cherif S، وهو صحفي مسلم قدير في مهنته، وابن لجنرال سابق في الجيش البوركينبي، وعضو في الحزب المنسوب لتوماس سنكارا، ومؤسس ورئيس تحرير جريدة بندري Bendre، وكان معارضا بشدة لنظام بليز كومبوري ومشروع تعديل الدستور واشتهر في العاصمة بعد ذلك.
3 – نِيُوتِنْ أحمد باري(Newton Ahmed Barry) ، وهو أيضاً صحفي مسلم متمكِّن في مجاله، كان يقدم برامج التلفزيون الوطني سابقاً، اشتهر بعد اغتيال سائق شقيق بليز كومبوري فرانسوا كومباوري 1998م، والَّذي تناوله الصحفي الحرّ نوربير زونغو وقُتل على أثره، واشتهر في العاصمة وغادوغو بعد ذلك.
4 ـ جوزفين يدراوغو(Joséphine Ouédraogo) ، متخصصة في علم الاجتماع، متحمِّسة وجادَّة، عينتْ وزيرة للأسرة والتضامن الاجتماعي في ظل حكم توماس سانكارا، بين ( 1984-1987م)، وتقلدتْ مناصب دولية وإقليمه، كانتْ مشهورة بين السَّاسة في الدولة، ولم تكن مشهورة بين الشَّعب.
5 ـ ميشل كافندو(Michel Kafando) ، وهو دبلوماسي سابق، ووزير في فولتا العليا، وسفير لدى الأمم المتحدة، كما أشرتُ سابقاً، مع ذلك لم يكن مشهوراً أيضاً بين كل الشَّعب لكنه معروف بين السَّاسة في الداخل والخارج.
وفي النِّهاية استبعد المطران بولس ويدروغو، ونِيُوتِنْ أحمد باري بأسباب لم تذكر في الإعلام، وبقي ثلاثة مرشحين للمنصب، وبناءا على ميثاق الوفاق فقد تم تكوين لجنةً تتكوَّن من (25) عضواً، تم اختيارهم من كافة أطياف الدولة، (الجيش، والمعارضة، والمجتمع المدني، والملوك التَّقليديين وأصحاب الدِّيانات). وخسر المرشحان، وبقي السيِّد كافندوا بعد تقديم كل واحد منهم مشروعه ورؤيته في هذه الفترة الانتقالية، والتي تتركَّز على المصالحة الوطنية، واستتباب الأمن، وانتعاش الاقتصاد، وتطبيق الدِّيمقراطية في البلاد، والمحافظة على الأمن وسلامة الشَّعب والوطن وغيرها من الأهداف التي تخدم الدولة والمواطن.
2 ـ أهم أسباب تعيين كَفانْدُو، والعوامل التي أدّتْ إلى اختياره:
لقد عُيِّن السيد كفاندو مِن بين زملاءه لعدَّة أسبابٍ وعواملٍ أهمَّها:
1 ـ لأنَّه خبيرٌ سياسي ودبلوماسي محنك في داخل بوركينافاسو وخارجها، وله علاقات قوية بالدول الغَربية، كما أنه من منظومة بليز كومبوري الرئيس المخلوع، وله خِبرة عِلمية وعَمَلية في الصعيد الدولي والإقليمي، ويتمتع بمستوى علمي رفيع، يحمل شهادة دكتوراه في العلوم السِّياسة، ومن أرقى الجامعات الفرنسية جامعة السُورْبون.
2 ـ لأنَّه نصراني كاثوليكي، يدعمه النصارى والغَرب بكل ثقلهم في داخل بوركينافاسو وخارجها، كعادتهم في وقت الأزمات والمنافسات المهمَّة، بعد استبعاد المسلمين بأسلوب قانوني مدروس، حيث وُضع ميثاقاً باتفاق الجميع بمثابة قانون العزل السِّياسي، عزل بموجبه كل مَنْ وقف مع الرَّئيس المخلوع بليز كومبوري في مشروع تعديل الدستور، والمسلمون – كما تابعتم- وقفوا مع بليز كومبوري وناصروه، وصرَّحوا بذلك أمام الإعلام المرئي والمسموع، وأكَّدوا دعمهم لبليز في سعيه لتعديل الدستور الَّذي أشعل ثورة شعبية عارمة عمّت كبريات مدن بوركينافاسو يوم (30 أكتوبر 2014م)؛ فخُلع الرَّئيس واختفى عن الأنظار، وكذلك حزب الرَّئيس بليز نفسه، والأحزاب المعارضة القديمة في بوركينافاسو على رأسها حزب (الفيلRDA).
3 ـ لأنَّه سياسي مُخَضْرَمٌ، عاش سياسياً في فترة فولتا العليا وفي فترة بوركينافاسو، وقضى أكثر من أربعة عقود وهو يحوم في بحار السِّياسية البوركينبية بهدوءٍ مختفياً عن الأنظار والإعلام الدَّاخلي والخارجي، كما عاش فترة حكم أربعة رؤساء في الدولة، لديه إلمام واسع بالتَّاريخ السِّياسي للدولة، فهو (الصندوق السِّياسي الأسود للدولة البوركينبية).
4 ـ لأنَّ الشَّعب البوركينبي، محافظ وهذه ميّزة محمودة فيهم، تربى على القيم الأسرية التي تعزز التَّربية المنزلية للمرأة والحكم والقرار الحياتي للرجل، واحترام سلطة الأب في المنزل، ومن ثم لن يقبلوا برئاسة المرأة جوزفين يدراوغو(Joséphine Ouédraogo) للدولة، وبخاصّة في مثل هذه المرحلة الحساسَّة والمفصلية للدولة ، حيث يَرَى أغلب المجتمع البوركينبي أنَّ مكان الوحيد المناسب للمرأة البوركينبية المنزل، وتربية أطفالها، فلا يميلون إلى اختيار هذه المرأة التي ترشحت للرَّئاسة على الرَّغم من خبرتها السياسية؛ فهي شاهد عيان للمسيرة السياسية البوركينبية أكثر من ثلاثة عقود.
5 ـ لأنَّ المرشح شريف سي( (Cherif Sy صحافي بوركينبي غير كفء بالمنصب، وغير مشهور في الأوساط السِّياسيين لا بين الدوليين أو الإقليميين، ولا في داخل في بوركينافاسو، ومعروف أنَّ السَّاسة الأفارقة يتم تعيينهم من خارج أفريقيا ـ مع الأسف الشَّديد ـ فلا مجال للموازنة بين الرَّجلين في الخِبرة السِّياسية على الصعيدين الدولي أو الإقليمي أو حتَّى الوطني، فليس مفاجئاً أنْ يفوز السيِّد ميشيل بالرئاسة.
6 ـ لأنَّه المرشح المختار من الجيش، إضافة إلى السيدة وجوزفين يدراوغو، وكأنَّ السلطة انتقلتْ من الجيش إلى مرشحهم المفضَّل، فكان المتابعون يعرفون أنَّه هو الفائز للمنصب الرئاسة لهذه الفترة؛ بمجرد وضع الجيش ثقتهم عليهم، لأنَّ السّلطة كلّها حالياً بيد الجيش وهو مختار منهم بحِنكةٍ وذكاءٍ.
7 ـ لأنَّه كان بعيداً من المماحكات السِّياسية، والاشتباكات الكلامية التي كانتْ حاميةً بين بليز كومبوري والمعارضة من جهة، والمجتمع المدني من جهة أخرى في قضية (تعديل الدستور) ، فلا يمكن لأحد أنْ يبرهن أنَّه من أنصار بليز كومبوري في حين هو مِنْ منظومته السِّياسية وإنْ كان أحسنهم خُلقاً وعِلماً وذكاءً ولطفاً وعدلاً.
8 ـ لأنَّ من شروط الميثاق المتفّق عليه بين الفرقاء السياسيين في بوركينافاسو بعد الثورة واستقالة الرَّئيس بليز منع كل مَن يرشح نفسه لرئاسة منصب الرئيس الانتقالي للدولة، والتي لا تتجاوز مدّته (12) شهراً، من المشاركة في الانتخابات الرِّئاسية القادمة المزمع عقدها في نوفمبر (2015م)، فامتنع من الترشح لهذا المنصب كبار رؤوس المعارضة المشهورين بغية المشاركة في الانتخابات الرِّئاسية القادمة، إذنْ ومع إبعاد المسلمين، وحزب بليز كومبوري، وبعض الأحزاب التي تحالفتْ مع بليز في تعديل الدستور، ومع صدور هذا الميثاق يكون قد انتهى رجال السِّياسة في بوركينافاسو ؛ ولم يبقى في السَّاحة إلاَّ قلَّة من المثقفين يتقدمهم ميشيل كفاندو، لا ينافسه في المنصب أحد، لا من حيث العِلم ولا من حيث الخبرة السِّياسية.
9 ـ لأنَّه خبيرٌ في الأزمات، حيث لديه خبرة في حل الأزمات السِّياسية، وساعد بليز كومبوري إلى جانب جبريل باسولي وزير الخارجية الحالي في حل الأزمة التُّوغولية، وساحل العاج، وملف الطوارق في شمال جمهورية مالي.
10 ـ لأنَّه لا ينتمي إلى أي حزب سياسي في الدولة، فهو شخصية مستقلة سياسياً، ورجل أكاديمي قدير، يوظف لخدمة الدولة، ولهذا لم يطبق عليه شروط الميثاق.
هذه أهم الأسباب والعوامل التي أدّت إلى فوزه، وغيرها من الأسباب، نتمنى له قيادة موفقَّة لتجوز هذه المرحلة الصعبة. وفور إعلان فوزه صرح ميشل كفاندو للصحافة قائلاً: ” كعادتي عندما يكلف علي أي مهمَّة أقدم مصلحة العليا للدولة فوق كل الاعتبارات، وسأبذل كل قصارى جهدي لتقديم ما يمكن تقديمه لصالح الشَّعب، لمجتمع جديد، ديمقراطي، حيث يسود العدالة الاجتماعية والتَّفاهم والوئام، أشكر السيد الرئيس وكل الأعضاء لمنحهم لي ثقتهم لقيادة هذه المرحلة كل هذا في محل اعتباري عندي، أشكركم”.
والرئيس الجديد كفاندو سيعين حكومة انتقالية المؤلفة من 25 وزيراً، ويباشر عمله فوراً الوصول على ثقة مجلس الوطني الانتقالي.
الهوامش :
(*) طالب دكتوراه من بوركينافاسو ، متخصص في الشؤون الأفريقية، لديه العديد من المقالات المنشورة في مجلات عربية وأفريقية .