د. محمد سعيد باه (*)
ينتمي لوبولد سيدار سنغور إلى فئة قليلة من الشخصيات الإفريقية التي برزت إلى الساحة، وحظيت بشهرة عالمية مدوية خلال القرن الميلادي المنصرم(1) بقدر ما كانت مثيرة لجدل واسع.
وذلك بين من يرى فيهم جيلاً من القيادات الإفريقية الطليعية التي استطاعت أن تقود موكب الأحرار الذين انتزعوا الاستقلال انتزاعاً؛ وبين من يرى في هذا الصنف من القيادات مجرد بيارق، ينحصر دورها في رفع اللافتات التي سُمّيت أعلاماً ترمز للاستقلال بينما لا تزال الشعوب ترسف في قيود السيطرة الأجنبية(2).
لكن سنغور تميز بأن شهرته كانت متعددة الأسباب بقدر تعدد الألوان في شخصيته التي تتجاور فيها الشاعرية والسياسة والتنظير الفكري وإن بنسب متفاوتة، وهو ما يجعل دوي قصائده الذي اخترق الآفاق يكاد يطغى على بقية المكونات لدى الرجل.
واليوم بعد رحيل الشاعر السياسي بعشر سنوات(3) لا يزال النقاش يدور حوله، وخصوصاً فيما يتعلق بثلاثة عناصر جوهرية من مكونات شخصيته:
1- قيمة نتاجه الأدبي والثقافي، وليس من حيث الإبداع والتجلي، وإنما من الناحية الفكرية والأصالة وصحة الانتماء لدى الرجل، ومدى تمثيلها للهوية الإفريقية الحقيقية التي نصّب نفسه محامياً لها.
2- الرؤية التي كان ينطلق منها في مواقفه الفكرية والسياسية تجاه الوجود الإسلامي تاريخاً وفكراً، وتجاه قضايا المسلمين المحورية في السنغال.
3- إلى أي حدٍّ يمكن القبول بمصداقية الطرح الذي يقدّم سنغور بوصفه رجل دولة من الطراز الأول، استطاع أن يبني دولة معاصرة اسمها السنغال مرتكزاً على القيم الديمقراطية الحقيقية في سلوكياته السياسية الشخصية، وإدارة الساحة السياسية الداخلية لبلده وللمحيط الإفريقي؟
في السطور التالية نحاول تجميع الخيوط المتشابكة التي تتشكل منها صورة الرجل كما تنعكس علينا من داخل واقع الشعب السنغالي ومن أعماله الفكرية والشعرية، بعيداً عن الدعاية المركزة التي يحظى بها الرجل من قِبل الآلة الإعلامية الغربية، والتي – في نظرنا الشخصي – لا تقوم بأكثر من رد الجميل لشخص خدم حضارتها أكثر مما فعله كثير من أبنائها هي، وبعيداً عن النهج التحاملي الذي يصل إلى تجريده من أبسط المزايا.
قبل مناقشة المكونات الثلاثة في شخصية سنغور؛ نقدّم عرضاً مركزاً يعرّفه لنا من الناحية الشخصية، والروافد التي ساهمت في تكوينه، وتحديد ملامح شخصيته الحقيقية؛ بما يمكن من تسليط الضوء على بعض النقاط التي قد تساعد في تكوين صورة صحيحة عن الدور الذي أدّاه على المسرحين الوطني والعالمي في وقت لاحق أدبياً وسياسياً وفكرياً.
نشأته، ورحلته التعليمية والسياسية:
وُلد لوبولد سيدار سنغور في 6 أكتوبر / 1906م في أسرة مسيحية شديدة الارتباط بالكنيسة الكاثوليكية(4)، وذلك ببلدة جوال فاجوت (Joal fajout) الواقعة على الشاطئ الصغير، ولا تبعد عن مدينة دكار العاصمة سوى 70 كيلو متراً، والتي تُعد أحد أهم معاقل الكنيسة المسيحية الكاثوليكية في السنغال، ثم تربّى لدى أسرة والدته في بلدة «جِلورْ».
والده/ بازيل جوغوي سنغور (Basil Diogoye Senghor)، كان من أعيان المنطقة بسبب تجارته التي كان يمارسها بقدر كبير من النجاح، وأما والدته/ انيلان انجمي باخوم (Nilane Ndjemé Bakhoum)، فهي تنحدر من جذور ملكية، وأصولها من بلاد فوت تور.
ينتمي سنغور إلى قبيلة «سرير» الصغيرة من ناحية الحجم لكن العريقة من حيث الجذور التاريخية، وثمة تضارب حول أصول هذه القبيلة البعيدة، وإن كان من الثابت تاريخياً أنها جاءت من بلاد فوتَ تور التي هي المنطقة الوسطى لوادي نهر السنغال وتضم اليوم جزءاً من السنغال وموريتانيا، وقد استوطنوها قادمين إليها من الصحراء(5).
بدأ سنغور رحلته التعلّمية في المدارس الدينية التي كانت بعثة كاثوليكية تديرها في كل من «جِلُورْ» حيث تعلّم اللاهوت قبل أن ينتقل إلى إعدادية «انغازوبيلْ» على أيدي الآباء الأسبرتيين، حيث حصل على الشهادة الابتدائية، ثم انتقل إلى دكار والتحق بالمدرسة المسيحية المتوسطة لتكوين القساوسة تحت قيادة الأب ليبرمان (François Libermann) الذي تأثر به سنغور طول حياته.
وبعد نجاحه في امتحان الشهادة الثانوية في مدرسة «فان فون» الثانوية الحكومية بمدينة دكار، والتي كانت مسيحية في الأصل، حصل سنغور على نصف منحة دراسية ليسافر إلى فرنسا في شهر أكتوبر سنة 1928م، بعد أن تجاوز العقد الثاني قليلاً، وهناك انتقل إلى مدرسة لويس لو غران الثانوية بعد أن ترك السربون مستاءً، ثم حصل في سنة 1932م على شهادة في الدراسات العليا، وليتخرج بعد ذلك حاملاً شهادة «جائزة التدريس» (Agrégation) في النحو وذلك سنة 1938م، وكان بذلك أول إفريقي يحصل على هذه الشهادة، على خلاف ما يروج كثيراً بأنه أول إفريقي يتخرج من المدرسة العليا التي أخفق في مسابقة الدخول إليها.
وبعد أن تقلب في عدة مناصب تعليمية وسياسية استعمارية، بما في ذلك احتلال مقعد نائب في البرلمان الفرنسي عن دائرة السنغال وموريتانيا، ومنصب وزير دولة في حكومة إدغار فور، عاد إلى السنغال بدعوة من الرئيس والمحامي الكبير لمين غي(6)، والذي أصبح منافسه السياسي فيما بعد حتى استطاع التغلب عليه بدعم من القيادة الدينية التقليدية، وذلك على الرغم من كون الثاني مسلماً متديناً، وفي نهاية المطاف انتُخب رئيساً لجمهورية السنغال لأول مرة في 9 أكتوبر / 1960م.
بقي في هذا المنصب حتى استقالته يوم 30 ديسمبر / 1980م مخلّفاً وراءه رئيس وزرائه عبد جوف(7) الذي نصّبه رئيساً لجمهورية السنغال حين عهد إليه بأن يكمل فترته الرئاسية الخامسة، بعد إجراء تعديل في إحدى مواد الدستور السنغالي، لغرض نقل خلافة رئيس الجمهورية من رئيس المجلس الوطني (البرلمان) إلى السيد/ عبد جوف الذي كان في حينه يتبوأ منصب الوزير الأول، وذلك من خلال قانون 6 أغسطس / 1976م، كما جاء في مقال الكاتب يحيا مَسَلي بجريدة «والفجر» السنغالية بتاريخ: 10 أكتوبر / 2011م.
سنغور من الناحية الفكرية:
كان الرجل قد انتمى إلى التيار الشيوعي، على غرار كثير من الشبان الأفارقة الذين كانوا قد ذهبوا في تلك الفترة للدراسة في الغرب، واستهواهم بريق الفكر الشيوعي الذي كانوا يرون فيه المخلص من مخالب الاحتلال الأجنبي الجاثم على صدور شعوبهم، ثم بقي منتمياً إلى هذه المدرسة لمدة طويلة من الزمن حتى في الفترة التي أعقبت تسريحه من الجيش الفرنسي غداة الحرب العالمية الثانية، والتي وقع في أثنائها أسيراً في أيدي الألمانيين(8).
ثم توّج سنغور حياته الفكرية في نهاية المطاف بما كان يحلم به طيلة مسيرته العلمية، وذلك عندما انتُخب ليصبح عضواً مدى الحياة في الأكاديمية الفرنسية التي دخلها يوم 29 مارس / 1984م، وانضم إلى عضوية لجنة القاموس الفرنسي، وهو أمر غير مستغرب حين ننظر إلى الموضوع انطلاقاً من عطائه الفكري، والخدمات الجلّية التي قدّمها للغة والحضارة الفرنسيتين.
بالنسبة للتساؤلات المثارة حول سنغور ودوره الوطني؛ فإن مفتاح القضية كامن في مدى صحة انتمائه وولائه للوطن الذي تسلّم زمام الأمور فيه لفترة طويلة من الزمن؛ وهو ما يطرح من جانب آخر مشكلة الهوية الثقافية والاجتماعية التي كان يحملها الرجل ويصدر عنهما في تصرفاته، ويزن الأمور بهما، ويرسم السياسة الوطنية آخذاً بذلك في الحسبان.
ويتضح ذلك إذا قايسنا مفهوم الانتماء الاجتماعي والولاء الوطني بما كان يصدر عنه من تصرفات ويتخذه من مواقف حول قضايا مصيرية، كما نجد مثالاً على ذلك عندما وضع النشيد الوطني خالياً من أية رمزية لمضامين تاريخية أو قيمة وطنية مشتركة؛ يمكن أن يكون لها أثر في الوجدان العام كما يُفترض في مثل هذه القضايا المصيرية(9).
ومن وجهة نظر خصوم سنغور، السياسيين منهم والفكريين على حدٍّ سواء، لم يكن الرجل إلا مجرد حاكم فرنسي في إهاب أسمر يمثّل دولة فرنسا وحضارتها ورسالتها الثقافية لدى الأمة السنغالية تحت لافتة «الاستقلال» المضلِّلة، ولإسناد هذه الدعوى يقدّمون عدداً من الشواهد والإثباتات التاريخية مأخوذة من أقوال سنغور وأفعاله على الصعيدين الأدبي والسياسي.
ومن تلك المواقف التي تسجّل وتشكّك في أصالة ولاء سنغور للأمة السنغالية، ومن ورائها إفريقيا الحضارة والتاريخ، ذلك التصريح الخطير الذي صدر عنه يوم استقبل جورج بومبيدو صديقه الحميم وزميله في مقاعد الدراسة، والذي أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية الفرنسية، وذلك لمّا زار السنغال سنة 1970م في إطار السعي لإبرام الاتفاقية العسكرية (المشؤومة) بين فرنسا وبين بعض الدول الإفريقية، يومها فاجأ سنغور أصحاب الانتماء الأصيل إلى الوطن من السنغاليين عندما قال مفاخراً – طبقاً لما روته مجلة الإكسبريس الفرنسية عنه -: «اليوم تستقبل فرنسا السوداء فرنسا البيضاء»!!
وبقراءة بسيطة لهذا التصريح الذي هو في منتهى الخطورة؛ نستطيع القول بأن الرجل لم يكن في الحقيقة – ليس لحظةَ إصداره لهذا التصريح الخطير فحسب وإنما في كل حياته السياسية والفكرية – سوى وكيلٍ أمينٍ للتبشير بالقيم والمُثُل الحضارية ذات الخلفيات المسيحية التي يقوم عليها المجتمع الفرنسي؛ في وسط المجتمع السنغالي المسلم، إلى حدّ الجرأة على اختزال – وإلغاء – وجود أمة بكاملها وحضارتها ووجدانها وهويتها، ثم يقوم بإحلال حضارة أمة أخرى وثقاففتها – جثمت على صدور أبنائها ما يربو على ثلاثة قرون محل ذلك – وتراوحت سلوكياتها خلالها ما بين التنكيل والاسترقاق، وبين الاستغلال الجشع والاستلاب البشع.
إن هذا التصريح لو كان صدر من أي كاتب طاش قلمه، أو من حنجرة طائش عاشق للنمط الحضاري الفرنسي من غمار الناس، لكان بمثابة جريمة بحق الوطن يجب اتخاذ أشد الإجراءات من المساءلة والتأديب بحقه، فكيف إذا جاء من رجل يتبوأ أعلى مقعد في الدولة، ينص دستورها على أن من واجباته الوطنية تجاه أمته أن يكون: «الحامي الأول للفنون والآداب، يجسّد الوحدة الوطنية، يضمن استمرارية تسيير المؤسسات والاستقلال الوطني ووحدة التراب الوطني، وهو الذي يحدّد سياسة الأمة»؟!
على هذا يمكننا أن نقبل، حين نعمّق النظر في علاقة سنغور بالكنيسة الفرنسية، موقف بعض المنتسبين إلى التيار الإسلامي الذين يصرّون على تقديم الرجل بوصفه مجرد منصّر في زي سياسي، مكّنته حنكته ودهاؤه من أن يصبح رئيساً للجمهورية!
ومن الأمثلة على ذلك الحبّ الشديد الذي بلغ حدّ الوله، والذي ظل سنغور يكّنه إلى آخر لحظة من حياته للبعثة التنصيرية في دكار التي تربّى في أحضانها؛ بسبب التأثير القوي الذي تركته في نفسيته، وهو ما جعله يتساءل حين انتهى من المرحلة الإعدادية: «ترددت بين أن أكون راهباً وبين أن أمتهن التعليم، لكنني في النهاية اخترت أن أكون الاثنين».
هل كان سنغور أميناً في تحديد خياراته المرجعية التي تتحدد وفقها مواقفه وسلوكياته الفكرية والسياسية والأدبية؟ وبعد أن رأيناه يقرر بلا مواربة بأنه قد انحاز إلى أن يكون قسيساً وأستاذاً في آنٍ معاً، يجيب عن سؤال يتعلق بخياره الرئيس، كما رواه عقل العويط في مقال له بعنوان «سنغور شاعر التهجين وديناميكية الهواء»: «أختار قصائدي فهناك الجوهري».
ومن مظاهر حبّه لهذه البعثة تعلّقه الشديد بالأب ليبرمان مؤسسها ورئيسها، وصاحب المقولة الشهيرة التي كثيراً ما كان سنغور يرددها في كتاباته الفلسفية والفكرية، حيث يلخّص الرجل رؤيته لرسالة المنصّرين الأوروبيين المنتدبين للعمل في إفريقيا: «كونوا زنوجاً مع الزنوج لتكسبوهم لعيسى المسيح».
كي يتضح البعد الديني في الدور الذي كان سنغور يؤديه وفق خطة مرسومة بدقة؛ يجب الحديث، وإن في عجالة، عن الرجل الذي أشرف على تكوينه الأساس، وظلّ سنغور ممتناً له طيلة حياته، وهو الأب جاكوب ليبرمان الذي ولد (1802م) يهودياً، وتلقّى تكويناً خاصّاً يؤهله ليكون حاخاماً، لكنه تحوّل إلى المسيحية سنة 1841م، وبعد تعميده درس اللاهوت المسيحي حتى ارتقى إلى درجة القسيس، ومن ثمّ أصبح اسمه الأول «فرنسوا».
ومن أهم أعماله في مجال التنصير قيامه بإنشاء مؤسسة متخصّصة للتنصير في إفريقيا، وفي سنة 1845م وصل إلى السنغال يحمل مشروعه، وفي العام التالي (أي 1846م) توجّه إلى الفاتيكان حاملاً أول خطة تهدف إلى تنصير كل القارة الإفريقية(10).
في أحضان هذا الرجل تربّى سنغور، وتشرّب، ليس روح المسيحية فحسب، وإنما جرعة تنصيرية عظيمة، وجعله تعلقه بالأب ليبرمان يقول في آخر حياته، حين كتب مقدمته للمؤلَّف الضخم الذي أشرف عليه الأب بول كولون (paul coulon)، والذي خُصّص لحياة ليبرمان وأعماله: «لقد ساعدني فكر وروحانية الأب فرنسوا ليبرمان كثيراً، ليس في حياتي كوني مسيحياً، ولكن أيضاً في حياتي الثقافية، بل وحتى باعتباري كاتباً زنجياً إفريقياً»(11).
وعلى الجانب الآخر؛ نجد لدى بعض من لا يُتهم بأنهم كانوا من صفّ خصومه السياسيين أو الفكريين من يُقدّم شواهد لا تقل أهمية وخطورة عن ذلك التصريح، تؤكّد كلها أن ولاء سنغور للجمهورية التي كان يرأسها والأمة التي كان يدّعي الانتماء إليها كان ولاءً صورياً أو مغشوشاً؛ لأنه كان يفتقد المرتكز الحضاري والعمق الاجتماعي والانتماء التاريخي الأصيل؛ مع ما يقتضيه ذلك كله مجتمعاً من الارتباط والإيمان والقدرة على التعبير عن ذلك الارتباط والإيمان، وخصوصاً بالنسبة لمن كان في مثل وضع سنغور السياسي والثقافي.
من هؤلاء الذين لا يُتهمون في مخاصمة «سنغور» عثمان كمار(12)، الذي وضع كتاباً على صورة مذكرات شخصية، ودّم فيه صورة مهمة عن التاريخ السياسي السنغالي، فقد حفل الكتاب بالأدلة الحسّية على طغيان ولاء سنغور لفرنسا ولحضارتها وثقافتها على كلّ اعتبار آخر لديه، ومن ثم لم يكن، وهو في صدد بناء الدولة السنغالية ومجتمعها المعاصر، يرى وجود فرصة لنجاح هذا المشروع بعيداً عن فرنسا وقيمها ومرجعياتها الحضارية والتشريعية، كان سنغور يرى في فرنسا الفرصة والنموذج والتاريخ والمستقبل، وهو ما انتهى بمشروعه المزدوج إلى ارتهان إرادة الأمة السنغالية ومصيرها بصورة خطيرة لا تزال انعكاساتها السلبية ماثلة، وربما تكون ثمة جوانب أخرى لم تتكشف بعد، وقد يحتاج الأمر إلى إجراء دراسات معمّقة للكشف عنها وعن نتائجها الخطيرة.
بعد عرض صورة غير وضّاءة للوضع العام الذي كانت عليها الإدارة السنغالية بعد مضي خمس عشرة سنة من الحصول على الاستقلال، حيث نجد مرافق الدولة السيادية والحسّاسة جدّاً، مثل الوزارات والقضاء والجامعة والمؤسسات الاقتصادية الرئيسة وقيادات الجيش والمؤسسات الثقافية والفكرية، لا تزال في أيدي الفرنسيين، ليس فقط على مستوى المستشارين الفنيين والخبراء والمديرين، وإنما على مستوى الوظائف الدنيا أيضاً؛ مثل السكرتيرات وصغار الموظفين.
عن هذا الواقع المؤلم يقدّم لنا الكاتب تشكيلة من المقاطع التاريخية التي لا شك أنها صادمة، ومنها على سبيل المثال:
«كان سنغور لا يرى طريقة النجاة إلا من خلال فرنسا، تماماً مثل خالي الذي لم يكن يشعر بالسعادة إلا عندما يسمعني أدندن بهذا المقطع من المحفوظات – والذي لم أعد أحفظ منه سوى كلماته الأولى -: عزيزتي خريطة فرنسا، أيتها الصورة المقدسة…»(13).
وفي مكان آخر يقول المؤلف عن شدة تعلق سنغور بفرنسا – بالرغم من أنه سيحاول فيما بعد أن يجد له بعض العذر من المنظور الخاص الذي كان يتناول من خلاله الأمور -: «عندما استمع سنغور إلى خطاب كيبا امبي(14)، وهو جالس في صالونه، لا شك في أنه شعر، مع قدر من المرارة، بالخسائر التي سبّبها عشقه الأعمى لفرنسا العاقة، والتي ستقتله مرة أخرى حين سترفض حتى مجرد حضور مراسم جنازته(15).
ومع ذلك فقد كان منطقه يملي عليه دوماً بالابتعاد عن فرنسا التي كان هيامه بها قد رماه في أحضانها، لكنه ظل عاجزاً عن الاستجابة لذلك النداء، ومن ثم لجأ إلى هذا الابتهال وهو في حالة الحيرة»(16).
وبعد أسطر يقول الكاتب، عندما انتهى من عرض مقتطفات من تلك القصيدة البائسة التي تُجلّي التناقض الصارخ بين الشاعر الذي تحاصره العواطف ثم ينكفئ على نفسه فيعبّر بتلقائية ووضوح، وبين رجل السياسة التي يصدر عن مواقف مدروسة ويتحرك وفق حسابات دقيقة لا مجال فيها للارتجال: «والأخطر من «الضعف الكبير» أن سنغور قد أحب فرنسا أكثر من اللازم، ما جعله يثق بالفرنسيين بصورة عمياء، ومن ثم فشل في تنمية بلاده، وتبعاً لذلك لم تصبح دكار عام 2000م مثل باريس»(17)!
من الناحية الأدبية، والإنتاج الفكري:
لا شك في أن سنغور كان عالي الكعب في الأدب، وشاعراً فذّا كما تعكس دواوينه التي صدرت في أعماله الكاملة، ومن حيث التصنيف؛ فالنقاد يقدّمونه بوصفه منتمياً أساساً إلى المدرسة الرمزية، وينطوي شعره على الخاصية الغنائية، وقد تُرجم بعض شعره إلى اللغة العربية وغيرها من لغات العالم، كما تراوح في مرجعيته الشعرية بين رمزية بول كلوديل ورمزية – سريالية سان جون بيرس، وإن كان أكثر انشداداً إلى نموذج الأول مع نصيب من الكثافة الشفوية التي أمدّه بها الشعر الشعبي الزنجي، وهو ما يتجسّد في دواوينه الشعرية، مثل: «أغاني الظل» (1945م)، «القرابين السوداء» (1948م)، «إثيوبيا» (1956م).
أما على المستوى الفكري: فقد خلّف سنغور ميراثاً له وزنه، خصّص معظمه للتنظير لقضيتين مركزيتين عنده، هما:
1 – ما اصطُلح على تسميته «الاشتراكية الإفريقية»، وهي المهمة التي دفعته إلى القيام بقراءات معمقة لتنظيرات المدرسة الماركسية؛ مع التركيز على أطروحات كارل ماكس نفسه كما جاء في كتاب حرية (4)؛ من سلسلة أعماله الفكرية التي تحمل عنوان «الحرية».
– الزنوجة التي ينسب إليه البعض أبوتها، لكنها في الحقيقة ترجع إلى الكاتب الكبير إيمي سيزير الذي استفاد منه سنغور كثيراً، وهو ما يعترف به في كتاباته، ثم حاول فيما بعد، ربما بسبب الانتقادات الشديدة التي تعرّض لها من قِبل أدباء ومفكرين أفارقة أمثال الروائي النيجري وول سوينكا، والعالم والسياسي السنغالي شيخ أنت جوب، وغيرهما، حاول أن يقدّم تعريفاً فلسفياً لمفهوم الزنوجة بهذه الكلمات: «إن الزنوجة ببساطة هي الاعتراف بكون الإنسان أسود، والقبول بناء على هذا بمصيرنا باعتبارنا سوداً، وبتاريخنا وبثقافتنا»(18).
أقل ما يمكن قوله عن هذا التعريف لقضية بهذا الحجم من الخطورة أنه رجراج، ولا يقود إلى أي مضمون فكري أو حضاري يمكن أن يسوّغ الجدل الذي وصفه بعض الناس بالعقم، وقد يكون المسوّغ من وراء كل ذلك ما انتهى إليه الرجل حين نادى لاحقاً بما سمّاه «الحضارة الإنسانية»؛ حيث قبل أن يُذيب نفسه في الآخر الغربي، وهو ما سمّاه بعض خصومه بالذوبان الكلي في الآخر دون أي مقابل من الجهة الأخرى.
أما حين نمعن النظر بوعي في نتاج سنغور الفكري والأدبي، فسيصدمنا أنه كان يعاني حيرة حادة بين جذوره الاجتماعية أو القومية وبين روافده الفكرية؛ متى تعلق الأمر بالبوح بالانتماء والهوية، فساعة يحلّق في أجوائه الصافية مطلقاً العنان لأشواقه، حيث لا قيود تحدّ من انطلاقته وعنفوان شاعريته، أو في أثناء سياحاته الروحية، تراه يهرع إلى مملكة الصبا ليرتمي في أحضان تلك المرأة الزنجية(19) مبهوراً بجمالها، منتشياً بخمرة الأمومة، مأخوذاً مبهوراً.
وأما إذا شدّته حبال الواقع، وكادت جذوة العاطفة تخمد، فسرعان ما تجنح سفينته للضفة الأخرى، ويبلغ به التبدل حتى يكاد ينسلخ من جلده لينضم إلى ذلك الصنف المدجن الذي يُطلق عليه المفكر والأديب ورجل الدولة السنغالي شيخ حامد كن وصفاً تهكمياً ضاحكاً: «الأوروبيين السمر»، وهو نعت راج فيما بعد لدى الأوساط العامة.
ربما كانت هذه الحيرة الحادة هي التي تكمن وراء تذبذب طرحه الفكري؛ بخصوص المشترك الإنساني الذي حاول أن يشكّل منه مختزلاً أو نسقاً فكرياً لما سمّاه «الحضارة الكونية»، والتي تكاد ألا ترى لها قسمات محدّدة للهوية ولا للانتماء، وقد عالج هذا الموضوع في كتابه: «الإفريقية، العربية والفرنساوية» (Négritude, Arabite Et Francite).
لكن هذا التعلق بالحضارة واللغة الفرنسية من سنغور أمر لا يستغرب إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية مسيرته العلمية والثقافية، والتي ظلّت تخضع لعملية غسيل المخ التي كانت المدرسة الكنسية تنفّذها بحماس وعنف من أول سطر إلى آخر سطر.
موقف سنغور من الإسلام:
إذا اتخذنا مما سبق قنطرة للوصول إلى موقف سنغور من الإسلام، من حيث وجوده الحضاري والتاريخي في هذه المنطقة، والمسلمين بوصفهم واقعاً بشرياً يجب عليه التعامل معه من موقعه في قمة هرم السلطة السياسية السنغالية، فسنجده يسلك نهجاً أقل ما يُقال عنه بأنه لم يكن ودياً، بالرغم من الزعم الأجوف بأن الرجل كان متعاطفاً مع الإسلام! إلى درجة أن أحد المشايخ الذين كان سنغور يتكئ عليهم بهدف الاستمرار في حكم شعب مسلم بأغلبية كاسحة تتجاوز 95% يقول عنه: «سنغور كافر بقلب مسلم»!!
كان سنغور من الذكاء بحيث يتفادى الاصطدام المباشر بالإسلام، لذلك كان يلجأ إلى وسائل خفية، وأحياناً خبيثة، لتحقيق ما كان يسعى إليه من أهداف في استبعاد الإسلام، والحيلولة دون أن يستعيد تلك المكانة السامقة التي كان الاحتلال الأجنبي قد نجح في أن يزحزحه عنها، تارة بقوة القانون، وأخرى بقانون القوة، أو كما قال أحدهم بحجة القوة.
لذلك؛ بالرغم من الدعاية المركّزة التي حاولت أن تحيط سنغور بتلك الهالة المضلّلة؛ فإن ثمة مواقف تفضح أهدافه وتعريه في نهجه الذي كان يتعاطى به مع الإسلام وقضاياه، ومن بين الأمثلة الكثيرة التي يمكن أن نقدّمها في هذا الصدد موقفه من حركة المسجد الذي جاء في سياقه رفضه القاطع لبناء مسجد قرب مطار دكار الدولي(20).
جاء هذا الموقف ضمن ما زعم بأنه كان عبارة عن خطة سرية؛ كانت تسعى إلى نزع الروح الإسلامية عن العاصمة السنغالية التي كانت الجماهير تستميت في المحافظة عليها، وقد يكون ذلك مندرجاً في مشروع تنصير المعالم الذي كانت الكنيسة تنفذّه في كثير من المدن الإسلامية العريقة، كما حدث في إفريقيا، وفي البلقان حين وصل الأمر إلى شراء مقابر ووضع صليب عليها، وهو ما عكسه التخطيط العمراني الذي كان يركّز على أن تكون الأحياء الراقية في دكار خالية من المساجد بينما تحيط بها المراكز المسيحية من كل جانب، وهنا جاء اتهام سنغور بأنه كان ينفذ برنامجاً سرياً وخطيراً عنوانه: «مدينة بلا مساجد»(21).
والنموذج الثاني يتمثل في العمل للقضاء على المحاكم الإسلامية للأحوال الشخصية التي كان الاحتلال، على الرغم من شراسته المعهودة في معاداة الإسلام، قد ترك لها هامشاً ضيقاً، ثم أضاف سنغور إلى ذلك فرض مدونة (قانون) للأسرة على المجتمع السنغالي المسلم، والتي لم تكن سوى مجرد نسخة منتحلة من القانون الفرنسي الذي يُعرف بالنابليوني؛ ولمّا حاولت المشيخة الإسلامية أن تتصدى له وطرحت مشروعاً بديلاً لمدونة الأسرة اختار اللجوء إلى القوة والضغط ووسائل أخرى لفرض مدونته.
المثال الصارخ الآخر يقدّمه إصراره على الحكم بالقتل وتنفيذه على البطل مصطفى لوح الذي آلمه الاستفزاز الذي كان سنغور يمارسه ضد المسلمين إلى حدّ احتقار مشاعرهم والتلاعب بشعائرهم بحضور صلاة العيد في المسجد الجامع؛ ومن ثمّ لم يستطع كبح جماحه فأطلق عليه النار دون أن ينجح في قتله، فما كان من سنغور إلا أن قتله بالرغم من شفاعة القيادات الدينية التي كان يدّعي الولاء لها، ومن بينهم سعيد نور تال حفيد المجاهد الحاج عمر الفوتي تال الذي كان سنغور يناديه بـ: «يا أبت»، وعبد العزيز سهْ الخليفة العام للطائفة التجّانية في حينه.
ثم يبقى الموقف الأشد معاداة، والذي كان سنغور يتخذه من الإسلام ووجوده في السنغال، يتمثل في رفضه القاطع لتوظيف الرموز الإسلامية الكبيرة التي يزخر بها التاريخ السنغالي بوصفها الركائز الضامنة لبناء الدولة الحديثة والنماذج الملهمة، حيث تراوح موقفه من هؤلاء بين رفضه تقديمهم رموزاً وطنية قدّمت الكثير للمسيرة الحضارية للأمة السنغالية، وبين تجاهل تدريس تاريخهم في المناهج الدراسية التي تمتلئ بالرموز المسيحية الأجنبية، وبين تشويه هذا التاريخ حين يكون لا مناص من ذكره.
والنقطة الأخيرة التي نريد تسليط الضوء عليها لتتكامل الصورة التي نريد رسمها للرجل؛ تتعلق بمدى صحة الطرح الذي يقدّمه بوصفه رجل دولة من الطراز الأول، ومؤسس النظام الديمقراطي في السنغال، والذي يقدّم بوصفه نموذجاً ناجحاً لبناء الدولة المعاصرة في إفريقيا.
يمكننا أن نكتفي في هذا المقام، بالسرد المركّز الذي قدّمه المحامي والمناضل السياسي بابكر انيانغ الذي قال عن سنغور في هذا الجانب: «ما بين مارس 1962م وبين أكتوبر 1975م أصدرت المحاكم الاستثنائية في ظل سنغور أكثر من (300) سنة سجن، أكثر من (200) حكم مع الأشغال الشاقة، عدة أحكام بالمؤبد، وحكمين بالإعدام تم تنفيذهما فعلاً»(22).
وأخيراً:
فالسؤال الذي ربما يظل يؤرقنا ونحن ننبش في أوراق سنغور الخاصة بعلاقته بالإسلام والمسلمين، وكيف استطاع أن يتبوأ أعلى مقعد في مجتمع مسلم عميق التدين، شديد الولاء لدينه، حريص على إعلان هويته العقدية، مثل الشعب السنغالي، هو الذي طرحه المحامي بابكر انيانغ: أكان سنغور مجرد حادث في التاريخ السياسي السنغالي؟
إذاً فالرجل كان عنصراً قد تمّ زرعه، بعد أن انتهت صناعته بعناية، ليؤدي دوراً محدّداً، ويسعى إلى أهداف واضحة، اعترف بها فيما بعد في أثناء زيارة له إلى الفاتيكان حين قابل البابا وقال له – كما نقلت صحيفة L’Observator Romano الإيطالية -: «لا أستطيع أن أفعل شيئاً كي أمنع المسلمين في أغلبيتهم أن يكونوا مسلمين، لكني سأعمل لأجعل منهم مسلمين سيئين»(23).
كاد ينجح في مهمته لولا أن رحمة الله قد تداركت هذه الأمة التي ينبض قلبها للإسلام، كما يقول المفكر ورجل الدولة السنغالي شيخ حامد كنْ(24)، وقيّض الله لها فئة مؤمنة أخذت تعمل لإعادة بناء هويتها على أساس عقيدتها التي بقيت، بالرغم مما أصابها من خدوش حادة، حية متقدة، ومن ثمّ أخذت اليوم تحوّل تلك المساحات والأماكن التي كانت قد خُصصت للهو والعبث، وفق خطط سنغور، إلى مساجد ومدارس إسلامية وحلقات تحفيظ.
﴿… وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج : 40].
الهوامش والإحالات:
(*) أستاذ جامعي – السنغال.
(1) عدّه سراج جالُو، الصحفي والسياسي الغيني الراحل، أعظم هؤلاء جميعاً، انظر: مقابلته مع مجلة (JEUNE AFRIQUE) في عددها الخاص رقم (11) الذي صدر بمناسبة وفاة سنغور.
(2) انظر: مقالنا بعنوان: (خمسون سنة ونحن نرسف في قيود الاستقلال)، مجلة الملتقى السنغالية، عدد 4 – 2010م.
(3) تُوفي سنغور في 20 كانون الأول / ديسمبر سنة 2001م ببلدة فنسون الفرنسية، والتي كان يقيم بها منذ أن غادر كرسي الرئاسة السنغالية، ثم نُقل جثمانه إلى السنغال، حيث دُفن بمقبرة «بلّير» في دكار.
(4) يجب أن نؤكد أن سنغور وُلد مسيحياً على خلاف ما يروج في بعض الكتابات العربية التي تتحدث عنه، من خلال نظرية المؤامرة الشهيرة، والتي تدّعي بلا دليل أنه ولد مسلماً ثم اختطفته الكنيسة ورعته لتنصبه رئيساً على رأس دولة مسلمة بعد أن نصَّرته، أما العامل الذي يمكن أن يكون قد أدى إلى هذا الوهم فهو أن والدته انيلان انجمي باخوم تنحدر من جذور فلانية، وهي القبائل التي تتميز بعراقة الإسلام وانتشاره فيها.
(5) على الرغم من أن لجوء هذه القبيلة إلى ساحل الأطلسي كان وراءه المد الإسلامي الآتي من الصحراء؛ فإنها اليوم تتجه نحو الإسلام بخطى متسارعة بعد أن نجحت الكنيسة في استمالتها لفترة من الزمن، ومن حيث الأصول البعيدة ينسب بعض المؤرخين قبائل «السرير» إلى مجموعة قديمة تُعرف في المصادر باسم «بافور» (BAFOUR)، حيث يلتقون بالفلانيين والسوننكى والماندينغ وغيرهم من الشعوب التي تقطن المنطقة اليوم، انظر: المؤرخ البروفيسور/ مصطفى بولِ كَنْ (سَيْدُ كنْ): تاريخ فوتَ تورُ، غير منشور، نسخة إلكترونية في حوزة الكاتب.
(6) تقول المصادر الموثقة إن فرنسا هي التي فرضت سنغور على لمين غي، كما يؤكد ذلك المحامي بابكر انيانغ، حين اشترطت عليه ذلك كي تدعم ترشحه، وذلك تمهيداً ليؤدي سنغور دوره المرتقب.
(7) غالباً ما يُكتب اسمه العائلي بالعربية هكذا: «ضيوف»، والأرجح أن هذا الخطأ مرده كون الاسم يكتب بالفرنسية بحرف دال هكذا (Diouf)؛ علماً بأنه ينطق في اللغة الفرنسية بـ: «جوف»، وكذلك لدى قبيلة السرير الذين هم أصحاب هذا اللقب العائلي.
(8) عثر أحد الباحثين الألمان في الفترة الأخيرة في فرنسا على نص نادر كتبه سنغور في أثناء فترة أسره، تناول فيها قضايا تتعلق بتلك المرحلة.
(9) حيث نجد في هذا النشيد مؤشراً داعماً على هذا التوجّه التهريجي، فضلاً عن رغبة جامحة في الابتعاد عن مكونات الأمة الحقيقية، يقول سنغور: «شدوا جميعاً أوتار «الكورا» (آلة موسيقية لدى شعب الماندينغ)، اضربوا البلافونات (آلة موسيقية إفريقية)، فالأسد الأحمر قد زأر»، (انظر: الترجمة الكاملة لهذا النشيد في ملاحق: بحث «السياسة السنغالية: مواقف ومحطات»، للكاتب).
(10) انظر: نص كلام سنغور في المقدمة المشار إليها في بحث قدّمه الأب بول كولون؛ ضمن أعمال الندوة التي نظمها الفرع الفرنسي للجمعية العامة لمنظمة الفرنكوفونية، في باريس بمقر اليونسكو في سبتمبر، 2011م.
(11) انظر نص كلام سنغور في المقدمة التي كتبها للمؤلف الضخم- على حد تعبير الأب بول كولون – عن الأب ليبرمان والذي صدر 1988م، المصدر السابق.
(12)«عثمان كمار» من كبار رجال الدولة في السنغال في عهدي سنغور وعبد جوف، تبوأ مناصب عالية في السلك القضائي، كما تولى عدداً من الحقائب الوزارية.
(13)Ousmane camara, itinéraire d’un juge Africain, Karthala, paris, 2010
(14) كيبا امبي أحد كبار رجال القانون السنغاليين وله شهرة عالمية، وكان عضواً في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وكان رئيساً للمحكمة العليا يوم تنصيب الرئيس عبد جوف، وقال له في كلمته: «سيدي الرئيس، فالسنغاليون مرهقون»، ملمحاً إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ترك سنغور الشعب السنغالي يتخبط فيها.
(15) أيمكن القول بأن الرجل أصيب بخيبة أمل من النوع الذي لا شفاء له إلى درجة أنه أوصى أن يكون مدفنه في السنغال بعد موته، حيث يرقد في مقابر «بلّير» المسيحية في مدينة دكار، علماً بأنه فضّل الاستقالة ليختم حياته بتحقيق حلم طالما راوده؛ ألا وهو تخليد ذكراه بدخول الأكاديمية الفرنسية؟
(16) يشير الكاتب إلى قصيدة لسنغور يشكو فيها بمرارة من عقوق فرنسا، وجاء فيها: «إلهي اغفر لفرنسا التي تدل على الطريق المستقيم ثم تسلك الدرب المعوج، وتدعوني إلى مائدتها وتأمرني بأن أحمل معي خبزي، تعطيني باليد اليمنى بينما تنتزع اليسرى النصف»!!
(17) Ousmane camara, ibid
(18)Lépold Sédqr Senghor,Negritude, Arabite Et Francite, Dar Al-Kitab Allubnani, Beyrouth. 1969
(19) هذه المرأة إحدى أهم رموز شعر سنغور، وقد خصّص لها قصيدة نالت شهرة مدوية في الأوساط الأدبية، وقد ترجمتها إلى العربية نجاة محمد علي، وعنوانها: «المرأة السوداء»؛ ومطلعها: «يا امرأة عارية، يا امرأة سوداء، تكتسين لونك الذي هي الحياة…».
(20) قصة هذا المسجد تُبرز الصراع الذي كان يخوضه سنغور ضد الوجود الإسلامي في السنغال، وضد كل ما يرمز إليه، ونكاية به قرر القائمون على شأن هذا المسجد – الذي أصبح فيما بعد أحد معاقل الدعوة وتسويق المشروع الإصلاحي – أن يطلقوا عليه اسم «المسجد الذي لم يكتمل».
(21) كما ورد على لسان الإمام امبي انيانغ إمام مسجد المطار في محاضرة له بعنوان: «دور المسجد في بناء المجتمع الفاضل»، في الموسم الثقافي بمسجد المطار في رمضان / 2007م.
(22) Abdoulaye Diallo, Face Cachee De Notre Democratie, Senegal 1957 – 2007
(23) هذه الرواية شهيرة ومتداولة، وممن وثقها عثمان كمار في كتابه المشار إليه، نقلاً عن الشيخ عبد الأحد امبكى، الذي أراه نسخة من الجريدة وترجمة الكلام الذي صدر عن سنغور بهذا الخصوص.
(24) انظر: رواية «المغامرة الغامضة»، من تأليف شيخ حامد كن، وترجمة محمد سعيد باه إلى العربية.