هيئة التحرير
اتجهت الأنظار إلى رواندا في الآونة الأخيرة بعد عقدين من الإبادة الجماعية التي شهدتها البلاد وراح ضحيتها 800 قتيل، وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة، عام 1994، نظرا لنموها الاقتصادي المضطرد، وسعيها الحثيث لتصبح مركزا تجاريا إقليميا في منطقة شرق إفريقيا.
لقد أصبحت أرض الألف تل أحد أسرع الاقتصادات نموا في القارة السمراء، حيث يعتمد اقتصادها على الزراعة وتربية الحيوانات والتعدين والسياحة، وحقق الاقتصاد الرواندي نموا بلغ 5.9% عام 2016، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي 9.5 مليار دولار عام 2018، وسوف يحتفل الشعب الرواندي خلال سنة 2020 بصفر حالة فقر في البلاد.
ومرة أخرى تخطف رواندا الأنظار بإنتاجها شركة Mara أول هاتف ذكي مصنع بالكامل،فهناك شركات تقوم بتجميع الهواتف الذكية في مصر وإثيوبيا والجزائر وجنوب إفريقيا، لكنها تستورد مكونات تلك الأجهزة، أما في رواندا فهي تصنع مكونات الهواتف الذكية، بما فيها اللوحات الأم والأجزاء الأخرى.
ويأمل الخبراء في Mara أن تلقى منتجاتهم الجديدة رواجا واسعا بفضل اتفاقية التجارة الحرة لإفريقيا، والتي ستضم 55 دولة، وسيبدأ العمل بها منذ الأول من يوليو 2020، حيث تهدف مارا لتصدير الهواتف إلى بلدان أخرى في المنطقة كذلك.
ليست قفزة في الهواء:
والحقيقة أن هذه الخطوة ليست قفزة في الهواء، بل تأتي متسقة تماما مع الاستثمار الذي قامت به مجموعة مارا فون ” Mara Phones Group ” والتي كانت في وئام تام مع تركيز البلاد على الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا،باعتبارها المحرك الرئيس للتطور الاقتصادي.
كما ان القيادة في البلاد هيئت البيئة المناسبة للاسثمار، حيث تعد رواندا من أفضل ثلاث دول في إفريقيا من حيث سهولة بدء مشروع تجاري بعد موريشيوس وجنوب أفريقيا، بالإضافة لوجود اتفاقيات تجارية مع كثير من البلدان.
وتسعي الدولة لخلق مناخ جيد للاستثمار لتحقيق خطتها الاقتصادية لعام 2020 من خلال قوانين محفزة للمستثمرين وانشاء مركز ” One Stop center “، إضافة إلى أن رواندا من الدول الأفريقية اللى بتتمتع بالأمان وانخفاض معدلات الجريمة والفساد .
علامة فارقة للقارة الأفريقية:
وهذه لحظة ربما تشكل علامة فارقة للقارة الأفريقية، تنبأ بقدرة دولها على خوض غمار التكنولوجيا الحديثة بقدم ثابتة راسخة لانتاج منتجات قياسية عالمية عالية الجودة.
وهذا ما يقودنا إلى عقد مقارنة بين موارد رواندا وقيادتها وبين غيرها من الدول الأفريقية التي ربما تفوقها من حيث الموارد والقدرات، ولكن تغيب عنها القيادة الواعية بأهمية الاستثمار في المجال التكنولوجي وتهيئة البيئة الاقتصادية والسياسية للنجاح.
ففي الوقت الذي كان يفكر فيه أبناء رواندا في إيقاف نزيف الحرب وتنمية بلادهم، كانت دولا أخرى لاتبعد عنها كثيرا من الناحية الجغرافية تسبح في الفساد المالي والإداري دون التفكير في البناء والاستثمار والتقدم.
إن التجربة الرواندية يجب أن تقف عندها دول القارة جميعها، ودراسة الطرق التي حولت عاصمتهم من بحور الدماء إلى روعة وجمال وتنمية وتفوق جعلهم يصنعون هواتف ذكية ستنتشر في جميع بقاع القارة السمراء قريباً.
أسئلة صامتة؟
ودون ضجيج يظهر للعيان تسير رواندا في الطريق الصحيح نحو الانتاج والانتاجية والاستثمار، فهل تتركها العيون المتربصة بالقارة تكمل مسيرتها الناجحة؟، أم ستضع العصا في العجلة لاعادة رواندا إلى سنوات عجاف على الصعيد السياسي والاقتصادي؟
إن الغرب غالبا ما يدعي مساعدته لدول القارة لتخطو نحو التقدم والتنمية والإزدهار، لاسيما في الجانب الاقتصادي، ولكن من يتأمل يجد أنه كذلك حريص أشد ما يكون الحرص على أن تبقى هذه الدول تدور في فلكه السياسي والاقتصادي، وأن تكون خطواتها في هذا الإطار لاتتخطاه نحو الاستقلال الحقيقي الذي تسير فيه رواندا.