الكثير من المجهودات بُذِلَتْ في العقود السابقة من أجل تحقيق تنمية مستدامة في القارة السمراء؛ سواء على المستوى الجماعي من خلال المنظمات الإقليمية، أو على المستوى الفردي من بعض الدول التي استطاعت أن تحقِّق خطوات ملموسة في التنمية المستدامة في بلدانها.
فبعد سنواتٍ عجافٍ من التبعية للغرب، الذي اعتمد على مصادر القارة الطبيعية من أجل تحقيق أهداف التنمية الخاصة به -سواء فيما يتعلق بالنفط والغاز، أو ما يتعلق باليورانيوم من أجل تشغيل المفاعلات النووية، أو الذهب والألماس، بالإضافة إلى العقود الاحتكارية التي وقَّعتها الشركات الغربية من أجل استنزاف الثروات الإفريقية وشرعنة الاستيلاء عليها-؛ وضعت القارة السمراء أقدامها على أول الطريق من أجل التحكُّم في مصيرها، والاستفادة من ثرواتها الطبيعية؛ وذلك عن طريق التنسيق داخل المنظمات الإفريقية، العامة منها والاقتصادية، وكذلك استفادت القارة من عقود من الإصلاح المؤسسي، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو التعليمي.
وبالتوازي مع مفهوم التنمية المستدامة؛ فإن التنمية البشرية تُعَدُّ امتدادًا لذلك المفهوم، وإن كان بانتهاج أسلوب آخر؛ فالتنمية البشرية تعتمد على تنمية الفرد، وإعطائه المزيد من الحريات وفُرَص العمل، بدلاً من الاتجاه الذي يعتمد على الإصلاح الاقتصادي العام، والذي ربما لا يُؤْتِي ثماره فيما يتعلّق بحصة المواطن البسيط؛ حيث إنَّ الكثير من الدول التي شهدت إصلاحًا اقتصاديًّا لم تستفد منه سوى النخبة أو القلَّة من رجال الأعمال الذين غالبًا ما يكون لديهم مصالح مع الأنظمة، ولم يُفْلِح نموذج الـ economics Trickle-down -أو ما يُطْلَق عليه اقتصادات التسرُّب- في إنقاذ دول مثل مصر على سبيل المثال، والتي خلقت طبقة من رجال الأعمال من أجل تشغيل الشباب، وتحمل عن الدولة عبء التوظيف، في الوقت الذي تحصل فيه الدولة الضرائب والجمارك في إطار برامج الخصخصة التي تعمل على بيع أصول الدول.
فهذا النموذج وإن كان قد استطاع أن يحقق نموًّا محدودًا وصل إلى 7% في الحالة المصرية قبل ثورة 2011م، إلا أن المواطن البسيط لم يستفد من ذلك النظام، بل ازداد فقرًا في الوقت الذي ازداد فيه رجال الأعمال غنًى.
ومنذ ما يقرب الثلاثين عامًا يقوم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة برعاية برامج التنمية البشرية حول العالم، والتي تقوم على تثقيف المواطنين، والعمل على توفير مزيد من الحريات السياسية والاقتصادية، وكذلك العمل على تدريب وتثقيف العمال والموظفين، في ظل تطوُّر الاقتصاد الدولي الذي أصبح متشابكًا وعابرًا للحدود، ومتشابكًا مع القضايا الاجتماعية والبيئية، ويتقاطع كذلك مع المشكلات المحلية؛ مثل التصحر والانتقال من الريف إلى الحضر، ومِنْ ثَمَّ عملت الأمم المتحدة على توفير برامج تتمتع بكلٍّ من الشمولية، وكذلك الخصوصية لكل بيئة محلية.
وتشير إحصاءات برنامج التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة لعام 2018م إلى تطور في التنمية البشرية لغالبية الدول الإفريقية، بالرغم من أن هامش التقدم لا يزال صغيرًا، وكذلك بقائهم في ذيل القائمة مقارنة بالدول في القارات الأخرى، إلا أن ذلك التقدم في مؤشر التنمية البشرية يعد واعدًا، ويمثل طاقة أمل للدول الإفريقية يمكن البناء عليها.
ويعتمد ذلك التقرير على إحصاءات وبيانات اقتصادية عن حالة التنمية عبر العالم، ويعتمد على الاتجاهات طويلة الأمد في التنمية البشرية متعددة الأبعاد لكل دولة، ويعمل على تحليل معلومات متنوِّعة فيما يتعلق بالصحة والتعليم ومستوى الدخل.
وعلى مدار السنوات الماضية ظل ذلك المؤشر بمثابة المقياس المقارن لحال الدول، وأدَّى إلى الكثير من المناقشات العلمية حول الأولويات التي يجب أن توليها الدول فيما يتعلق بتطوير بلدانهم إلى الأفضل.
ويشير تقرير عام 2018م إلى أنه بالرغم من التقدم الكبير في الكثير من المجالات في القارة الإفريقية، إلا أنه لا يزال هناك مشكلات كبيرة متعلّقة بالفقر والإقصاء وعدم المساواة والصراعات المحلية التي ارتفعت في الكثير من البلدان، كما وضع التقرير في الاعتبار التغيُّر المناخي والمخاوف البيئية الأخرى، والتي تعمل على تقويض التنمية في الوقت الراهن، وكذلك فيما يتعلق بمستقبل الأجيال القادمة.
كما عمل التقرير على تسليط الضوء على حالات عدم المساواة بصورة عامة، والتي يصفها التقرير بأنها أصبحت القضية الأساسية في الوقت الراهن التي تقوِّض التنمية البشرية على مستوى العالم بمقدار الخمس بحسب التقرير، كما أنها تمثل ضربة موجعة للدول الفقيرة، وتطيح بمحاولاتها للإصلاح.
وبجانب التفرقة بين الناس فيما يتعلق بالدِّين والعِرْق واللون، فإن التفرقة بين الرجال والنساء كذلك أدَّت إلى مشكلات كبيرة فيما يتعلق بالتنمية البشرية؛ حيث يشير التقرير إلى أن النساء في المتوسط يحصلن على 6 درجات أقل من نظرائهم الرجال في الدول ذات التصنيف التنموي المنخفض، ويشير التقرير إلى أنه في بعض الحالات، وقياسًا على النمط الحالي، فإن بعض الدول بحاجة إلى مائتي عام من أجل سد الفجوة بين الجنسين.
كما يشير التقرير إلى أن العنف لا يهدِّد فقط الأمن الإنساني، ولكنه أيضًا يؤدِّي إلى تقويض التقدم التنموي، ففي الفترة ما بين 2012 و2017م أدَّت الصراعات في سوريا واليمن وليبيا إلى تدهور تلك الدول في مؤشرات التنمية البشرية؛ بسبب التناقص الحادّ في معدل الأعمار أو الانتكاسات الاقتصادية. وسيستغرق الأمر سنوات -إن لم يكن عقودًا- لتلك الدول للعودة ثانية إلى مستويات تنمية ما قبل العنف.
كما يشير التقرير في النهاية أيضًا إلى أن المؤشرات البيئية تؤكد أن التقدم في بعض البلدان اليوم قد يأتي على حساب الأجيال القادمة، فالتغيُّر المناخي والتدهور الحادّ في التنوُّع البيئي وتقلُّص مساحات الأرض المزروعة وكميات المياه النظيفة، وتقلُّص الموارد، تُمثِّل كلُّها تهديدات خطيرة للإنسانية، وكل ذلك يتطلب حلولاً عاجلة وخططَ تغيير طموحة فيما يتعلق بأنماط الإنتاج والاستهلاك على حد سواء.
ومن ثَمَّ فإن ذلك التقرير يقدم إلى صُنّاع القرار مؤشرات ودلائل من أجل فَهْم أعمق لمشكلات بلدانهم.
وعلى مستوى القارة السمراء تظل مشكلة التنمية واحدة من أهمّ المشكلات المتعلّقة بالتطوُّر السياسي والاقتصادي؛ حيث إنَّ المشكلات السياسية والاجتماعية ترتبط بصورة أو بأخرى بالمشكلات الاقتصادية والتنموية، فكلما كانت التنمية أفضل كلما قلت المشكلات الاجتماعية، وكلما كانت الشعوب أقدر على تقديم الحلول السياسية، ومن ثَمَّ فإن التنمية في المجمل، والتنمية البشرية على وجه الخصوص، تُعَدُّ من أهمّ المجالات التي يجب أن يعمل عليها قادة الدول من أجل تطوير بلدانهم.
وفيما يلي لائحة بالدول الإفريقية في برنامج التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة لعام 2018م([1]):
لائحة الدول الإفريقية لبرنامج التنمية البشرية HDI لسنة 2018م |
|
||||
الترتيب الإفريقي |
الترتيب العالمي |
الدولة |
قيمة HDI |
تغيير القيمة مقارنة بسنوات |
|
مؤشر تنمية عالٍ |
|||||
1 |
62 |
0.797 |
▲ 0.004 |
|
|
2 |
65 |
0.790 |
▲ 0.002 |
|
|
3 |
85 |
0.754 |
▲ 0.002 |
|
|
|
95 |
0.735 |
▲ 0.003 |
|
|
5 |
101 |
0.717 |
▲ 0.005 |
|
|
6 |
108 |
0.706 |
▲ 0.013 |
|
|
7 |
110 |
0.702 |
▲ 0.004 |
|
|
تنمية بشرية متوسطة |
|||||
8 |
113 |
0.699 |
▲ 0.003 |
|
|
9 |
115 |
0.696 |
▲ 0.002 |
|
|
10 |
123 |
0.667 |
▲ 0.005 |
|
|
11 |
125 |
0.654 |
▲ 0.002 |
|
|
12 |
129 |
0.647 |
▲ 0.002 |
|
|
13 |
137 |
0.606 |
▼ 0.006 |
|
|
14 |
140 |
0.592 |
▲ 0.004 |
|
|
15 |
141 |
0.591 |
▼ 0.001 |
|
|
16 |
142 |
0.590 |
▲ 0.005 |
|
|
17 |
143 |
0.589 |
▲ 0.005 |
|
|
18 |
144 |
0.588 |
▲ 0.002 |
|
|
18 |
144 |
0.588 |
▲ 0.002 |
|
|
20 |
147 |
0.581 |
▲ 0.004 |
|
|
21 |
151 |
0.556 |
▲ 0.003 |
|
|
تنمية بشرية منخفضة |
|||||
22 |
154 |
0.538 |
▲ 0.005 |
|
|
23 |
156 |
0.535 |
▲ 0.003 |
|
|
24 |
157 |
0.532 |
▲ 0.002 |
|
|
25 |
158 |
0.524 |
▲ 0.004 |
|
|
26 |
159 |
0.520 |
▲ 0.004 |
|
|
26 |
159 |
0.520 |
▲ 0.004 |
|
|
28 |
161 |
0.519 |
▲ 0.002 |
|
|
29 |
162 |
0.516 |
▲ 0.006 |
|
|
30 |
163 |
0.515 |
▲ 0.003 |
|
|
31 |
164 |
0.505 |
▲ 0.006 |
|
|
32 |
165 |
0.503 |
▲ 0.001 |
|
|
32 |
165 |
0.503 |
▲ 0.003 |
|
|
34 |
167 |
0.502 |
▲ 0.003 |
|
|
35 |
170 |
0.492 |
▲ 0.006 |
|
|
36 |
171 |
0.477 |
▲ 0.003 |
|
|
37 |
172 |
0.476 |
▲ 0.002 |
|
|
38 |
173 |
0.463 |
▲ 0.006 |
|
|
39 |
174 |
0.460 |
▲ 0.003 |
|
|
40 |
175 |
0.459 |
▲ 0.010 |
|
|
41 |
176 |
0.457 |
▲ 0.005 |
|
|
42 |
177 |
0.455 |
▲ 0.002 |
|
|
43 |
179 |
0.440 |
▲ 0.004 |
|
|
44 |
180 |
0.437 |
▲ 0.002 |
|
|
45 |
181 |
0.435 |
▲ 0.003 |
|
|
46 |
182 |
0.427 |
▲ 0.006 |
|
|
47 |
183 |
0.423 |
▲ 0.003 |
|
|
48 |
184 |
0.419 |
▲ 0.006 |
|
|
49 |
185 |
0.417 |
▼ 0.001 |
|
|
50 |
186 |
0.404 |
▼ 0.001 |
|
|
52 |
187 |
0.388 |
▼ 0.006 |
|
|
52 |
188 |
0.367 |
▲ 0.005 |
|
|
53 |
189 |
0.354 |
▲ 0.003 |
|
[1]– يمكن الاطلاع على التقرير كاملاً على الرابط التالي:
https://web.archive.org/web/20190512163502/http://hdr.undp.org/sites/default/files/2018_human_developcal_update.pdfment_statisti