ريوبين كياما، وكالة الأنباء الفرنسية
ترجمة قراءات إفريقية
مثل العديد من أجهزة الشرطة في القارة الإفريقية، تعاني الشرطة الكينية من الفساد والعنف المفرط وسوء التدريب، كما أنها تنتهك حقوق الإنسان بصورة ممنهجة، لاسيما ضد الإسلاميين وعلى يد قوات مكافحة الإرهاب، والتي نشر عنها العديد من الانتهاكات في حق الإسلاميين، بما في ذلك التعذيب والاعتقال القسر وإخفاء المعتقلين، وبخاصة ضد المشتبه في انتمائهم لأية جماعات إسلامية تحوم حولهم أي شبهة بأنهم مسلحون.
وقد اشتهروا في العاصمة الكينية نيروبي بأنهم “شرطة نيروبي اللصوص”، لأنهم كثيرا ما يقومون أنفسهم بعمليات نهب ضد المواطنين في العاصمة، كما أن سمعتهم ملطخة بقضايا الفساد والرشوة والمحسوبية.
كما كشفت تحقيقات أخيرة عن فشلهم الدائم في توفير الأمن وعجزهم عن التعامل مع الكثير من المشكلات الأمنية، مما دفع الرئيس أورو كينياتا للتدخل ووعد بعملية إصلاح شاملة لهذا الجهاز.
ولكن يقول المحللون والخبراء الأمنيون أن إصلاح الجهاز ستكون عملية شاقة من أجل ترميم العلاقة المدمرة بين الشرطة والشعب الذي يعتبر أن الانتماء لهذا الجهاز هو سبة في حد ذاته، بل إن الشعب الكيني نفسه أصبح يلجأ إلى ما وصفه التقرير بـ”عدالة البلطجية” أو المؤسسات الخاصة التي تقدم الخدمات الأمنية في البلاد.
يقول كين أوكو أستاذ علم الاجتماع بجامعة نيروبي: “الجمهور في كينيا لم يثق مطلقًا في الشرطة بسبب عجزها عن توفير الأمن المجتمعي”، وأضاف أن الانضمام إلى الشرطة كان يعتبر الملجأ الأخير لطلاب الوظائف وبمثابة الاعتراف بالفشل الأكاديمي، “فمعظم رجال الشرطة يحملون بين طياتهم غضبًا وحنقا مكتومين في أثناء سيرهم بين المواطنين لممارسة عملهم”.
وينشر موقع ipaidabribe.or.ke لمكافحة الفساد تقارير يومية عن عمليات الابتزاز التي يقوم بها رجال الشرطة، والتي تتعلق بصورة أساسية بطلبهم رشاوي من قادة المركبات أو الدراجات النارية الذين يرتكبون مخالفات وتهديدهم بدفع الرشوة أو الذهاب بهم إلى السجن.
وفي وسائل التواصل الاجتماعي ينظر للشرطة بازدراء، كما وجهت لهم سخرية لاذعة بعد انفجار وقع في مطار نيروبي الدولي، فقامت الشرطة بالتقليل من الحادث وقالت أنه عبارة عن “انفجار مصباح كهربائي”، ليتم بعد ذلك الاكتشاف أنها عملية تفجير وقاموا بالقبض على 4 صوماليين بتهم تتعلق بشن هجوم إرهابي.
كما أن الصورة خارج العاصمة نيروبي ليست بأفضل حالاً؛ فالشرطة في غرب كينيا ارتكبت فضيحة بعدما فرضت الشرطة على عصابة من مغتصبي النساء بقيامهم بجز حشائش القسم كعقاب لهم، كما وردت تقارير متكررة بشأن وجود عصابات من البلطجية الذين يقومون بترويع الناس ولا يتم القض عليهم، في حين يتم القبض على الضعفاء والفقراء مثل سارقي الدجاج.
وتشير بعض التقارير إلى أن الأجور المنخفضة لرجال الشرطة هي أحد أسباب تدهور القطاع الأمني في البلاد؛ حيث يحصل ضابط الشرطة من أقل الرتب على مائتي دولار في الشهر، وهو أدنى بكثير من متوسط نفقات إيجار شقة صغيرة في العاصمة نيروبي. لذا عادة ما يتقاسم رجال الشرطة وأسرهم منازل مجمعة ولا يفرق بين تلك الأسر سوى ستارة رقيقة.
ويرى المراقبون أن هذا من أحد العوامل لزيادة معدلات الجريمة والسرقة والسطو المسلح التي يتورط فيها رجال الشرطة أنفسهم، وهذا يظهر جليا بين السكان الذين أصبحوا لا يشعرون بالأمن، فمن يسير في شوارع نيروبي سيجد المنازل يحيط بها أسوار عالية بأسلاك شائكة وقضبان حديدية على النوافذ لتأمين أنفسهم بغير اعتماد على الشرطة.
كما ترتكب الشرطة جرائم ممنهجة ضد الصوماليين الذين تقبض عليهم بالاشتباه وتضعهم في السجون، وهو ما يرى على أنه استهداف عرقي لهم في حملات مكافحة الإرهاب، حيث تقبض عليهم دون غيرهم لمجرد الاشتباه.
وقد وعد الرئيس الكيني في خطاب أمام البرلمان بتحسين أحوال الضباط وإصلاح الجهاز الشرطي في البلاد، وكذلك توفير أدوات مراقبة وتجهيز أعلى لهم وضخ 1200 سيارة شرطة جديدة للحفاظ على الأمن في البلاد.
ولكن يقول بيتر كياما من مجموعة ميديكو ليجال يونيت الحقوقية المستقلة ومقرها نيروبي وتراقب الأداء الشرطي أن المشكلة أكبر بكثير من مجرد رواتب أو معدات، مضيفًا: “إن المشكلة مشكلة عقلية شرطية أمنية” وقال أن منظمته وثقت 48 حالة وفاة على يد الشرطة بين يناير ومارس فقط هذا العام.
ويشير التقرير إلى أن هناك حملات ممنهجة تستهدف المسلمين فقط لكونهم مشتبه في انتمائهم لجماعات مسلحة، كما عبر دبلوماسيون غربيون عن إحباطهم من نقص قدرات الشرطة في المنطقة التي تزدهر فيها عمليات الإرهاب من القاعدة والمتعاطفين معهم في شرق إفريقيا وفي منطقة القرن الإفريقي، وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين الذي رفض ذكر اسمه أن “معظم رجال الشرطة يأخذون رشاوى عندما يوقفون أحد المشتبه فيهم وأن البعض الآخر يقتل المشتبه فيهم بدم بارد ويطعمهم للضباع”.
ويعترف أحد كبار مفتشي الشرطة الكينية أن الوضع سيئ جدا وأن سنوات من التجاهل تركت الشرطة عاجزة عن مواكبة التقدم في الأوضاع الأمنية، سواء فيما يتعلق بانتشار الأسلحة الخفيفة أو حصار العام السابق لأحد المتاجر الكبرى في البلاد، مضيفًا: هناك حاجة لنقلة نوعية داخل جهاز الشرطة لتواكب الأنماط المتغيرة للجريمة والتهديدات الناشئة الأخرى”.