تحرير المجلة
ضمَّ مؤتمر طوكيو الدولي السابع للتنمية في إفريقيا “تيكاد 7” الذي عُقِدَ خلال الفترة من 28 إلى 30 أغسطس 2019م أكثر من 50 بلدًا من هذه القارة في يوكوهاما في ضاحية العاصمة اليابانية.
ويأتي انعقاد المؤتمر هذا العام تحت رئاسة مشتركة يابانية-مصرية في ضوء الرئاسة المصرية الحالية للاتحاد الإفريقي؛ حيث نظّمت القمة بالتعاون مع الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الإفريقي.
العلاقات اليابانية-الإفريقية:
وتعود العلاقات اليابانية-الإفريقية إلى نهاية السبعينيات؛ إذ كانت مقتصرة على إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الإفريقية المستقلة حديثًا.
وتركز سياسة اليابان تجاه إفريقيا على الشق التنموي؛ حيث أصبحت اليابان، بوصفها دولة مانحة رئيسية، تؤدِّي دورًا مهمًّا في تقديم المساعدات الرسمية للدول الإفريقية من خلال “برنامج المساعدات من أجل دعم التنمية في القارة الإفريقية”.
وتشير الإحصاءات إلى أن اليابان أصبحت خلال أربعة عقود فقط أحد المصادر الأساسية للمساعدات الخارجية للقارة الإفريقية.
ففى يونيو 2013م، تعهدت اليابان للزعماء الأفارقة بدعم القطاعين العام والخاص بقيمة 32 مليار دولار؛ لتعزيز النمو في القارة، وتشجيع الشركات اليابانية على الاستثمار هناك خلال خمس سنوات.
كما التزمت باستثمار نحو ثلاثين مليار دولار في إفريقيا خلال ثلاث سنوات (2016-2019م) في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص.
“تيكاد”.. النشأة والأهداف:
تم إطلاق “مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية” تيكاد عام 1993م بمبادرة من حكومة اليابان؛ بهدف تعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى بين القادة الأفارقة وشركائهم في التنمية، وحشد الدعم لصالح مبادرات التنمية الإفريقية، والتركيز العالمي على أهمية القضايا الإفريقية؛ حيث بدأت فكرة القمة عقب انتهاء الحرب الباردة لحثّ البلدان المتقدمة على الاهتمام بإفريقيا، وتقديم المساعدة لها.
وقد شكَّل إطلاق مؤتمر “تيكاد” عاملًا محفزًا لإعادة التركيز الدولي على احتياجات التنمية في إفريقيا، وعلى مدى الـ26 عامًا الماضية، تطور مؤتمر “تيكاد” ليصبح حدثًا عالميًّا رئيسيًّا متعدِّد الأطراف لحشد واستدامة الدعم الدولي لتنمية إفريقيا.
ومنذ عام 1993م ومؤتمر “تيكاد” يُعقد كلّ خمس سنوات، حتى عام 2013م، ثم أصبح يُعقَد كل ثلاث سنوات بالتناوب بين اليابان ودولة إفريقية؛ حيث تمَّ عقد 6 مؤتمرات على مستوى القمة، فضلًا عن اجتماعات على المستوى الوزاري لتحضير وترتيب اجتماع الرؤساء المشاركين.
“تيكاد7” آلية مفتوحة وشاملة:
وخلال مؤتمر “تيكاد 7” تم مناقشة ثلاثة محاور رئيسية تتعلق بتسريع التحول الاقتصادي، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار من خلال إشراك القطاع الخاص، وكذلك بناء مجتمعات مستدامة، وتكريس أُسُس الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية.
وتشمل أنشطة قمة التيكاد السابعة عددًا من الأنشطة المهمة؛ من بينها انعقاد الدورة الثانية لندوة القطاعين العام والخاص حول البنية التحتية عالية الجودة بين اليابان وإفريقيا، تنظمها وزارة التهيئة الترابية والبنية التحتية والنقل والسياحة اليابانية بمشاركة 14 دولة إفريقية من بينها مصر وتونس والمغرب وكوت ديفوار وإثيوبيا وغانا، وانعقاد ندوة حوارية وزارية حول العلوم والتكنولوجيا والتجديد، وكذلك ورشة عمل حول منتدى “العلوم والتكنولوجيا في المجتمع”، تنظّمهما وزارة التربية والثقافة والعلوم والتكنولوجيا اليابانية بمشاركة الوزراء الأفارقة المعنيين، وعقد مائدة مستديرة وزارية تنظمها وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات اليابانية تحت عنوان “تكنولوجيات المعلومات والاتصال في خدمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستديمة في إفريقيا”، وإقامة منتدى اقتصادي ياباني- إفريقي بتنظيم من المنظمة اليابانية للتجارة الخارجية “JETRO” بمشاركة 150 شركة يابانية مختصة في جميع المجالات الاقتصادية.
دعوة يابانية لتخليص القارة من الديون:
وقد دعا رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في ختام المؤتمر، المستثمرين الأجانب إلى الحرص على عدم إغراق البلدان المضيفة في الديون، في إشارة واضحة إلى المشاريع الصينية الضخمة.
وقال شينزو آبي خلال مؤتمر صحافي “من خلال تقديم مساعدة لإفريقيا علينا أن نأخذ في الاعتبار عبء ديون البلدان التي تتلقاها، والتحقق من ألا يصبح هذا العبء فوق طاقتها”.
وقال آبي أمام القادة الأفارقة: “إذا كانت الدول الشريكة مثقلة بالديون سيعيق ذلك جهود الجميع للدخول إلى الأسواق”.
الاستثمارات اليابانية:
واختارت طوكيو بأن تتميز من خلال رغبتها في إرفاق استثماراتها بـ”تنمية الموارد البشرية”؛ حيث تعتزم -خلال السنوات الثلاث المقبلة- تدريب خبراء من 30 بلدًا إفريقيا في إدارة المخاطر المالية والدَّيْن العام.
ولم يكشف الرقم الجديد لمجمل الاستثمارات اليابانية المقبلة في إفريقيا، ولم يتوقع المحللون في الأيام التي سبقت القمة أن تكون اليابان في سباق للاستثمار.
استثمارات “معقولة” و”نوعية”:
وشدّد المشاركون في البيان الختامي على أهمية وجود استثمارات “معقولة” و”نوعية”، وعلى أهمية التعاون بين اليابان وإفريقيا في العديد من القضايا، وأهمها البنية التحتية عالية الجودة، واستثمارات القطاع الخاص، واستقرار الاقتصادات الكلية والابتكارات التكنولوجية، خاصة في مجال التصنيع والتحولات الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، بالإضافة إلى التخفيف من تداعيات التغيُّرات المناخية، وتقليص مخاطر الكوارث وإدارتها وتنمية الموارد البشرية.
الشراكة بين إفريقيا وشركاء التيكاد:
كما دعا الإعلان الختامي لقمة “تيكاد7” إلى مواصلة الشراكة بين إفريقيا وشركاء التيكاد لتعزيز التنمية المستدامة، والابتكارات والتكنولوجيا والسلام والاستقرار بالقارة الإفريقية.
وأكَّد الاعلان على أنّ تنفيذ مبادئ التيكاد يجب أن يتم عن طريق أولويات وديناميكيات التنمية الإفريقية أخذًا في الاعتبار مفاهيم التنمية المستدامة والأمن البشري، كما ينبغي أن تتّسق مع الرؤية الإفريقية الواردة بوضوح في أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، والالتزام العالمي بأجندة التنمية المستدامة لعام 2030م.
أهمية تعميق المشاركات الديمقراطية:
وأقرَّ المشاركون أهمية تعميق المشاركات الديمقراطية والجهود الإفريقية الرامية إلى مواجهة تحديات السلام والأمن بالقارة، ومن بينها الجهود التي بُذِلَتْ لدعم الاستقرار في القرن الإفريقي.
كما أكَّد إعلان يوكوهاما حدوث تقدم في التنمية البشرية وتعزيز حقوق الإنسان؛ من خلال مساهمة مؤسسات حقوق الإنسان مثل المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان، والمفوضية الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ولجنة الخبراء حول حقوق ورفاهية الطفل، ودعم دول التيكاد للجهود المبذولة لتعزيز محاور التنمية البشرية والسلام والأمن.
إسكات البنادق بحلول عام 2020:
وأكد المشاركون، أيضًا دعمهم لأجندة الاتحاد الإفريقي 2063 ومبادراته المتعلقة بإسكات البنادق بحلول عام 2020م، مشددين على الارتباط الوثيق بين السلام والتنمية في القارة.
تحديات تعرقل التنمية:
وأوضح إعلان يوكوهاما أنه بالرغم من التقدم الذي حدث؛ فإن القارة الإفريقية مازالت تواجه تحديات قد تعرقل التنمية، ومن بينها التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيئي والهجرة العشوائية وتفشي الأمراض والكوارث الطبيعية، ومن بينها إعصارا إيادي وكينث اللذان ألحقا خسائر فادحة بأجزاء من جنوبي وشرق القارة عام 2019م.
تعزيز الأمن البشري والسلام والاستقرار:
وأكد المشاركون على أهمية تعزيز الأمن البشري والسلام والاستقرار، مع التركيز على النهج الإنساني في التنمية وتقوية المؤسسات على المستوى المحلي والقومي والقاري، ومعالجة أسباب النزاعات.
وشددوا على أهمية وجود مؤسسات فعَّالة لتنفيذ القِيَم العالمية المستقرة والمتعارف عليها مثل الحريات الأساسية، وسيادة القانون والحوكمة، وتشجيع الممارسات الديمقراطية، وسدّ الفجوة بين الريف والحضر، واحتواء الفجوة الرقمية بين الجنسين، وتسهيل الوصول إلى الأسواق، وتقوية صوت المجتمعات المهمَّشة.
قمة التيكاد الثامنة:
وأشار إعلان يوكوهاما إلى أن قمة التيكاد الثامنة ستعقد في إفريقيا عام 2022م، وستُعقد اجتماعات على مستوى كبار المسؤولين والوزراء للإعداد لها.