بخلاف التوقعات التي صاحبت تولّي الرئيس الصومالي محمد عبد الله “فرماجو” في عام 2017م؛ ما بين تفاؤل، وتفاؤل حَذِر ساد مختلف الأوساط الصومالية بمجيء منقِذ جديد للصومال يتفاعل بإيجابية مع التحديات الجمَّة التي تواجه البلاد للانتقال إلى مرحلة جديدة يستعيد فيه الصومال دولته المضطربة منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق سياد بري في تسعينيات القرن الماضي؛ يمكن الإشارة إلى أن الرئيس فرماجو لم يكن على مستوى التوقعات بالنسبة لقطاع كبير من الشعب الصومالي؛ حيث أخفق في القضاء على أو على الأقل الحد من استمرار وتصاعد تلك التحديات التي تواجه البلاد، بالإضافة إلى اندلاع بعض الأزمات الخطيرة مثل الخلافات بين الحكومة المركزية وبعض الولايات الصومالية -لا سيما إقليم أرض الصومال الذي استقل عن الصومال من جانب واحد في عام 1991م بدون اعتراف دولي- مما يشكِّل مصدر تهديد لتماسك الدولة ووحدتها، وهو ما وضَع النظام الحاكم في مأزق بعد تراجع شعبيته في البلاد، كما وضع مستقبل الدولة الصومالية أمام اختبار حقيقي في ظل تحرُّك بعض الولايات نحو المطالبة بالانفصال والاستقلال عنها، ومآلات ذلك على الصعيد الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي في ضوء ما تشهده من تحوُّلات وتطورات إقليمية.
أولاً: بيئة التفاعلات السياسيَّة في الداخل الصومالي
تبدو بيئة التفاعلات الداخلية في الصومال معقَّدة نتيجة تصاعُد عددٍ من الأزمات والتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية على الساحتين الداخلية والإقليمية التي تواجه البلاد خلال الفترة الماضية، ولم تُفلح الحكومة في التعاطي مع بعضها؛ مما أسهم في تفاقمها، وهو ما أثَّر سلبًا على أداء الحكومة الفيدرالية وتراجع الالتفاف الشعبي حولها وهو ما عبَّرت عنه المظاهرات التي شهدتها البلاد في أبريل 2019م احتجاجًا على تجاوزات قوات الأمن تجاه المواطنين، وردّ الفعل السلبي للرئيس فرماجو الذي فسَّره البعض بتخوُّفه من امتداد نظرية الدومينو إلى بلاده عقب نجاح الاحتجاجات السودانية في الإطاحة بالرئيس السابق البشير؛ الأمر الذي تسبَّب في قلق بالغ لدى أنظمة بعض دول الجوار تجاه تأثير ومآلات الأحداث في الخرطوم على أمن واستقرار المنطقة.
فثمة عدد من الملفات الداخلية التي تُمثِّل تحديًا أمام مصداقية الحكومة الصومالية تجاه جموع المواطنين؛ يأتي على رأسها: التوتر في العلاقات مع بعض الأقاليم الصومالية؛ مثل إقليم أرض الصومال، وبونت لاند، في ظل تعدُّد القضايا الخلافية التي تتسبّب في نشوب النزاع والخلاف بينهما، والتي تتمثل أبرزها في ملف تقاسم السلطة والثروة، ومراجعة الدستور والاستعدادات للانتخابات المقرر لها في 2020/2021م، ودعم القوات الأمنية بالإضافة إلى رغبة بعض الولايات في الانفصال عن الصومال.
وقد ظهرت عددٌ من المبادرات الإقليمية بهدف تسوية تلك النزاعات بين الحكومة الصومالية وإقليم أرض الصومال؛ حيث استضافت دول مثل تركيا وجيبوتي وكينيا اجتماعات بين مسؤولي الطرفين من أجل إيجاد حلول ناجعة للأزمات المتصاعدة بينهما، إلا أنها باءت بالفشل وسط حالة إصرار مِن قِبل الطرفين كلٌّ على موقفه، وهو ما ترتب عليه تأزم العلاقات بينهما وإصرار بعض الولايات الصومالية على الانفصال عن الحكومة المركزية وإعلان الاستقلال الذاتي مما يهدِّد مستقبل الدولة في البلاد.
ولا زالت التحديات الأمنية تُشكِّل عبئًا كبيرًا على الحكومة المركزية في ظل تصاعد نشاط حركة شباب المجاهدين، وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الصومال، وتمركزهم في عددٍ من المناطق في وسط وجنوب البلاد؛ حيث تستمر العمليات والهجمات الإرهابية التي يقوم بها عناصر الحركة، والتي امتدت جغرافيًّا إلى بعض دول الجوار المباشر مثل كينيا؛ بحيث يزداد نفوذ حركة شباب المجاهدين في البلاد التي تسعى لتقويض الدولة الصومالية. في الوقت الذي تستعد فيه القوات الإفريقية ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي “أميصوم” إلى الانسحاب النهائي من الصومال في نهاية 2020م الأمر الذي يُمثّل ضغطًا على الجيش الصومالي الذي يعاني من الهشاشة وضعف التدريب، ممَّا يعني زيادة الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها حركة شباب المجاهدين في البلاد، كما تفتح الباب على مصراعيه للتكالب الدولي والإقليمي على الصومال؛ بحجَّة تدريب القوات الحكومية، وإعادة بناء الصومال، وإقامة نظام سياسي ديمقراطي.
وفي ظل هذه الحالة المضطربة سياسيًّا وأمنيًّا في البلاد كان له تأثيره على الوضع الاقتصادي المتردِّي للدولة الصوماليَّة؛ حيث يتراجع الاقتصاد الصومالي ممَّا يؤثر على الأوضاع المعيشية للمواطنين بشكل سلبيّ، كما تشير المؤشرات الاقتصادية إلى استحواذ الصومال على مراتب متأخرة في كل التقارير الدولية التي تصدر عن المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية؛ الأمر الذي يدفع الولايات الصومالية إلى محاولة الاستئثار بالثروات والموارد التي تتمتع بها بعيدًا عن الحكومة المركزية؛ مما أدَّى إلى تصاعد الصراع بين الجانبين.
وهنا يتَّضح اضطراب المشهد الداخلي الصومالي في ظلّ تعدُّد الأزمات التي تواجهه؛ الأمر الذي يهدد بزعزعة أمن واستقرار البلاد، كما يضع الرئيس فرماجو أمام تحديات جسام حول مستقبله في رئاسة البلاد مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 2020، وحول مستقبل الدولة الصومالية في المدى المنظور.
ثانيًا: حالة إقليم أرض الصومال
استغل إقليم أرض الصومال حالة الفوضى التي شهدتها البلاد عقب سقوط نظام الرئيس الأسبق سياد بري للإعلان عن استقلاله وانفصاله عن دولة الصومال من جانب واحد، خاصة أن حكومة أرض الصومال ترى أنها تعقد انتخابات حرة كما تمتلك عملتها المحلية فضلًا عن القوات الأمنية الخاصة بالإقليم، فضلًا عن أنها تُصدر جواز سفر خاص بها. ومنذ ذلك الحين تسعى بشكل حثيث في محيطها الإقليمي والدولي إلى المطالبة بالاعتراف الدولي لكي يكتمل الركن الرابع والمهم من عناصر قيام أيّ دولة إلا أنها فشلت في ذلك منذ تسعينيات القرن الماضي لأسبابٍ عديدةٍ حيث لم تقبل أية دولة أو منظمة إقليمية أو دولية إلى الاعتراف بها، فقد تقدمت أرض الصومال بطلب الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي؛ إلا أن المنظمة الإفريقية علقت الطلب وأرسلت لجنة لتقصِّي الحقائق إلى عاصمة الإقليم “هرجيسا” في عام 2005م، وقد أوصت اللجنة بأن الاتحاد يجب أن يجد طريقة خاصة للتعامل مع أرض الصومال. كما أن هناك مجموعة من الدول التي تتعامل مع أرض الصومال بشكل مباشر مثل بريطانيا والسويد وألمانيا، بالإضافة إلى بعض الدول الإفريقية منها إثيوبيا التي فتحت قنصليتها في هرجيسا، إلا أنها لا تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة؛ حفاظًا على علاقاتها مع الحكومة المركزية في مقديشو.
محليًّا، ينتمي أغلب مواطني إقليم أرض الصومال إلى عشيرة إسحاق بشكل رئيسي بالإضافة إلى بعض العشائر الأخرى، ويجب الإشارة إلى أن دعوة الانفصال تواجه تباينًا في المواقف الداخلية بأرض الصومال، ففي الوقت الذي تنحصر رغبة الانفصال في عشائر إسحاق ذات الأغلبية في أقاليم الوسط في الشمال، إلا أن هناك بعض العشائر التي تعارض الانفصال مثل عشائر “هرتي دارود” ذات الأغلبية في محافظتي سول وسناغ المتنازَع عليهما بين إدارتي أرض الصومال وبونت لاند، بالإضافة إلى عشيرة “سمرون”.
وبالرغم من الوضع الداخلي المستقر نسبيًّا في إقليم أرض الصومال، إلا أن الإقليم يعاني من بعض الأزمات مثل الجفاف وموجة الجفاف الشديدة التي تهدِّد الأراضي والمراعي والثروة الحيوانية. كما أن هناك نزاعًا دائرًا بين أرض الصومال وبونت لاند على منطقتي “سول وسناغ” المتنازع عليهما بينهما مما يهدِّد باندلاع صراع مفتوح يهدِّد استقرار وأمن المنطقة، كما شهدت الفترة الأخيرة انشقاق عددٍ من القادة العسكريين وجنودهم من أرض الصومال والاستسلام لحكومة بونت لاند، وقامت وزارة الأمن في بونت لاند بترقية بعضهم، كما تعهدت الحكومة هناك بدفع رواتب وكافة حقوق القوات المنشقة.
وتجدر الإشارة إلى تدخُّل الحكومة في مقديشو من أجل وقف إطلاق النار بين الطرفين، وإنهاء النزاع، وحلّه بالطرق السلمية؛ حيث شكَّلت لجنة بهدف الحوار بين الإقليمين؛ إلا أن بونت لاند في شمال شرق الصومال أعلنت مقاطعتها لِلجنة وأرجع مسؤولوه ذلك إلى أن تعيين اللجنة تم بشكل غير موافق للدستور. ومع توتر العلاقات بين الإقليمين دفع ذلك مجلس الأمن الدولي إلى التحذير من تَبِعَات القتال بين الطرفين، وقلقه بشأن الأوضاع الإنسانية واستمرار خطر المجاعة في البلاد، ودعا إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية بين الجانبين التي تزيد من حدة التوترات في المنطقة.
كما تعدد المحاولات لتسوية الخلافات بين الإقليم والحكومة المركزية في مقديشو في ظل الإصرار على الانفصال والاستقلال عن البلاد، فقد تعددت جولات التفاوض بين الحكومة المركزية وأرض الصومال والتي مرَّت بمراحل مختلفة، فقد كان لقاء الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد ورئيس أرض الصومال السابق أحمد سيلانيو في دبي في يونيو 2012م هو أول لقاء بين الطرفين منذ إعلان أرض الصومال انفصالها في تسعينيات القرن الماضي. وقد رفضت أرض الصومال لقاء أيّ طرف صومالي قبل الاعتراف باستقلالها كشرط مسبق.
وفي هذا السياق، استضافت عدة دول بعض جولات التفاوض بين الطرفين؛ مثل الإمارات وجيبوتي وتركيا، كما كانت هناك خطة لعقد محادثات بين أرض الصومال والحكومة في غانا خلال مارس 2019، إلا أنها في مجملها لم ترقَ إلى مستوى مناقشة القضايا المصيرية وتحديدًا قضية الوحدة والانفصال. وأُلغيت محادثات في نيروبي في يونيو 2019م بين الحكومة الصومالية وإدارة أرض الصومال بحضور ممثلين من المجتمع الدولي بسبب غياب الوفد الصومالي. وهو ما دفَع وزير خارجية أرض الصومال إلى اتهام الجانب الصومالي بعدم الرغبة في إجراء محادثات مع أرض الصومال.
فيما شهدت العلاقات بين الإقليم والحكومة المركزية تدهورًا خلال الفترة الأخيرة خاصة بعد إرسال وزير التخطيط والاستثمار والتنمية الاقتصادية في الحكومة المركزية في يونيو 2018م رسالة إلى الدول الداعمة لأرض الصومال ترفض فيه الحكومة دعم أرض الصومال بشكل منفصل عن باقي الأراضي الصومالية. كما عرقلت حصول أرض الصومال على دعم المشروعات التنموية من المانحين الدوليين، وتعطيل الاستثمار في ميناء بربرة وتصدير المواشي.
في المقابل، أبدت سلطات أرض الصومال معارضتها للجنة التي عينها الرئيس فرماجو من ستة أعضاء تضم مسؤولين عسكريين صوماليين سابقين وعضوًا من البرلمان ودبلوماسيين ليمثلوا الحكومة الصومالية في الحوار مع هرجيسا. فقد اتهمت هرجيسا الحكومة الفيدرالية بشنّ حرب سياسية واقتصادية واجتماعية ودبلوماسية عليها. كما وجَّه رئيس أرض الصومال موسى بيحي عبدي انتقادات للحكومة الصومالية إثر قرارها بقطع العلاقات مع غينيا التي قام الأول بزيارة رسمية لها مؤخرًا. الأمر الذي يعكس تأزم العلاقات البينية بينهما؛ مما يجعل مسار التسوية بعيد المنال على الأقل في المدى المنظور.
إقليميًّا ودوليًّا، انخرط إقليم أرض الصومال طوال السنوات الماضية في مهمة إقليمية ودولية محددة متعلقة بالحصول على الاعتراف الدولي بالاستقلال عن الصومال، وزاد من إصراره بزوغ نموذجين جديدين من الدول في المنطقة هما إريتريا بعد استقلالها عن إثيوبيا في عام 1993م، وجنوب السودان بعد انفصالها عن السودان الشمالي في 2011م، ومن هنا زادت مطالبات أرض الصومال بشأن الاعتراف بها ككيان مستقل عن الصومال، لدرجة أنه عند استقلال جنوب السودان في عام 2011م توجَّه وفد من أرض الصومال إلى العاصمة جوبا وهم يرتدون “زيًّا” مكتوب عليه “صومالي لاند هي التالي”. وفي مارس 2016م ادَّعى رئيس أرض الصومال السابق “أحمد محمد سيلانيو” أن أكثر من مليون مواطن من سكان أرض الصومال قد وقَّعُوا على عريضة تطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بأرض الصومال.
ومع تطور المستجدات والمتغيرات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي يسير إقليم أرض الصومال بخطى ثابتة نحو إعادة رسم علاقاته مع العالم الخارجي؛ بهدف نَسْج علاقات متعدِّدَة مع القوى الإقليمية والدولية؛ حيث يحظى إقليم أرض الصومال بزخم كبير في ضوء التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، وهو ما جعلها محط أنظار وتوجّه العديد من القوى الدولية والإقليمية بهدف ترسيخ موطئ قدم وتعزيز النفوذ والتنافس على الموارد والثروات في المنطقة؛ فقد تدافَع على الإقليم خلال الفترة الأخيرة وفود عديدة من الدول الأجنبية بهدف تعزيز العلاقات؛ حيث استقبلت وزير الدفاع البريطاني، ووزير الخارجية الإريتري، ونائب وزير الخارجية المصري، والرئيس النيجري السابق “أوباسانجو”، وممثلين من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وسويسرا والدنمارك والنرويج وفنلندا والسويد، وغيرها.
وتتعدد أجندات الدول الغربية في أرض الصومال؛ فهناك من يسعى إلى عودة العلاقات بين الحكومة المركزية في مقديشو وحكومة أرض الصومال، واستئناف المفاوضات بينهما التي توقفت منذ سنوات، وهناك من جاءت زيارتهم في إطار الاستفادة من التحولات والتفاعلات الإقليمية والدولية الجديدة في منطقة القرن الإفريقي بتعزيز النفوذ والحضور هناك؛ حيث بدا أن هناك تغيُّرًا ملحوظًا في رؤية بعض القوى الإقليمية والدولية تجاه إقليم أرض الصومال بدرجة دفعت البعض إلى بحث تعزيز العلاقات وفتح آفاق جديدة من التعاون بينهما في المستقبل.
فقد زار وزير الدفاع البريطاني “جيف ويلسوم” أرض الصومال في يناير 2019م وبحث توطيد العلاقات بين الطرفين وتعزيز التعاون. وهي الزيارة الأولى لوزير دفاع بريطاني منذ تسعينيات القرن الماضي. وجاءت تلك الزيارة دون أيّ تنسيق مع الحكومة المركزية. وقد نشر الوزير تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر اعتبر فيها أرض الصومال دولة مستقلة، وهو تطور بارز في تلك المرحلة التي تمر بها منطقة القرن الإفريقي وسط توقعات باتفاق بين بريطانيا وحكومة هرجيسا على إقامة قاعدة عسكرية بريطانية في أرض الصومال.
كما تعددت زيارات المسؤولين من دول مختلفة مثل مصر وإريتريا وتركيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا السياق، تتنامى الاستثمارات التي تقوم بها عدد من الدول والقوى الإقليمية والدولية في أرض الصومال، مثل اتفاق شركة عمانية مع أرض الصومال في يوليو 2019م على تأسيس وحدة طحن للأسمنت في بربرة بطاقة إنتاجية تبلغ حوالي مليون طن من الأسمنت سنويًّا، وبتكلفة تبلغ حوالي 40 مليون دولار أمريكي.
كما أعلنت كندا تقديم مساعدات لأرض الصومال بقيمة 10 ملايين دولار من أجل دعم برامج التنمية في الإقليم، وقد خصصت تلك المساعدات لمشروع يستمر لمدة 5 سنوات يتعلق بالتنمية الزراعية والحدّ من سوء التغذية لدى أطفال الإقليم، على أن يستفيد من هذا المشروع حوالي 1600 شخص يعيشون في منطقتي “توغطير وداض مديد” في أرض الصومال.
فيما تشهد العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وأرض الصومال تطورًا بارزًا؛ حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 300 مليون دولار، ويتوقع تزايده خلال الفترة المقبلة إلى 600 مليون دولار. كما تقوم الإمارات بالعديد من الاستثمارات في الإقليم، وتقدم المزيد من المساعدات الإنسانية والإنمائية للشعب هناك من أبرزها مشروع تجهيز ميناء بربرة، وإنشاء السدود والآبار التي أفادت العديد من المناطق الزراعية. فيما قامت أرض الصومال بإنشاء مكتب تجاري لها في دبي بهدف تعزيز حركة التجارة والاستثمار بين الطرفين. وفي مارس 2017م حصلت موانئ دبي العالمية على حق امتياز لمدة 30 عامًا لإدارة وتطوير ميناء بربرة في أرض الصومال، باستثمار بلغت قيمته حوالي 442 مليون دولار. كما تعهدت الحكومة الإماراتية ببناء فندق خمس نجوم في أحد المنتجعات السياحية بمدينة بربرة الساحلية، كما تلعب دورًا في تدريب موظفي حكومة أرض الصومال بهدف تحقيق الحكم الرشيد.
كما يبرز التواجد السعودي في أرض الصومال من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والتوسع في توزيع المساعدات على المتضررين من الجفاف بالإقليم.
وعلى الجانب الآخر، تقوم تركيا ببعض الأعمال الإنسانية في أرض الصومال؛ من خلال بعض المؤسسات الخيرية التابعة لها، مثل جمعية “جانسويو”، وبرامج تبرعات؛ بهدف مساعدة أبناء الشعب الصومالي، وتوفير فرص التعليم للأيتام. وهي التي عيّنت مبعوثًا خاصًّا لها للمحادثات بين الصومال وأرض الصومال التي حاولت كثيرًا إحياءها إلا أنها لم تُحرِز تقدمًا ملحوظًا في هذا الشأن.
ومن هنا يتضح استغلال حكومة أرض الصومال هذا الزخم من محاولات التقارب مِن قِبَل القوى الدولية والإقليمية لتحقيق عدد من الأهداف السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية، لعل أبرزها اعتراف العالم بأنها دولة مستقلة؛ حيث أضحت أرض الصومال ساحة إقليمية تشهد العديد من التفاعلات والصراع بالوكالة والتنافس الإقليمي والدولي، ففي إطار تنامي سياسة المحاور التي تشهدها المنطقة ومع اندلاع الأزمة الخليجية في عام 2017م اتخذت أرض الصومال موقفًا مخالفًا لحكومة فرماجو بالتضامن مع دول الرباعي العربي ضد قطر. كما أبدت أرض الصومال تضامنها مع المملكة السعودية في ظل الأزمة السياسية بين الرياض وإيران.
كما تستغل بعض دول المنطقة أرض الصومال في إدارة علاقاتها وأزماتها مع دول أخرى؛ حيث اندفعت كينيا نحو تعزيز علاقاتها مع هرجيسا، وأعلنت نيتها افتتاح مكتب في هرجيسا لتسيير العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، عقب مفاوضات جرت بين وزيرة الخارجية الكينية ومندوب أرض الصومال لدى كينيا. يأتي ذلك بالتزامن مع اندلاع الخلاف الكيني الصومالي بشأن المناطق البحرية المتنازع عليها، وهو ما دفَع البعض نحو تفسير ذلك بمحاولة كينيا الضغط وتضييق الخناق على الحكومة في مقديشو في ظل الإعلان عن دعم كيني لأرض الصومال في مساعيها للاعتراف الدولي بها كدولة مستقلة.
في نفس الوقت؛ تسعى إريتريا إلى تعميق العلاقات مع أرض الصومال من خلال الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين خلال الفترة الأخيرة، في إطار سعي أسمرة نحو الضغط على الرئيس الصومالي فرماجو لتغيير سياساته تجاه جيبوتي، فضلًا عن التضييق على جيبوتي في المنطقة، وتقليص أهمية ميناء جيبوتي لصالح موانئ إريتريا وبعض الموانئ البحرية الأخرى في المنطقة، في ظل استمرار النزاع الإريتري الجيبوتي على منطقة “دميرة”.
في حين تبدي إثيوبيا استعدادها الدائم للعب دور في حلّ الخلافات بين الحكومة الصومالية وأرض الصومال من أجل إيجاد تفاهم بين الجانبين في عددٍ من القضايا والملفات الشائكة في إطار استراتيجيتها الرامية إلى تعظيم الدور الإقليمي الإثيوبي في المنطقة. أما على الجانب الاقتصادي فهي تحاول تعزيز التعاون الاقتصادي وتأمين منافذ بحرية لها في البحر الأحمر من خلال ميناء بربرة التي نجحت في الحصول على حصة فيه بنسبة 19% ضمن اتفاق تمَّ بين حكومة أرض الصومال وشركة موانئ دبي العالمية الإماراتية. إلا أنها في نفس الوقت قد أكَّدت في بيان رسمي اعترافها بأن أرض الصومال وبونت لاند تابعتان للحكومة الفيدرالية الصومالية، وذلك على خلفية غضب الجانب الصومالي بعد واقعة إدراج وزارة الخارجية الإثيوبية قائمة حول بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية في الخارج تبين الصومال وأرض الصومال وبونت لاند كثلاث دول.
ثالثًا: مستقبل أرض الصومال والتأثيرات على المنطقة
ربما كان السياق الإقليمي والدولي مختلفًا في حالة انفصال جنوب السودان في عام 2011م، إلا أن الوضع الراهن في منطقة القرن الإفريقي في ضوء التحولات الإقليمية، وتصاعد التنافس الدولي، وتنامي المصالح الدولية والاستثمارات الأجنبية للقوى الكبرى في المنطقة تجعل من الصعب السماح بأيّ حراك من شأنه تأزيم الموقف في القرن الإفريقي وبالتبعية على باقي أنحاء إفريقيا أو فتح الباب واسعًا أمام الحركات الانفصالية في القرن الإفريقي ومناطق أخرى من القارة في أن تحذو حذو أرض الصومال. ومن ثَمَّ، تبرز المخاوف الغربية من أن الاعتراف الدولي بأرض الصومال كدولة مستقلة سوف يشجِّع الحركات الانفصالية الأخرى في أنحاء مختلفة من القارة مثل بيافرا في نيجيريا، أو إقليم كيفو في الكونغو الديمقراطية؛ إلى المطالبة بالانفصال عن دولهم.
كما أنَّ مثل تلك الدعوات الانفصالية سيكون مصيرها الرفض والمنع مِن قِبَل المنظمات الإقليمية الإفريقية على رأسها الاتحاد الإفريقي، ومن قبله منظمة الوحدة الإفريقية؛ حفاظًا على الوحدة الإفريقية، وخوفًا من تصاعد نزاعات وصراعات حدودية جديدة بين دول القارة؛ مما يهدِّد أمن واستقرار القارة الإفريقية. يأتي ذلك في ضوء فشل نموذج جنوب السودان التي لم تُحقِّق أيّ تقدُّم بعد الانفصال مما يعني أن الانفصال ليس قرارًا سهلًا ويمكنه أن يؤدي إلى نتائج كارثية على المنطقة والقارة ككل، وهو ما تُعبِّر عنه حالة جنوب السودان التي تواجه منذ انفصالها تحديات سياسية واقتصاديَّة وأمنيَّة واجتماعيَّة وإنسانيَّة في ظلّ استمرار تداعيات الحرب الأهلية التي اندلعت في منتصف ديسمبر 2013م بين الرئيس سلفاكير ونائبه الأسبق رياك مشار، ومن ثم هناك رغبة قوية في عدم تكرار مثل هذه التجربة التي تهدد أمن دول الجوار والإقليم.
وبافتراض حصول أرض الصومال على الاعتراف الدولي، ونجحت في الانفصال عن الصومال؛ فمن المؤكد أن تكون نتائج ذلك كارثية على الصعيدين الداخلي والإقليمي في المنطقة؛ فمن ناحية سوف تفتح تلك الخطوة الباب أمام ولايات أخرى مثل بونت لاند للمطالبة بالاستقلال على غرار أرض الصومال، وهو ما يهدِّد وحدة الدولة الوطنية الصومالية وتماسكها. أما على الصعيد الإقليمي، فهو مدعاة إلى مرحلة جديدة في المنطقة يمكن تسميتها ببلقنة القرن الإفريقي في ظل عدم استقرار الأوضاع في بعض دول المنطقة مثل إثيوبيا والسودان والكونغو الديمقراطية، الأمر الذي يمهِّد لانتقال الأزمة إلى مناطق مختلفة في القارة وما يترتب عليه من تأثيرات سلبية.
ومن هنا، ففي الوقت الذي تعيش فيه أرض الصومال فترات من الاستقرار النسبي السياسي والدبلوماسي خلال السنوات الأخيرة، ومن خلال التحركات الدولية والإقليمية تجاهها والتي تنبئ بحصولها على امتيازات دبلوماسية في المدى المنظور، وخلق العديد من الفرص الاقتصادية، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التي تسهم في انتعاش اقتصادها، وتوفير المزيد من فرص العمل لشبابها، إلا أنَّ الاعتراف الدولي يظل بعيدًا على الأقل في المدى المتوسط، فهو لن يأتي إلا عبر توافق وتفاهم مع النظام الحاكم في مقديشو والدخول في مفاوضات غير مشروطة مع الحكومة الفيدرالية من أجل الوصول إلى صيغة تقرّر مصير الإقليم.