بقلم: ويكليف مويا
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
ظهور جيل جديد جريء من المتظاهرين الكينيين الشباب في الشوارع؛ أجبر الحكومة على تعديل مسارها بشأن سلسلة من المقترحات الضريبية التي لا تحظى بشعبية.
وشرارة الغضب التي اندلعت على منصات وسائل التواصل الاجتماعي بسبب مشروع قانون الميزانية المثير للجدل، تحوَّلت إلى بركان ثورة دون مشاركة الأحزاب السياسية.
نجاح الحكومة في توحيد العديد من الكينيين بعيدًا عن كل الاعتبارات:
لقد نجح رئيس الدولة ويليام روتو وأعضاء الحكومة في القيام بما فشلت أجيال من الساسة في هذه الدولة الواقعة في شرق إفريقيا في القيام به؛ ألا وهو توحيد أعداد كبيرة من الكينيين على أهداف واحدة بما يتجاوز العرق والحزب.
وتحدى مئات المتظاهرين، احتجاجًا على كثرة الضرائب المفروضة على كاهل الكينيين الذين يفتقرون إلى ما يتعين عليهم دَفْعه. لكنَّ الشرطة واجهت الاحتجاجات باستخدام الغاز المسيل للدموع في مسيرة عبر العاصمة نيروبي، مما أدى إلى إصابة المنطقة التجارية المركزية بالمدينة بالشلل.
وتم تنسيق الاحتجاجات، التي أطلق عليها اسم “احتلال البرلمان”، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، على عكس تلك التي يقودها ويرعاها السياسيون.
ظهور الجيل” Z“:
ظهر المتظاهرون الشباب، الذين يُشار إليهم عادة باسم “الجيل Z “، في إشارة إلى المصطلح المستخدم عمومًا لوصف الأشخاص الذين وُلِدُوا في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بأعداد كبيرة، ووعدوا بضمان ألا يتوقف سخطهم عند مجرد إطلاق الهاشتاقات فقط.
وقالت إحدى المتظاهرات زها إنديمولي للصحفيين: “نحن الجيل Z، لقد تمكنا من التعبئة. نستخدم تيك توك كمساحة لا تسمح للشباب بالحضور والتظاهر فحسب، بل أيضًا لشرح سبب الاحتجاج لهم”.
وتظاهر العديد منهم للمرة الأولى وحملوا لافتات كُتب عليها: “لا تفرضوا علينا الضرائب”؛ فيما هتف آخرون “روتو، يجب أن يرحل”… “روتو، يجب أن يرحل”.
وقال كين ماكيليا، وهو طالب يبلغ من العمر 24 عامًا، لبي بي سي: “أنا هنا أعمل في بلد أحبّه. وهذه هي المرة الأولى التي أقوم فيها بالاحتجاج؛ لأن والديَّ أصبحا كبيرين في السن، ولم يعد بإمكانهما القيام بذلك”.
وللضغط على النواب وحشد المتظاهرين كانت الشعارات المستخدمة هي: “احتلوا البرلمان”، و”ارفضوا فاتورة التمويل 2024م”. وقال ناصريان كاسورا، الذي عارض اقتراح فرض الضريبة: “هذا هو احتجاجي الأول، وآمل أن يكون الأخير، وأتطلع إلى تغيير الأوضاع بعد ذلك”.
لا تسمحوا لهم بالوصول إليكم:
لكن تم إحباط جهود المتظاهرين للتوجُّه إلى البرلمان باستخدام الشرطة لخراطيم المياه: “لقد تم القبض علينا، لكن لا تسمحوا لهم بالوصول إليكم، من فضلكم اذهبوا إلى البرلمان”، هكذا نشرت حنيفة فارسافي، إحدى المنظمين على ما يبدو، على موقع X، تويتر سابقًا.
وتم اعتقال أكثر من 200 متظاهر شابّ، لكن تم إطلاق سراح بعضهم بعد أن زار المحامون مراكز الشرطة؛ حيث تم احتجازهم.
وفي مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، سُمع أحد المتظاهرين وهو يقول: “لن أغادر، لماذا تعتقلني؟”، بينما يرفض ركوب سيارة الشرطة. أما أولئك الذين لم يخرجوا إلى الشوارع؛ فقد ساعدوا في نشر الرسالة؛ من خلال مشاركة الرسائل والصور ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد واجهت الشرطة صعوبة في استهداف الأشخاص المشاركين في المظاهرة؛ لكونها لا تعرف بشكل واضح المجموعة المُحرّكة التي تقف وراءها. وحظرت المسيرة لأسباب فنية، رغم أن المتظاهرين أكدوا أن جميع شروط الحصول على تصريح بالتظاهر قد تم استيفاؤها.
مظاهرات نوعية دون انتماءات سياسية:
وعلى عكس الاحتجاجات السياسية السابقة المناهضة للحكومة، لم يتم ذكر أيّ انتماء سياسي أو عرقي، وكان المتظاهرون ببساطة مصممين على إسماع صوتهم الرافض لفرض الضرائب.
وبعد عدة ساعات من احتشاد المتظاهرين، بدا أن الرئاسة خضعت للضغوط، وأعلنت أنها ستزيل بعض البنود الأكثر إثارة للجدل في مشروع القانون، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة بنسبة 16% على الخبز.
وقال كوريا كيماني رئيس اللجنة المالية بالبرلمان -في مؤتمر صحفي حضره الرئيس روتو، ومشرعون من الائتلاف الحاكم-: “لقد استمعنا إلى آراء الكينيين”، مضيفًا أن التغييرات في مشروع قانون وزارة المالية كانت مدفوعة “بالحاجة إلى حماية الكينيين من ارتفاع تكاليف المعيشة”.
ودافعت الحكومة في السابق عن الزيادات الضريبية، التي كان من المتوقع أن تجمع 2.7 مليار دولار (حوالي 1.658 مليار فرنك إفريقي)، قائلة: إنها ضرورية لتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي.
وتم إلغاء ضرائب أخرى مقترحة، بما في ذلك تلك المفروضة على زيت الطهي وخدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول والسيارات، والتي قال النقاد: إنها ستضرّ بصناعة التأمين.
إلغاء روتو والغاء مشروع القانون المثير للجدل:
وتريد المعارضة، التي لم تشارك في المظاهرات، سحب مشروع القانون بأكمله، وهو ما تصفه بأنه “عقابي”.
وهناك وسم آخر يستخدمه النشطاء وهو ” unfollowRuto”، والذي يشجّع الناس على إلغاء متابعة الرئيس على X، من أجل الضغط عليه للتخلي عن مشروع القانون. وتعهدوا أيضًا بمواصلة الاحتجاجات في نيروبي والمدن الأخرى؛ حتى يتم إلغاء مشروع القانون بالكامل.
بعد نشر مشروع القانون، بدأ رواد تيك توك في نشر مقاطع فيديو تمت مشاركتها على نطاق واسع على منصات أخرى مثل WhatsApp وFacebook وInstagram وX. وظلت مقاطع الفيديو هذه رائجة لعدة أيام، وذلك بفضل دعم المؤثرين الكينيين.
دور الإعلام ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي:
أحد التكتيكات التي أجبرت النواب على الانتباه لخطورة الوضع هو قائمة أرقام هواتفهم، والتي تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي مع رسالة “أرسل رسالة نصية إلى النائب الخاص بك”.
وقال النائب ستيفن مولي لوسائل الإعلام المحلية: إن هاتفه تلقَّى أكثر من 30 ألف رسالة من شباب كينيين يطلبون منه رفض مشروع القانون. كما اشتكى مشرّعون آخرون من أن هواتفهم أصبحت غير صالحة للاستخدام تقريبًا بسبب عدد الرسائل التي يتلقونها.
كما استحوذت وسائل الإعلام المحلية على المحادثات عبر الإنترنت، مما أدى إلى تضخيم أصوات الاحتجاج وقضايا تكلفة المعيشة.
وقال موتوما ماتيو، وهو صحفي مخضرم: إن أحداث الثلاثاء غيَّرت ديناميكيات السياسة الكينية، “وجدت سياسات الاحتجاج موطئ قدم جديد، ووجد جيل جديد ومختلف من الكينيين صوته مرتفع للغاية”.
وتوافق على ذلك بولين نجوروج، المحللة السياسية الشهيرة، قائلة: “إنهم ليسوا شجعانًا فحسب، بل إنهم أيضًا رائعون للغاية، ويتحدثون جيدًا”.
ودعا البروفيسور كيفوثا كيبوانا، الحقوقي، إلى الحوار في رسالته على X: “إن أخطر ما تفعله الحكومة هو إعلان الحرب على شبابها”.
وقال الدكتور ويلي موتونجا، رئيس المحكمة العليا السابق: إن الشباب في جميع أنحاء العالم لديهم عدو مشترك في “الطبقات الحاكمة الخاصة بهم”، وحذّر من أن “الانتفاضة تلوح في الأفق”.
وتخشى الحكومة منذ فترة طويلة من إمكانية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التظاهرات، ودعت الجهات التنظيمية إلى ممارسة رقابة أكثر صرامة في وقت تشتهر فيه المجموعة المعروفة باسم الكينيين على X (KOX) بإدانتها لمشاكل الشعب الكيني. كينيا هي واحدة من الدول التي لديها أعلى معدل لاستخدام تيك توك في العالم.
وقد هدَّد وزير الداخلية بتقييد استخدام “تيك توك” الذي اتهمه بنشر محتوى ضارّ؛ لكنَّ المتظاهرين ليس لديهم أي نية للتراجع.
وقالت إنديمولي على هامش التظاهرات: “نحن لسنا خائفين، ولا نتأثر، وهذه مجرد بداية الثورة. نحن قادمون، نحن بأعداد كبيرة”.
______________________________
رابط المقال:
https://www.bbc.com/afrique/articles/cv22yjyll74o