يظل الملف الأمني أحد أبرز التحديات التي تواجه منطقة القرن الإفريقي على مدار سنوات، والذي أسهم في وصفها بأنها “منطقة مضطربة”؛ نتيجة لعوامل عديدة، أبرزها: الصراعات الحدودية بين بعض دول المنطقة، وضعف التنسيق والتعاون الأمني والاستخباراتي بينها، فضلًا عن هشاشة بعض جيوش المنطقة ومحدودية قدراتها وكفاءتها العسكرية، ونشاط بعض التنظيمات الإرهابية في المنطقة، لا سيما حركة شباب المجاهدين، وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الصومال، وحركة جيش الرب الأوغندي في ظل سيولة الحدود بين دول المنطقة؛ الأمر الذي مكَّن عناصر تلك التنظيمات من التسرُّب والقيام بعمليات انتقامية في بعض دول الجوار الجغرافي مثل كينيا.
في ضوء ذلك، تأتي دولة الصومال كمثال بارز في القرن الإفريقي؛ نظرًا لما تشهده من أوضاع أمنية مضطربة منذ الإطاحة بنظام محمد سياد بري في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعد أن تمَّ حلّ مؤسسة الجيش الصومالي، وأضحى هناك صعوبة في إعادة بنائها فيما بعد مع تطور الأحداث، وفي ظل ضعف عام لكل مؤسسات الدولة وظهور حركة شباب المجاهدين في البلاد خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، وهو ما دفع إلى التدخل الإقليمي والدولي من خلال القرارات الأممية والإقليمية التي أفضت إلى دعم الصومال وأمنها بقوات لحفظ السلام تابعة للاتحاد الإفريقي “أميصوم” التي تعتبر واحدة من الجزئيات المرتبطة بملف الأمن الصومالي وصولًا إلى القرار بانسحاب تلك القوات بحلول نهاية عام 2020م، وانتقال المسؤولية الأمنية إلى القوات الأمنية الصومالية بالرغم من التحديات القائمة بشأنها؛ مما يثير المزيد من التساؤلات حول مستقبل الأمن في الصومال والمنطقة عقب انسحاب آخر جندي من القوات الإفريقية من الصومال.
أولًا: بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال.. الإنجازات والتحديات
كان الهدف الرئيسي لقوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال هو تخفيف الأعباء الأمنية عن القوات الصومالية وأن تكون داعمًا أساسيًّا ومؤثرًا في العمليات الأمنية والعسكرية التي تقوم بها الأخيرة؛ لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد، على أن يكون انتشارها في العديد من المناطق الصومالية لا سيما المناطق المتاخمة للعاصمة مقديشو، والحيلولة دون وقوعها في يد عناصر حركة شباب المجاهدين.
البداية عندما أصدر الاتحاد الإفريقي بيانًا في 19 يناير 2007م قرر فيه إرسال بعثة سلام إلى الصومال لتحل محل القوات الإثيوبية، وقد انتشرت قوات البعثة في البلاد في عام 2007م لأول مرة بهدف مواجهة حركة شباب المجاهدين في البلاد المناهضة للحكومة، والحد من تهديداتها، وتقديم الدعم لجهود مؤسسات الدولة الرامية إلى ضبط الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى خلق ظروف مواتية على المدى البعيد للاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية. فيما أصدر مجلس الأمن الدولي في فبراير 2007م قرارًا برقم 1744/2007م أكَّد فيه دعمه لخطوة الاتحاد الإفريقي لنشر بعثة حفظ السلام الإفريقية في الصومال، وترحيبه بإعلان إثيوبيا الاستعداد لسحب قواتها العسكرية من الصومال.
وقد ضمت البعثة الإفريقية في البداية قوة عسكرية تتكون من بعض الجنود الأوغنديين؛ إلا أنها توسعت بعد ذلك في الحجم ونطاق التفويض إلى أن أضحت تتألف من حوالي 22 ألف جندي من أكثر من دولة إفريقية هي أوغندا وبوروندي وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي. كما انضم عناصر من الشرطة الإفريقية من دول غانا ونيجيريا وكينيا وأوغندا وسيراليون. ويُحسب لتلك القوات أنها مكَّنت حكومة الرئيس الأسبق عبد الله يوسف أحمد من العمل في العاصمة مقديشو.
وخلال تلك الفترة لعبت قوة الاتحاد الإفريقي دورًا بارزًا في مكافحة الإرهاب في الصومال؛ حيث استطاعت بشكل كبير ملء الفراغ الذي خلَّفه الجيش الوطني الصومالي منذ سنوات؛ بسبب ضعف قوته وقدراته والتمويل اللازم له في ظل التحديات السياسية والأمنية التي تواجه دولة الصومال منذ تسعينيات القرن الماضي.
وقد تمكَّنت قوات حفظ السلام الإفريقية من تحقيق بعض المهام المنوطة بها؛ على الرغم من محدودية قدراتها، حيث وفَّرت الأمن نسبيًّا في بعض أنحاء البلاد، كما دعمت العملية الانتقالية التي أفضت إلى تشكيل البرلمان وإصدار الدستور وانتخاب الرئيس السابق حسن شيخ محمود كأول رئيس غير انتقالي للصومال في عام 2012م. كما أجبرت حركة شباب المجاهدين التي تُمثّل صداعًا في رأس حكومات مقديشو المتعاقبة على التخلي عن معقلها الأساسي في ميناء كسمايو، والتراجع نحو مناطق أخرى نائية في جنوب البلاد؛ بحيث استطاعت أن تبسط سلطة الدولة بشكل تدريجيّ أدَّى إلى فقدان الحركة لمواقع كثيرة بعد أن كانت تسيطر على ثلثي مساحة البلاد عند انتشار البعثة الإفريقية. أضف إلى ذلك نجاحها في طرد عناصر الحركة من العاصمة مقديشو بشكل كامل؛ الأمر الذي أعاد الأمن بشكل نسبيّ، وأسهم في عودة السكان إلى منازلهم مرة أخرى، كما شكَّلت هذه الخطوة انتصارًا سياسيًّا؛ حيث عقدت لأول مرة في العاصمة مقديشو الانتخابات التشريعية لاختيار البرلمان الصومالي في عام 2012م.
وعلى عكس التوقعات، قرَّر مجلس السلم والأمن الإفريقي في يونيو 2016م إجراء تخفيض تدريجي لقوات الاتحاد الإفريقي يتبعها الانسحاب الكامل من الصومال، ونقل المسئولية الأمنية إلى الجيش الوطني الصومالي. وفي قرار لمجلس الأمن الدولي رقم 2372 لعام 2017م في 30 أغسطس 2017م بشأن خفض تدريجي لقوات بعثة الاتحاد الإفريقي؛ بهدف إسناد دور أكبر في مجال الدعم لقوات الأمن الصومالية على نحو تدريجي. وبناءً على هذا القرار فقد قامت الحكومة الأوغندية بسحب 281 جنديًّا من قواتها في البعثة الإفريقية في نهاية ديسمبر 2017م كجزء من عملية تخفيض أعداد القوات الإفريقية، كما أعلنت الحكومة المركزية الصومالية وضع خطة أمنية في مارس 2018م إزاء تسلُّم مهام أمن البلاد من بعثة الاتحاد الإفريقي في حال انسحابها من الصومال.
وقد تزامن ذلك مع فشل المساعي الإقليمية والدولية في بناء القوات الوطنية الصومالية وتمويلها خلال السنوات الماضية، وكان من بينها انعقاد المؤتمر الأمني في ديسمبر 2017م في العاصمة الصومالية مقديشو بمشاركة جهات دولية، والذي تم فيه الاتفاق على إنشاء قوة عسكرية قوامها 18000 جندي من كافة الأقاليم الصومالية؛ من أجل تدريبهم وتجهيزهم بهدف استلام المهام الأمنية من بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”.
كما لم تنجح برامج التدريب التي قدَّمها الاتحاد الأوروبي للقوات الصومالية ودول أخرى مثل إثيوبيا وجيبوتي في ظل تعامل القوات الصومالية المنخرطة في تلك البرامج باعتبارها ميلشيات قَبَلِيَّة وليست قوات نظامية.
ويرجع هذا الفشل بسبب الظروف المالية وغياب الرعاية اللازمة للجنود، فضلًا عن عملية حظر السلاح الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على الصومال في أوائل تسعينيات القرن الماضي بما يَحُدّ من قدرات الجيش الصومالي العسكرية برغم تخفيف الحظر ليسمح بتقديم الأسلحة الخفيفة لقوات الجيش الصومالي، علاوةً على تقلبات الأحداث السياسية في الصومال.
ومن هنا، فقد واجهت القوات الإفريقية العديد من التحديات منذ تسلُّم مهامها في البلاد، وعلى رأسها الهجمات الإرهابية التي كانت تقوم بها حركة الشباب، واستطاعت أن تسقط العديد من جنود البعثة الإفريقية خلال السنوات السابقة، فعلى الرغم من سيطرة الحكومة المركزية الصومالية على معظم المدن الرئيسية في البلاد مثل كسمايو وجوهر وبلدوين وبيدوا؛ إلا أن الحركة نجحت في التكيف مع البيئة الجديدة بشكل سريع، وأضحت تسيطر على مناطق شاسعة في وسط وجنوب البلاد، منها إقليم جوبا الوسطى الذي يخضع لسلطة الحركة بشكل كامل.
بالإضافة إلى زيادة الأعباء المادية على القوات، وتخاذل القوى الدولية عن الالتزام بمسؤولياتها تجاه القوات الإفريقية المنخرطة في بعثة الاتحاد الإفريقي، فضلًا عن نقص التسليح ممَّا جعلها عاجزة عن هزيمة حركة الشباب؛ حيث أشار عدد من التقارير إلى أن البعثة الإفريقية لا تستطيع هزيمة حركة الشباب بمفردها، ولم تَجِد مطالب الاتحاد الإفريقي صدًى دوليًّا واسعًا؛ حيث اكتفت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم قليل من الدعم المالي والتسليحي، فيما سيطرت استراتيجية الاقتراب الحذر على سلوك الأمم المتحدة تجاه الصومال دون التورط المباشر فيها، كما قرر الاتحاد الأوروبي خفض رواتب الجنود والعاملين في البعثة بنسبة 20% في يناير 2016م، وطالب الاتحاد الإفريقي بالبحث عن مصادر بديلة للتمويل؛ الأمر الذي دفع عددًا من الدول الإفريقية المشاركة في البعثة إلى التهديد بالانسحاب؛ مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا التي تعتبر المساهم الأكبر في البعثة الإفريقية في الصومال.
كما لعبت الأزمات داخل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، والعقبات والقيود التي تُعيق بناء قوات الأمن الصومالية، فضلًا عن تأزم الأوضاع السياسية في البلاد، علاوةً على تصاعد التصورات المحلية السلبية بشأن بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال دورًا في عرقلة عمل بعثة حفظ السلام الإفريقية، وانتهى الأمر بإقرار انسحاب القوات الإفريقية في نهاية عام 2020م.
ثانيًا: ردود الأفعال على قرار الانسحاب
ثمة تحذيرات عدة أطلقتها جهات مختلفة بشأن قرار انسحاب القوات الإفريقية من الصومال في نهاية عام 2020م؛ فقد تعالت الأصوات في الداخل الصومالي وفي الخارج التي تحذر من الانسحاب خوفًا من التداعيات السلبية التي من المحتمل أن يسببها هذا الانسحاب على مستقبل الصومال والمنطقة. فعلى الصعيد الداخلي، أعرب حاكم ولاية جنوب غرب الصومال عن قلقه بشأن انسحاب القوات الإفريقية من البلاد معللًا ذلك بأن المعركة مع حركة شباب المجاهدين لم تُحْسَم بعدُ، كما أن عدم جاهزية عناصر الجيش الصومالي خلال هذه المرحلة ستجعله غير قادر على تولّي الملفات الأمنية بشكل كامل في ظل عدم توافر الإمكانيات العسكرية والتدريبات، فضلًا عن نقص الأسلحة والمعدات العسكرية الجديدة في ظل الحظر الأممي المفروض على الصومال.
أما على الصعيد الإقليمي، فهناك تحفُّظ على قرار الانسحاب وهو ما عبَّر عنه رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “فرانسيسكو ماديرا” بأن سحب القوات الإفريقية “أميصوم” من الصومال بحلول عام 2020 من شأنه إمكانية القضاء على أيّ تقدم تمَّ إحرازه في الصومال، في ظل تزايد المخاوف من أن يؤدي انسحاب القوات إلى خسارة كافة المكاسب التي تحققت في الصومال طوال العقد الماضي. الأمر الذي يتطلب ضرورة تحرّك المجتمع الدولي بسرعة من أجل مساندة الجيش الصومالي في الاضطلاع بمسؤولياته الأمنية في البلاد قبل عام 2020م، بما يستدعي الحصول على المزيد من الموارد المالية لإتمام هذا المشروع.
كما حذَّر وزراء الخارجية والدفاع من الدول المساهمة في بعثة الاتحاد الإفريقي “أميصوم” من أن المكاسب التي تمَّ تحقيقها في الصومال طيلة الأعوام الماضية قد تتعرض للتآكل في حالة عدم معالجة قضايا مثل عدد القوات والتمويل اللازم لها. ومن ثَمَّ، فإن بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال بحاجة إلى مزيد من الدعم لتمكينها.
فيما جاءت بعض الدعوات من قبل مسئولين في دول الجوار؛ حيث دعا النائب في البرلمان الكيني عمر محمد إلى انسحاب القوات الكينية من الصومال، وإعادة نشرها بطول الحدود الكينية الصومالية، كون أن بقاءها قد عرَّض البلاد لهجماتٍ إرهابية متفرقة من حركة شباب المجاهدين؛ وذلك على خلفية الهجوم الإرهابي على مجمع “دوسيت 2” في يناير الماضي. وبالرغم من الخلاف البحري القائم بين البلدين خلال الشهور القليلة الماضية؛ إلا أن الحكومة الكينية أعلنت استمرار قواتها ضمن البعثة الإفريقية في الصومال لمحاربة حركة شباب المجاهدين.
دوليًّا، تزعم الأمم المتحدة وبعض القوى الدولية التزامها ببناء الجيش الصومالي؛ إلا أنها في الواقع قد لعبت دورًا في تراجعه وضعفه والإخلال بوظيفته في حماية الأمن بالبلاد؛ فقد قام الاتحاد الأوروبي -وهو أحد الممولين الرئيسيين للبعثة الإفريقية- في عام 2016م بتخفيض الدعم المالي المخصَّص للصومال بحجة أن هناك أولوية لأماكن أخرى في إفريقيا.
ثالثًا: تأثير انسحاب القوات الإفريقية على الصومال
تعد الصومال هي الحلقة الأضعف في مسألة انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي “أميصوم” من البلاد في ظل عدم الجاهزية لتولّي مسؤولية الأمن في البلاد خلال المرحلة المقبلة، ومن ثَمَّ، فهناك عدد من التداعيات التي تواجهها الدولة الصومالية في حال انسحاب كافة القوات في 2020، تتمثل في:
– تعقُّد الوضع السياسي: حيث تتسع الفجوة والانقسام بين الأطراف السياسية في البلاد؛ مما يزيد من احتمالية اندلاع صراع بين الحكومة المركزية والولايات الصومالية في ظل التنبُّؤ بمحاولات الضغط والمطالبة بالحصول على الحكم الذاتي مِن قِبَل بعض الولايات الصومالية في ظل ضعف سيطرة الحكومة الفيدرالية على الأوضاع في البلاد خاصة الأمنية؛ الأمر الذي يقوِّض جهود بناء الدولة في الصومال خلال الفترة المقبلة.
– تنامي حالة الفراغ الأمني: حيث يزداد الوضع الأمني في الصومال سوءًا، ويصبح أكثر هشاشة؛ فعلى الرغم من جهود الحكومة الصومالية لتعزيز المنظومة الأمنية في البلاد، إلا أنَّ قوات الجيش الصومالي لا تستطيع بمفردها منع الهجمات الإرهابية وحماية المنشآت الحكومية في العاصمة مقديشو والمناطق الاستراتيجية في أنحاء البلاد. الأمر الذي يُعيق قدرة القوات الأمنية عن حماية السيادة الوطنية والسيطرة على كافة أنحاء البلاد. وهو الأمر الذي يفتح المجال واسعًا أمام تعزيز دور الشركات الأمنية الخاصة، وظهور ما يُعرَف بالمرتزقة في البلاد، مِمَّا يُهدِّد الوضع الأمني في الصومال على المدَى المتوسط.
– توسيع نفوذ حركة الشباب: يتيح انسحاب القوات الإفريقية الفرصة أمام حركة شباب المجاهدين بزيادة الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها في أنحاء البلاد، وتنامي نشاطها؛ حيث تتمدد عناصر الحركة في المناطق التي تشهد انسحاب للقوات الإفريقية كنتيجة طبيعية لذلك في ظل ضعف وعدم جاهزية القوات الحكومية، ما من شأنه توسيع خريطة ارتكاز وتواجد حركة الشباب في الصومال؛ الأمر الذي يُشكِّل تهديدًا على مستقبل الدولة الصومالية.
– تزايد العبء على الجيش الصومالي: وهو الذي يعاني من ضعف قدراته العسكرية والتدريبية في ظل ميزانية ضعيفة يبلغ حجمها نحو 110.767.024 مليون دولار في عام 2019م، وفي ظل تنامي بعض المشكلات التي تهدد الجيش الصومالي خلال المرحلة المقبلة؛ مثل: الولاء للانتماءات القبلية على حساب المصلحة الوطنية، وتغييب إعادة بناء الجيش عن المفاوضات والمحادثات بين الحكومة المركزية والولايات الإقليمية، وخطورة دمج التشكيلات المسلحة المنتشرة في مختلف مناطق البلاد في المؤسسة العسكرية من شأنها أن تعيق وجود جيش قوي في الصومال، والاعتماد على قوات أميصوم خلال السنوات الماضية الذي أفضى إلى غياب التفكير الجدي في بناء جيش وطني موحد في البلاد.
– تنامي نفوذ بعض القوى الإقليمية الإفريقية: حيث يمثل انسحاب القوات الإفريقية فرصة جيدة لبعض القوى الإقليمية مثل إثيوبيا وكينيا بشأن توسيع دورهما الإقليمي في الصومال في ظل سعيهما الدؤوب من أجل إضعاف الصومال وإغراقه في قضاياه الداخلية. ومن ثَمَّ تظل الصومال محورًا مهمًّا ضمن السياسة الإثيوبية والكينية، الأمر الذي يمكن معه التنبؤ بإمكانية التدخل الكيني في منطقة جنوب الصومال تحت ستار حماية الأمن والاستقرار خاصة في ظل استمرار الخلاف البحري بين كينيا والصومال، والتدخل الإثيوبي من أجل تعظيم مصالحه وقوته الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي والحيلولة دون مطالبة الصومال بعودة سيادتها على الإقليم الصومالي في إثيوبيا بالرغم من توجهات آبي أحمد على الصعيد الإقليمي.
– الصومال ساحة صراع إقليمي ودولي: سوف يفتح انسحاب القوات الإفريقية بوابة الصومال على مصراعيها أمام تدافع القوى الدولية والإقليمية من أجل إيجاد موطئ قدم لها هناك؛ تُعزِّز من نفوذها وحضورها في منطقة القرن الإفريقي؛ حيث تمتلك بريطانيا مركز تدريب لها في بيدوا جنوب مقديشو، بالإضافة إلى افتتاح المملكة المتحدة مركز تدريب عسكري في مدينة بيدوا الصومالية في ولاية جنوب غرب الصومال لتدريب حوالي 120 جنديًّا صوماليًّا بهدف تعزيز الاستقرار والأمن في الصومال. ولعب دور رئيسي في مساعدة الجيش الصومالي في عملياته العسكرية في منطقة شبيلي السفلى.
في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأمريكية العمل مع قوات “داناب” الخاصة الصومالية في عمليات عسكرية في قاعدة “بلي دوغلي” الجوية بإقليم شبيلي السفلى، فضلًا عن وجود قوات عسكرية أمريكية يصل عددها إلى 500 جندي أمريكي في عدة مواقع صومالية؛ مثل مطار كسمايو، ومطار بلي دوغلي، ومجمع حلني بمقديشو والسواحل الصومالية، كما أنها تقدم التمويل للوقود والغذاء للجيش الصومالي قبل أن تقوم بتعليق هذا الدعم في ديسمبر 2017 بسبب الفساد المستشري.
كما تمتلك تركيا قاعدة عسكرية خاصة بها في الصومال، وتمتلك قطر مركز تدريب عسكري هناك، فيما تم إغلاق مركز تدريب عسكري إماراتي في أبريل 2018م؛ إلا أنها تمتلك قاعدة عسكرية في ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال. وتشارك مصر والسودان ببعض ضباط التدريب. ومن المتوقع أن تقبل قوى أخرى على إقامة المزيد من القواعد العسكرية ومراكز التدريب بحجة تدريب الجيش الصومالي، فضلًا عن تزايد دور القوى الموجودة بالفعل في البلاد خلال المرحلة المقبلة بعد انسحاب القوات الإفريقية في 2020م.
رابعًا: الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي في ضوء انسحاب القوات الإفريقية
تبقى منطقة القرن الإفريقي ساحة إقليمية شديدة التأثر بالمتغيرات والمستجدات السياسية والأمنية التي تشهدها دولها، والتي تنعكس على المشهد الجيوسياسي والجيوأمني الإقليمي للمنطقة، فإن انسحاب القوات الإفريقية من الصومال من شأنه التأثير على الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في المنطقة، ومن ذلك:
– ضرب المشروع الإقليمي في القرن الإفريقي: تتعارض التداعيات المحتملة لانسحاب القوات الإفريقية من الصومال مع ما يصبو إليه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد منذ صعوده إلى السلطة من تنفيذ مشروعه الإقليمي في المنطقة الذي يسعى من خلاله إلى تسوية كافَّة النزاعات، وتعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي في المنطقة، وتكثيف التعاون والتكامل الإقليمي بين دول المنطقة؛ من أجل تغيير المشهد الجيوسياسي في القرن الإفريقي، الأمر الذي يهدّد بعودة المنطقة إلى المربع الأول؛ مما يهدِّد استقرارها. كما يفتح الطريق أمام انخراط دول المنطقة ضمن سياسة التحالفات والتجاذبات الإقليمية والدولية التي تؤدِّي إلى التشرذم والمزيد من الانقسام بينها.
– التمدد الإقليمي لحركة الشباب: إنَّ تدهور الوضع الأمني في الصومال يمنح حركة شباب المجاهدين مساحة حركة معتبرة للتمدد وتنامي نشاطها الإقليمي في بعض دول الجوار لا سيما كينيا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحوّل منطقة القرن الإفريقي إلى ساحة للصراع؛ مِمَّا يُقوِّض الأمن والاستقرار الإقليمي هناك.
– منطقة رخوة أمنيًّا: وما يمكن أن يترتب عليه من تهديد دول المنطقة في ظل تدهور الوضع الأمني بما يسمح بتوطين عدد من التنظيمات الإرهابية في المنطقة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يتمركز في الصومال منذ عام 2015م بالإضافة إلى تعزيز مكانة تلك التنظيمات في المنطقة.
– القرصنة في البحر الأحمر: فمن شأن التهديدات الأمنية في منطقة القرن الإفريقي التأثير على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب التي تمر عبره 30% من التجارة الدولية من خلال تنامي ظاهرة القرصنة على السواحل الصومالية، الأمر الذي يفتح المجال أمام المزيد من عسكرة منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
– التكالب الدولي على المنطقة: يُسهم انسحاب القوات الإفريقية من الصومال في تدافع وتكالب العديد من القوى الدولية والإقليمية إلى المنطقة تحت ذريعة تعزيز الأمن في الصومال، والحفاظ على الدولة الصومالية، ومن ثَم المسارعة في إقامة قواعد عسكرية ومراكز تدريب عسكري في الصومال والمنطقة؛ بهدف تنامي النفوذ والحضور الإقليمي، بالإضافة إلى الهيمنة على الموارد والثروات الإفريقية.
– تهديد المصالح الغربية في المنطقة: حيث تُشكّل المعضلة الأمنية مصدر تهديد للمصالح الغربية في القرن الإفريقي، ومع تنامي الاستثمارات الأجنبية في بعض دول المنطقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين والإمارات وتركيا وروسيا وغيرها؛ فإن تدهور الأوضاع الأمنية، وتهديد بعض التنظيمات الإرهابية -لا سيما حركة شباب المجاهدين- تسهم بشكل واضح في تقويض الأمن الإقليمي في المنطقة.
خامسًا: سيناريوهات محتملة
ثمة سيناريوهات محتملة حول مستقبل وضع القوات الإفريقية “أميصوم” في الصومال، ومن ثَم انعكاسها على الوضع الأمني الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي؛ حيث يذهب السيناريو الأول إلى التراجع عن قرار انسحاب القوات الإفريقية من الصومال في 2020م، وتمديد عمل القوات لفترة زمنية أخرى؛ لحين تعزيز قدرات القوات الصومالية التي ستتولى المسئولية الأمنية بعد انسحاب البعثة الإفريقية من البلاد.
في حين يدفع السيناريو الثاني نحو قيام الجهات الدولية والإقليمية بتمويل برنامج تدريبي شامل ومكثف للقوات الصومالية (قوات الجيش والشرطة) حتى وقت انسحاب القوات الإفريقية في نهايات عام 2020م؛ بهدف تعزيز قدراتها للقيام بمهامها في حماية أمن البلاد ومواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة؛ مثل حركة شباب المجاهدين، وتنظيم داعش في الصومال.
في الوقت الذي يتنبأ السيناريو الثالث باكتمال انسحاب القوات الإفريقية في عام 2020م، وتولي القوات الصومالية مسؤولية الأمن في البلاد دون أيّ تطوير في قدراتها العسكرية والتدريبية والمادية؛ الأمر الذي يُهدِّد الأمن القومي الصومالي وأمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي في ظل حالة الضعف والوهن التي تسيطر على القوات العسكرية والأمنية الصومالية.