صرَّحت “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” المعروفة بـ الإيكواس (ECOWAS)، يوم الأحد الماضي في بيانٍ لها بأنها وافقتْ على اسم “ECO” للعملة الموحدة المراد استخدامها للدول الأعضاء في الكتلة، وأنها تبنَّت أيضًا نظام سعر صرفٍ مرنٍ للعملة. وهذا يصبُّ في صالح خطط زعماء القارة لتحقيق التكامل في إفريقيا.
وستعمل الإيكواس مع “وكالة غرب إفريقيا النقدية” (WAMA) و”المعهد النقدي لغرب إفريقيا” (WAMI) والبنوك المركزية في الدول الأعضاء لتسريع تنفيذ خارطة الطريق نحو العملة الموحدة. وستعرض هذه الخارطة في الاجتماع العادي المقبل للكتلة.
وتعني هذه الخطوة -نحو تبنّي عملة “eco” الموحدة- أنه يجب على دول الإيكواس التي تستخدم عملاتها الخاصة – كنيجيريا وغانا وغينيا وليبيريا – وضع خطة لترك عملاتها وتبنّي “eco“. بينما ستلغي دول الكتلة الناطقة بالفرنسية استخدام “فرنك سفا” أو الفرنك الإفريقي المشتركة فيما بينها والتي دائمًا ما تُنتقد لجذورها الكولونيالية الفرنسية.
عملة “eco“.. خلفية موجزة
تأسست “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” أو الإيكواس عام 1975م، وتضم اليوم كلاً من: بنين، بوركينا فاسو، الرأس الأخضر (كيب فيردي)، غامبيا، غانا، غينيا (كوناكري)، غينيا بيساو، ساحل العاج، ليبيريا، مالي، النيجر، نيجيريا، السنغال، سيراليون وتوغو. وتمثل الهيئة مجموع السكان من حوالي 385 مليون نسمة.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتوحد فيها الدول الأعضاء على مشروع؛ حيث تشترك عدة دول من الكتلة في جواز سفر موحّد شهير بـ Passport) ECOWAS)، والذي أُطلق في ديسمبر 2000 لإعفاء حامليه من متطلبات التأشيرة داخل دول الهيئة، وليكون وثيقة سفر دولية. فجواز الإيكواس لا يحمل تصميمًا موحّدًا فقط، بل يتيح لمواطني الدول الأعضاء في الإيكواس حرية التنقل داخل المنطقة لفترات لا تزيد عن 90 يومًا دون تأشيرة.
وإذ يعني ما سبق أن لعملة “eco” الموحدة أرضية تستند عليها في المنطقة؛ فقد اقترن اقتراح مشروع العملة بإعلان مشروع جواز السفر الموحد في ديسمبر 2000م، وتأسيس “المنطقة النقدية لغرب إفريقيا” (WAMZ)، وهي مجموعة فرعية تتكون من 6 دول داخل الإيكواس، وهي: نيجيريا وغانا وغامبيا وغينيا وسيراليون وليبيريا، وذلك بغرض إدخال “eco” في إطار “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (ECOWAS)، ودمج العملة في وقت لاحق مع عملة “فرنك سفا” الخاصة بغرب إفريقيا (يستخدمها الأعضاء الناطقون بالفرنسية في الإيكواس). مما سيؤدي في النهاية إلى إيجاد عملة واحدة مشتركة لمعظم بلدان غرب إفريقيا.
في عام 2001م، أُسّس “المعهد النقدي لغرب إفريقيا” (WAMI) ومقره في أكرا بغانا، لكي يكون منظمة مؤقتة تحضيرًا لإنشاء “البنك المركزي لغرب إفريقيا” في المستقبل. وكانت وظيفة المعهد النقدي وتنظيمه مستوحاة من “معهد النقد الأوروبي”، ما يعني أنّ من وظائف “المعهد النقدي لغرب إفريقيا” توفير إطار عمل للبنوك المركزية في “المنطقة النقدية لغرب إفريقيا” (WAMZ) بدءًا بعملية التكامل والدخول في الاستعدادات الأولية لطباعة وسكّ النقد الورقي.
من حيث تقييمات الأداء، فإنَّ جهود البلدان الأعضاء في الإيكواس للوفاء بالمعايير المحددة قبل دخول “eco” حيز التنفيذ لا تزال ضئيلة؛ إذ وضع “المعهد النقدي لغرب إفريقيا” (WAMI) عشرة معايير للتقارب (أربعة معايير أساسية وستة معايير فرعية) يجب على جميع بلدان المجموعة الوفاء بها، لكن جميع البلدان الأعضاء -باستثناء دولة غانا– فشلت في تلبية كل هذه المعايير.
وقد أدرك “جان كلود برو”، رئيس لجنة الإيكواس أهمية هذه المعايير عندما قال: إن احترام الجدول الزمني لتنفيذ العملة الموحدة سيعتمد على الجهود التي تبذلها كل دولة في هذا المجال. وإن “الأداء من حيث تقارب الاقتصاد الكلي شرطٌ لا غنى عنه” بالنسبة للعملة الموحدة، مضيفًا أنه من الضروري “تعزيز آليات المراقبة المتعددة الأطراف”. فالعملة الموحَّدة “ستأتي بالكثير إلى مدخراتنا. إنها فرصة للتكامل يجب للبلدان الإفريقية اغتنامها؛ لأن الأسواق مجزأة [حاليًا]”.
ولتسريع تحقيق حلم العملة وتفادي الانتقادات الموجَّهة للإيكواس بعدم وجود رغبة حقيقية للمشروع وتقاعس دولها عن التكامل الاقتصادي الكامل؛ تبنَّى قادة الكتلة رسميًّا اسم “Eco” لمشروع العملة في يوم 29 يونيو 2019م بالعاصمة النيجيرية أبوجا، وحدّدوا يناير عام 2020م لبدء إصدارها.
كما حثَّت الإيكواس الدول الأعضاء على بذل “المزيد لتحسين أدائها” قبل الموعد النهائي لإصدار العملة، حيث من المنتظر أيضًا، من بين أمور أخرى، تحرير التجارة الإقليمية، وتوحيد الاتحاد الجمركي، وإنشاء منطقة تجارة حرة داخل الكتلة.
وأكّد محمد إيسوفو، رئيس النيجر والرئيس الحالي للإيكواس أن القادة قد أبدوا “إرادة سياسية حقيقية حازمة” لزيادة جهود بلدانهم قبل الموعد النهائي في يناير 2020م. “وجهة نظرنا أن الدول المستعدة ستبدأ في استخدام العملة الموحدة والدول غير المستعدة ستنضم إلى البرنامج، بينما تفي بجميع معايير التقارب الستة”.
إنقاذ الدول الفرنكوفونية من “الفرنك الإفريقي”:
في الوقت الراهن تستخدم ثمانية بلدان من أعضاء الإيكواس -بنين وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وساحل العاج ومالي والنيجر والسنغال وتوغو– عملة “الفرنك الإفريقي” أو “فرنك سفا” (C.F.A franc)، بينما تستخدم البلدان السبعة الأخرى عملاتها الخاصة.
أنشأت فرنسا “فرنك سفا” عام 1945م وربطتها بـعملة “الفرنك” الفرنسية وقتذاك. واليوم توجد نسختان مختلفتان من العملة: “فرنك سفا” الخاصة بالاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) -وهي مجموعة فرعية تضم ثمانية بلدان أعضاء داخل الإيكواس، وأخرى للاتحاد النقدي والاقتصادي لوسط إفريقيا (CEMAC)– وهي كتلة تضم ستة بلدان في وسط إفريقيا.
وتعني اسم العملة (C.F.A franc) في الأصل “Colonies françaises d’Afrique” أي “فرنك المستعمرات الفرنسية في إفريقيا”، لكنَّ العملتين أُعيد تسميتهما لتعكسا استقلال دولهما، إلى (Communauté française d’Afrique) أي: “فرنك المجتمع الفرنسي في إفريقيا”.
واليوم تمَّ ربط نسختَي “فرنك سفا” باليورو. وتَحتفظ فرنسا في خزنتها بـ 50 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي لدول “فرنك سفا” بدعوى ضمان العملة واستقرارها. كما تتمتع فرنسا بقدر كبير من السيطرة على العملة، بما في ذلك قرار تخفيض قيمتها في عام 1994م.
بل ويجلس المسؤولون الفرنسيون في مجالس ونقابات إدارة كلتا النسختين من العملة؛ الأمر الذي أدَّى إلى انتقادات واسعة واحتجاجات في دول إفريقية ناطقة بالفرنسية تصف “فرنك سفا” بأداة نيوكولونيالية تضع البلدان الإفريقية تحت سيطرة فرنسا دون حريّة التصرّف في عملتها.
وقد انضم الرئيس التشادي “إدريس ديبي” إلى الذين طالبوا بإعادة هيكلة “فرنك سفا”، وذلك خلال الاحتفال بعيد استقلال بلاده عام 2017م. في حين صرح “ندونغو سامبا سيلا” -الخبير الاقتصادي التنموي السنغالي الذي ألّف كتابًا عن تاريخ “فرنك سفا”- بأنّ العملة تسمح لفرنسا بمواصلة الإمبريالية النقدية في إفريقيا، كما أن الضمانة التي تساهم في استقرار العملة هي نفسها التي تَحُدّ من النمو في البلدان التي تستخدمها؛ لأن قيمة “فرنك سفا” مربوطة بعملة اليورو، بدلاً من أن تُحدّدها الأسواق الدولية.
ولذلك لقيت خطة إصدار عملة “eco” الجديدة المشتركة لدول غرب إفريقيا ترحيبًا في المنطقة وتأييدًا قويًّا في الدول الغرب إفريقية الناطقة بالفرنسية والتي تَستخدم “فرنك سفا”؛ حيث يرى منتقدو “فرنك سفا” أن عملة “eco” وسيلة للتحرر من الاعتماد المالي على فرنسا، وأنها قد تكون بداية النهاية لـ “فرنك سفا” في إفريقيا.
عملة “eco” بين التفاؤل والتشكّك:
يرى “إتياني فاكابا”، الخبير الاقتصادي في مالي ومدير مركز البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية أنّ هناك فوائد لعملة “eco” في توسيع سوق الإيكواس؛ حيث العملة الموحدة ستؤدي إلى تحقيق وَفُورات في جميع المجالات عندما يتعلق الأمر بأسعار الصرف وتعزيز الوحدة.
“في نهاية المطاف، سنتطوّر معًا كي نصبح كيانًا أقوى، بما في ذلك على المستوى الاقتصادي”؛ هكذا قال فاكابا.
لكن بعض الاقتصاديين أشاروا أيضًا إلى صعوبة إقناع نيجيريا بالموافقة على الدخول في اتحاد نقديّ إذا لم تكن نيجيريا نفسها رئيسة الاتحاد؛ الأمر الذي جعل الاقتصادي السنغالي ” ندونغو سامبا سيلا” يقول: “سيتم إطلاق (العملة) في فراغ”.
ومما جعل نيجيريا تُشكك في جدوى العملة أن البلاد -التي يمثل اقتصادها ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة- ستهيمن على أيّ منطقة نقدية مستقبلية في المشاركة فيها، وليس من الواضح ما إذا كان بإمكان الاقتصادات المتباينة ذات مستويات متفاوتة من الديون والعجز أن تتقاسم عملة واحدة بنجاح.
“يبلغ إجمالي الناتج المحلي لاقتصاد غينيا، على سبيل المثال، حوالي 7 مليارات دولار، وهذا أقل من اقتصاد ولاية آبيا التي تُعَدّ أكبر 13 ولاية نيجيرية، بقيمة 8.7 مليار دولار. هذا الاختلاف في الاقتصادات يجعل بالفعل سياسة معقولة موحدة مثل العملة التجارية صعبة للغاية”؛ هكذا قال المحلل الاقتصادي النيجيري “توكونبو أفيكويومي” لشبكة “سي إن إن”.
وفي رأي “أندرو نيفين”، كبير الاقتصاديين في PwC West Africa: فإن “(إصدار عملة موحدة) يبدو سابقًا لأوانه بعض الشيء؛ نظرًا لأن نيجيريا لم تُسجِّل حتى الآن للتكامل الإقليمي في الإيكواس”.
ويشكّك الاقتصادي النيجيري “إيزي أونيكبير”، رئيس مركز العدالة الاجتماعية بأبوجا، في واقعية العملة الموحدة، وفي إمكانية أن تصبح حقيقة في المستقبل القريب. “النيجيريون لا يناقشون العملة. تسمع عنها أحيانًا بين النخبة فقط”، مضيفًا أنه “حتى يومنا هذا، تشعر بأننا (في غرب إفريقيا) نريد التمسك بعملاتنا: نايرا، وسيدي، وسفا”.
ومما يُشَكِّك بعض الاقتصاديين الأفارقة في العملة الجديدة أنه لا توجد تفاصيل دقيقة وأجوبة شاملة لأسئلة مُلِحَّة حول المشروع. أو كما قال أونيكبير: “جميع القطاعات في جميع المجالات بحاجة إلى التعاون. ولا يمكنك تقديم عملة موحدة ما لم تكن لديك سياسات مالية وصناعية وتجارية وعُمالية موحدة”.
ومع ذلك، يرى “سليمان جاميرو”، نائب وزير الإعلام في سيراليون، أن العملة الموحدة خطوةٌ إيجابيَّة وتحقيقٌ لحلم الآباء المؤسسين للإيكواس. ويتوقع قبول نيجيريا تناول العملة في حين صدورها، خصوصًا وأن نيجيريا تستخدم جواز سفر الإيكواس الموحَّد لكل مواطنيها منذ أكثر من عقد.
“على الرغم من حجم نيجيريا وعدد سكانها، فإنَّ البلاد مستعدة للغاية. نحن نعمل معًا”؛ هكذا قال جاميرو، وأضاف أنه “بعد كل شيء، تدور الإيكواس حول التكامل الاقتصادي الإقليمي، وفي النهاية لا يمكننا تحقيق هذا التكامل بدون العملة”.
كما أكّد أفيكويومي “أن العملة الموحدة إذا نُفِّذَت بشكل صحيح ستُحسِّن التجارة من خلال السماح لدول محددة بالتركيز على ما يناسبها من التجارة، واستبدالها بسلع أخرى تنتجها بلدان أخرى بكفاءة في الكتلة”.