أعلنت الحكومة الإثيوبية إحباط محاولة انقلاب يوم السبت الماضي أسفرتْ عن مقتل العديد من كبار المسؤولين الحكوميين، ما يؤشِّر على طبيعة الأزمة الحالية والتحديات العميقة التي يواجهها رئيس الوزراء “أبي أحمد” منذ بدء برنامجه الإصلاحي الذي اكتسب ثناء العالم؛ رغم إثارته للجدل.
لقد سعى “أبي أحمد” -وهو ضابط مخابرات سابق- منذ صعوده إلى السلطة العام الماضي بعد شهور من العنف والاضطراب السياسي، إلى تقديم ما يراه حلولاً ضرورية لمشاكل نظام بلاده المنغلق ذي الحزب الواحد. وأطلق “أحمد” -كعلاج أولي- سراحَ سجناء سياسيين، وألغى الحظر المفروض على الأحزاب السياسية، ودعا المعارضين للعودة والمشاركة في إثراء الأنشطة السياسية داخل البلاد.
وأخذت جرأة “أبي أحمد” منعطفًا جديدًا عندما حاكَم المسؤولين المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وأعاد علاقات بلاده مع إريتريا المجاورة. كما وضع خطة بدأ تنفيذها تدريجيًّا لتحرير اقتصاد إثيوبيا الخاضع لسيطرة مشدَّدة، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة جزئيًا؛ بما في ذلك الخطوط الجوية الإثيوبية التي تُعدُّ إحدى أسرع شركات الطيران نموًّا في العالم، وذلك ليسهل للمستثمرين الدخول في السوق الإثيوبي ومشاركة القطاعات الخاصة في تطويره.
غير أنّ أجندة الإصلاح التي وضعها رئيس الوزراء خلقت أيضًا أعداء أقوياء، بما في ذلك النخبة السياسية والاستخباراتية القديمة التي تهيمن على السلطة، وتنظر إلى حكومة “أبي أحمد” كتهديد للوطنية الإقليمية. ولعلّ إدراك “أحمد” نفسه لهذا الخطر أجبره على أن يُلقي عددًا من خُطَبه خلف زجاج مضادّ للرصاص بعد أن نجا من محاولة اغتيال في العام الماضي. وفي العام نفسه سار مئات الجنود إلى مكتبه للمطالبة بزيادة الأجور، وقال رئيس الوزراء: إنها محاولة لاغتياله.
ويحظى “أبي أحمد” بتأييد النسبة الكبرى من الشعب الإثيوبي، كما أعرب المسؤولون في أوروبا والدبلوماسيون الغربيون في أديس أبابا عن دعمهم لإصلاحاته، لكنَّ المراقبين يحذّرون من الخطر المترتب على فتْح نظام إثيوبيا المنغلق، وأن خطوات “أبي” تُشكّل صدمة حقيقة لـ”الأقوياء” داخل النظام.
محاولة انقلاب فاشلة في أمهرا:
في يوم السبت الماضي بعد فترة وجيزة من التاسعة مساء بالتوقيت المحلي، شنَّت “فرقة اغتيالات” هجومًا منظّمًا على اجتماع تنفيذي لحكومة ولاية أمهرا الإقليمية في مدينة بحر دار. وقد قاد هذه العملية قائد الأمن الإقليمي الجنرال “أسامينو تسيجي” – المعروف بتشدّده في معارضة إصلاحات رئيس الوزراء “أبي أحمد”، وقُتل إثرها كل من: “أمباتشو ميكونين”، رئيس ولاية أمهرا وهو حليف رئيس الوزراء؛ و”جيز أبيرا” مستشار رئيس الولاية.
“لقد أُطلق عليه الرصاص مِن قِبَل أشخاص مقربين منه”؛ هكذا قال رئيس الوزراء “أبي أحمد” عن “أمباتشو” في خطاب متلفز يوم السبت.
وفي حادثة منفصلة -لكنها مرتبطة مع حادثة أمهرا- في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، قُتل “سايري ميكونين”، رئيس أركان قوات الأمن الإثيوبي، على يد حارسه الشخصي. كما قُتِلَ جنرال متقاعد آخر.
ووصف البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء “أبي أحمد” الحادث بأنه “محاولة انقلاب مُدَبَّرَة” على القيادة التنفيذية لولاية أمهرا، وهي إقليم في الشمال يبلغ عدد سكانها 31 مليون نسمة. وأكَّد أن القوات الفيدرالية قد ألقت القبض على معظم الجناة.
“على جميع الإثيوبيين إدانة هذه المحاولة غير القانونية”؛ هكذا قال “أبي أحمد” الذي ظهر في الخطاب المتلفز بخلفية ناصعة يبدو أنها لتجنُّب الكشف عن موقعه ومكان وجوده. وأضاف “لدى الحكومة الفيدرالية القدرة الكاملة للتغلُّب على هذه المجموعة المسلحة”.
وتُظهِر المحاولة الانقلابية خطورة الأزمة السياسية وهشاشة الحكومة في إثيوبيا؛ الدولة الحيوية والاستراتيجية في شرق إفريقيا التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة؛ حيث أدَّت جهود “أحمد” -لتخفيف قبضة أسلافه الحديدية- إلى إطلاق موجة من الاضطرابات، نزح بسببها 2.4 مليون شخص؛ وفقًا للأمم المتحدة.
مقتل “تسيجي” قائد الانقلاب:
قال السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء، “نيغوسو تيلاهون”: إن الجنرال “أسامنيو تسيجي” المتَّهم بمحاولة السيطرة على ولاية أمهرا قد قُتل بالرصاص أمس الاثنين بالقرب من “بحر دار” عاصمة أمهرا. واعتُقِلَ عددٌ من المتآمرين الآخرين.
يُذكر أنَّ الجنرال “أسامنيو تسيجي” قائد الانقلاب قد سُجِنَ في السابق بسبب محاولة مماثلة للانقلاب. وكان “أبي أحمد” من أصدر أوامر العفو عنه في العام الماضي بعد مجيئه إلى رأس الحكومة.
“تم تنظيم محاولة الانقلاب والهجوم من قبل الجنرال أسامنيو تسيجي رئيس الأمن والسلام في أمهرا، مع عملاء آخرين”؛ هكذا قالت “بيليني سيوم” المتحدثة باسم الحكومة للصحافيين، وأضافت “لقد حصل هو وزملاؤه على العفو في العام الماضي من قبل الإدارة الجديدة وسط جهود لإعادة دمجهم في الحياة العادية”.
وإذ لا يمكن حاليًا التحديد بشكل دقيق أسباب محاولة “تسيجي” للانقلاب في أمهرا، إلا أنها قد تكون ردَّ فعلٍ منه على خطةٍ لمسؤولي الولاية الذين يناقشون في الاجتماع التنفيذي يوم السبت طريقة ردع “تسيجي” وكبح قوته، بعد أن شعروا بالقلق حيال تقارير عن خطابه الإثني وتجنيده للميليشيات.
وقبل ذلك بأسبوع، انتشر على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مقطع فيديو مثير للجدل ظهر فيها الجنرال “تسيجي” وهو ينصح سكان أمهرا علانية بتسليح أنفسهم.
وكانت ولاية أمهرا التي تجذرت فيها محاولة الانقلاب، مركزًا سياسيًّا وثقافيًّا تقليديًّا في إثيوبيا، وهي أيضًا ثاني أكبر مناطق إثيوبيا اكتظاظًا بالسكان، لكنها في العقود الأخيرة -بحسب سكانها- مُهمَّشة نسبيًّا بينما أصبحت “تيغراي” المجاورة أكثر قوةً ونفوذًا.
ويُعتبر “أبي أحمد” أول زعيم إثيوبي من الأورومو؛ وهي أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا التي احتجَّت أيضًا من إقصائها عن السلطة السياسية. وهو أصغر زعيم في إفريقيا البالغ 42 عامًا، تم انتخابه بعد الاستياء من شكاوى هيمنة “تيغراي”، ويُعتَبر وصوله إلى السلطة أولَ انتقال سلمي للقيادة في التاريخ الإثيوبي فلم يكن بسسب الثورة أو وفاة قائد سابق.
أما محاولة الانقلاب هذه رغم فشلها، فقد وقعت بعد شهور من تصاعد العنف قبل الانتخابات البرلمانية الوطنية المقرر إجراؤها العام المقبل. وقد دعت عدة مجموعات معارضة إلى ضرورة إجراء هذه الانتخابات في موعدها وعدم تأجيلها رغم الاضطرابات.