أوفى الرئيس النيجيري منذ أيام بوعدٍ قطعه, في حواره الوطني بعد توليه للحكم, وفي أثناء مشاركته في قمة الفساد منذ أسابيع, للكشف عن المعلومات حول الأموال المنهوبة وأسماء المؤسسات والشخصيات الذين شاركوا فيها, وخصوصا بالنظر إلى أن حكومته تعرضت لعدة انتقادات لسكوتها وعدم إخبارها المواطنين عن نتائج مساءلة المتهمين بالاختلاس, مما جعل البعض يشكون في ادعاءاته أنه يحارب الفساد.
حتى وإن كان إعلان الحكومة هذا الأسبوع لا يشمل أسماء السارقين والمسئولين المتهمين الذين استردوا منهم الأموال المعلنة, إلا أنها – أي الحكومة – أفادت أنها استعادت أصولا وأموالا يبلغ مجموعها 9.1 مليار دولار, مع تقدير المبالغ النقدية المستردة بقيمة (78،325،354،631.82) نايرا نيجيري؛ (185,119,584.61) دولار أمريكي؛ (3,508,355.46) جنيه استرليني؛ و (11,250) يورو. وتشمل هذه الأموال تلك التي يحتجزها المسئولون من الحكومة السابقة، والأموال المودعة في حسابات خاصة، والمحوّلة إلى جيوب وأموال خاصة في حيازة مسؤولين حكوميين لم يكشفوا عنها بعد تركهم للسلطة.. كل ذلك خلال السنة الأولى في وجود الرئيس محمد بخاري على منصبه.
وحسب البيان المتاح للجمهور من قبل وزارة الاعلام النيجيرية, كانت المبالغ المستردة غير النقدية ( الأراضي الزراعية، قطع من الأراضي والمباني غير المكتملة، المباني المنجزة، المركبات والسفن البحرية) خلال السنة يبلغ مجموعها 239.
وفيما يلي, جداول التفصيل الشامل للأصول النقدية وغير النقدية – حسب ما جاء في البيان بتوقيع “سيغون أديمي”, المستشار الخاص لوزير الإعلام والثقافة:
1- أموال نقدية مستردة:
2- مبالغ وممتلكات مستردة لكنها تحت المصادرة المؤقتة:
3- أموال التي تنتظر استعادتها من دول وسلطات أجنبية:
4- مستردات غير نقدية:
إن مثل هذا الإعلان عن الأموال المسترجعة ستزيد في رصيد ومكاسب محمد بخاري, وسيؤكد عنوان حملته منذ البداية في محاربته للنهب, وأنه مصمم وعازم على ضمان الشفافية في مؤسسات الدولة والوكالات المعروفة سابقا لكونها مبهمة وفاسدة.
عدم الكشف عن الأسماء: جماعات تنتقد, والحكومة تدافع
من الطبيعي أن تجذب مثل هذه التطورات ردود أفعال متباينة؛ ما بين مشجع لحكومة البلاد ومقدّر لمجهوداتها وخطواتها وقياداتها, وما بين مستهزء بالبيان وما جاء فيه واصفا تلك التحركات بالتسييس.
وفي الحقيقة, إن مثل هذه الأخبار وما حققته السلطة النيجيرية تجاه أموال الدولة المنهوبة, من المحتمل أن تعزز سمعة بخاري دوليا, وأنه غير متسامح في قضية الفساد – رغم طعن ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا في حق نيجيريا في الشهر الماضي, حيث وصف نيجيريا بأنها “فاسدة بشكل خيالي”, وذلك في الفترة التي سبقت قمة مكافحة الفساد في لندن, مما جعل بخاري يردّ عليه بقوة بمطالبته أن تردّ بريطانيا أصول نيجيريا المسروقة والمحتفظة في بنوك وأراضي بلاد كاميرون.
ولكن, في حين يذهب محللون إلى أن بيانات الأموال المستردة يعتبر فوزا كبيرا لصالح الحكومة، غير أن العديد من النيجيريين يجدون الصعوبة في تجرّع كأس الإعلان وما ورد فيه من معلومات السابق ذكرها. بل يشكون في مصداقية المعلومات والأرقام الواردة فيه, فقط لأن الحكومة لم تكشف عن أي أسماء للأشخاص والمسؤولين الذين عثر في حيازتهم تلك الأصول والأموال, وذلك بالرغم من وعده – أي بخاري – في وقت سابق بـ” تقديم تقرير شامل” على “ما تم استردادها مع ذكر أي عملة ومن أي وزارة أو دائرة أو شخص”. وكان من المتوقع أن بخاري سيقدم التقرير في خطابه في يوم الديمقراطية في 29 مايو الماضي.
تدافع الحكومة عن موقفها, وتبرر حجبها لأسماء اللصوص لأسباب قانونية. وبعبارة أحد المسئولين المقرب للرئيس محمد بخاري وعملية استعادة الأموال, في تصريح لإحدى صحف البلاد: “هذه العملية مستمرة ومن إحدى الأسباب لعدم الكشف عن الأسماء هي أننا من دون الذهاب إلى المحكمة؛ استطعنا أن نستردّ كل هذا المبلغ من المال. فإذا كشفنا عن الأسماء والأشخاص؛ فإن الآخرين الذين يريدون إعادة الأموال طوعيا لن يفعلوا ذلك. ما نحتاجه هو المال وليس أسماء”.
وتابع حديثه قائلا: “ثانيا، كثير من الذين أعادوا المال ليسوا بالضرورة مذنبين. على سبيل المثال، إذا أعطاني حزبي المال لإدارة حملة الانتخابات، كيف يمكنني أن أعرف أن مصدر هذا المال غير مشروع ؟”
غير أن جماعات مختلفة داخل البلاد انتقدت ذلك القرار – وما زالت عبر وسائل الإعلام. إذ يرى أصحابها أنه من خلال عدم تسمية أسما المتورطين؛ فليس هناك رادع حقيقي يمنع الآخرين من نهب الأموال, لأن غاية ما سيتعرضون لها إذا سرقوا أموال العامة هي المساءلة القانونية وإعادة الأموال, فلن يعانوا من أضرار السمعة والتي هي مهمة لردع الشخصيات السياسيين. ومن ثم سيسرقون مرة أخرى, وإن قبض عليهم فما لهم سوى إعادة المسروقات لا غير!
لكن المسئول الحكومي يردّ على المنتقدين قائلا: “..بالنسبة لأولئك الذين يقولون إن علينا الكشف عن الأسماء، هم مخطئون تماما: ستكون نتائجه عكسية. في الواقع، يمكن لبعض المتهمين أن يذهبوا إلى المحكمة لمقاضاتنا على التشهير والقذف, ومن ثم سيضيع جوهر العملية كله وسيكون حديث الجميع حول قضايا التشهير والقذف المعروضة على المحاكم. ليس هذا ما تحتاجه نيجيريا الآن. ما تحتاجه نيجيريا هو أن تكون مركزة”, و “نعتقد أننا قد اتخذنا الخطوة الصحيحة بالسماح للنيجيريين أن يعرفوا كم تم استردادها، 9 مليار دولار من دون الذهاب إلى المحكمة”.
نصائح خبراء ماليين
إن توقيت الإعلان عن الأموال المستردة أمر بالغ الأهمية, وخاصة لكون اقتصاد نيجيريا متدهورا. وذلك لأن الحكومة تحاول متضاعفة جهودها لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط وتمويل ميزانية وطنية تقدر بـ 30.6 مليار دولار. وبسبب انخفاض أسعار النفط وتراجع عائدات الدولة نتيجة لذلك، كان الاقتصاد النيجيري في هذا العام يشهد صعوبات عديدة تتسبب بفقدان الوظائف، وتحفّظ المستثمرين وتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي.
في السبت من هذا الأسبوع وبعد الإعلان, حث بعض الخبراء الماليين الحكومة لتوجيه الأموال التي استُردت في البنية التحتية الحيوية, ومشروعات أخرى من شأناه أن تؤكد لكل النيجيريين أن الأموال المستعادة تم استخدامها كما ينبغي لمنفعة الجميع.
وكما ذكر الخبير المالي الدكتور أوتشي أواليكي من جامعة ولاية ناساراوا بشمال نيجيريا, لابد من استثمارها في المشاريع الرأسمالية مثل الكهرباء, أو في مشاريع خط السكك الحديدية الساحلية لإنعاش الأنشطة الاقتصادية, موضّحا أن المبالغ المستردة يجب ألا تستخدم لدفع رواتب أو لأغراض الاستهلاك.
“لدينا بعض احتياجات البنية التحتية الحيوية التي تؤثر على النمو والتنمية في البلاد. ولذلك، يجب أن تنظر الحكومة في معظم المناطق الحساسة وتوجه الأموال إليها”. فالأموال المسترجعة يجب أن تقسم بين مستويات الحكومة الثلاثة إذا كانت السرقة تشمل خزينة حكومة الولاية أيضا. ولكن إن لم يكن كذلك, ينبغي أن تكون إذا للحكومة الفيدرالية.
أما الرئيس السابق لمعهد تشارترد للمصرفيين النيجيريين (CIBN), السيد أوكيشوكو أونيبو, فهو يصف هذا التطور باعتباره شيئا جيدا ينتظره النيجيريون. وأن على الحكومة أن تنفقها لتعافى ومعالجة قضية البطالة في البلاد, مشيرا إلى أن بعض تلك الأموال ينبغي توجيهها لإحياء صناعة الغزل والنسيج نظرا لاختفائهما في الأسواق النيجيرية وخاصة لكون ذلك سيزيد في معدل خلق الوظائف للعاطلين الشباب.
وأضاف أوكيشوكو أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ينبغي تشجيعها للعودة إلى الحياة من خلال معالجة مشكلة الطاقة الكهربائية في البلاد. وقدم نصيحته لحكام الولايات أن يبحثوا في داخل أراضيهم طرق وأساليب تنويع وزيادة عائدات ولاياتهم كي يتمكنون من الدفع الفوري لرواتب عمالهم بدلا من الاعتماد على مخصصاتهم من قبل الحكومة الاتحادية.