إفريقيا المُستهدَفة: الاستعمار الأيديولوجي الجديد في القرن الحادي والعشرين
(المساعدات الغربية في خدمة الأجندة النسويّة)
Target Africa: Ideological Neocolonialism in the Twenty-First Century
نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقية العُليا- جامعة القاهرة
تمهيد:
في هذا الكتاب الصادر عن قراءات إفريقية في نُسخته العربيّة لعام 2020م للكاتبة النيجيريّة “أوبيانوجو إيكيوتشا”([*])، والذي تمت ترجمته بواسطة المترجمة “أسماء عبد الرازق”؛ يدور بشكل أساسي حول ما تتعرَّض له القارة الإفريقية من رؤًى وسياسات وبرامج غربيَّة يتم تمريرها عبر القوى الكبرى والمنظمات الدوليّة الحكومية وغير الحكومية، تستهدف بشكل أساسي قِيَم وأعراف شعوب القارة؛ وذلك من أجل تنفيذ أهداف غربيّة غير مُعلَنة، تحت ذريعة أهداف عامة؛ مثل: التنمية المُستدامة، ورفع معدل النمو الاقتصادي، وتقليص العوائد الضريبية، والحفاظ على الأسرة الإفريقية، لكن وفقًا للسياق والمُدرَك الغربي، دون أيّ مراعاة للواقع الإفريقي شديد التميّز والخصوصية، أضف إلى ذلك ما تحمله بعض هذه السياسات في واقع الأمر من أضرار صحية وجسديّة وإنسانيّة وثقافيّة، كبرامج تنظيم الأسرة، وتقنين الإجهاض، وغيرها.
لذا تؤكد الكاتبة على رفض هذا الطرح (السياسات والرؤى الغربيّة التي تشبهها “إيكيوتشا” بالاستعمار الأيديولوجي الجديد)، مُبرهِنةً عبر صفحات الكتاب (التي تجاوزت مائتي صفحة) على التداعيات السلبية المُمتدة التي لحقت بالقارة، وأن الاستعمار والاستعباد للشعوب الإفريقية لم ينته بعدُ، وإن كان قد انتهى بشكله التقليدي إلا إنه استُؤنف من جديد، لكن عبر أنماط أكثر حداثة، تلائم ديناميات الوقت الراهن وعلى رأسها مصالح القوى الكبرى.
الأفكار الرئيسية للكِتاب:
أولًا: التحكُّم في السكان وإغراق الشباب
تبدأ “إيكيوتشا” بالإشارة إلى ما وصفه الأوروبيون بالانفجار السكاني الإفريقي المُحتمل، من خلال التحذير من نموّ سكاني هائل في القارة الإفريقية خلال العقود المُقبِلة، والذي تأكد من خلال تقدير إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة بارتفاع إسهام إفريقيا في عدد سكان العالم ليصل إلى 25% بحلول عام 2050م، ويصل إلى 39% عام 2100م. وبدلًا من النظر إلى هذا النمو السكاني كقوة بشرية هائلة (بعكس المجتمعات الأوروبيّة التي تعاني من نِسَب مفرطة من كِبار السن)، يمكن استغلالها في رفع نمو الاقتصادات الإفريقية وتقليل معدلات الفقر؛ تذهب الكيانات الدولية إلى البحث في حلول أخرى للتعاطي مع النمو السكاني بوصفه أزمة تستلزم حلولًا عاجلةً، مهما كانت الكُلفة التي سيتكبَّدها الأفارقة جراء إنفاذ هذا الأمر.
تجسّدت أبرز هذه الحلول فيما أسمته الكاتبة بإعلان الحرب على أجساد النساء، عبر إنتاج وتوزيع عقاقير ووسائل لمنع الحمل بالاتفاق مع الحكومات الوطنية الإفريقية، فضلًا عن المؤتمرات التي يتم تنظيمها بالعواصم الإفريقية من أجل تنظيم الأسرة وتحديد النسل؛ ذلك الأمر الذي اعتبرته “إيكيوتشا” شديد الخصوصية، وعليه يصبح من غير الملائم أن يتم تحديده مِن قِبَل المنظمات والهيئات الدولية.
كما تطرقت الكاتبة النيجيرية إلى المخاطر الصحية الشديدة التي تصاحب هذه العقاقير، ولا يتم الإعلان عنها بشكل واضح، وحتى إن تمَّ يحدث ذلك في وقت متأخر للغاية بعد دخول العقار أجساد مئات الآلاف من النساء الإفريقيات، دون أن يُعوّضهن أحدٌ عما لحق بهنّ من أضرار، بخلاف النساء الأمريكيّات اللواتي يتمكّن من رفع دعاوى قضائية بسبب تداعيات هذه العقاقير، بما في ذلك الضغوط التي تشنّها النساء عبر وسائل الإعلام وغيرها، بخلاف وضع المرأة الإفريقية، التي لا تمتلك وسائل الانصاف ذاتها.
على صعيد إغراق الشباب في الشهوات والملذات الجسديّة (لا سيّما الممارسات الجنسية الخارجة عن أُطُر الزواج)؛ أشارت “إيكيوتشا” إلى قيام المنظمات الدولية بإثارة موضوعات تتصل بالنشاط الجنسي للشباب من حيث التثقيف الجنسي الشامل، وتوفير (العوازل الذكرية)، وغيرها من الوسائل المُسَهِّلة للتواصل الجنسي بين الرجل والمرأة دون عوائق أو قيود.
إضافة إلى الحديث بالأوساط الغربيّة عن ضرورة تبنّي الجهود تجاه الأطفال لتشمل تشجيع التثقيف الجنسي الشامل باعتباره حقًّا دوليًّا يحميه القانون، وجعل هذا الحق أساسًا للتنمية البشرية، والرغبة في فرض هذه المفاهيم والسياسات على جميع الدول الإفريقية، دون أيّ مراعاة لمعتقدات وقِيَم هذه الشعوب، لا سيما في المجتمعات التقليدية الرافضة بشكل قاطع لذلك.
وفي حال تبنَّت الدول الإفريقية سياسات مناهضة لهذه الممارسات، كأوغندا التي نفَّذت خطة وقائية للتصدي لانتشار وباء نقص المناعة البشرية-الإيدز؛ فإنه يتم إيقاف هذه السياسات تحت ذريعة نقص التمويل، إضافةً إلى تحوّل الحملات الداعية للممارسات الجنسية الخارجة عن أطر الزواج لصناعة كبيرة تُدِرّ دخلًا هائلًا يصل إلى مليارات الدولارات، من خلال بيع موانع الحمل، والاستفادة من التمويل الخارجي لهذه الحملات، ما يُصَعِّب من عملية التصدي لها.
ثانيًا: مِن الأنثوية الغربيّة وتقنين الإجهاض حتى الشذوذ
في هذا الإطار تشير الكاتبة النيجيريّة إلى فكرة رئيسة مفاداها: محاولة تصدير نموذج المرأة الغربي، وما يتصل به من حقوق وترتيبات؛ لتطبيقه كما هو على المرأة الإفريقية، وهو ما لا يتَّسق في كثير من الأحوال مع طبيعة النساء الإفريقيات، لذا ترفض “إيكيوتشا” بشدة فكرة تصدير قِيَم النسويّة الغربية التي تراها قائمة على الفردية والأنانية والتحرّر الجنسي وصولًا لتقنين الإجهاض.
في مقابل ذلك رجَّحت النموذج الإفريقي للأنوثة المتجسّد في صورة المرأة الإفريقية الصالحة (الأم والأخت والزوجة والابنة)، نعم لديهن القوة والحرية، لكن يتم تسخيرهما لخدمة بلدهن وأولادهن وأزواجهن، وفقًا للقِيَم والمعتقدات الإفريقية والأديان.
وبدلًا من محاولات تصدير هذه النماذج غير الملائمة للبيئة الإفريقية؛ رَغِبَت الكاتبة في تسليط مزيد من الضوء على واقع المرأة الإفريقية الحقيقي المليء بالتحديات والمصاعب والأكثر احتياجًا لهذه المساعدات، كنقص الرعاية الصحية، وكل ما يتصل بالبنية التحتية للمرافق الصحية، خاصةً مع التمسك بممارسات ومعتقدات تقليدية بالغة الخطورة. كما رأت “إيكيوتشا” أن المرأة لا تزال تستحق الكثير من الحقوق والامتيازات، فعلوهنّ يعني ارتفاع أسرهنّ، وتبعًا لذلك ينهض المجتمع بأسرِه.
أما على صعيد تقنين عمليات الإجهاض، فتؤكد الكاتبة على رفض السواد الأعظم من المجتمعات الإفريقية لهذه الممارسات تمامًا، مشيرةً إلى أهمية الحياة في المنظور الإفريقي مستعرضةً أسماء ترددت على مسامعها في طفولتها ببلدتها النيجيرية (أويري)، تحمل معاني تُقَدِّر قيمة الحياة مثل اسم “جينويندو” الذي يعني الله مالك الحياة، و”ندودي”، ويعني ثمة حياة، أما “ندوبوز” فيعني الحياة سامية، وغيرها من الأسماء المجسِّدة لفكرة تقديس الأفارقة لقيمة الحياة.
وفي إطار رغبة القوى الكبرى والمنظمات الدولية في تمرير هذه الرؤى الغربية بشأن تقنين الإجهاض تزعم التيارات الداعمة بأن هذا التقنين يحقق أمرين رئيسيين؛ أولهما: القضاء على انتشار عمليات الإجهاض السرية غير المقنَّنة، والتي ربما يقوم بإجرائها غير الأطباء، والآخر: الحفاظ على صحة المرأة وتقليل نِسَب الوفيات بينهن.
ورغم ذلك تُثبت “إيكيوتشا” أن تقنين الإجهاض لم يُقلّل العمليات السرية لها، كالحال في جنوب إفريقيا، فبالرغم من أن الإجهاض مقنّن، ويجري مجانًا في مرافق الرعاية الصحية العامة لديها، إلا أن عمليات الإجهاض السرية لا تزال مستمرة. وكذلك فيما يتعلق بانخفاض أعداد الوفيات للأمهات في حال تقنين الإجهاض؛ تشير الكاتبة إلى أنه حتى الآن لا دليل على أن انخفاض الوفيات يمكن أن ينتج عن تقنين الإجهاض، كالحال في جنوب إفريقيا؛ فبالرغم من تقنين الإجهاض في البلاد منذ ما يربو على عقدين من الزمن، لا يزال معدل وفيات الأمهات مرتفعًا للغاية (١٣٨ حالة وفاة لكل ١٠٠ ألف ولادة)، وهو أعلى من معدل بوتسوانا (١٢٩ لكل ١٠٠ ألف ولادة)، علمًا بأن الأخيرة هي الدولة الأصغر والأكثر فقرًا، والأهم أنها لا تُقنن الإجهاض لديها.
ناهيك عن القيام أحيانًا بتمرير هذه القوانين خلسةً دون تركيز إعلامي متعمّد، كالحال في بلدة الكاتبة بنيجيريا، والذي تم تمريره خلسة ضمن قانون عن نبذ العنف خلال عام ٢٠١٣م، ما أدى لاحتجاجات عامة بين المواطنين. انتهى الأمر بتقديم والي المقاطعة اعتذارًا لسكان بلدته لتوقيعه على القانون، لا سيما مع رَفْضه من قِبَل القيادات الدينية والزعامات القبلية، أصحاب التأثير الكبير في المقاطعة، والمجتمعات الإفريقية بشكل عام.
على صعيد آخر تطرقت الكاتبة إلى محاولات الترويج للقبول بالشذوذ الجنسي، فتؤكد الكاتبة على رفض هذه الممارسات بين قطاع ليس بالقليل داخل المجتمعات الإفريقية. ويجد المتتبع لهذا الأمر أنه بالرغم من الدعاية البرّاقة للديمقراطية الغربية؛ إلا أنها ترمي بهذه المُثُل بعرض الحائط في هذا الشأن، ولا تعترف بمن يرفضونه، عملًا بمبدأ احترام الآخر وحقوقه ومعتقداته، لا سيّما في أمر شديد الخصوصية بإفريقيا كالزواج والأسرة.
في هذا المنحى تعرض “إيكيوتشا” كيف يستخدم المجتمع الدولي عبر دُوَله ومؤسساته، وكل ما يمتلك من أدوات؛ من أجل فرض عقوبات على من يتبنَّى أي مسارات (قانونية بشكل أساسي) من شأنها حظر ما يُروّج للمثلية كأوغندا ونيجيريا اللاتين تم تعليق عضويتهما من اتفاقية كوتونو (معاهدة موقعة بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ)، مِن قِبَل الاتحاد الأوروبي لاعتماد قانون يحظر الزواج المثلي في نيجيريا، وقانون آخر لمكافحة الشذوذ الجنسي في أوغندا.
كما تُعلّق القوى الكبرى باستمرار مساعداتها لمثل هذه الدول أو تُعِيد جدولتها، كما فعلت الولايات المتحدة مع أوغندا، حينما أوقفت تمويلًا قدره ٢,٤ مليون دولار كان مخصصًا لبرنامج الشرطة الأوغندية المجتمعية، وغيرها من ممارسات الحجب أو إعادة التوجيه للأموال المخصصة للبلدان الإفريقية المناهضة لسياساتها في هذا الشأن.
ثالثًا: المعونات.. أفيون الطبقات الحاكمة في إفريقيا
في هذا المَنحى تذهب الكاتبة للاشتباك مع القضية الأساسية التي تعاني منها جُلّ البلدان الإفريقية، ألا وهي الاعتماد غير المحدود على المعونات الخارجية. وترصد “إيكيوتشا” في هذا الإطار عددًا من الملاحظات، كما يلي:
– الأمر الأول؛ يتمثل في أنه من النادر أن تذهب هذه المعونات إلى مستحقيها من الأشد احتياجًا لها، بل تجد طريقها مُمَهدًّا نحو جيوب المسؤولين الحكوميين والنُّخَب في إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يثبُت يومًا تلو الآخر خلال قضايا الفساد والتربح غير المشروع التي يتم الكشف عنها لعدد كبير من كبار المسؤولين وصولًا للرؤساء وأفراد أسرهم. على سبيل المثال: وُجِدَ أن أفراد الأسرة الحاكمة في الكونغو برازفيل تمتلك ٢٤ عقارًا في فرنسا باسمها، و١١٢ حسابًا مصرفيًّا، وعدة سيارات رياضية، في وقتٍ كان فيه ٧٠% من السكان يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم. الأمر لم يختلف كثيرًا في نيجيريا التي تمكَّن رئيسها “ساني أباتشى” في التسعينيات من تحقيق ثروة هائلة بلغت ٤ مليارات دولار حتى وفاته في العام ١٩٩٨م.
– الأمر الثاني: إن هذه المساعدات تؤثر على استقلالية الدول الإفريقية وحكوماتها ومؤسساتها، خاصة أن بعضها يعتمد اعتمادًا رئيسيًّا على هذا الدعم الخارجي. على سبيل المثال نجد أن بعض الدول الإفريقية تكاد تعجز ميزانياتها حال توقف العون الخارجي، كمالاوي التي يُشكّل الدعم لديها حوالي ٤٠% من الميزانية الوطنية.
– الأمر الثالث؛ أنه مع فَقد الاستقلالية والتربّح من وراء هذه المساعدات لا يمكن توجيه المعونات نحو المجالات الأكثر إلحاحًا، من المنظور الإفريقي؛ حيث يُخصّص مثلًا جزء كبير منها للصحة الإنجابية ووسائل منع الحمل التي لا تلقى رواجًا بين الأفارقة، ولا تمثل أولوية بالنسبة لهم، تاركين المجالات الأخرى الأكثر احتياجًا للدعم، كالتعليم، الصحة، إمدادات الصرف الصحي، توفير الكهرباء، وغيرها من الخدمات الأساسية التي تعجز الدولة الإفريقية عن القيام بها.
نعم هذه المجالات تتلقى دعمًا، لكن ليس بالزخم ذاته الذي يتم توجيهه نحو برامج تنظيم الأسرة والحياة الصحية والجنسية، وغيرها. كما يبدو أن المسؤولين، ولفرط اعتمادهم على أموال الدعم، وما توفره لهم من رفاهية لم تكن لتتحقق دون هذه المساعدات؛ باتوا لا يتخيلون حياتهم دونها، حتى إن رأوا كافة أشكال الاستعمار الجديد المصاحبة لها، فالخلاصة أن المعونات أصبحت أفيون الطبقات الحاكمة في إفريقيا.
خاتمة:
في الأخير تؤكد الكاتبة على أن التنمية الحقيقية المنشودة لن تتحقق بالهِبات الممنوحة من الخارج، بل بالاستغناء عنها، وتستشهد في ذلك بقول الاقتصادي البريطاني بيتر بوور Peter Bauer: “إن المجتمع العاجز عن التطور دون هبات خارجية من غير المرجّح أن يتطور بوجودها”.
كما أن من المهم التأكيد على أن المساعدات الممنوحة لم (ولن) تستهدف تنمية حقيقيّة لأبناء القارة، بل يتم توجيهها بعناية فائقة لخدمة الرؤى الغربية، وكما اتضح من الأفكار سالفة البيان كيف أنها لا تلائم المجتمع الإفريقي، ولا تحظى بالقبول بين قطاع عريض من أفراده.
كما أن الكثير من هذه المساعدات التي تحتاجها القارة بحقٍّ؛ إما أنها تذهب لغير مستحقيها، أو أنها لا تُحْدِث تغيُّرات إيجابية حقيقية، ولا تعدو سوى أن تكون محض مُسكّنات لا تُقدّم حلولًا مستدامة للمشكلات الإفريقية؛ فكم من ورش عمل وبرامج لبناء القدرات يتم عقدها، وكم من الندوات والجلسات التي لا يحضرها المواطنون الذين يعانون من الفقر المدقع إلا من أجل ما يتم توزيعه على الحاضرين، من هدايا ومساعدات، وذلك بالقياس على آلاف المشروعات التي يتم الإعلان عنها وتخصيص ميزانيات ضخمة لها.
ناهيك عن المنح الدراسية المُقدَّمة من الخارج التي تتمحور بشكل أساسي حول العلوم الاجتماعية وحقوق الإنسان، دون إيلاء الاهتمام ذاته للعلوم التطبيقية التي تساعد في التنمية الحقيقية للبلدان الإفريقية، لتسهيل تمرير أجنداتهم حول الهوية والجندرية وما شابه من رؤى غربية.
إن ما يحدث ما هو إلا استعمار أيديولوجي، لكن بآليات جديدة من أدوات القوة تلائم القرن الحادي والعشرين، لإحداث التأثير وإحكام السيطرة. كوسائل الإعلام الدولية، مثل شبكة سي إن إن وتأثيرها الممتد في إفريقيا، والتي تصفها الكاتبة بغير المحايدة والمروّجة للسياسات الغربية عبر ما تبثه من محتوى، ناهيك عن إغفال ما يُضْعِف الرؤى الغربية المُراد الترويج لها بالقارة الإفريقية، كمخاطر عمليات الإجهاض، مثلًا لا تقف CNN كثيرًا أمام واقعة طبيب أمريكي قتل مريضته خلال عام ٢٠١٣م أثناء إجراء عملية إجهاض لها، وآخرون تورطوا بعمليات سرقة لأعضاء الأجنة خلال عمليات الإجهاض خلال عام ٢٠١٥م، وغيرها.
ختامًا؛ يمكن القول بأنه لا مفر من السعي للاستقلال عن هذا الاستعمار الأيديولوجي الحديث. وتتذكر الكاتبة خلال حديثها عن الخلاص من التبعية، الزعيم الغيني “أحمد سيكوتوري”، الذي آثر عيش بلاده في فقرٍ طالما كان يقابله نَيْل الحرية والاستقلال، قائلًا حينها مقولته الأشهر: “نستحبّ الحرية في فقرٍ على الرق في ترفٍ”، وذلك في أعقاب إعلان الجنرال “شارل ديجول” أن أيّ دولة تختار الاستقلال عن فرنسا لن تحصل على دعم اقتصادي، كما أنها لن تُبقي على الموظفين والإداريين والفنيين الفرنسيين في البلد المُستَقِلّ. فكم نتوق إلى حُكام أفارقة أمثال أحمد سيكوتوري، وتوماس سانكارا، يحكمون بلادهم على النحو الذي يليق بالقارة وتطلعاتها وما تستحقّه، بعيدًا عن التكالب والتواطؤ الغربي-الإفريقي.
……………………………………………………..
[*] كاتبة وباحثة نيجيرية تعيش بالمملكة المتحدة، عالمة متخصصة في الطب الحيوي المختص بدراسة بيولوجيا صحة الإنسان والمرض، من خلال ثلاثة مجالات هي: علوم الحياة، والعلوم الفسيولوجية، والهندسة الحيوية.