بقلم: إيزيدور كوونو
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
اتخذت مالي والنيجر وبوركينا فاسو قرارًا مشتركًا يشير إلى رغبتهم في تعزيز التقارب بينهم، وأعلنوا، الأربعاء 6 مارس 2024م، عن إنشاء قوة عسكرية مشتركة لمحاربة الانفلات الأمني الذي تواجهه الدول الثلاث منذ عدة سنوات.. جاء ذلك خلال اجتماع عُقِدَ في نيامي.
ووفقًا للجنرال موسى سالاو بارمو، رئيس أركان القوات المسلحة النيجرية؛ فإن القوة المشتركة للدول الثلاث التي تشكل تحالف دول الساحل “ستبدأ العمل في أقرب وقت ممكن لتأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية في المنطقة”.
وتعتزم الدول الثلاث -التي قادتها القوات المسلحة في أعقاب الانقلابات العسكرية- من خلال هذه القوة المشتركة “تهيئة الظروف لتعزيز الأمن والدفاع المشترك”؛ وفقًا للبيان الصحفي الذي خرج عن الاجتماع الذي شارك فيه رؤساء الأركان العامة للجيوش في كلٍّ من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ويشار أيضًا إلى أنه سيتم تطوير وسائل وآليات تحقيق الأهداف الدفاعية والأمنية المشتركة على مستوى دول AES. لكنّ التحديات الأمنية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو لا تزال قائمة والهجمات المسلحة متكررة.
تشخيص الوضع الأمني في تحالف دول الساحل:
في إطار تكوين تحالف دول الساحل، اتفقت مالي والنيجر وبوركينا فاسو في 16 سبتمبر 2023م على إبرام اتفاق للدفاع المشترك. وجاء ذلك في سياق تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بالتدخل عسكريًّا في النيجر عندما رفض المجلس العسكري -الذي نفذ الانقلاب في يوليو 2023م- إعادة النظام الدستوري والإفراج عن “محمد بازوم”.
وفي الوقت نفسه، لا يزال الوضع الأمني في الدول الثلاث مثيرًا للقلق؛ ففي 25 فبراير 2024م، تعرضت ثلاث قرى وكنيسة لهجوم مسلح وأعمال عنف في شمال بوركينا فاسو، وفي اليوم نفسه، تعرَّض مسجد أيضًا للهجوم، وبلغت حصيلة القتلى نحو عشرة قتلى، بحسب مصادر أمنية محلية.
وتحدث هجمات مماثلة أيضًا في بلدان تحالف دول الساحل (AES) الأخرى. وفي أكتوبر الماضي، فقدت النيجر 29 من جنودها في هجوم بالقرب من الحدود مع مالي. وفي سبتمبر 2023م، تم إعلان الحداد لمدة ثلاثة أيام في مالي بعد هجومين منفصلين خلَّفا 64 قتيلًا، بينهم 49 مدنيًّا و15 جنديًّا، في شمال البلاد. وقد عانت الدول الثلاث من عدة هجمات أخرى تركت العائلات في حالة حزن وحداد في كثير من الأحيان.
ووفقًا لتقرير معهد الاقتصاد والسلام لعام 2023م، تسببت 310 هجمات في مقتل 1135 شخصًا وإصابة 496 آخرين في بوركينا فاسو في عام 2022م. وفي مالي، أرجع التقرير وفاة 944 شخص إلى هجمات مسلحة. وبحسب التقرير فإن الهجمات في هذين البلدين زادت بنسبة 48% مقارنة بالعام الذي سبقه (2021م).
“لقد كانت الزيادة في عدد العمليات الإرهابية في منطقة الساحل كبيرة (أكثر من 200٪ على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية). ويرجع ذلك إلى الوضع السياسي غير المستقر؛ حيث جرت ست محاولات انقلابية، نجحت أربع منها. ولا يزال الوضع الأمني في المنطقة مقلقًا بحسب هذه التقارير. ولكن هل سيؤدي إنشاء قوة مشتركة إلى التغلب على انعدام الأمن في دول AES الثلاث؟
فعالية التعاون الأمني بين الدول الثلاث:
يقول المراقبون: إنه من السابق لأوانه الحكم على مدى فعالية هذا التعاون الأمني بين الدول الثلاث، لكنّ رغبة شعوب هذه الدول في أن يعيشوا حياة هادئة وسلمية تزداد يومًا بعد آخر. لقد أصبح انعدام الأمن هو الواقع اليومي لهؤلاء المواطنين من الرجال والنساء والأطفال الذين يُجبرون على مغادرة منازلهم.
ويرى البعض أن أعمال العنف تفاقمت في السنوات الأخيرة في منطقة الساحل في غرب إفريقيا رغم أن القادة العسكريين الذين هم على رأس السلطة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو كانوا قد قطعوا عهودًا بحل مشكلة انعدام الأمن والحفاظ على سلامة أراضيهم عند وصولهم إلى السلطة.
وطُلِبَ من القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، الموجودة في منطقة الساحل منذ سنوات بقوتها العسكرية، مغادرة هذه المنطقة.
الأمر نفسه ينطبق على بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي (مينوسما) التي تلقت أمرًا من قادة المجلس العسكري بمغادرة البلاد التي توجد فيها منذ حوالي عشر سنوات. تلك المغادرة كانت سارية المفعول في ديسمبر الماضي. ثم اتصلت مالي والنيجر وبوركينا فاسو بروسيا لمساعدتها في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
ووفقًا لعمر باه، المحلل الأمني لغرب إفريقيا في مركز الدراسات الإستراتيجية في باريس؛ فإن هناك تحسنًا مع المكاسب الإقليمية التي حققتها “قوات الدفاع لدول AES” ضد الجماعات الإرهابية والانفصالية الصغيرة إلى حد ما”.
ويضيف: “لكننا بعيدون عن الفعالية الكاملة للأمن الأمثل والشامل في جميع أراضي هذه البلدان الأعضاء المختلفة في AES”، مشيرًا إلى أن التهديد حقيقي ومنتشر وكبير وتُدرك السلطات العسكرية الحاكمة “أن هذه المعركة طويلة الأمد، ولا يمكن كسبها بمفردها، دون دعم من السكان، ودون تعبئة وطنية عامة، وأيضًا دون دعم الشركاء الذين يمكنهم السيطرة على الأجواء من خلال الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية. كل هذه العوامل هي التي تفسر -وفقًا لوجهة نظره- ضرورة تشكيل قوة للتعامل مع الوضع.
فيما يرى مامادو أدجي، مستشار حالات الطوارئ السابق لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في رئاسة جمهورية السنغال، أن الإرهابيين لا يزالون قادرين على شنّ هجمات صغيرة على القرى، بل وهجمات واسعة النطاق على قوات الشرطة ومعسكرات الجيش.
تحديات التحالف الأمني:
التحالف الذي أعلنته السلطات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو هو جزء من ميثاق ليبتاكو-غورما الذي أنشأ تحالف دول الساحل في سبتمبر 2023م.
وتنص المادة 6 من الميثاق على الهيكل الجديد للأمن الجماعي، والدفاع المشترك ضد أيّ هجوم أو تهديد ضد سيادة أي دولة عضو في التحالف.
وتواجه هذه البلدان عدوًّا منتشرًا وخفيًا، غالبًا ما يكون مختبئًا بين السكان على حافة الحدود، الذين يستغلون سهولة اختراقها، ويقومون بأعمال عنف تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، كما يقول المحلل الأمني في غرب إفريقيا. فيما يرى عمر باه “أن محاربة الإرهاب تحدٍّ كبير”، مشيرًا إلى أن الدول الكبرى لن تثبت العكس.
لكنه يؤكد أن الإرادة السياسية والإستراتيجية ليست غائبة لدى القادة العسكريين في الدول الثلاث، “نأمل أن تتمكّن الأشهر المقبلة من إخبارنا المزيد عن الفعالية التشغيلية النسبية أو غير ذلك لهذه القوة المشتركة الجديدة”.
ويتابع قائلًا: سيتم الحكم على هذه القوة على الأرض، وسنرى ما إذا كانت ستتمكن من الحد بشكل كبير من الهجمات الإرهابية أم لا. وأضاف “سنرى ما إذا كان بإمكانها تحقيق الاستقرار المستدام في المنطقة وتأمين السكان واستعادة سلامة وسلطة الولايات”.
وبصرف النظر عن هذه الجوانب، ستواجه دول AES أيضًا تحديات مرتبطة بالموارد المالية، وفقًا لمامادو أدجي، مستشار حالات الطوارئ السابق لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في رئاسة جمهورية السنغال.
وشدَّد على أن “التحدي المالي يرجع إلى جفاف الموارد المالية التقليدية مع انسحاب الأمم المتحدة وفرنسا والدول التي قدمت الدعم المالي، لا سيما مجموعة دول الساحل الخمس”.
وتُعوّل هذه الدول الآن على الدعم الروسي لمواجهة هذه التحديات. لكنهم يواجهون أيضًا تحديات لوجستية. ووفقًا لـ أدجي؛ فإن المساعدات الروسية غير متجانسة مع الآليات والأسلحة الموجودة. وأضاف: “هذه الدول لديها معدات فرنسية وتدريب فرنسي… وبدعم من الروس ستنشأ مشكلة قابلية التشغيل”.
منطقة الساحل وأمل في استقرار محتمل:
لا يزال الوضع الأمني، في الوقت الراهن، محفوفًا بالمخاطر في بعض ولايات منطقة الساحل، التي تسيطر هذه الجماعات المسلحة على أجزاء محددة من أراضيها.
ووفقًا للسيد عمر باه، فإن تحقيق الاستقرار في المنطقة أمر ممكن. ولكنها لن تكون مستدامة إلا عندما تعمل هذه الأنظمة على تصحيح عجزها الديمقراطي، “هذه أنظمة مدنية عسكرية”، وشدد على أن شرعيتهم الديمقراطية لا تزال تعاني من نقص معين في إضفاء الشرعية على الانتخابات الحرة والديمقراطية والصادقة والشفافة والشاملة.
وعليه، فإن العودة إلى النظام الدستوري من خلال صناديق الاقتراع الشفافة التي تلبّي المعايير والمقاييس الإفريقية والدولية هي أحد مفاتيح الاستقرار الدائم ومصداقية هذه الأنظمة؛ بحسب قوله.
إن التحديات الاقتصادية، والفقر، وعدم المساواة الاجتماعية، وعدم الاستقرار، والجفاف، والإرهاب، كلها تحديات يجب أن يواجهها هذا الاستقرار ليتناسب مع القوى الوطنية التي تتبنَّى الرؤية ذات الأولوية المتمثلة في تحقيق الاستقرار.
وتبلغ مساحة منطقة الساحل أكثر من 2.780.000 كيلومتر مربع، وتضم دولًا عملاقة ذات مساحات شاسعة، وذات حدود يسهل اختراقها. ويصر عمر باه على أن “AES ستحتاج إلى أن تكون قادرة على إيجاد “اتفاق مكتمل” يُنهي الإشكالات العالقة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا؛ حتى تتمكن من التفاوض على خروجها، وتكون قادرة على إيجاد ترتيبات مربحة لمختلف مؤسساتنا ومكونات الدولة”.
ويحذر من أنه إذا لم تفعل منطقة الساحل ذلك؛ فإنها تخاطر بالمزيد من زعزعة الاستقرار مع الطفرة في أعمال العنف، وتعدُّد محاولات الانقلابات في خضم الفترات الانتقالية. وأضاف: “أعتقد أن تحقيق الاستقرار الدائم في منطقة الساحل لا يمكن أن ينجح بشكل أساسي إذا كانت إفريقيا تتبع منطق عدم الثقة المتبادل بين هذه الدول المختلفة وهذه المنظمات المختلفة، وإذا لم يكن للسكان الحق في أن يكون لهم رأي في اختيار مصيرهم”. ويؤكد على أن يكون اختيار “المصير بطريقة حرة وديمقراطية وشفافة”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:
https://www.bbc.com/afrique/articles/cjex8pqxp4qo