التقيتُ بـ «فوستن تواديراFaustin Touadéra » في مكتبه، في مجلس الوزراء في العاصمة بانقي، حينما كان رئيساً للوزراء في عهد حكومة «بوزيزي»، ضمن وفدٍ معنيٍّ بإنشاء قِسْمٍ للغة العربية في جامعة بانقي الوطنية، حينها بيّنا له الهدف من الزيارة، فتحّدث حديث الملمّ بوضع بلاده، ومقدّراً أهمية موقعه الجغرافيّ وتشكيلاته الإثنية والدينية، لذا كان دعمه قويّاً في كلمته لإنشاء هذا القِسْم، حيث قال: «إنَّ إنشاء قِسْم اللغة العربية في جامعة بانقي سيُسهم في رفع مستوى الوعيّ التعليميّ في البلاد، وسيُساعد هذا القِسْم على التعرف على الحضارة العربية الإسلامية، وخاصّة أنّ العربية تُعتبر اليوم في المدارس الحكومية مادةً اختيارية، وجزءاً لا يُستهان به من شعبي من المسلمين، فبهذا القِسْم سيتمّ تأهيل عددٍ من الأساتذة الذين يدرّسون هذه المادة والحضارة العربية في مدارسنا المختلفة، وآن الأوان للتوجّه إلى المشرق العربي؛ باعتبار اللغة العربية والحضارة العربية جزءاً من الحضارات الإنسانية، لذا أقترح أن يكون قِسْماً ليس للغة العربية فحسب، بل للحضارة العربية الإسلامية أيضاً؛ حتى يتسنّى لطلاب إفريقيا الوسطى التعرّف على هذه الحضارة العظيمة التي ساهمت في تطوّر البشرية».
وبعد مرور عامٍ ونيّف؛ تغيّرت المعادلة في البلاد، ووصلت حركة «سيلكا» إلى الحكم، وأطاحت بحكومة الرئيس «بوزيزي»، ومن ثمّ بعد عامٍ آخر اندلعت الحرب الطائفية التي أدّت إلى تشريد أكثر من (470.000) لاجئٍ وتهجيرهم إلى دول الجوار، ونزوح أكثر من (50.000) نازحٍ إلى المدن الشمالية في البلاد، وبعد وساطاتٍ من أطرافٍ عدّة، تمخّض عن كلّ ذلك عقدُ الانتخابات التشريعية والبرلمانية، حيث بدأت في 30 ديسمبر 2015م، وانتقل اثنان للدور الثاني الذي عُقد في يوم الأحد 14/02/2016م، حيث فاز «تواديرا» بما نسبته (63%)؛ متفوّقاً على خصمه رئيس الوزراء الأسبق «أنسيت جورج دلوقلي» المدعوم من قِبل الحكومة الفرنسية ومن حزب الرئيس الأسبق «بوزيزي»؛ لذا كان يعدّ مرشح «بوزيزي» بامتياز، إلا أنه مُني بخسارةٍ أمام «تواديرا» المدعوم من قِبل بعض المعارضة غير المسلمة، بالإضافة إلى شرائح كبيرة من المسلمين، وتجلّى ذلك بزياراته قبيل انتخابات الدور الثاني لعددٍ من مخيّمات اللجوء في دول الجوار، بالإضافة إلى النازحين في الداخل، مما كان له الأثر الواضح في سير العملية الانتخابية، حيث تمّ دعمه من قِبل المسلمين بشكلٍ لافت.
وسيُؤدّى القَّسَم في حفلٍ كبيرٍ، في 30 مارس 2016م، بعد اعتماد المحكمة الدستورية لنتيجة الانتخابات بشكلٍ نهائي، وتهنئة «دلوقلي» منافسَه بالفوز، مما يبشر أنّ هناك أملاً يلوح في الأفق نحو الاستقرار والسلام بعد سنواتٍ من الاحتراب والتهجير القسري.
إلا أنّ المستفيدين من الفوضى الخلاقة لم يسرّهم كثيراً فوز «تواديرا» في الانتخابات، لذا كانت العملية التي أدّت إلى مقتل (12) من رعاة البقر المسلمين في مدينة بامباري في وسط البلاد (1) ، وهي واحدة من العمليات التي يتوقّع أن تستمر بين الفينة والأخرى لتعطيل الاستقرار والأمن في إفريقيا الوسطى وإعاقته، وخصوصاً بعد ظهور تقارير «ويكليكيس» عن التواطؤ الخارجيّ بين شركات فرنسية، وحكومة الكونغو الديمقراطية، وحكومة «بوزيزي»، في منح هذه الشركات حقوق امتيازٍ في بعض المناطق للتنقيب عن الغاز والنفط والألماس، وبخاصة شركة «أريفا» الفرنسية، مما كان سبباً من أسباب الحرب الأخيرة على المسلمين، حينما أحسّت هذه الشركات بخطورة حكومة «دوجوتيا»، فكانت المساهمة الفاعلة في الحرب الأخيرة بدعم ميليشيات «أنتي بلاكا»، حيث جاءت تحت عنوان: «الحرب القذرة».
بعض الصور التي سرّبتها ويكليكس عن الحرب القذرة في إفريقيا الوسطى
وذكرت التقارير أعداداً كبيرة من الوثائق التي تُثبت عملية التواطؤ بين الشركات الغربية والحكومات الإفريقية لإراقة دماء الفقراء والمساكين في إفريقيا الوسطى، وبخاصّة المسلمون منهم (2).
جدول يبيّن نتائج المرشحين(3)
المرشح |
الحزب |
نتيجة تصويت الجولة الأولى |
نتيجة تصويت الجولة الثانية |
||
% |
الأصوات |
% |
الأصوات |
||
أنسيت جورج دلوقلي |
اتحاد إفريقيا الوسطى للتجديد Union for Central African Renewal |
23.74 |
268.952 |
37.29 |
413.352 |
فوستن أركانج تواديرا |
مستقل |
19.05 |
215.800 |
62.71 |
695.059 |
ديزري كوليمبا |
التجمع الديمقراطي بإفريقيا الوسطى |
136.398 |
12.04 |
|
|
مارتين زيقلي |
الحركة من أجل الحرية الأفرووسطي، الشعب الإفريقي |
129.11.43 |
|
|
|
جين سيرجي بوكاسا |
مستقل |
|
|
|
|
جارلس أمل دوبان |
مستقل |
41.095 |
3.63 |
|
|
جان ميشيل ماندابا |
الديمقراطي الحكومي Party for Democratic Governance |
35.458 |
3.13 |
|
|
سليفان باتسي نقوكوتو Sylvain Patassé-Ngakoutou |
الزخم الجديد الأفرو وسطي Central African New Momentum |
31.261 |
2.76 |
|
|
عبد الكريم ميكواسا |
مستقل |
31.052 |
4.74 |
|
|
جاستون مانداتا نقيويريكا Gaston Mandata Nguérékata |
الأفروسطي للتجديد Party for Central African Renewal |
22.391 |
1.98 |
|
|
جان باركس كيتا |
مستقل |
18.949 |
1.67 |
|
|
تايملون بياكوا |
مستقل |
17.195 |
1.52 |
|
|
فيديلي قوانديكا |
مستقل |
15.356 |
1.36 |
|
|
ثيوديري كابوو Théodore Kapou |
مستقل |
13.295 |
1.17 |
|
|
مارسيل ديماسي Marcel Dimassé |
|
8.791 |
0.78 |
|
|
قاي موسكيت |
الحركة الوطنية الاجتماعية National Solidarity Movement |
8.712 |
0.77 |
|
|
جان وليبيرو ساكو |
مستقل |
8.535 |
0.75 |
|
|
إيميل قروس رايموند ناقوكومبو Émile Gros Raymond Nakombo |
|
8.001 |
0.71 |
|
|
ريجنيا كونزي موقوت Régina Konzi-Mongot |
مستقلة |
6.684 |
0.59 |
|
|
سافير سيليستر يانقونقو |
مستقل |
6.512 |
0.57 |
|
|
سيريق قوندا |
الحزب الوطني لإفريقيا الوسطى الجديدة |
5.560 |
0.49 |
|
|
لورين بامولاي |
الحركة الوطنية الديمقراطية |
5.834 |
0.51 |
|
|
كونستانت زيز Constant Gouyomgbia Kongba Zézé |
مستقل |
5.560 |
0.49 |
|
|
جوزيف يايكني Joseph Yakété |
|
5.547 |
0.46 |
|
|
مارتنز ماروبا Mathias Barthélemy Morouba |
مستقل |
5.156 |
0.46 |
|
|
ثيوفيلي كولي Théophile Sony Colé |
اتحاد النقابات الإفريقية للعمل Syndical Union of Central African Workers |
3.784 |
0.33 |
|
|
ماكسيم كازقوي Maxime Kazagui |
الحركة الجديدة لإفريقيا الوسطى Alliance for a New Central Africa |
2.886 |
0.25 |
|
|
جان كوبا Jean-Baptiste Koba |
مستقل |
2.010 |
0.18 |
|
|
استانسيس كيمبي Stanislas Moussa Kembé |
|
1.706 |
0.15 |
|
|
أوليفر جابيرولت |
|
1.347 |
0.12 |
|
|
الأصوات الملغاة |
|
89.370 |
|
24.094 |
|
الإجمالي |
|
1.132.886 |
100 |
1.153.300 |
100 |
والملاحظ على هذه النتائج:
أنّ المشاركة كانت كبيرة، ووجود ثلاثة مسلمين ضمن المرشحين، أبرزهم: ابن الرئيس السابق كوليمبا ديزري «بلال كوليمبا ديزري»، الذي جاء في الترتيب العام ثالثاً، يدلّ على أمرٍ مهمٍّ، وهو وجود قابلية لأن يحكم هذه الدولة مسلمٌ عبر صناديق الانتخاب، وهو ما كاد أن يحقّقه «بلال كوليمبا»، وهو ينتمي لقبيلة من القبائل المهمّة في جنوب البلاد، ومن بينها العاصمة بانقي.
كما تدلّ هذه النتائج على أمرٍ آخر، وهو أنّ الزخم الغربيّ لبعض المرشّحين لم ينجح، وعلى رأسهم المرشّح «دلوقلي» الذي كان آخر رئيس وزراء في الحكومة الانتقالية برئاسة المسلم «ميشيل دوجوتيا»، حيث أخفق الدعم الفرنسيّ ودعم الشركات الفرنسية له، وكذا لم ينفعه دعم بعض التجّار اللبنانيين الذين ينتمون إلى حزب الله ويمتلكون ثروات كبيرة، حيث دفعوا مبالغ طائلة لدعم حملة «دلوقلي»، وبخاصة التاجر «هزاع»، فأتت الرياح بما لا يشتهيه حكّام الإليزيه.
والأمر اللافت الآخر: أنه بالرغم مما صاحب الانتخابات من تهييجٍ إعلاميٍّ ضدّ الرئيس المنتخب «تواديرا» من قِبل وسائل الإعلام الفرنسية؛ فإنه استطاع بماضيه العمليّ أن يتغلّب على هذه العقبات بنسبةٍ مريحةٍ جدّاً، بعد انضمام «بلال كوليمبا» إليه في الجولة الثانية.
وماذا بعد الانتخابات؟
تفيد كلّ المؤشرات إلى أنّ الوضع سيستقر بشكلٍ كبيرٍ – بإذن الله تعالى-، وخصوصاً أنّ الرئيس «تواديرا» عُرف عنه أنه شخصية عملية، وينتمي لإحدى القبائل المؤثّرة في البلاد، ولديه قابلية لأهل الجنوب والشمال معاً، ودليل ذلك فوزه بهذه النسبة العالية على خصمه.
وبرغم أنّ التحديات المعقّدة في إفريقيا الوسطى تؤرّق الرئيس المنتخب وستثقل كاهله كثيراً؛ فإنّ تهنئة المسلمين ومشاركتهم، والاحتفاء العام بفوزه، مؤشّر مهمٌّ للعوامل التي يمكن أن تساعد على الاستقرار، وخصوصاً بعض العناصر القوية في تحالف سيلكا، حيث إنه من المفترض، بناءً على شروط الاتفاقية الموقّعة في «برازافيل» لإحلال السلام في بانقي، أن يكون أحد المسؤولين الرئيس أو رئيس الوزراء من المسلمين؛ بناءً على نتائج الانتخابات، وإذا ما طُبّق هذا؛ فإنّ التكامل بين رئيسٍ ذي رؤية واضحةٍ لإحلال السلام وتحقيق الازدهار الاقتصادي، ورئيس وزراء مسلمٍ منسجمٍ مع هذه الرؤية، لعاملٌ مهمٌّ من عوامل عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، وعودة الأمن في البلاد، وأي اختلالٍ في هذه المعادلة قد يُرجع البلاد إلى حالة الفوضى المدمّرة، وهذا ما يخشاه كثيرٌ من دول الجوار، ومن عقلاء إفريقيا الوسطى.
الإحالات والهوامش:
(1) الوكالات، انظر: “بان برس، يوم 07/3/2016م تحت عنوان: “مقتل 12 شخصاً في هجمات بقرية وسط جمهورية إفريقيا الوسطى”، 7 مارس 2016م – 06:03:27
http://www.panapress.com/pana-pays-7-lang3-cf-index.html
(2) التقرير منشور في 25/02/2016م بعنوان:
The New Dirty War for Africa’s uranium and mineral rights, https://wikileaks.org/car-mining
(3) انظر: http://afriquenewsinfo.net/2016/01/25/centrafrique /
http://www.anerca.org/index.php/elections-presidentielles/2eme–