انفجرت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بسبب تسريبات أطلق عليها “بَنَما بيبرز” أو “أوراق بَنَما”, وهي أكبر تسريبات للبيانات في التاريخ، وتشمل “أوراق بنما” 11 مليون وثيقة من مكتب محاماة بنمية يسمى “موساك فونسيكا”، وهو مكتب معروف في عالم التمويل الدولي كوسيط ومسهّل للإجراءات لأولئك الذين يرغبون في إنشاء شركات – قد تكون – غير مسجلة.. شركات وهمية لغسل الأموال، وتفادي العقوبات وإخفاء النقود من سلطات الضرائب من بلاد أصحابها الأصلية.
لم يكن الكشف عن وثائق “بنما” مفاجئا, لأن هذا الكشف ليس سوى البداية، إلا أننا صرنا نفهم بكل وضوح كيف يخفي النخبة العالمية غنائمهم من السلطات. وقد ألفينا عدة كبار من الموظفين العموميين الأفارقة ضمن قائمة الأسماء الواردة في الوثائق.
ودون الخوض في مدي مخالفة هذه الأسماء الواردة في الوثائق لنظم وقوانين بلادهم ، سنعرض أسماء أهم الشخصيات الإفريقية التي وردت أسماؤهم في الوثائق وما ذكرته الوثائق عنهم ، حرصا على تبصير القارئ الإفريقي بأنشطة الساسة والمسئولين في بلاده .
أسماء القادة وكبار الموظفين العموميين من جنوب الصحراء, الواردة في الوثائق:
1- كوجو عنان – ابن كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة.
في عام 2013, ووفقا لأوراق بنما, اشترى “كوجو عنان” شقة في لندن بـ 500,000 دولار، من خلال شركة خارجية مقرها في جنوب المحيط الهادئ في “ساموا” . كما أنه سُجّل أيضا كمدير لشركتين أخريين في جزر فيرجن البريطانية في منطقة البحر الكاريبي. لكن محامي “كوجو عنان” أشار إلى أن شركته تتصرف وفقا للقوانين والأغراض التي أنشئت من أجلها.
كان والد “كوجو” ، كوفي عنان، هو الأمين العام للأمم المتحدة (UN ) بين عامي 1997 و 2006. وخلال هذه الفترة، وضعت الأمم المتحدة نظاما في إطار برنامج (النفط مقابل الغذاء) تحت تصرّف شركة سويسرية والتي شارك “كوجو عنان” بالعمل فيها. وقد قُدمت اتهامات بالفساد والمحسوبية، ولكن التحقيق المستقل الذي أجري حول القضية يفيد بأنه لا يوجد أي دليل للاتهامات.
2- كلايف كولوبوسي زوما – ابن شقيق “جاكوب زوما” رئيس جنوب أفريقيا.
يواجه “جاكوب زوما” رئيس جنوب أفريقيا في الوقت الحالي مساءلة قانونية وبرلمانية بعد اتهامات الفساد التي وجهت له وخاصة بعد فضيحته في إعادة ترميم منزله في “نكندلا” وعلاقته مع عائلة “غوبتا”.
ومع أن أحزاب المعارضة يقومون بكل ما في وسعهم لعزله, فقد تكون أوراق بنما ذخيرة جديدة لصالحهم واستخدامهم إياها في محاولات محاكمته للاطاحة به. وقد ربطت الوثائق الرئيس “زوما” في صفقة تعدين النفط بين شركة نفطية كابريكات” مقرها في جزر فيرجين البريطانية وبين رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا”. ووفقا للوثائق، ساعد زوما شركة “كابريكات” في تأمين حقول النفط في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأمر ابن أخيه أن يكون رئيس عمليات الشركة في البلاد.
3- جان كلود اندا أميتشي – مصرفي موالٍ لرئيس ساحل العاج السابق “لوران غباغبو” .
شارك “جان كلود اندا أميتشي” – عندما كان المدير العام لمصرف في ساحل العاج – بتمويل نظام الرئيس السابق “لوران غباغبو” حتى الإطاحة به في عام 2011. وعوقب من قبل الاتحاد الأوروبي في عام 2011 بتهمة المساعدة على تمويل إدارة غباغبو “غير الشرعية” . وقد اندلعت حرب أهلية في البلاد بعد رفض غباغبو قبول هزيمته في الانتخابات الرئاسية في عام 2010, مما أسفر عن قتل نحو 3000 شخص.
4- كالبانا راوال – نائبة رئيس المحكمة العليا في كينيا.
تورطت “كالبانا راوال” ، في عدة صفقات تجارية مرتبطة بشركتين في جزر فيرجن البريطانية. كانت “راوال” وزوجها مديرَي الشركتين قبل تعيينها في منصب نائب رئيس المحكمة العليا. وكشفت الوثائق أيضا تورط “راوال” في صفقة العقارات في المملكة المتحدة من خلال شركات خارجية. ولم تعلن “راوال” للجنة الخدمات القضائية في كينيا أن لها أي استثمارات, حيث الدستور الكيني يمنع الموظفين الحكوميين من امتلاك حساب مصرفي خارج البلاد.
5- جون أدو كوفور – نجل رئيس غانا السابق جون أجيكوم كوفور.
ورد أيضا ذكر اسم “جون كوفور أدو” الابن الأكبر للرئيس الغاني السابق “جون أجيكوم كوفور” في التسريبات. فخلال فترة ولاية الرئيس “كوفور” الأولى، كان لدى الابن ووالدته حسابا مصرفيا في “بنما” بقيمة 75 ألف دولار. ولإدارة الحساب, تم تعيين مكتب محاماة في بنما “موساك فونسيكا”، كمسئول الصندوق الذي أطلق عليه “اكسل 2000 الاستئماني”. وقد سبق أن ذكرت وسائل الإعلام المحلية في غانا أن “كوفور” الابن اكتسب عقودا حكومية هائلة وصفقات تجارية من القطاع الخاص من خلال والده, إلا أن لجنة رسمية – فيما بعد – أفادت بأنه لا يوجد أي أدلة لارتكابه أي مخالفات.
6- مامادي توري – زوجة الرئيس الغيني الراحل لانسانا كونتي.
ادّعت الوثائق أن “مامادي توري” ، في نوفمبر ادعى 2006 وكّل إليها شركة ماتيندا، وهي شركة في جزر فيرجن البريطانية. وأفادت السلطات في الولايات المتحدة أن “مامادي توري” تلقت 5.3 مليون دولار لمساعدة شركة تعدينية للحصول على امتياز التعدين من الرئيس “كونتي” قبيل وفاته في عام 2008.
7- ايمانويل انداحرو انداحرو – المستشار الأمني السابق باسم رئيس رواندا بول كاغامي.
كان “ايمانويل انداحرو انداحرو” أحد المقربين من الرئيس الرواندي “بول كاغامي” ، وقد سبق أن شغل منصب طبيب الرئيس والمستشار الأمني للرئيس والمتحدث باسمه. في سبتمبر 1998 أصبح مديرا لشركة ديدين للاستثمارات الموجودة في جزر فيرجن البريطانية.
8- مامادو بويي – صديق حميم لـ”كريم واد”, نجل الرئيس السنغالي السابق.
ورد ذكر “مامادو بويي” في “أوراق بنما” , وكان صديق الطفولة لكريم واد، الذي هو نجل رئيس السنغال السابق عبد الله واد. وقد حكم في مارس 2015 على “واد” بالسجن لمدة ست سنوات بسبب تخبئنه أموالا باستخدام شركات بالخارج في جزر فيرجن البريطانية.
ظهر اسم “مامادو بويي” في ملفات مكتب “موساك فونسيكا” في أكتوبر 2008 وهو يعطي تعليمات للمكتب بفتح حساب مصرفي لشركة “سيبيري”. وما بين ديسمبر 2008 و أغسطس 2012، هناك شركتان في “بنما” مرتبطتان بـ “بويي” , وقد وقّع عقدا تبلغ قيمته حوالي 35 مليون دولار للاستشارات والخدمات الاستشارية المتعلقة بالميناء في العاصمة السنغالية، داكار.
9- خوسيه ماريا بوتيلو دي فاسكونسيلوس – وزير النفط الأنغولي.
كان النفط من أهم موارد أنغولا, وهو سلعة التصدير الرئيسية فيها. كما أن “خوسيه ماريا بوتيلو دي فاسكونسيلوس” هو الذي يشغل منصب وزير النفط في البلاد, إضافة إلى منصبه في قطاع الطاقة والمياه.
قبل ظهور “أوراق بنما” , لم يتم اتهام “دي فاسكونسيلوس” بأي تهمة ملتبسة ولم يتم ربطه بأي مزاعم فساد. وطبقا للوثائق، فإنه كان يدير – سرا – شركة مقرها في جنوب المحيط الهادئ, وكانت الشركة تساوي مليون دولار, لكن الشركة تمّ حلها في عام 2009.
10- إيان كيربي – رئيس محكمة الاستئناف في بوتسوانا.
بدأ “إيان كيربي” مسيرته كمتخصص في الضرائب، وقد كان رئيس محكمة الاستئناف – المحكمة العليا في بوتسوانا – منذ عام 2010. ووفقا لبحث أجرته (ICIJ) ، لدى “كيربي” أسهم في سبع شركات وهمية مقرها في جزر فيرجن البريطانية. حتى وإن كان الغرض من تأسيس هذه الشركات غير معروف، لكن “كيربي” صرّح لـ (ICIJ) أنه هو وزوجته استثمرا فقط الحد الأدنى من المساهمة المطلوبة في الشركة وأنهما يرغبان استخدام مساهمتهما في الشركة لأغراض استثمارية. وبسبب أزمة اقتصادية, فقدا جزءا كبيرا من مالهما.
11- جينيت ديزيريه كابيلا كيونغو – الأخت التوأم لـ “جوزيف كابيلا”، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية.
منذ عام 2012, انضمت “جينيت” إلى برلمان الكونغو. وتعتبر واحدة من أكثر الأشخاص نفوذا الموجودين حول الرئيس جوزيف كابيلا, إضافة إلى امتلاكها شركة إعلامية.
كشفت أوراق بنما أن “كيونغو” بمشاركة رجل أعمال كونغولي كانا رئيسَين لشركة في الخارج مقرها في جنوب المحيط الهادئ. مشيرة إلى أن للشركة أسهما في إحدى أكبر شركات شبكات الهاتف النقال في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
12- جيمس إيبورى – حاكم سابق لولاية الدلتا الغنية بالنفط في نيجيريا.
كان “جيمس إيبوري” حاكم ولاية الدلتا من 1999 إلى 2007. وقد اعترف في محاكمته بلندن في عام 2012 بذنبه في مؤامرة الاحتيال وجرائم غسل الأموال. اعترف “إيبورى” باستخدام منصبه كحاكم لتحويل ما يصل الى 75 مليون دولار من نيجيريا من خلال شبكة من الشركات في الخارج، بما في ذلك مؤسسة جوليكس. كان لشركة جوليكس أسهما في شركة “ستانهوب” للاستثمار، وهي شركة مسجلة في “نيوي” في عام 2003. ولـ “إيبورى” أيضا علاقة مع “فايناشيال أدفايسري جروب” وشركة “هونغليفيست” .
13- أتان شانسونغا – السفير السابق لزامبيا لدى الولايات المتحدة.
“أتان شانسونغا”, سفير زامبيا لدى الولايات المتحدة بين عامي 2000 و 2002. اُعتقِل في العاصمة الزامبية “لوساكا” في عام 2002 وسط تحقيق لتحويله ملايين الدولارات من زامبيا عندما كان الرئيس “فريدريك شيلوبا” في منصبه. وهرب “أتان شانسونغا” من زامبيا في عام 2004، وبعد عامين من هروبه، اتهمته الحكومة الزامبية بتلقي “أموال مسروقة” واستخدام حسابات في الخارج لغسل تلك الأموال.
في عام 1998، أصبح “أتان شانسونغا” مدير “ستارفليت فنشورس” ، و “ستايسي” القابضة للاستثمار و “ديبدين” للاستثمارات, دون الكشف عن أنشطة هذه الشركات. وفي عام 2005، تلقى مكتب “موساك فونسيكا” وثائق من المحكمة لكونه وكيلا لشركة “هيرنفيلي” العقارية، وهي شركة مقرها في جزر فيرجين البريطانية, كما أنها ضمن قائمة 20 متهما، بما في ذلك “أتان شانسونغا” نفسه، في قضية الفساد أقامتها الحكومة الزامبية وتابعتها في محكمة بريطانية. وقد أُسّست الشركة في عام 1998، وهي تستخدم لشراء الشقق في “لوساكا” عاصمة زامبيا بأموال منهوبة من دولة زامبيا.
ردود أفعال:
لقد قوبلت تسريبات “أوراق بنما” بردود أفعال غاضبة في الساحات والصحف الإفريقية. فكتب محللون حول التسريبات وما قد تعني لدول إفريقيا وحكامها, وآخرون يضغطون الزر على ضرورة إيجاد خطط جديدة لمحاربة الفساد وتشديد العقاب للسياسيين الذين تورطوا في الأمر.
وكما يقول منسق “المنتدى المدني” ومنظمة الشفافية الدولية في السنغال “محمدو امبودجي” في حواره مع قناة “دويتشه فيله” , فإنه لم يتفاجأ بما كشفته “أوراق بنما”, لأن الأموال التي تسرق من خلال الملاذات الضريبية والشركات الوهمية هي بالضبط سبب فقر الدول الأفريقية وفقدانها للاحتياجات الأساسية والسياسات الاجتماعية الملائمة. و”هذا ربما سيفسير سبب غياب هذه الأموال وهذا أيضا هو السبب في هجرة الكثيرين من الناس إلى أوروبا”.
ومن الجدير بالذكر أنه في العام الماضي، أشار تقرير من الاتحاد الأفريقي إلى أن الفساد والملاذات الضريبية يكلفان أفريقيا حوالي خمسين مليار دولار سنويا. وصرحت – مؤخرا – رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي “نكوسازانا دلاميني زوما” ، أن التهرب من دفع الضرائب ساهم في عدم قدرة البلدان الأفريقية على توفير الخدمات الحيوية لشعوبها, وأن تسريبات “بنما” الأخيرة قد تكون نقطة تحول لإعادة الحوار حول مليارات الدولارات التي تفقدها أفريقيا من خلال التدفقات المالية غير المشروعة.