بدأت تترسخ في إفريقيا المناظرات الرئاسية التليفزيونية، المستوحاة من الديمقراطيات الغربية، شيئا فشيئا في ثقافة القارة السمراء التواقة لمواصلة ملحمتها الديمقراطية.
آخر هذه المناظرات جمعت، الخميس الماضي، مرشحي الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية في بنين، التي جرت الأحد، وفاز رجل الأعمال باتريس تالون في هذا السباق الرئاسي أمام منافسه رئيس الوزراء الحالي ومرشح الحكومة وجزء كبير من المعارضة، ليونيل زينسو.
وفي هذا الصدد قال سيرج، طالب بنيني، غداة المناظرة “شهدنا حوارًا هادئًا ومتزنًا، مكننا من المقارنة بين المرشحين وشخصياتهما وبرامجهما الانتخابية. أكثر ما شدني في النقاش المسائل العميقة التي تناولوها. هذا دليل على احترام المشاهدين والناخبين“.
في الواقع، هذه “الموضة” الجديدة ترتكز على فكرتين رئيسيتين. تتعلق الأولى بمشاركة الناخبين في الشأن العام ودفعهم لاكتساب الدراية السياسية. ثانيا، تسهم هذه المناظرات في ضمان شفافية عملية الاقتراع، من خلال التعرف على البرامج الانتخابية للمرشحين والقطع مع الممارسات غير الديمقراطية التي ميزت الانتخابات في القارة السمراء، مثل المخالفات وترهيب الناخبين والتزوير.
هذه المناظرات تعتبر مرحلة متقدمة في الممارسة الديمقراطية وتعمل بها الديمقراطيات القوية لضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين.
أما في النيجر، كان من المستحيل إقامة مناظرات تليفزيونية قبل الجولة الثانية من السباق الرئاسي، الذي جرت أول أمس الأحد، وذلك بعد دعوة المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات، وفي الوقت الذي مازال يقبع فيه مرشحها في السجن للاشتباه في تورطه في قضية “الاتجار بالأطفال”. ومنذ أيام، أرسل أمادو إلى العاصمة الفرنسية باريس لتلقي العلاج بعد تدهور حالته الصحية داخل السجن.
ولم تعقد مناظرة تليفزيونية في بوروندي التي تعيش، منذ نحو عام، على وقع أزمة سياسية خانقة عصفت بالبلاد بعد إعلان الرئيس بيير نكورنزيزا ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، اعتبرتها المعارضة وجزء من المجتمع المدني “غير دستورية“.
في المقابل، لم يترشح رئيس بنين المنتهية ولايته، بوني يايي لولاية رئاسية ثالثة احتراما للدستور الذي يحدد الفترات الرئاسية باثنتين فقط .
هذه المناظرات تشرف عليها هيئات مستقلة، في أغلب الأحيان، على غرار الهيئة العليا للسمعي والبصري والاتصالات في بنين.
تحديد الفترات الرئاسية وغيرها من ممارسات الصحوة الديمقراطية التي هبت نسائمها على عدد من الدول الافريقية منذ تسعينيات القرن الماضي، تعد تقليدا غربيا، وفرنسيا على وجه الخصوص.
وتولي عدد من الدول الإفريقية قيمة لهذه المناظرات لمواصلة طريق الديمقراطية الذي بدأوا شقه منذ الاستقلال في ستينيات القرن الماضي.
وتتبع البلدان الناطقة بالإنجليزية في إفريقيا هذه الممارسة الديمقراطية، على غرار كينيا التي انجزت أول مناظرة رئاسية في تاريخها في مارس/آذار 2013. التي أثارت اهتماما كبيرا من رواد مواقع شبكات التواصل الاجتماعي في البلاد.
وفي أوغندا، واجه الرئيس يوري موسيفيني، خلال مناظرة تلفزيونية، 7 مرشحين وذلك قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في 18 مارس/آذار الماضي. وناقش المرشحون، حينها، القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمن القومي والبطالة.
إفريقيا الوسطى التي بدأت تتعافى من جحيم أزمة طائفية هزت البلاد قبل 3 سنوات، لم يخف سكانها غبطتهم بالمناظرة التلفزيونية التي بثها التليفزيون الرسمي على الهواء مباشرة وجمعت المرشحين أنيسيه دولوغيليه وفوستين تواديرا.
المناظرات الرئاسية بدأت تشق طريقها إلى الديمقراطيات الأفريقية الفتية، الساعية لتعزيز مؤسساتها الديمقراطية. إلا أن دولا إفريقية اخرى رفضت الخوض في مثل هذه التجربة. فخلال الانتخابات الرئاسية التونسية عام 2014، رفض المرشح الباجي قائد السبسي مناظرة الرئيس الانتقالي المنتهية ولايته، محمد المنصف المرزوقي.
وفي جزر القمر، قررت جمعية محلية في فبراير/شباط الماضي، تنظيم سلسلة من النقاشات بين المرشحين لأول مرة في تاريخ البلاد، قبيل انطلاق السباق الرئاسي الذي أقيم مطلع الشهر الحالي، لكن عددًا كبيرًا منهم رفضوا الانخراط في هذه اللعبة.
على أنّ رفض المرشحين المشاركة في المناظرات الرئاسية يحدث تارة في أعتى الديمقراطيات العالمية، فالرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك لم يقبل، عام 2002، مناظرة منافسه مرشح حزب اليمين المتطرف جان ماري لوبان، خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.