نشرت صحيفة “Die Welt” الألمانية مقالًا للرأي بقلم “Christian Putsch”، مراسلها في كيب تاون، مشيرًا إلى خروج مئات الأشخاص، مرة أخرى، إلى الشوارع في شمال دولة النيجر الصحراوية في غرب إفريقيا. لكنّهم لم يتظاهروا كالمعتاد ضد فرنسا القوة الاستعمارية السابقة المكروهة، بينما طالبوا هذه المرة بالانسحاب الفوري لنحو 1000 جندي أمريكي يُديرون قاعدة مهمة هناك.
مقال رأي بقلم: كريستيان بوتش
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
في مارس 2024م، أمَر المجلس العسكري النيجري بطرد القوات الأمريكية من البلاد، بعد أن اعترض وفد أمريكي على وصول نحو 100 جندي روسي إلى النيجر. وقد وافقت واشنطن على الانسحاب، ولكن بقدر من التردد على أمل أن يتراجع الجنرالات عن هذا القرار. ولكن على ما يبدو أن هذا التكتيك لم يكن ناجحًا؛ حيث بدأت بالفعل المحادثات حول إجراءات الانسحاب.
وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن الجنود الأمريكيين، الذين يحيط بهم قدر من الغموض إلى حدّ ما، خاصةً في أفريقيا، أخبروا النائب الجمهوري اليميني “مات غايتس” أن النيجر أوقفت تسليم سلع مهمة مثل الأدوية، فيما اتهم “غايتس” حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ”قمع التقارير الاستخباراتية” التي من شأنها تقديم معلومات حول مدى المشكلات الواقعة مع المجلس العسكري في النيجر، قائلًا: “إنهم يتخلون عمليًّا عن قواتنا”.
وبالنظر إلى إستراتيجية حكومة بايدن الطموحة في إفريقيا، فهي لا تتصادم مع الواقع في النيجر. ولكن بعد السنوات المُهدَرة تجاه إفريقيا في عهد دونالد ترامب، الذي لم يُولِ سوى القليل من الاهتمام للقارة السمراء؛ ينبغي أن تكون هناك بداية جديدة.
لقد كان الهدف هو التصدي إلى تنامي النفوذ الصيني الهائل في القارة، فضلًا عن التقدم المتزايد من روسيا. وقبيل القمة الأمريكية الإفريقية في عام 2022م، وهي الأولى منذ ثماني سنوات، أقرَّ بايدن حزمةً من المساعدات بقيمة 55 مليار دولار لأجل دعم النمو الاقتصادي في إفريقيا. كما وعد الرؤساء الزائرين لواشنطن بأن الولايات المتحدة ستبذل قصارى جهدها لدعم جهود التنمية في إفريقيا. كل ذلك من أجل إرساء مبادئ الديمقراطية، التي تريد واشنطن تعزيزها في إفريقيا أكثر من أيّ وقت مضى.
ولكن بدلًا من المضي قُدمًا على طريق التحولات الديمقراطية المأمولة في الديكتاتوريات العسكرية الكائنة في غرب إفريقيا، اندلعت الحرب الأهلية في السودان، ووقعت انقلابات عسكرية في النيجر والجابون. والآن أصبح الجنرالات مسؤولين في البلدان الممتدة من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر.
وتكشف استطلاعات الرأي في هذا الجزء المهم من القارة أيضًا عن تراجع الدعم المُقدَّم لأجل تحقيق الديمقراطية. ولا يزال النمو الاقتصادي أيضًا متراجعًا بدرجة كبيرة عن أوقات طفرة المواد الخام العالمية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وحتى عام 2013 تقريبًا، وهي الفترة التي أصبحت خلالها الصين القوة العالمية الأكثر نفوذًا في القارة. وفي ديسمبر الماضي، أعلنت الولايات المتحدة عن 550 اتفاقية تجارية واستثمارية جديدة مع الدول الإفريقية، وهو ما يمثل زيادة قدرها 67 بالمائة.
لكن على أرض الواقع، فهذا الرقم لا يقترب من حجم طريق الحرير الجديد في الصين، حتى لو كانت بكين أصبحت تتصرف الآن بقدر أكبر من التردد في القارة. فضلًا عن ذلك فإن حجم التأثير الأمريكي يتلاشى في ضوء حجم الديون المتنامي في إفريقيا، والذي لم تسهم فيه القروض الصينية فقط، بل بمشاركة غيرها.
إنّ القارة، التي يعيش فيها قُرابة 17% من سكان العالم، تسهم بنسبة تتراوح ما بين 2 إلى 3% فقط في التجارة العالمية، وقد ظل هذا المعدل في الانخفاض منذ سنوات.
وخلاصة القول هي أن ميزان القوى للولايات المتحدة في القارة قد تدهور أكثر فأكثر خلال فترة رئاسة “بايدن” وحتى الآن. ففي نهاية الأمر، أرسل “بايدن” المزيد من الموظفين الأمريكيين رفيعي المستوى إلى القارة في العام الماضي. كما وعد -ببشاشة- في قمته المنعقدة قبل عامين بأنه سيسافر إلى دولة إفريقية بحلول نهاية عام 2023م، بينما لا تزال الزيارة مُعلَّقة حتى اليوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: عدد صحيفة “دي فيلت” الألمانية، الصادر في 30 أبريل 2024م.