تجرع الرئيس الزيمبابوي كأس الشجاعة في بداية فبراير من الشهر الجاري, عندما أعلن “حالة الكوارث” للبلاده في المناطق الريفية التي ضربها الجفاف, نتيجة للظاهرة المناخية “النينو” (1). أما جنوب إفريقيا, فقد واجهت القضية بشيء من العناد بعد أن دعت أكبر مجموعة لإنتاج الحبوب في البلاد الحكومةَ لإعلان الوضع كارثة وطنية – وهي الخطوة التي من شأنها سيتوجب على الحكومة توزيع الأموال للإغاثة الطارئة للمزارعين المتضررين, غير أن وزير الزراعة “بيكي سيلي” يرى أن الوضع القائم لا يتطلب مثل ذلك الإعلان بعد – حتى وإن كانت موجة الجفاف التي تتعرض لها بلاده هي الأسوأ من نوعها منذ قرن, وذلك لأنه يأمل أن يستمر نزول الأمطار المتأخرة, وبهذا سيتحسن الوضع في مناطق البلاد المتضررة (2).
يرى البروفيسور “جوني شان” من جامعة مدينة هونغ كونغ أنّ “النينو” ظاهرة معقدة ولم تتمكن العلماء حتى الآن من تحديد أسباب تولّدها وظهورها, وأنها كلما تمكّنوا من معرفة شيء عنها، كلما تيقنوا بأنّها غير واضحة المعالم وغير مستقرّة.
يعرّف الدكتور “وحيد محمد مفضل” في إحدى مقالاته “النينو”, بأنها : “..هي ظاهرة مناخية طبيعية تتشكل وتظهر تقريبا كل أربع إلى 12 سنة بالمحيط الهادي، وتحديدا في المنطقة المدارية الواقعة فوق خط الاستواء بين السواحل الغربية لقارة أميركا الجنوبية والسواحل الشرقية لقارة أسيا والشمالية الشرقية لأستراليا”.
وبحسب قوله, فإن هذه الظاهرة تتمثل “في زيادة حرارة المياه السطحية بشكل لافت، خاصة في فصلي الصيف والخريف، بما ينتج عنه تولد تيارات وكتل مائية بحرية دافئة، وتحركها شرقا حتى بلوغ سواحل أميركا الجنوبية وبالتحديد سواحل البيرو والإكوادور، مما ينجم عنه تغيرات مناخية وبيئية قاسية في أرجاء أخرى من العالم”. كما أن “آخر ظهور لظاهرة “النينو” كان خلال عامي 2009 و2010، وتسببت آنذاك في زيادة موجات الجفاف بأستراليا والفلبين والإكوادور، فضلا عن زيادة هطول الأمطار في جنوب شرق آسيا، وعواصف ثلجية قوية بالولايات المتحدة”.(3)
شهد عام 2015 صيحات مراقبين ووكالات إغاثية عن خطورة تأثير ظاهرة النينو في عام 2016, حيث يتوقع أن يصل نقص الغذاء إلى أعلى مستوياته بسبب الظاهرة وخاصة في أفريقيا الجنوبية، إذ يقدر عدد الذين سيحتاجون لمساعدات إنسانية في ملاوي فقط بحوالي ثلاثة ملايين شخص قبل حلول مارس 2016. وهذا هو الذي يحدث بالفعل في كل زيمبابوي وجنوب أفريقيا وغيرهما من بلدان جنوب الصحراء الإفريقية.
في تشرين الأول, أكتوبر من العام الماضي, أفاد مركز المناخ للصليب الأحمر والهلال الأحمر بأن “هناك احتمال كبير لنموّ ظروف الفيضانات في أفريقيا الاستوائية، وزيادة خطر الجفاف في أجزاء من أفريقيا الجنوبية ومنطقة الساحل”. غير أن مثل هذه التصريحات وما قبلها من تحذيرات متخصصي المناخ لم تنل أذونا صاغية, أو على الأقل لم تكف استعدادات حكومات دول القارة اللازمة لمواجهة الأزمة. وخاصة إذا ما أخذنا في عين الاعتبار كون التغيرات الجذرية في نمط الطقس في إفريقيا جنوب الصحراء منذ عام 2014 تسببت بتدمير المحاصيل، والتي أدت إلى نقص الكفاءة الغذائية لأعداد كبيرة في غامبيا وموريتانيا وناميبيا والسنغال وزيمبابوي, مما أجبرهم على الاعتماد على المساعدات من المنظمات الأجنبية الدولية.
شرق إفريقيا: الفيضانات والجفاف
في أواخر عام 2015, أشارت إحدى بيانات الأمم المتحدة إلى أن شرق إفريقيا قد تشهد في أوائل عام 2016 ارتفاعا حادا في عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية بنسبة تزيد على الثمانين في المئة, نتيجة الفيضانات والجفاف الناجمين عن ظاهرة النينيو.
إن تأثيرات النينو في شرق إفريقيا ليست متساوية, لأنها في بعض الأحيان تنتج عنها فيضانات ثقيلة كالتي حدثت في عام 2006/2007 وتسببت في تعرض أكثر من 3.4 مليون شخص للخطر, أو تكون التأثيرات هي الجفاف كالتي حدثت في عام 2009/2010 والتي تعرض بسببها أكثر من 14 مليون شخص للخطر. إلا أن التحليلات العلمية والمقارنات التأريخية بين تأثيرات السنوات المذكورة تشير إلى أن صعوبات السكان والاحتياجات الأساسية الإنسانية تكون أكثر زيادة من السنوات التي لا تظهر فيها النينيو. (4)
ففي حين أن بعض الدول بما فيها السودان وإريتريا و إثيوبيا وجيبوتي قد تشهد في هذا العام ظروفا أكثر جفافا، فقد تكون ما تشهده الدول الأخرى بما فيها كينيا والصومال و أوغندا هي الفيضانات.
في إثيوبيا, وبعد فشل هطول الأمطار مرتين؛ كان ما تعانيه البلاد حاليا هي أشد موجات الجفاف منذ عقود. فأكثر من 10 ملايين شخص بحاجة إلى مساعدات عاجلة، إذ المحاصيل الزراعية تقلصت بشكل ملحوظ, و نقصت المياه مما جعلت الموارد والثروات الحيوانية عرضة للخطر.
وعلى الرغم من أن حكومة إثيوبيا ومؤسساتها أدركت خطورة ما قد تكون نتائج الوضع, حيث حاولت الاستعداد لمواجهة الجفاف, بل وتعتبر استعدادتها التي بدأتها من العام الماضي للتعامل معه هي الأكثر استجابة وتأثيرا مما قامت بها في عام 1984 عندما لقيت مئات آلاف الأشخاص حتفهم بسبب المجاعة الناجمة من الجفاف، إلا أن بعض أجزاء البلاد حاليا لا تزال محتاجة لمساعدة دولية.
أما في الصومال, كان ما يقرب من مليون شخص لا يملكون القدرة لتلبية احتياجاتهم الغذائية, كما أنه يجدر الإشارة إلى أن الجفاف ليس كليا هو المسئول عن الوضع في الصومال, حتى وإن كان له تأثيره الجزئي الواضح الناتج عن ظاهرة النينو, إضافة إلى أن العديد من المحتاجين للمساعدة هم الذين نزحوا بسبب سنوات من الصراع.
إفريقيا الجنوبية وحالة طوارئ الجفاف
حسب بيان لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة, إن نحو 14 مليون شخص يواجهون الظروف الغذائية الصعبة في منطقة إفريقيا الجنوبية بسبب الجفاف الذي أنتجته ظاهرة النينيو المناخية.
وبحسب البيان, فإن الدول الأكثر ” تضررا في المنطقة لقلة الأمطار من العام الماضي هي ملاوي (2.8 مليون شخص يواجهون الجوع)، مدغشقر (ما يقرب من 1.9 مليون شخص), وزيمبابوي التي انخفضت محصول العام الماضي بمقدار النصف مقارنة مع عام 2014 وذلك لضخامة فشل المحاصيل” .
ففي زيمبابوي, يحتاج أكثر من ربع السكان إلى المساعدات, الأمر الذي أدّى بالاتحاد الأوروبي إلى إقناع السيد “موغابي” ومطالبته بالإعلان عن حالة الكوارث, بحيث يتمكن المانحون والمؤسسات من جمع المال لتوفير الاحتياجات الغذائية.
وفي ليسوتو، أعلنت الحكومة في ديسمبر عام 2015 حالة الطوارئ للجفاف الذي أفقد ثلث سكان البلاد غذاءهم. إضافة إلى أن أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء منطقة الجنوب الأفريقية ارتفعت ارتفاعا حادا بسبب انخفاض الإنتاج وقلة توافرها.
تحرك إفريقي
في إطار المساهمة على مستوى القارة لبحث حلول, عقدت مفوضة الشؤون السياسية بالاتحاد الإفريقي في الشهر الماضي, مؤتمراً صحفياً مشتركاً بمساعدة أمناء ونواب عدّة هيئات دولية، للحديث حول تأثير النينو في القارة. ووفقاً للمفوضية، فإن آثار المناخ الملحوظة في الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي قد تؤدي إلى عواقب اقتصادية واجتماعية سلبية، نتيجة لانخفاض المحاصيل الزراعية وانخفاض قدرة التكيف لدى المجتمعات المتضررة.
وبخصوص الوضع في جمهورية أفريقيا الوسطى، رأت المفوضة أن ما تعانيها البلاد هي آثار لظاهرتي “النينو” و “النينا”. مشيرة إلى وجود موجة جافة متجددة في كل من تشاد وشمال الكاميرون، كما أن هطول الأمطار الغريزة أدى إلى ارتفاع منسوب المياه في نهر الكونغو، مما ساهم في ضرب فيضانات للأماكن والمناطق المجاورة.
ولعلّ ما يهمّنا هنا, هو قولها: “إن هناك حاجة لوضع استجابة منسقة قارية ومتنوعة. ويستند ذلك على طبيعة العواقب العابرة للحدود وآثار ظاهرة النينو”. إضافة إلى ضرورة إيجاد استراتيجية ونهج إقليمي مستدام لتنظيم وإدارة المياه والأنهار الرئيسية وضفافها.
وكخطوة أولية, حثّت المفوضة الدول أعضاء الاتحاد الإفريقي، على وضع مخصصات الميزانية بنسبة 1.5٪ للحد من مخاطر الكوارث, قائلة : “ينبغي التذكير أن حالات الجفاف تؤدي إلى مجاعة، وبالتالي، فمن الضروري أن يتم اتخاذ التدابير المناسبة لضمان فعالية توفير تخزين الطعام والتوزيع لدرء المجاعة” (5). كما أنها حثّت الدول الأعضاء على الشروع في الممارسات الزراعية التي تساهم في الاستقرار الغذائي المستدام.
الاحالات :
1- تم تصفح الصفحة في 2-10-2015, الرابط:
http://www.bbc.com/news/world-africa-35500820
2- South Africa won’t declare national disaster over drought.
تأريخ تصفح الصفحة: 2-7-2015, الرابط: http://www.reuters.com/article/us-safrica-drought-idUSKCN0VG0H1
3- عودة “النينو” للمحيط, تم تصفح الصفحة في 2-8-2015, الرابط: http://www.aljazeera.net/news/scienceandtechnology/2015/8/22/%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9–
%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D9%86%D9%88-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%8A%D8%B7
4- El Niño in East Africa
تأريخ تصفح الصفحة: 1-7-2015, الرابط: http://www.unocha.org/el-nino-east-africa
5- ملف بي دي اف (pdf) من موقع الاتحاد الإفريقي, بعنوان: تأثيرات ظاهرة النينو على القارة, تأريخ التحميل: 2-8-2015, رابط التحميل:
http://au.int/ar/sites/default/files/Arabic%20PR%2028-%20EL%20NINO%20EFFECTS%20AND%20IMPACT%20%20ON%20THE%20CONTINENT%20%20COMISSIONER%20ABDULLAHI%20UNDERSCORES%20THE%20NEED%20FOR%20STRATEGIC%20%20RESPONSE.pdf