أثنى خبراء اقتصاديون مؤخرا على استقرار الاقتصاد الكيني, حيث رأوا الدولة كقوة اقتصادية لها ميزاتها وقدرات النجاح من الأزمة الاقتصادية التي باتت تهدد العديد من أسواق دول أخرى “ناشئة” في القارة. كما أنها من المحتمل بموجب حالة اقتصاداتها ألا تشهد أي نوع من تقلبات وتحولات أسعار العملات والتي تحدث حاليا في بلدان أخرى إفريقية مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا.
كانت كينيا أكبر اقتصادات شرق افريقيا, وذلك بسبب عدة التعديلات والترويجات التي قامت بها حكوماتها للمستثمرين، وتشجيعها للإنتاج الزراعي والاستثمار الصناعي الخاص, مما أسفر عن زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (GDP) من عام 1963 إلى عام 1973 بمتوسط سنوي نسبته 6.6 ٪ . غير أن الأداء الاقتصادي الكيني أقل بكثير من إمكاناتها خلال 1980 – 1990, حيث يُعتبر اقتصادها من عام 1991 إلى عام 1993 أسوأ أدائها منذ الاستقلال.
في منتصف التسعينات، قامت حكومة البلاد بإصدار سلسلة من التدابير الإصلاحية الاقتصادية وتم تنفيذها لتحقيق الاستقرار واستعادة النمو المستدام، بما في ذلك رفع الضوابط الإدارية على أسعار المنتج والتجزئة، والواردات والعملات الأجنبية وتسويق الحبوب. ومع ذلك، لم يَعْدُ النمو السنوي 1.5٪ فقط فيما بين عامي 1997 و 2002، والذي كان أقل من نسبة نمو عدد السكان المقدر بـ 2.5٪ سنويا، مما أدى إلى انخفاض في دخل نصيب الفرد.
حاولت كينيا توسع مجالات اقتصادها وبناءها على قاعدة عريضة مرنة، وبيئة اقتصادية مستقرة ترعاها الحكومة، كي تجذب الاستثمارات، وتكسب ثقة القطاعات الخاصة. وعلى الرغم من الأزمة التي انبثقت بعد انتخابات عام 2008، فما زالت نيروبي هي حلقة التواصل الرئيسية و المركز المالي الأساسي في شرق أفريقيا, لما تتميز بها في المنطقة من روابط النقل، والاتصالات، والموظفين المدربين، حتى وإن كانت دورها في السنوات الأخيرة أقل بروزا مما كانت عليها في السنوات الماضية.
السياحة ونمو الاقتصاد الكيني
تعتبر كينيا المقصد الأكثر مفضلا عندما يتعلق الأمر برحلات السفاري في إفريقيا, كما أن السياحة فيها ضمن أكبر مصدر لإيرادات العملات الأجنبية للدولة إضافة إلى القهوة. وذلك لما لديها من الإمكانيات والتي شاركت في خلق البنية التحتية لقطاعها السياحي وإيجاد عدة منتجعات على طول سواحلها.
وبحسب موسوعة الدول, كان هناك ما يقدّر بـ 34 ألف أَسِرّة في الفنادق الكينية في عام 1995، مع احتمال حجز نسبة 44 ٪ منها, كما أن أكثر من مليون زائر وصلوا إلى كينيا في عام 2000 وبلغت عائدات السياحة 257 مليون دولار. وفي العام نفسه، قدّرت حكومة الولايات المتحدة أن متوسط تكلفة البقاء في عاصمة كينيا “نيروبي” ليوم واحد فقط هي 202 دولار، وهي أعلى بكثير مقارنة بـ 94 – 144 دولار ليوم واحد في “مومباسا” في العام نفسه.
لكن عائدات السياحة الكينية في الربع الأول من عام 2008 انخفضت إلى 54 في المئة مقارنة بعائدات عام 2007, بسبب انتخابات عام 2007 المثيرة للجدل والأزمة التي تلتها في عام 2008, فهبطت من 17.5 مليار شلن في يناير – مارس عام 2007 إلى 8.08 مليار شلن، وكان مجموع عدد السياح 130,585 بدلا من 273 ألف سائح من العام السابق.
وفي عام 2011, بلغت أعداد السياح ذروتها بـ 1.8 مليون زائر, غير أنها شهدت هبوطا ملحوظا فيما بين عامي 2013 و 2014 بسبب جرائم القتل والهجمات الإرهابية والتي دفعت بعض الدول الغربية إلى فرض القيود والتحذيرات عن السفر إلى كينيا. ومع تلك التحذيرات والقيود, فقد كان عدد سياحها الأجانب لعام 2013 1.49 مليون سائح. وهذا العدد – مع انخفاضها – يكفي كشهادة على جودة ما تتوفر في البلاد من عوامل الجذب الطبيعية.
وهناك محاولات من قبل الحكومة لإنقاذ القطاع من التدهور, حيث وعد الأمين العام للمجلس السياحي “نجيب بلالا” أن القطاع السياحي سيشهد تغيرات إيجابية قادمة, وأن عام 2016 سيكون عام الانتعاش للقطاع, مشيرا إلى أن تركيزه في الوقت الراهن – كأمين المجلس – يتمحور حول الأمن وتطوير المنتجات السياحية وتسويقها.
وكان من المتوقع أن يساهم قطاع السياحة والسفر في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.2 في المئة في كل سنة إلى حوالي 314 مليار شلن خلال عام 2024.
مساهمة الزراعة في نموّ اقتصاد كينيا
للقطاع الزراعي في كينيا أهمية قصوى في اقتصاد كينيا, إذ كان حوالي 15-17 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي الكينية تتمتع بالخصوبة وهطول الأمطار الكافية لإتمام العملية الزراعية، كما أن ما يقدر بـ7- 8 في المئة من تلك الأراضي تعتبر صالحة للزّرع من الدرجة الأولى. ولذلك كان ما يقرب من 75 في المئة من الكينيين من مكتسبي معيشتهم من المزارع في عام 2006 – حسب العديد من التقارير.
لقد ساهمت الزراعة بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي لكينيا؛ ففي عام 2005, كانت الزراعة – بما في ذلك صيد الأسماك وما يتعلق بالغابات – تمثل نحو 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إضافة إلى مساهمتها في 18 في المئة من العمل مقابلة أجر, ونحو 50 في المئة من إيرادات الصادرات. فهي – أي كينيا – المنتجة الرئيسية للشاي والقهوة، ولها قيادة فعالة في تصدير الفواكه والخضروات الطازجة، مثل الملفوف والبصل و المانجو, مع البطاطس والموز والفول والبازلاء.
هذا, ويرى مراقبون أن قدرات كينيا الزراعية أكبر بكثير مما تنتجها وتستثمر فيها. بل في مطلع الشهر الجاري, حثّ صندوق النقد الدولي دولة كينيا إلى تكثيف التنويع لاقتصادها للاستفادة من القطاعات الواعدة الجديدة التي تحتوي على فرص كبيرة لنمو البلاد والمواطنين وذلك لمواجهة توقعات قاتمة للنمو والاقتصاد العالمي.
وأشار “أرماندو موراليس” ممثّل الصندوق إلى الحاجة لتعزيز الإنتاجية في القطاع الزراعي في البلاد، قائلا “إنه يحمل ثروات كبيرة من أجل التنمية”. وأضاف, ” بمجرد تحسين الإنتاجية الزراعية، ستنشأ فرص عمل جديدة في مختلف القطاعات، من التصنيع إلى الخدمات.”
عام 2016 والاقتصاد الكيني
بينما لا تزال آفاق النمو في جلّ دول إفريقيا متضائلة، فقد صارت كينيا النجم الصاعد داخل القارة, بل تبدو وكأنها مستعدة لتكون منارة منطقة شرق إفريقيا التنموية, وإحدى قوات إفريقيا الاقتصادية.
شهد أداء الاقتصاد الكيني في عام 2015 شيئا من الانتعاش والقوة، في وقت كان الاقتصاد العالمي يواجه عقبات عديدة حيث شهدنا تباطؤ النمو في أوروبا وغيرها. ووفقا لشركة “أكسفورد بيزنس جروب” الاستشارية ,كان من المتوقع أن يرتفع نموّ اقتصاد كينيا في عام 2016 إلى 6٪ ، حيث ستساهم في ذلك بشكل أساسي نفقات البنية التحتية المستمرة.
وكما يوضح التقرير, كان من بين الاستثمارات المخطط لها هذا العام هو المشروع الكيني الرائد لبرنامج التنمية لرؤية عام 2030, المتمثل في السكك الحديدية التي تأتي أغلبية تمويلها من الصين, حيث بها تربط الميناء الرئيسي للبلاد في مومباسا مع العاصمة نيروبي، مما يخفف من تدفق السلع داخل المنطقة.
كما أنه بموجب إجمالي الناتج المحلي لكينيا في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2015؛ تحتاج كينيا إلى أن يزيد نموها بنسبة 6 في المئة في الربع الرابع لعام 2016, وذلك لأن البلاد حققت توقعات النمو الجديد من 5.6 في المئة لعام 2014, إلى 5.8 في المئة لعام 2015.
ولتحقيق النمو المراد في 2016-2017، تقترح حكومة الرئيس “أوهورو كينياتا” زيادة الإنفاق إلى 2.1 تريليون شلن، أو 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يصل تحصيل الإيرادات في دولة هي أكبر اقتصاد في شرق أفريقيا إلى 1.5 تريليون شلن من أصل 1.3 تريليون شلن المتوقع هذا العام.
هذا, وتعتزم خزينة الدولة سد العجز في الإنفاق بقروض تصل إلى نصف تريليون شلن في عام 2016-2017 . كما أنها تسعى إلى الحصول على 310.7 مليار شلن عن طريق التمويل الخارجي, والاستعانة بالسوق المحلية للحصول على المبلغ المتبقي.
وسيكون تعزيز هذا النمو الاقتصادي القوي بسبب استمرارية الاستثمار في البنية التحتية والبناء والتعدين، وانخفاض أسعار الطاقة والإنتاج الزراعي المزدهر.
مراجع ومصادر:
– تقرير أكسفورد بيزنس جروب الاستشارية: كينيا 2016
– الموسوعة الحرة ويكيبيديا
– بلومبرغ بيزنس
– موسوعة الدول العالمية (الكترونية) : كينيا
– أول أفريكا
– مصادر ومواقع أخرى