إيمان الشعراوي
باحثة متخصصة في الشؤون الإفريقية
تتمتع الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في غانا في السابع من ديسمبر 2024م، بأهمية كبرى وذلك في ظل منافسة شديدة بين الحزب الحاكم والمعارضة؛ حيث من المقرر أن تشهد ظهور زعيم جديد للبلاد مع تنحي الرئيس نانا أكوفو أدو بعد إكمال فترة ولايته الثانية المحددة دستوريًّا من جهة، ووسط بيئة إقليمية مضطربة تشهد تراجعًا في الديمقراطية وزيادة الانقلابات العسكرية وانتشار التنظيمات الإرهابية في دول جوارها المباشر من جهة ثانية، بالإضافة إلى تراجع دور القوى الاستعمارية القديمة في منطقة الغرب الإفريقي، وظهور فاعلين دوليين جدد من جهة ثالثة.
وتُمثِّل غانا واحدةً من دول القارة الإفريقية، التي شهدت تداولًا للسلطة وحدوث التحولات الانتخابية بانتقال السلطة من الحزب الحاكم للحزب المعارض منذ تبنّيها التعددية الحزبية في التسعينيات من القرن المنصرم، مع التزام الغانيين باحترام نتائج الانتخابات وتقاسم السلطة في ظل مستوى منخفض من العنف الانتخابي. وتتبنَّى غانا نظام الحكم الرئاسي، وتُجرَى الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات لانتخاب الرئيس الذي يكون رئيس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة من خلال نظام الأغلبية.
أولًا: الظروف التي سيتم فيها إجراء الانتخابات
يصاحب إجراء هذه الانتخابات عدد من الأمور على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أبرزها:
1- أزمات اقتصادية
تُواجه غانا، المُنتِج الرئيسي للذهب والكاكو، أسوأ أزمة اقتصادية منذ سنوات مع ارتفاع الديون الحكومية، مما أجبرَها على التقدم بطلب للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي للتخفيف من حدة الأزمة، خصوصًا بعد ما وصل التضخم إلى مستوى قياسي بلغ 54% في ديسمبر من عام 2022م، كما ارتفع إجمالي ديون غانا إلى 55 مليار دولار في عام 2022م. وهذا يعني أن الحكومة كانت بحاجة إلى ما يزيد عن 70% من دخلها لسداد الديون. وقدَّر تقرير للبنك الدولي في عام 2023م أن 850 ألف غاني أصبحوا تحت خط الفقر بسبب التضخم وارتفاع الأسعار.([1])
هذه الأزمة الاقتصادية كان لها العديد من التداعيات؛ منها تظاهر المئات في العاصمة أكرا، مطالبين محافظ بنك غانا ونائبيه بالاستقالة؛ بسبب خسارة حوالي 60 مليار سيدي غاني -أي ما يعادل 5.2 مليار دولار- في الأزمة المالية لعام 2022م، في ظل اتهامات من المعارضة بأن البنك طبع الأموال بشكل غير قانوني لإقراض الحكومة، مما أدى إلى انخفاض قيمة العملة والتضخم، كما تم توجيه الانتقادات للبنك لإنفاقه أكثر من 762 ألف دولار على سفر أعضائه محليًّا وخارجيًّا، بزيادة قدرها 87% عن عام 2022م، و250 مليون دولار على مبنى إداري جديد، وهو ما يُعتَبر بمثابة إهدار للمال العام.
2-بيئة إقليمية مضطربة
كان هناك تهديد مستمر للديمقراطية في غرب إفريقيا في السنوات الماضية، حيث شهدت المنطقة 8 انقلابات عسكرية منذ عام 2020م؛ خمسة منها نجحت في إقصاء السلطة القائمة، في غينيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر والجابون، كما يتزايد خطر انتشار انعدام الأمن في منطقة الساحل، التي تشترك غانا معها في الحدود، وتشهد انتشار الجماعات المسلحة، لذلك فهي مُعرَّضة لامتداد العنف عبر حدودها الشمالية من بوركينا فاسو.([2])
الشكل رقم (1) يوضّح الهجمات العنيفة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر وغينيا، 2010-2022م
Source: Olayinka Ajala, Understanding the Crisis of Democracy in West Africa and the Sahel, Geneva Centre for Security Policy (GCSP), 19 October 2023, available at https://bitly.ws/3i4HK
3- المرة الأولى التي يقدّم فيها الحزبان المهيمنان مرشحين للرئاسة من الشمال
تُعدّ هذه المرة الأولى التي يقدّم فيها حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي والحزب الوطني الجديد مرشحين من الشمال، كمرشحين للرئاسة، وهما: محمودو بوميا، وجون ماهاما؛ حيث إنه في الانتخابات السابقة، كان هناك مرشحون من الشمال والجنوب، مما سيجعل المنافسة شديدة بينهما، ويُنظَر إلى المعقل السياسي للحزب الوطني التقدمي على أنه جنوب غانا، في حين يعد الشمال أحد أقوى القواعد السياسية لحزب المؤتمر الوطني الديمقراطي، مما سيساهم في تعزيز المنافسة بين المرشحين الأقرب للفوز، ويطرح قضايا أخرى جديدة ستكون من الأولويات لهما؛ أهمها الأزمة الاقتصادية، وما تتضمنها من ضرورة طرح حلول عملية لأزمات البطالة وارتفاع الأسعار وضعف الأجور وقلة الاستثمارات، والاعتماد على المواد الخام، خاصة الكاكاو، كمصدر دخل رئيس للبلاد.
4- الانتخابات التمهيدية مِن قِبَل الأحزاب السياسية في جمهورية غانا الرابعة
أجرى الحزبان الكبيران في غانا الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح لكلٍّ منهما في الانتخابات؛ حيث فاز “محمودو بوميا” في الانتخابات التمهيدية للحزب الوطني التقدمي الجديد الحاكم، وحصل على 61.47% من الأصوات، وقَبِلَ أقرب منافسي بوميا، “كينيدي أوهين أجيابونج”، الهزيمة بإعلان حصوله على 37.4% من الأصوات.
كما أُعلن فوز جون ماهاما في الانتخابات التمهيدية لحزب المؤتمر الوطني الديمقراطي (NDC) بأغلبية ساحقة بعد حصوله على 98.9% من الأصوات، بينما حصل منافسه، عمدة كوماسي السابق كوجو بونسو، على 1.1%. وتعتبر هذه الانتخابات التمهيدية تقدمًا نوعيًّا في تطوير غانا لنظامها الحزبي. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد اختلاف كبير في القواعد الحزبية للحزبين في اختيار المرشحين للرئاسة؛ حيث يستخدم كلٌّ منهما نظامًا مغلقًا للانتخابات التمهيدية، (وهذا يشمل فقط أعضاء الحزب المسجلين الذين يتم انتخابهم وتعيينهم من المديرين التنفيذيين والمعينين في الحزب).([3])
5- انتشار ظاهرة شراء الأصوات في الانتخابات المحلية 2023م
حملت الانتخابات المحلية الغانية التي تم إجراؤها في غانا في عام 2023م العديد من المؤشرات المهمة؛ حيث شهدت تنافسًا كبيرًا بين الحزبين المهيمنين في غانا، وكانت هذه الانتخابات بمثابة اختبار حاسم قبل الانتخابات العامة في عام 2024م. وقد قدم الحزب الوطني التقدمي وحزب المؤتمر الوطني الديمقراطي أموالًا وحوافز أخرى لإقناع الناس بالتصويت لمرشحيهم المفضلين، وانتشرت ظاهرة شراء الأصوات، كما كشفت نتائج الانتخابات تراجع شعبية الحزب الحاكم بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.([4])
ثانيًا: أبرز المرشحين للانتخابات
يتنافس في الانتخابات الرئاسية عدد من المرشحين أبرزهم:
1- محمودو بوميا
يعتبر محمودو بوميا البالغ من العمر 60 عامًا مرشح الحزب الوطني التقدمي الجديد الحاكم، وهو أول مسلم يقود حزبًا كبيرًا في غانا منذ عام 1992م، وأول مرشح من خارج المجموعة العرقية الناطقة باللغة الأكانية المهيمنة يقود الحزب، وقد شغل بوميا عددًا من المناصب الحكومية المهمة ومنها نائب رئيس الجمهورية، ومحافظ البنك المركزي السابق.
وعلى الرغم من فرص بوميا في الفوز في الانتخابات؛ وذلك لأن الأحزاب الحاكمة في غانا تعتبر الأوفر حظًّا بالفوز في الانتخابات الرئاسية، كما أن المعقل السياسي للحزب الوطني التقدمي هو الجنوب، وبترشحه يضمن الحزب جزءًا من الأصوات الشمالية، إلا أن رئاسة بوميا فريق الإدارة الاقتصادية التابع للحكومة ودوره كوجه للسياسة الاقتصادية طوال فترة رئاسة نانا أكوفو أدو، سيجعله يواجه معركة كبيرة لإقناع الناخبين بانتخابه، ومنح الحزب الوطني الجديد فترة ولاية ثالثة في السلطة، وأنه ليس سببًا في الأزمة، ولديه حلول عملية لمواجهتها تختلف عن رؤية أكوفو.([5])
2- جون ماهاما
جون ماهاما هو المنافس الرئاسي لحزب المؤتمر الوطني الديمقراطي، وقد كان رئيس غانا من عام ٢٠١٢ إلى عام ٢٠١٧م، وخسر الانتخابات أمام أكوفو أدو في عامي ٢٠١٦ و٢٠٢٠م، وقد عزز أوراق اعتماده الديمقراطية من خلال قبوله الهزيمة بفارق بسيط في انتخابات عام ٢٠١٦م أمام الرئيس الحالي وتسهيل الانتقال السلس للسلطة.([6])
وعلى الرغم من المنافسة الشديدة مع بوميا، إلا أنه له فرص في الفوز؛ لأنه لم يسبق لأي حزب أن فاز بأكثر من ولايتين متتاليتين، كما أن قبوله الهزيمة في الانتخابات السابقة وتسهيله الانتقال السلس للسلطة عزَّز من شعبيته في غانا.
3- نانا كوامي بيدياكو
أثارت طريقة إعلان المرشح نانا كوامي بيدياكو البالغ من العمر 43 عامًا بشكل مستقل حالة من الجدل؛ وذلك لأنه بدأ حملته الانتخابية بصورته مرتديًا قناعًا على اللوحات الإعلانية في جميع أنحاء غانا واضعًا شعار “القيادة للجيل القادم”، ولم يعلن عن هويته إلا بعد أسابيع من التوقعات والتساؤلات مِن قِبَل المواطنين ووسائل الإعلام، وقد فسّر ذلك بأن التخفي خلف قناع له قوته في التاريخ الإفريقي في تخويف العدو وإرباكه.
ويُعتبر بيدياكو وجهًا مألوفًا للغانيين؛ وذلك لأنه اشتهر باستغلال أعماله في الخردة المعدنية والنوادي الليلية، كما كان له خلاف مع السلطات في عام 2022م بعد أن أحضر نمرين من الإمارات، وقام ببناء حديقة حيوانات في أكرا لاستيعابها. وعلى الرغم من مقارنة بيدياكو نفسه بفولوديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا، إلا أن فُرَصه في الانتخابات ضعيفة؛ بسبب عدم خبرته في العمل السياسي واشتهاره بإثارة الجدل بحثًا عن الشهرة والظهور الإعلامي.([7])
4- آلان كيريماتن
آلان كيريماتن عمل وزيرًا للتجارة، واستقال من منصبه للترشح في الانتخابات الرئاسية، وكان عضوًا في الحزب الحاكم، وقد أعلن ترشحه للرئاسة بشكل مستقل، وأعلن كيريماتن أنه يهدف إلى كسر احتكار سيطرة حزبين على السلطة، وأن غانا تتبع سياسة “الفائز يأخذ كل شيء”، وقد أسَّس كيريماتن ما يسمى بحركة التغيير ليعلن ترشحه من خلالها، وتُواجه حملته عددًا من المضايقات والاعتقالات لأعضاء الحملة.([8])
وعلى الرغم من قدرته على الحشد واستخدام عدد من الشعارات التي تتوافق مع تطلعات الغانيين، إلا أن فُرَصه في الفوز ضعيفة بسبب عدم انتمائه لأيٍّ من الحزبين المهيمنين في غانا.
ثالثًا: إلى أيّ مدًى يمكن اعتبار غانا من الدول الديمقراطية في إفريقيا؟
تُعدّ غانا من الدول القليلة التي تشهد استقرارًا سياسيًّا وتداولاً للسلطة بشكل سلمي في غرب إفريقيا بوجه خاصّ، وإفريقيا جنوب الصحراء بوجه عام، إلا أنه مع ذلك هناك اختلاف حول مدى إمكانية اعتبار غانا من الدول التي تتمتع بديمقراطية كاملة، وذلك وفق اتجاهين:
الاتجاه الأول: يربط الديمقراطية بنجاح الانتخابات في إحداث تداول سلمي للسلطة
وفق هذا الاتجاه، فإن غانا من الدول التي تتمتع بالديمقراطية؛ حيث أسفر إجراء الانتخابات بشكل منتظم وحدوث تدوال سلمي للسلطة عن ترسيخ الديمقراطية، باعتبار أن الانتخابات أداة محورية في عملية التحول الديمقراطي، كما أن ترسيخ الديمقراطية يشتمل على انتخابات تشاركية وتنافسية وقبول نتائجها مِن قِبَل المواطنين. ويتفق مع هذا الاتجاه برزيورسكي، الذي يؤكد أن الديمقراطية تتعزز بدورة انتخابية واحدة على الأقل يتم فيها تداول السلطة، وأن المؤسسات الحكومية يجب أن يشغلها مسؤولون منتخبون في انتخابات تنافسية حرة ونزيهة، ومِن ثَم السماح لأحزاب المعارضة بالفوز في الانتخابات والصعود إلى السلطة.
الاتجاه الثاني: الديمقراطية لا ترتبط بنتائج الانتخابات
وفق هذا الاتجاه فإن غانا ما تزال في مرحة التحول الديمقراطي، ولا تتمتع بالديمقراطية الكاملة، فوفقًا للعالمين السياسيين ستيفن ليفيتسكي ولوكان واي؛ فإن ترسيخ الديمقراطية يتجاوز الانتخابات وتداول السلطة، وإن النتائج الانتخابية لا يمكن أن تُحقّق الديمقراطية الكاملة؛ وذلك لأن الانتخابات قد تشهد التلاعب والتزوير ومنع تكافؤ الفرص، وخاصةً مِن قِبَل الحكومات الحالية في الدول التي تُعلن شكليًّا سيرها نحو تعزيز الديمقراطية، لذلك يجب أن يشمل الحديث عن ترسيخ الديمقراطية، المساءلة، وإضفاء الطابع المؤسسي على الأحزاب، واحترام حقوق الإنسان، ومنح حق التصويت للأقليات، والاقتراع العام الكامل للبالغين، ووجود مجتمع مدنيّ قويّ قادر على مراقبة الانتخابات، وحرية الإعلام.
وعليه فإن تداول السلطة من خلال الانتخابات لا يضمن الانتقال إلى الديمقراطية، بل هو أداة من ضمن أدوات أخرى لترسيخ الديمقراطية. لذلك فإنه وفقًا لعبدولاي وكروفورد وجراهام وآخرين، لم تتمتع غانا بديمقراطية كاملة، وذلك بسبب عدة عوامل؛ منها:
انتشار الفساد؛ فالسلطات الكبيرة التي تتمتع بها الرئاسة في غانا تُضْعِف الأدوار الرقابية التي تقوم بها المؤسسات القضائية والتشريعية؛ إضافةً إلى انتشار السياسات العِرْقية والقَبَلية والعنف بعد الانتخابات؛ وتقييد دور المجتمع المدني والتضييق على وسائل الإعلام، والاعتماد على الهيئات الخارجية -مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- التي تقوم بإملاء سياساتها الاقتصادية. وهذا يؤدي إلى التأثير على استقلالية الدولة في اتخاذ قرارتها.([9])
رابعًا: هل نشهد تكرار السيناريو السنغالي وتأجيل الانتخابات؟
تعد غانا والسنغال من الدول الأكثر استقرارًا في منطقة غرب إفريقيا، ويتشابه النظام السياسي في كلٍّ منهما، ورغمًا عن ذلك فمن غير المتوقع أن تكرر غانا في انتخاباتها الرئاسية القادمة، سيناريو الانتخابات السنغالية 2024م، وذلك من قيام الرئيس الغاني الحالي نانا أكوفو أدو بتأجيل الانتخابات على غرار ما قام به الرئيس ماكي سال؛ وذلك لعدة أسباب:
1- ثقة الحزب الوطني التقدمي الجديد الحاكم في قدرة مرشح الحزب محمودو بوميا في حسم نتيجة الانتخابات لصالحه، وقدرته على المنافسة القوية مع مرشح الحزب المعارض.
2- تراجع شعبية الرئيس الغاني نانا أكوفو بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها غانا خلال فترة حكمه الثانية، وعدم قدرته على الوفاء بالكثير من الوعود في برنامجه الانتخابي.
3- فشل محاولات الرئيس ماكي سال وائتلافه الحاكم في تمديد ولاية حُكمه والرفض الشعبي لذلك، ومع تشابه الوضع السياسي في الدولتين، يُعطي انطباعًا للسلطة في غانا بأن تكرار نفس التجربة سيكون مصيرها الفشل.
4- التاريخ السياسي لغانا منذ تبنّي التعددية الحزبية لم يشهد تعديل الدستور لتمديد ولاية الرئيس أو سعي أيٍّ من الحزبين للاستمرار في السلطة عن طريق مخالفة نتائج الانتخابات.
5- قوة مؤسسة القضاء والثقافة السياسية السائدة في غانا، والتي ترفض أيّ محاولات للالتفاف على السلطة.
خامسًا: احتمالات وصول قوة سياسية ثالثة للسلطة في غانا
على الرغم من أن غانا تتمتع بنظام متعدد الأحزاب؛ إلا أنه منذ عام 1992م يتم تداول السلطة في غانا بين الحزبين السياسيين المهيمنين، رغم وجود ما يقرب من 25 حزبًا.([10])
وعلى الرغم من توجيه بعض الانتقادات لهذا التداول؛ بدعوى أن حكم الحزبين يشوبه المحسوبية والفساد وسوء الإدارة المالية؛ إلا أنه من غير المرجّح ظهور قوة ثالثة وفوز مرشح عن الأحزاب الأخرى أو مرشح مستقل في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ وذلك لعدة أسباب:
1-الهوية العرقية المُعزَّزة بالأيديولوجيات الفكرية: يُعتَبر الحزبان المهيمنان في غانا؛ الحزب الوطني التقدمي والحزب الوطني الديمقراطي، قائمين على الجماعات العرقية أشانتي/أكان وإيوي على التوالي، وبالتالي يستمدان دعمهما من المجموعات العرقية التي تُشكّل معاقلهما، بخلاف الأحزاب الأخرى، في الوقت الذي يُعزّز هذه الهوية العرقية الأيديولوجيات المتنافسة التي تساعد في تشكيل قاعدتي السياسات الحزبية التي ظهرت خلال عصر نكروما بعد إنهاء الاستعمار.
وقد استمرت هذه التوترات الأيديولوجية، مما ساعد على تشكيل الانقسام بين الحزبين الرئيسيين في غانا، ومِن ثَم فإن تحالفات أشانتي/أكان وإيوي تستند إلى عوامل طبقية وفكرية تساعد في تشكيلها، وليس مجرد تضامن عرقيّ بسيط؛ حيث يُعتَبر الحزب الوطني الجديد (NPP)، حزبًا ذا نزعة اشتراكية، بينما حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي (NDC) حزب ذو نزعة ليبرالية.([11]) هذه الاعتبارات العرقية والأيديولوجية عززت من مكانة الحزبين في غانا، وقلَّلت من إمكانية ظهور حزب ثالث يستطيع منافستهم في الانتخابات القادمة.
وقد قام المفكر آرثر بتقييم مدى تأثير العرقية على التصويت في غانا منذ عام 1992م، وأكَّد أنها كانت المتغير الأكثر أهميةً، وأثَّرت بالفعل على اختيار الناخبين. وأضاف أنّ التصويت في الانتخابات الغانية يتم تحديده من خلال الانتماء العِرْقي للمرشح والحزب، ومع ذلك هناك عوامل أخرى مثل الفساد وتدهور الاقتصاد تؤثر على الخيارات الانتخابية للناخبين في غانا.([12])
2- النظام الانتخابي: لا يدعم النظام الانتخابي في غانا الأحزاب الصغيرة، بل يكرّس لوجود حزبين مهيمنين على السلطة فيها، في ظل نظام الفائز يأخذ كل شيء.
3- ضعف التمويل: تُواجه الأحزاب الصغيرة ضعف تمويل، في ظل امتلاك الحزبين المهيمنين الموارد المالية، والقدرة على إدارة عمليات الحزب بفعالية، فضلًا عن قدرتهم على شراء أصوات الناخبين.
جدول رقم (1) يوضح نِسَب فوز الحزبين المهيمنين والأحزاب الأخرى في غانا منذ عام 1992م
تاريخ الانتخابات | نسبة فوز المؤتمر الوطني الديمقراطي (NDC) | نسبة فوز الحزب الوطني التقدمي الجديد (NPP) | نسبة فوز الأحزاب الأخرى |
1992 | 58.4% | 30.3% | 11.3% |
1996 | 57.4% | 39.6% | 3.0% |
2000 | 44.8% | 48.4% | 6.7% |
2004 | 44.6% | 52.5% | 2.9% |
2008 | 47.9% | 49.1% | 3.3% |
2012 | 50.6% | 47.8% | 1.4% |
2016 | 44.4% | 53.9% | 1.8% |
2020م | 47.36% | 51.59% | 1.05 % |
الجدول من إعداد الباحث استنادًا للمصادر التالية
1- Akpeko Agbevade and Desmond Tweneboah, Presidential election petitions in Ghana: A catalyst for democratic maturity(Louvain-La-Neuve:African Journal Of Political Science And International Relations, Vol.16, 2022).
2-Gbensuglo Alidu Bukari and Others, Candidate Selection and Nomination Methods: A Historical Review and Analysis of Presidential Primaries in Ghana’s Fourth Republic, 1992-2020 (Washington: Res militaris, Vol. 12 No. 4 ,2022).
3-Vincent Ekow Arkorful and others, Voter’s choice of a presidential candidate: An empirical study, Journal of Public Affairs(Istanbul:Willy, Volume 24, Issue 2, 2020).
وختامًا:
تتصدر القضايا الاقتصادية الأولوية بالنسبة للانتخابات الرئاسية في غانا 2024م؛ بسبب ما تشهده البلاد من زيادة معدلات البطالة، وارتفاع مستوى الفقر، والتضخم، وارتفاع الأسعار، فلم تعد القضايا السياسية الخاصة بالديمقراطية وتداول السلطة وحقوق الإنسان محلاً للجدل، وهو ما يظهر في برامج المرشحين من التركيز على وضع حلول لكيفية مواجهة هذه الأزمة.
وعلى الرغم من أنه تبدو حظوظ مرشح الحزب الحاكم محمودو بوميا في الفوز بالانتخابات مرتفعة، إلا أن هذا لا يقلل من فُرَص منافسه جون ماهاما الذي يستطيع استخدام الأزمة الاقتصادية التي واجهت الحزب الوطني التقدمي الجديد الحاكم في تعزيز فرص فوزه في الانتخابات المقبلة.
……………………………………….
[1] Reflections on our democracy: The constitution, elections, and the judiciary, thebftonline, January 19, 2024, available at
https://thebftonline.com/2024/01/19/reflections-on-our-democracy-the-constitution-elections-and-the-judiciary/
[2] Donna Charles, Amid a Region Rife with Coups and Instability, Ghana is a Democratic Bulwark(Washington: United States Institute of Peace,2023),PP3-4.
[3]Gbensuglo Alidu Bukari and Others, Candidate Selection and Nomination Methods: A Historical Review and Analysis of Presidential Primaries in Ghana’s Fourth Republic, 1992-2020(Washington: resmilitaris, Vol. 12 No. 4 ,2022 )
[4]Enoch Randy Aikin, Ghana by-elections yield vital lessons for 2024 national polls, issafrica, 06 September 2023, available at
https://issafrica.org/iss-today/ghana-by-elections-yield-vital-lessons-for-2024-national-polls
[5] Joseph Siegle and Candace Cook, Africa’s 2024 Elections: Challenges and Opportunities to Regain Democratic Momentum, reliefweb (New York: OCHA, 2024), PP10-11.
[6]– عمرو هاشم ربيع، الانتخابات الرئاسية المقبلة في غانا: الأطراف المُتنافِسة والنتائج المتوقعة، مركز الإمارات للسياسة، 28 نوفمبر 2024م، متاح على رابط
https://epc.ae/ar/details/brief/ghanas-upcoming-presidential-election-competing-parties-and-potential-outcomes
[7]Ghana’s masked man reveals tactics behind unorthodox presidential bid, financial times, January 19 2024, available at
https://www.ft.com/content/c18ba3a8-3b9c-4653-9856-498f9b0f058f
[8]Jonas Nyabor, Ghana: Alan Kyerematen, independent future president?, theafricareport, February 8, 2024, available at
https://www.theafricareport.com/336286/ghana-alan-kyerematen-independent-future-president/
[9] Gbensuglo Alidu Bukari and Others, Candidate Selection and Nomination Methods: A Historical Review and Analysis of Presidential Primaries in Ghana’s Fourth Republic, 1992-2020(Washington: Res militaris, Vol. 12 No. 4 ,2022).
[10] Michael Amoako Addae and Richard Meissner, Party’s presidential primaries and the consolidation of democracy in Ghana’s 4th Republic, Cogent Social Sciences (London: Taylor & Francis, Volume 7, Issue 1, 2021).
[11] Ransford Edward, Is Voting In Ghana Ethnically Based?, Journal of African Elections(Johannesburg:electoral institute for sustainable democracy in Africa,2018),pp25-26.
[12] Addae Amoako Michael, The Dominance of Two Parties in the Politics of Ghana‟s 4 th Republic: The Electoral System a Factor?(Gujarat: International Journal of Science and Research, Volume 8 Issue 3, March 2019), PP1801-1802.