أويباميجي عثمان أديسوجي
كاتب وباحث في مجال الأعمال وريادة الأعمال والشؤون الجيوسياسية -نيجيريا
في التاسع والعشرين من مايو المقبل، سيُتاح لما يقارب 28 مليون ناخب مسجّل في جنوب إفريقيا فرصة انتخاب ممثلين للبرلمان الوطني والبرلمانات الإقليمية. وستكون هذه هي الانتخابات العامة الديمقراطية السابعة للبلاد. منذ فترة الفصل العنصري، تمكّن المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) باستمرار من تحقيق الأغلبية في كلا الغرفتين للبرلمان الجنوب إفريقي.
من ناحية أخرى؛ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات العامة لعام 2024م قد تشهد حصول المؤتمر الوطني الإفريقي على أقل من 50 بالمئة من الأصوات لأول مرة منذ عام 1994م، مما سيؤدي إلى تشكيل حكومة تتعدد فيها الأحزاب لأول مرة، وسيكون ذلك نقطة تحوُّل مهمة للجميع.
قبل عام 1994م، كانت جنوب إفريقيا واحدةً من أعلى الدول استقطابًا في العالم؛ لأن الاستعمار والعنصريين البيض قد عززا سيطرة الأقلية البيضاء، وأعادا إنتاج الفقر والعجز بين الأغلبية السوداء على مدى قرون. وفي أبريل 1994م، فاز المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) بالانتخابات الديمقراطية الأولى، وأصبح نيلسون مانديلا الرئيس الديمقراطي الأول المنتخب للجمهورية. على الرغم من أن المؤتمر الوطني الإفريقي حصل على الأغلبية (62%)؛ إلا أن الحزب شكَّل حكومة الوحدة الوطنية، التي أصبح فيها ف.د دي كليرك (رئيس جنوب إفريقيا في فترة الفصل العنصري)، وتابو مبيكي من المؤتمر الوطني الإفريقي نوابًا للرئيس.
ومع ذلك، فإن هذه المشكلات لا تزال قائمة على الرغم من هيمنة المؤتمر الوطني الإفريقي السياسية بعد عام 1994م كممثل للكتلة الساحقة من الأغلبية السوداء، وبالأخص الإفريقية. وقد كشف بعض المحللين السياسيين أن المؤتمر الوطني الإفريقي قد لا يحصل على أصوات كافية للحكم بمفرده بعد الانتخابات العامة لعام 2024م. لقد زادت الأحزاب المعارضة من قدرتها وخبرتها ونفوذها في تشكيل الائتلافات، مما مكَّنها من تقليل حجم الأغلبية التي كان يتمتع بها المؤتمر الوطني الإفريقي في البرلمان تدريجيًّا على مر الزمن، بما في ذلك في معاقل المؤتمر الوطني الإفريقي التاريخية.
هذا، ويعتقد المحللون السياسيون أن الانتقال إلى الديمقراطية قد افتتح عصرًا من المصالحة الوطنية؛ حيث تراجع التقسيم السياسي، وحل السلام محل الصراع إلى حد كبير، مدعومًا بمعدلات نموّ لم تشهدها جنوب إفريقيا منذ ستينيات القرن الماضي. كما أدت التطورات في البنية التحتية والخدمات والرفاهية إلى تحقيق تقدم اجتماعي كبير ورفع مستويات المعيشة لكثيرين في مجتمع السود. ولكن اليوم، أدَّى ذلك إلى تسهيل ظهور نُخَب الدولة التي تُركّز على التراكم السريع ومستويات عالية من الفساد والانجراف نحو الاستبداد.
مشهد سياسي مجزَّأ:
وفقًا للجنة الانتخابات المستقلة (IEC)، يَحِقّ لأكثر من 27.79 مليون ناخب -وهو العدد الأعلى منذ بدء الممارسات الديمقراطية في جنوب إفريقيا- الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الوطنية والإقليمية لعام 2024م.
وحتى أبريل 2024م، كانت الغالبية المكونة من 6.81 مليون ناخب مسجّل للانتخابات العامة في جنوب إفريقيا تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عامًا، والتي شكّلت ما يقرب من 25 في المئة من الإجمالي. تليهم المجموعة العمرية من 40 إلى 49 عامًا، والمقدرة بحوالي ستة ملايين ناخب مسجل. وقد سجَّل نحو 350 حزبًا في انتخابات 2024م، ولأول مرة تسمح جنوب إفريقيا أيضًا للمرشحين المستقلين بالمشاركة.
من الواضح أن المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) قد هيمن على الانتخابات في كل استطلاعات الرأي منذ عام 1994م، مما أكسبه أغلبية برلمانية مطلقة يمكن من خلالها اختيار الرئيس بشكل مستقل وسنّ التشريعات. قد يتغير هذا خلال هذه الدورة الانتخابية. ومع ذلك يتوقع المحللون أنه حتى إذا حصل على أقل من أغلبية الأصوات، فإن المؤتمر الوطني الإفريقي لا يزال يحتفظ بدعم أكثر من أيّ حزب سياسي آخر في جنوب إفريقيا.
في الوقت نفسه، الحزب المعارض الرئيسي هو التحالف الديمقراطي(DA) ، بقيادة جون ستينهويسن، والذي تُظهر استطلاعات الرأي أنه يجذب ما بين ربع وثلث الناخبين إلى حد كبير؛ بسبب برنامجه للحكم الرشيد ومكافحة الفساد. ومع ذلك، يجب عليه التغلب على تصوّر كونه حزبًا يسيطر عليه البيض. دخل التحالف الديمقراطي في تحالف يسمى ميثاق الأحزاب المتعددة لجنوب إفريقيا مع ستة أحزاب في الغالب صغيرة.
وفي وقت سابق من شهر مارس 2024م، طلب التحالف الديمقراطي المساعدة من الولايات المتحدة لمساعدته في مراقبة الانتخابات المقبلة. ومع ذلك، انتقد رئيس جنوب إفريقيا هذا النداء، وقال الحزب الحاكم: إن الطلب مضلل؛ نظرًا للمشكلات التي تحدث في انتخابات “الغرب” نفسه. وأضاف المراقب: إن جنوب إفريقيا تحظى بتقدير كبير لإجراء انتخابات حرة وعادلة في الماضي، لكن رسالة التحالف الديمقراطي تطلب المساعدة الأجنبية لـ “حماية النزاهة”؛ نظرًا لأنها تعتبرها “أهم انتخابات” في 30 عامًا من الديمقراطية.
ومع ذلك، يواجه المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) أيضًا تحديًا من حزب مناضلي الحرية الاقتصادية (EFF) بقيادة الزعيم الشهير السابق لرابطة الشباب في المؤتمر الوطني الإفريقي، جوليوس ماليما. وقد دعا حزب EFF إلى سياسات شعبوية مثل توفير الدولة للسكن، وتأميم المناجم وقطاعات إستراتيجية أخرى من الاقتصاد، وإعادة توزيع الأراضي بين السكان.
ويُفضل الحزب بعض السياسات اليسارية المتطرفة، ولا ينتمي إلى تحالف المعارضة. وإذا انضم حزب EFF إلى التحالف، فقد يدفع ذلك المؤتمر الوطني الإفريقي خارج الحكومة؛ لكن هناك فجوة كبيرة بين EFF والتحالف الديمقراطي(DA) ، وهما ينتقدان بعضهما بقدر انتقادهما للمؤتمر الوطني الإفريقي.
وبالمثل، تشير استطلاعات الرأي إلى أن EFF يجذب حوالي 10 في المئة من الناخبين. ويقول محلل مطلع: إن حزب EFF الذي قام بحملة للتأميم الشامل للدولة ومصادرة الأراضي دون تعويض، ذكر أن السيطرة على الخزانة الوطنية شرط مهم لدعم المؤتمر الوطني الإفريقي.
بينما فاجأ الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، جاكوب زوما، والزعيم السابق للمؤتمر الوطني الإفريقي، حزبه السابق بتشكيل حزب جديد يُسمى “رمح الأمة”. بعد معركة قانونية طويلة، تم تبرئة زوما لخوض الانتخابات القادمة من قبل المحكمة الانتخابية في البلاد في أبريل 2024م. في عام 2021م، حُكم على زوما بالسجن 15 شهرًا لرفضه أمر محكمة بالمثول أمام لجنة قضائية.
على الرغم من أن المراقبين يقولون: إن زوما لم يُخْفِ استياءه مِن خَلَفِه، رامافوسا، الذي ساعد حلفاءه في الإطاحة به في عام 2018م، على الرغم من أن الرئيس قام بتخفيف الحكم الصادر ضده في أغسطس، مما دفع البعض للتكهن بأن زوما سيسعى لإزاحة رامافوسا كشرط للانضمام إلى أيّ تحالف. وبالرغم من فشل هلودي موتسوينينج في الحصول على مقعد واحد في انتخابات عام 2019م، فإن الرئيس السابق لعمليات هيئة الإذاعة الجنوب إفريقية(SABC) ، لم يُثْنه عن ذلك. وهو يأمل أن يُحقّق حزبه، حركة المحتوى الإفريقي (ACM)، نتائج جيدة في انتخابات عام 2024م القادمة.
عدم المساواة الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية:
مؤخرًا، قالت شركة غير ربحية مكرَّسة لتعزيز التغيير من خلال بناء التماسك الاجتماعي في المجتمعات الإلكترونية، المركز للتحليلات والتغيير السلوكي (CABC): إن النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي حصلت على أكثر من 450,000 “ذكر/منشن” بين 12 و29 فبراير 2024م، كشفت عن مزيج من الإحباطات والآمال بشأن الانتخابات المقبلة. أشارت المنظمة، التي تتخذ من كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة كيب تاون مقرًّا لها، إلى أن تحليل المحادثات حول انتخابات 2024م يبرز اتجاهًا مقلقًا: انفصال الشباب، بينما يُظهِر المواطنون الكبار دعمًا مستمرًّا للمؤتمر الوطني الإفريقي(ANC) ، فيما يواجه العديد من الأشخاص في البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 62 مليونًا مشكلات اجتماعية واقتصادية عميقة.
يقول الخبراء: إن تأثير عدم استقرار الطاقة واسع النطاق، بما في ذلك الخدمات المحدودة في المستشفيات، وزيادة نقص الغذاء والماء، وارتفاع معدلات الإفلاس، وتفاقم معدلات الجريمة، والبطالة التي تتجاوز 30 في المئة. يحذر البنك المركزي في جنوب إفريقيا من أن تخفيف الأحمال الكهربائية سيُكلّف الاقتصاد ما يقرب من 13 مليار دولار هذا العام. كأكثر الاقتصادات صناعةً في القارة، فإن مشاكل الطاقة في جنوب إفريقيا تعرقل النمو بين جيرانها.
يقول المحللون: إن انقطاع التيار الكهربائي المطول سيهدّد أيضًا بحدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية خطيرة قبل الانتخابات الوطنية المقبلة في عام 2024م. ومع ذلك، أظهرت تقارير من وسائل الإعلام في عام 2023م أن عمليات القتل السياسية تتصاعد في جنوب إفريقيا، وخاصة في المقاطعة المضطربة كوازولو-ناتال؛ حيث كان القتلة المحترفون على امتداد الطيف السياسي يظهرون وجودهم في مجال سيارات الأجرة لتسوية النزاعات من خلال فوهة البندقية؛ بسبب المناقصات والوظائف في البلديات، وفي مجالات أخرى مثل الأعمال التجارية.
ديناميكيات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي:
في عام 1994م، شارك 86% من الناخبين المسجلين؛ في عام 2019م، انخفض إلى 49%. ومع توجُّه جنوب إفريقيا إلى صناديق الاقتراع، من المتوقع أن تلعب الحملات الإلكترونية دورًا غير مسبوق في هذه الانتخابات عالية التنافس. بينما يمكن للمساحة الإلكترونية أن تنشر سياسات الأحزاب ووعودها الانتخابية؛ فإن خطر المعلومات المضللة -التشويه المتعمد للمعلومات- كبير.
ويستخدم حوالي 26 مليون شخص وسائل التواصل الاجتماعي في جنوب إفريقيا، والعدد في ازدياد. في حين أن زيادة عدد الناخبين المؤهلين ومعدل التسجيل الثابت في الانتخابات مثير للقلق، تظهر أرقام الانتخابات زيادة بنسبة 47.2% في تسجيل الناخبين منذ إنشاء أول سجل رسمي للناخبين في عام 1999م. ومع ذلك، فإن المنشورات التي تعبّر عن مزيج من هذا الشعور قد اكتسبت تفاعلاً كبيرًا على الإنترنت. إلى جانب انتقاد المؤتمر الوطني الإفريقي، هناك أيضًا رغبة في الحصول على معلومات حول الأحزاب البديلة. أيضًا، يحظى تطبيق YohVote، الذي يطابق المستخدمين مع الأحزاب المناسبة، بشعبية متزايدة، وفقًا لمركز CABC.
مؤخرًا، برَّأت المحكمة الانتخابية الرئيس السابق جاكوب زوما، وهو وَجْه حملة حزب uMkhonto Wesizwe (MK)، ليترشح للمنصب العام في الانتخابات القادمة. كما تعرّض لحادث سيارة أثناء سفره في كوازولو-ناتال، وكان الحادث موضوع العديد من المناقشات على الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، سلّط تقرير CABC الضوء أيضًا على مزاعم تدخل أجنبي من مقطع فيديو على TikTok (وصل إلى ما يقرب من 100,000 مشاهدة عبر منشورين)، يناقش تاريخ تدخل الولايات المتحدة في الانقلابات في جميع أنحاء العالم النامي. على الرغم من أن الخبراء نصحوا بأنه من أجل مواجهة مثل هذه التكتيكات، يجب أن يتمكن الناخبون من تحديد الحسابات والفاعلين الخبيثين، والتعرف على الحملات المنسقة للمعلومات الانتخابية المضللة، فهذا يُمَكّن الأفراد من تقييم المعلومات على الإنترنت بشكل نقدي، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على مصادر دقيقة وموثوقة بدلًا من التأثر بالروايات المضللة.
علاقات جنوب إفريقيا بالغرب:
وفقًا لذلك، تعتبر جنوب إفريقيا علاقاتها مع الدول الغربية مهمة، لكنّها في الأساس اقتصادية الطابع. لديها شراكات سياسية أعمق مع دول إفريقية أخرى، ومجموعة بريكس، ودول الجنوب العالمي. وبينما تعرّف جنوب إفريقيا نفسها بأنها غير منحازة، فإن سياستها الخارجية تكشف عن تعقيد أعمق يعكس موقفًا متعدد الانحيازات. كانت جمهورية جنوب إفريقيا المناهضة للشيوعية تقليديًّا تُعتبر حليفة للقوى الغربية في صراعها ضد الاتحاد السوفييتي.
يلاحظ المحللون أن الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، المؤتمر الوطني الإفريقي، له علاقات تاريخية مع موسكو تعود إلى الحرب الباردة، عندما دعم الاتحاد السوفييتي نضاله ضد الفصل العنصري. هذه العلاقات هي أساس العلاقات الجيدة التي يُحافظ عليها المؤتمر الوطني الإفريقي مع روسيا حتى اليوم. تتذكر بريتوريا (عاصمة جنوب إفريقيا) أنه خلال الحرب الباردة، لم تُصنّف واشنطن المؤتمر الوطني الإفريقي كمنظمة إرهابية فحسب، بل رفضت أيضًا فرض عقوبات ضد حكومة الفصل العنصري حتى عام 1986م، وهو أمر جاء متأخرًا جدًّا مقارنةً بالعديد من الدول الأخرى المهمة. إلى جانب التركيز على بريكس، كانت المحاولات الدبلوماسية الإقليمية الأخرى متباينة. أطلق الكرملين قمة روسيا-إفريقيا في عام 2019م، وعقد القمة مرة أخرى في عام 2023م، حتى مع تصادمه مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) بشأن تدخل الكتلة في انقلاب النيجر العسكري في يوليو 2023م.
مسار جنوب إفريقيا نحو التقدم:
مهما كانت العواقب قصيرة الأمد لخسارة المؤتمر الوطني الإفريقي احتكاره للسلطة -والتي يمكن أن تكون وخيمة للغاية من الناحية الاقتصادية-؛ فهو حدث جوهريّ جيد؛ فقد أصبحت السياسة في جنوب إفريقيا تنافسية.
ونتيجة لذلك، للفوز بالأصوات في المستقبل، أشار الخبراء إلى أن انتخابات جنوب إفريقيا ستمثل تقييمًا لكيفية تعامل المؤتمر الوطني الإفريقي مع المصاعب الاجتماعية والاقتصادية المتطورة التي تواجه البلاد. وستكون أيضًا اختبارًا لقدرة البلاد على استخدام العمليات الديمقراطية لتشكيل تحالفات داخلية جديدة لمواجهة هذه التحديات ووضع البلاد على مسار الإصلاح. بالإضافة إلى ذلك، يقترح الخبراء أنه حتى في السيناريو غير المحتمل الذي ينجو فيه المؤتمر الوطني الإفريقي من الانتخابات ويحتفظ بالسلطة، فإن الأحزاب المعارضة مُقدّر لها أن تلعب دورًا رئيسيًّا في القرارات السياسية الرئيسية بعد الانتخابات.
وهذا يشمل السياسة الخارجية، التي تقع الآن في اختصاص حزب المؤتمر الوطني الإفريقي حصريًّا. وبغضّ النظر عن نتيجة الانتخابات، ستُعيد جنوب إفريقيا قريبًا فحص مصالحها الوطنية ومكانتها في المجتمع العالمي. بعد الانتخابات، يتطلع المجتمع العالمي إلى جنوب إفريقيا أفضل لأجل إفريقيا الأكبر.