نشرت مجلة “IPG” الألمانية مقالًا للرأي بقلم “Manuel Wollschläger”، مدير مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ناقش خلاله الكيفية التي يتصاعد بها العنف بين الجيش والمتمردين في شرق الكونغو، متسائلًا: هل الوقت مناسب الآن لانسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؟ ومَن الذي يستطيع ملء فراغ السلطة هناك؟
بقلم: مانويل فولشلاجر
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
قال وزير الدفاع الكونغولي، جان بيير بيمبا، مُتحَديًا: “سيتم بذل كل ما في وُسْعنا لحماية العاصمة الإقليمية جوما من السقوط في أيدي الجماعة المتمردة “حركة 23 مارس” (إم 23)”.. لكن العملية العسكرية التي شنَّتها حركة “مارس 23” بدعم من رواندا -بحسب تقديرات مجموعة من خبراء الأمم المتحدة-؛ لا ينبغي الاستهانة بها.
وكانت الحركة قد تمكنت، بالفعل، من الاستيلاء على جوما في عام 2012م. وفي ذلك الوقت، برّروا تمردهم بعدم الوفاء بالوعود التي قُدِّمت لها في اتفاق السلام المُوقَّع في 23 مارس 2009م، ولم يكن دمج المجموعة المتمردة -التي تمثل في المقام الأول مصالح أقلية التوتسي- ناجحًا. ولكن بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مونوسكو)، أصبح من الممكن تحرير المدينة سريعًا، وتم إجبار المُتمردين على الهروب إلى المَنْفَى مرة أخرى.
وبعد مُضي عشر سنوات، وتحديدًا في مارس 2022م، عندما عبرت حركة 23 مارس الحدود مرة أخرى في المثلث الحدودي لأوغندا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، لتحتل أجزاء كبيرة من أراضي روتشورو وماسيسي في مقاطعة شمال كيفو الكونغولية؛ صرَّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأن بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي بعثة الخُوَذ الزرقاء المتمركزة في الكونغو، لم تكن مُجَهَّزة بما يكفي لمواجهة ذلك الغزو.
لقد أعلن البرلمان الكونغولي الأحكام العُرفية ردًّا على الصراع الدائر في مقاطعة شمال كيفو. ومنذ أكثر من عام، تم استبدال المُحافظ بقائد عسكري. وفي الواقع إن ما يثير القلق في هذا الوضع هو أن مهمة حفظ السلام التابعة لبعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية ستنتهي تدريجيًّا بحلول نهاية عام 2024م؛ نظرًا لعدم الكفاءة، وبناءً على طلب الحكومة الكونغولية.
في السابق، كانت هناك هجمات عنيفة متزايدة مِن قِبَل السكان ضد جنود الأمم المتحدة. وعلى مدار أكثر من 20 عامًا، لم تتمكن قوات حفظ السلام من السيطرة على الصراع المُحتدِم وحماية السكان المدنيين في مواجهة عددٍ لا يُحْصَى من الميليشيات الأجنبية والمحلية النشطة في البلاد.
والحقيقة أن تاريخ الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية طويل. وكانت حرب الكونغو الثانية في عام 1999م هي التي أدت إلى انتشار فِرَق الخُوَذ الزرقاء؛ حيث كانت أوغندا ورواندا تقاتلان على الأراضي الكونغولية ضد الجماعات المتمردة من البلدان المجاورة والجيش الكونغولي. لقد حاول السكان حماية أنفسهم من خلال تشكيل ميليشيات (ماي ماي). علاوة على ذلك، تنافست القوات الأجنبية والمحلية للسيطرة على احتياطيات المنطقة الهائلة من المواد الخام.
لقد شكّل هذا الارتباط، فيما بعد، حجر الزاوية في متطلبات العناية الواجبة الخاصة بسلاسل التوريد من أجل وضع حد لتأجيج الصراع الذي تتسبّب فيه التجارة غير المشروعة في الذهب والمعادن الأخرى. وقد مكَّن وجود بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية الجهات الفاعلة الإنسانية من تحسين الظروف المعيشية الكارثية، بقدر ما، لعددٍ لا حصر له من النازحين داخليًّا الذين فروا جراء النزاع.
هل يعتبر الوصول إلى حل تفاوضي الآن أمرًا وهميًّا؟
في ديسمبر الماضي، وبإصرار من الولايات المتحدة الأمريكية، جرى التفاوض على وقف إطلاق النار مع حركة 23 مارس، لكنّ هذه الهدنة لم تستغرق سوى عشرة أيام. كما كانت هناك محاولات سابقة لتحقيق السلام خاضتها كلّ من مجموعة شرق إفريقيا (EAC) ومؤتمر البحيرات الكبرى ((ICGLR؛ حيث أرسلت مجموعة شرق إفريقيا قواتها العام الماضي، لكنها انسحبت مرة أخرى بعد بضعة أشهر دون تحقيق أيّ نتائج ملموسة. وقبل وقت قصير من احتفالات عيد الميلاد، انطلقت بعثة عسكرية إقليمية أخرى (SAMIDRC)، وهذه المرة تحت قيادة مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC). من غير المؤكد ما إذا كان الجنود من تنزانيا ومالاوي وجنوب إفريقيا قادرين على تغيير الأمور في حال حصولهم على تفويض أكثر قوة.
نشرت قوات جمهورية الكونغو الديمقراطية المسلحة، مؤخرًا، طائرات مقاتلة بدون طيار في المنطقة؛ إلا أنها تعاني من نقص التمويل، بشكل أساسي، علاوة على رداءة التجهيزات، وقد لُوحِظ ذلك مرارًا وتكرارًا في الماضي أثناء هجمات ضد السكان المدنيين. وقد أشار نائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، إلى استعداده لدعم بعثة SAMIDRC، لافتًا إلى أنه سيتعين على مجلس الأمن تعديل التفويض للقيام بذلك. ومع عملية سبرينغبوك، تم تكثيف التعاون مع الجيش الكونغولي العام الماضي لحماية جوما من المتمردين.
وعلى غرار محاكاة ميليشيات (ماي ماي)، تشكلت أيضًا الميليشيات المحلية، المعروفة باسم “وازاليندوس” (“الوطنيون”)، في العديد من الأماكن لمقاومة زحف حركة (23مارس).
وعلى الرغم من ذلك، ينطوي استخدام هذه الوحدات غير الخاضعة للرقابة على مخاطر؛ لأنها تخدم أيضًا مصالح معينة. هناك أيضًا تقارير تفيد بوجود قوات مرتزقة رومانية في المنطقة، والتي تستخدمها الحكومة الكونغولية، في الأساس، لحراسة مطار جوما. وربما يُعدّ التوصل إلى حلّ على طاولة المفاوضات في الوقت الحالي أمرًا وهميًّا؛ إذ أكد الرئيس فيليكس تشيسيكيدي، الذي أُعيد انتخابه بأغلبية ساحقة في نهاية عام 2023م، أكثر من مرة، أن المحادثات مع حركة 23 مارس سيتم رفضها بشكل قاطع، وأنه لا يمكن استبعاد إعلان الحرب على رواندا. بدورها، تَزعُم رواندا أن قوات جمهورية الكونغو الديمقراطية المسلحة تتعاون مع المنظمة القتالية شبه العسكرية (إنترهاموي)، التي تسللت إلى الكونغو خلال عملية (توركواز) في أعقاب الإبادة الجماعية في رواندا في عام 1994م، وأسست المجموعة المتمردة “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”. ويُنظَر إلى حركة 23 مارس على أنها جماعة من التوتسي الكونغوليين، فيما يتم رفض تدخُّل الجيش الرواندي باستمرار.
وعي متزايد بشأن صعوبة تقديم بعثات السلام الدولية حلًّا للصراع:
تجتاح موجة من المشاعر الوطنية البلاد؛ حيث تزايد الوعي بأن بعثات السلام الدولية لا تقدم حلًا للصراع الدائر. لقد تم الاحتجاج، مرارًا وتكرارًا، من أجل المطالبة بالسيادة، وأنه يجب على الشعب الكونغولي أن يملك مصيره بين يديه.
ففي الدور ربع النهائي من بطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، لفت لاعبو كرة القدم الكونغوليون الانتباه إلى الوضع المأساوي في شرق الكونغو بلفتة قبل انطلاق المباراة؛ نظرًا لأنه، في رأي السكان، تم إخفاء المُشجِعين الكونغوليين ومُلصقاتهم ولافتاتهم عمدًا من بثّ المباراة؛ حيث اندلعت أعمال شغب ضد الموزعين المعتمدين لقناة (Canal +) التي بثت المباراة في كينشاسا. كما تجمع المتظاهرون مرة أخرى أمام السفارات الغربية في نهاية الأسبوع، وقاموا بحرق السيارات والإطارات.
وفي أغسطس الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي بالفعل عقوبات على كلٍّ من الجهات الفاعلة الكونغولية والرواندية بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما تدعو الولايات المتحدة باستمرار إلى وقف الأعمال العدائية. ومع ذلك، لا يزال الجانب الكونغولي يرى تناقضًا في الموقف الغربي؛ حيث إن العلاقات الوثيقة مع رواندا لا تتأثر بتورطها في الصراع. وفي الأيام الأخيرة، تجدد القتال بالقرب من بلدة ساكي، التي لا تبعد سوى بضع كيلومترات عن جوما. وعقب انفجار قنبلتين أيضًا في جوما، تم إلغاء “مهرجان أماني” الموسيقي الشهير الذي كان من المقرر إقامته بعد الهجوم بوقت قصير.
أوضاع محفوفة بالمخاطر في مخيمات اللاجئين:
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فقد ارتفع عدد النازحين داخليًّا حاليًّا ليصل إجمالًا إلى 6.29 مليون في جميع أنحاء البلاد. وأدت الاشتباكات الأخيرة إلى نزوح ما يقرب من 135 ألف شخص إضافي إلى جوما. وتشكو المنظمات الإنسانية التي تحاول منذ عقود تخفيف المعاناة في المناطق المحاصرة من الأوضاع المحفوفة بالمخاطر في مخيمات اللاجئين. لقد بات الوضع الغذائي والظروف الصحية التي يتعرض لها النازحون مثيرة للقلق.
وبالإضافة إلى الضغط المستمر على أطراف الصراع لوقف القتال واستئناف الحوار؛ يجب على المجتمع الدولي التعاون مع جمهورية الكونغو الديمقراطية لإيجاد حلّ بشأن كيفية نزع سلاح حركات التمرد العديدة، وإدماجها في الحياة المدنية.
ومن أجل نجاح هذه الجهود، من المهم إدماج السكان بطريقة تشاركية؛ حيث إن النهج الذي تم تطبيقه واختباره في الماضي لم يحقق نجاحًا يُذْكَر. ويحاول برنامج (نزع السلاح والتسريح وتنمية المجتمع وتحقيق الاستقرار/ PDDRCS) الحالي أن يضع ذلك في الاعتبار، لكنه لا يمتلك الموارد اللازمة، وبالتالي يتم تنفيذه ببطء وليس بشكل شمولي.
وفي كثير من الأحيان، يُمثل تأسيس السلطة الدستورية تحديًا في المناطق النائية، لكنه ركيزة الحماية المُستدامة للسُكان المَدنيين. وبخلاف ذلك، يهدّد انسحاب بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية أيضًا بوقف المساعدات الإنسانية وتنفيذ المشاريع التنموية؛ حيث توفر بعثة الخُوَذ الزرقاء أيضًا القدرات اللوجستية، بالإضافة إلى قوافل ودوريات الحماية العسكرية.
ومن المشكوك فيه ما إذا كان يمكن للشرطة والجيش الكونغوليين تنفيذ هذه المهام في العام المقبل. ولذلك، ربما ينبغي أيضًا أن يهدف الانتقال المُنظَّم إلى ما بعد عام 2024م. ولا يزال يتعين على قوات حفظ السلام الإقليمية البقاء لهذا الغرض حتى يثبت الجيش نفسه في ظل الظروف الحالية. ويعد نشر مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC) قرابة 2900 جندي من جنوب إفريقيا بمثابة خطوة أولى على هذا المسار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: