د. المبشر أبو بكر عبده فرج (*)
في إفريقيا تُعَدّ الملاريا هي القاتل الأول للأطفال، وتتسبّب في حدوث وفاة واحدة من بين كلّ خمس وفيات بين الأطفال، وعلى الرغم من أنّ الأطفال هم الضحايا الأساسيون للملاريا، وبخاصة مَن هم دون الخامسة من العمر؛ فإنّ الفرصة المتاحة أمام الأطفال ضئيلة لدفاعهم الشخصي عن حقوقهم والمطالبة بها، من أجل التمتع بالحماية الصحية والصحَة الجيدة، وكذلك تكون الفرصة أمامهم ضئيلة في التعبير عن حاجاتهم لدى مَن لديهم السلطة والقدرة على التغيير، مثل البالغين والآباء، ومَن يقدمون الرعاية، وصنّاع القرار، ووسائل الإعلام.
ولكن مع ازدياد الوعي بخطورة الملاريا سيتعاظم العمل لمكافحة الملاريا، ممّا يمهّد الطريق لمستقبل خالٍ من الملاريا، وانطلاقاً من هذا الأساس المنطقي كان موضوع يوم (دحر الملاريا بإفريقيا) الجديد لعام 2004م وشعاره: (مستقبل خالٍ من الملاريا: الأطفال يتعاونون لدحر الملاريا).
ظلّت معظم البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى) تواجه بسبب هذا المرض أزمة صحية عمومية متزايدة الخطورة، وممّا ساهم في حدوث هذه المشكلة: الحروب الأهلية العديدة، والاضطرابات الاجتماعية في كثير من البلدان الإفريقية، إضافةً إلى التغيُّرات المناخية والبيئية التي تساعد على انتقال عدوى الملاريا في المناطق التي كانت خالية منها.
ومما زاد الطين بلّة: قلّة الموارد المالية الوطنية، وانعدام الدعم الخارجي، وقصور التوجيه التقني، وقلّة الخبرة في مجال مكافحة الملاريا في المناطق التي يشتد توطّن المرض فيها، وذلك فضلاً عن ظهور (المتصورة المنجلية) Plasmodium falciparum المقاومة لـ (الكلوروكين) وانتشارها، والذي زاد الوضع سوءاً.
وعلى الرغم من ظهور الملاريا في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى) – بصفة أساسية -؛ فإنّ انتشار (المتصورة المنجلية) المقاومة لأدوية متعددة، الذي حدث في المناطق الحدودية في جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية – خلال الثمانينيات -، هدّد أنشطة مكافحة الملاريا في أجزاء أخرى من العالم.
وإزاء هذا الوضع الخطير اقترح المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، في عام 1990م، عقد مؤتمر وزاري معني بالملاريا؛ لتشجيع البلدان المتأثرة والمجتمع الدولي على تكثيف الجهود المبذولة لمكافحة هذا المرض.
وبعد الاجتماعات التحضيرية، والتي شملت: ممثلي الوكالات المانحة، ومؤسسات البحث، والأمم المتحدة، ووكالاتها المتخصصة، والمديرين، والاختصاصيين العلميين، والإداريين، تمّ التوصّل إلى اتفاق جماعي على المعايير الحالية لمكافحة الملاريا، كما تمّت صياغة استراتيجية عالمية لمكافحة الملاريا، وقد عُرضت هذه الاستراتيجية على المؤتمر الوزاري المعني بالملاريا الذي عُقد في العاصمة الهولندية (أمستردام)، في تشرين الأول / أكتوبر 1992م؛ حيث تمّت مصادقته عليها.
وفي عام 1993م بدأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة استعراض الوضع العالمي للملاريا، وذلك استجابة للمخاوف التي أعرب عنها أعضاء المجلس، لا سيما القادمون من بلدان إفريقية لا تحظى فيها الملاريا بالاهتمام العاجل المطلوب من البلدان، ومن منظومة الأمم المتحدة، وقد أدت المراجعة التي قام بها المجلس إلى المصادقة على الاستراتيجية العالمية في الدورة التاسعة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في كانون الأول / ديسمبر 1994م، وقد طلبت الجمعية العامّة إلى المنظمة مواصلة القيام بدور المنظمة الرئيسة لمكافحة الملاريا، ووضع خطة للعمل للفترة من 1995م إلى 2000م، بالتشاور مع سائر وكالات الأمم المتحدة، وسائر الشركاء في مجال مكافحة الملاريا، والبلدان المتأثرة، وقد صادق المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة على هذه الخطة في عام 1995م، ودعا إلى زيادة الموارد المخصصة للوقاية من الملاريا ومكافحتها.
وحدث تطور مهمٌّ آخر في آذار / مارس 1996م، عندما تمّ تحديد الملاريا كمقوّم ذي أولوية من مقومات المبادرة الخاصة المعنية بإفريقيا على نطاق منظومة الأمم المتحدة، وفي حزيران / يونيو 1997م اعتمد مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الأعضاء بمنظمة الوحدة الإفريقية (إعلان هراري) المعني بالوقاية من الملاريا ومكافحتها، في إطار إنعاش الاقتصاد الإفريقي وتنميته، الذي تعهد باعتبار مكافحة الملاريا إحدى الأولويات، وأعاد المؤتمر تأكيد مصادقته على الاستراتيجية العالمية لمكافحة الملاريا، والإجراءات التي اتخذتها منظمة الصحة العالمية تنفيذاً لها، ودعا الدول الأعضاء إلى تقديم الدعم السياسي الكامل لمكافحة الملاريا، ووضع خطط للعمل وتنفيذها من أجل الوقاية من الملاريا ومكافحتها، وضمان اتخاذ إجراءات متعددة القطاعات، جيدة التنسيق.
وتمّ مؤخراً إنشاء مبادرة متعددة الأطراف لمكافحة الملاريا في إفريقيا، تُعنى بصفة خاصة بتقوية قدرات البحث في إفريقيا، وقد جاءت هذه المبادرة عقب الاجتماعات التي عُقدت في السنغال وهولندا في عام 1997م، وشارك فيها كلٌّ من منظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، وغيرها من وكالات الأمم المتحدة، واللجنة الأوروبية، والمعاهد الوطنية للصحة بالولايات المتحدة الأمريكية، ومؤسسة ولكوم ترست Wellcome Trust في المملكة المتحدة، وغيرها من الجهات المانحة، إضافة إلى باحثين من إفريقيا والبلدان المتقدمة.
وكان من بين أهم الاستثمارات المالية الأخيرة في مجال مكافحة الملاريا، خصوصاً في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى)، قيام المدير العام لمنظمة الصحة العالمية بتخصيص مبالغ كبيرة للبلدان ذات الأولوية، لعامي 1997م و 1998م.
وفي عام 1998م قامت المديرة العامة للمنظمة، والتي انتُخبت حديثاً، بافتتاح مشروع (دحر الملاريا)، وبذا جعلت الملاريا إحدى الأولويات الأولى.
كما تمّ الاعتراف بأهمية الملاريا من قِبل أعضاء قمة مجموعة الثمانية الذي عُقد في عام 1998م في برمنغهام (بإنجلترا)، والذي تعهدت فيه الحكومة البريطانية بدفع مبلغ 60 مليون جنيه استرليني من أجل المعركة ضد الملاريا، وسوف يتم تخصيص نسبة كبيرة من هذا المبلغ لبرنامج (دحر الملاريا).
أولاً: الوضع الإفريقي والعالمي الراهن للملاريا:
يُعَدّ حوالي 100 من بلدان – أو مناطق – العالم مصابة بالملاريا في الوقت الحاضر، نصفها تقريباً في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى)، وعلى الرغم من أنّ هذا العدد أقلّ كثيراً مما كان عليه الحال في أواسط الخمسينيات (140 بلداً أو منطقة)؛ فإنّ أكثر من 2400 مليون من سكان العالم لا يزالون عرضة للخطر.
ويقدّر معدل حدوث الملاريا – على النطاق العالمي- بما يتراوح بين 300 و 500 مليون حالة سريرية سنوياً، يحدث حوالي 90% منها في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى)، وينجم معظمها عن (المتصورة المنجلية)، ويُعتقد أنّ الملاريا تؤدي إلى وفاة ما يتراوح بين 1,1 و 2,7 مليون شخص في العالم سنوياً، منهم حوالي مليون من الأطفال دون سنّ الخامسة في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى)، وتُشكّل هذه الوفيات بين الأطفال، الناجمة بصفة أساسية عن الملاريا المخّية وفقر الدم، قرابة 25% من وفيات الأطفال في إفريقيا.
وقد أُبلغ عن معدلات إماتة تتراوح بين 10% و 30% بين الأطفال المحالين إلى المستشفى؛ بسبب (الملاريا الوخيمة)، وإن كانت معدلات الإماتة أعلى من ذلك أيضاً في المناطق الريفية والنائية التي لا يتيسر للمرضى فيها العلاج الكافي إلا بقدر محدود.
وبصفة أساسية تحدث الوفيات الناجمة عن الملاريا خارج البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى) في الأشخاص عديمي المناعة الذين يصابون بالعدوى بـ (المتصورة المنجلية) في المناطق التي لا تتوافر فيها الخدمات التشخيصية.
ومن بين أكبر التحديات التي تواجه أنشطة مكافحة الملاريا على الصعيد العالمي انتشار مقاومة الطفيلي للأدوية المضادة للملاريا واشتدادها، وقد أدّت قلّة عدد مثل هذه الأدوية إلى صعوبات متزايدة في تطوير السياسات المتعلقة بالأدوية المضادة للملاريا، والتدبير العلاجي الكافي للمرض.
وتنتشر – حالياً – مقاومة (المتصورة المنجلية) لـ (الكلوروكين) في جميع البلدان الإفريقية التي تتوطن فيها الملاريا، وخصوصاً في شرق إفريقيا؛ مما يثير مشكلات متزايدة بالنسبة لتوفير العلاج المناسب، ونتيجة لذلك قامت مالاوي في عام 1993م، وكينيا في عام 1996م، بتغيير توصياتهما بشأن معالجة الخط الأول للملاريا غير ذات المضاعفات من (الكلوروكين) إلى مركب (السلفادوكسين والبريميثامين)، كما قامت بوتسوانا وجنوب إفريقيا في عام 1997م بتنقيح الدلائل الإرشادية للمعالجة التي تتّبعانها، وتشير التقارير الأخيرة الواردة من كينيا وجمهورية تنزانيا المتحدة إلى حدوث تغيّرات في حساسية الطفيلي لمركب (السلفادوكسين والبريميثامين)؛ مما قد يُنذر بحدوث مقاومة سريرية.
وتنقسم مناطق العالم إلى:
1 – مناطق زالت الملاريا عنها، أو تمّ استئصالها منها، أو لم يسبق وجودها فيها.
2 – مناطق معرضة لخطر محدود.
3 – مناطق يحدث فيها انتقال الملاريا.
وقد تمّ – مؤخراً – توثيق عدد من أوبئة الملاريا في جميع أنحاء العالم، لا سيما إفريقيا، وتصبح المناطق وبائية عندما تتغير الأحوال – التي عادةً ما تحدّ من انتقال المرض – تغيّراً جذرياً؛ نتيجة لأمطار غزيرة بشكل مباشر غير عادي، أو فترات طويلة من الرطوبة الزائدة، أو تغيرات مناخية جزئية أكثر دواماً بسبب تطوير نُظم الريّ، أو المشاريع الزراعية أو غرس الأشجار.
وتتزايد الإصابة بالملاريا الحضرية وحوالي الحضرية في جنوب آسيا، وفي كثير من مناطق إفريقيا، وقد أسهمت الصراعات المسلحة، والاضطرابات الداخلية، إضافة إلى التغيّرات البيئية المعاكسة، إسهاماً كبيراً في حدوث أوبئة الملاريا، نظراً لتحرك أعداد كبيرة من اللاجئين الذي يفتقرون إلى الحماية والمناعة والقوة البدنية داخل المناطق الموبوءة، وتساهم مثل هذه التحركات السكانية في حدوث تفشي جديد للملاريا، كما تجعل الأوضاع القابلة لحدوث الأوبئة أكثر ميلاً للانفجار.
ومما يؤدي إلى حدوث أوبئة الملاريا تركّز أنشطة التنقيب عن الذهب أو الأحجار الكريمة، والحراجة في مناطق الغابات؛ حيث يتعرض السيل المستمر من العمال لشدة انتقال عدوى الملاريا، فضلاً عن أنّ هذه الأنشطة هي البؤر الأصلية لمقاومة الطفيلي لأدوية متعددة في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى).
ويمكن ملاحظة الآثار الاقتصادية للملاريا في المناطق الريفية بصفة خاصة؛ حيث يتكرر حدوث الملاريا في وقت من السنَة تمسّ الحاجة فيه إلى الأعمال الزراعية، فضلاً عن أنّ هذا المرض سبب شائع للغياب عن المدرسة الذي تصل نسبته إلى 28% في بعض المناطق، وتقدّر التكلفة السنوية المباشرة وغير المباشرة للملاريا في إفريقيا وحدها بأكثر من 2000 مليون دولار أمريكي.
ثانياً: الوضع الراهن لتنفيذ الاستراتيجية العالمية لمكافحة الملاريا:
استعرضت اللجنة التقدّم الذي تمّ إحرازه منذ عام 1992م في مجال تنفيذ الاستراتيجية العالمية للمنظمة لمكافحة الملاريا، والتي تتمثل عناصرها التقنية الأساسية الأربعة فيما يأتي:
1 – تقدّم خدمات التشخيص المبكر، والمعالجة الفورية للملاريا.
2 – التخطيط، وتنفيذ تدابير وقائية انتقائية مضمونة الاستمرار، بما في ذلك مكافحة النواقل.
3 – الاكتشاف المبكر للأوبئة، واحتوائها، أو الوقاية منها.
4 – تقوية القدرات المحلية في مجال البحوث الأساسية والتطبيقية؛ للسماح بالتقييم المنتظم لوضع الملاريا في القُطر، وتعزيز هذا التقييم، ولا سيما المحددات البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية للمرض.
أضف إلى ذلك أنّ من الاعتبارات المهمّة – حالياً – الوقاية من معاودة ظهور الملاريا في البلدان، والتي إمّا أن تكون قد نجحت في خفض معدل حدوث هذا المرض إلى مجرد حالات متناثرة، وإمّا أن تكون قد قطعت سلسلة انتقال المرض تماماً.
1 – تقديم خدمات التشخيص المبكر والمعالجة الفورية:
ففي الإقليم الإفريقي كان من التطورات المهمّة، خلال الأعوام السابقة، قيام البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى) بإعداد خطط وطنية للعمل، تتماشي مع توصيات الاستراتيجية العالمية، وجرى إعادة تدريب أكثر من 16000 من مقدّمي الخدمات الصحية على التشخيص المبكر، والمعالجة المناسبة للملاريا، في كثير من البلدان، مما وضع أساس المكافحة الفعالة للملاريا.
وفي بعض البلدان الإفريقية يمثّل عدم الإقبال على مرافق القطاع العام القاعدة؛ نظراً لسوء جودة هذه المرافق، وعليه؛ يتم التدبير العلاجي للملاريا، وغالباً في قطاع الرعاية الصحية الخاص الذي كثيراً ما لا يُلتزم فيه بالدلائل الإرشادية العلاجية، وفي بعض البلدان تستمر المعالجة على أساس التشخيص الظنّي.
ويظلّ الانتشار المستمر لمقاومة الطفيلي لأدوية متعددة مسألة مثيرة للقلق، وصحيح أنه كان هناك الكثير من برامج التدريب على التدبير العلاجي السريري للملاريا، ولكن هناك حاجة إلى المزيد، خصوصاً داخل القطاع الخاص.
وفي الإقليم الإفريقي لمنظمة الصحة العالمية، وعلى الرغم من تحسّن معدل التغطية بالمرافق العلاجية – بوجه عام-، لا تزال هناك مشكلات في كثير من البلدان، ولا سيما البلدان المتأثرة بالاضطرابات الداخلية، ولقد أدى الأخذ بنظام تحقيق مردود (استرداد تكاليف) المعالجة في كثير من البلدان إلى عواقب متباينة، ففي بعض المناطق أثّر إدخال التكاليف تأثيراً سلبياً في التدبير العلاجي للملاريا، خصوصاً إذا لم يقترن بأي تحسينات في جودة الرعاية المقدَّمة؛ إذ ينتشر استعمال أدوية الخطين الأول والثاني في القطاعين العام والخاص، بينما تتوافر لعدد قليل من بلدان الإقليم الموارد اللازمة لترصد جودة الأدوية.
ومما يدعو إلى القلق ظهور (المتصورة المنجلية) المقاومة لـ (الكلوروكين) ومركب (السلفادوكسين والبريمياثين)، في شرق إفريقي وغربها؛ وذلك بسبب التكلفة الباهظة للعلاجات البديلة، ومن حيث المقارنة بالإقليم الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية، فقد تمّ إحراز تقدّم رئيس في مجال إدماج البرامج التقليدية لمكافحة الملاريا داخل الخدمات الصحية العامة، وعلى الرغم من أنّ كفاءة الخدمات الصحية المحلية في اكتشاف حالات الملاريا أعلى كثيراً من كفاءة الخدمات التخصصية؛ فإنها لا تزال تحتاج إلى تقوية في كثير من البلدان.
وقد أدت إعادة تحديد المناطق المعرضة لخطر الملاريا إلى ترتيب المناطق من حيث الأولوية، وتحسين استهداف المرافق التشخيصية والعلاجية لمَن هم في أمسّ الحاجة إليها.
التدبير العلاجي لـ (الملاريا الوخيمة):
على الرغم من تحسن التدبير العلاجي لـ (الملاريا الوخيمة) في المرافق الصحية – إلى حدٍّ ما – في بعض المناطق؛ فإنه لا تزال هناك بعض المشكلات، خصوصاً في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى)، حيث يعيش كثير من مرضى (الملاريا الوخيمة) في مناطق لا توجد فيها شبكة للمواصلات تنقلهم إلى المستشفى، وفي مثل هذه الظروف يمكن لتوفير المعالجة الإسعافية – قبل الإحالة إلى المستشفى، مثل إعطاء (الأرتيميزينين) عن طريق المستقيم – أن يقلّل من الوفيات.
مقاومة الطفيليات للأدوية:
لا يزال اتساع نطاق مقاومة الطفيليات للأدوية يمثّل تحدياً للجهود المبذولة لمكافحة الملاريا القائمة على التبكير بالتشخيص والمعالجة، ومن الضروري وجود أدوية جديدة مضادة للملاريا، وأساليب جديدة للتغلب على مقاومة الطفيليات؛ من أجل النجاح في مواجهة هذا التحدي.
3 – تنفيذ التدابير الوقائية الانتقائية المضمونة الاستمرار:
أولاً: مكافحة النواقل:
يتفاوت مدى تنفيذ تدابير مكافحة النواقل تفاوتاً كبيراً بين أقاليم المنظمة.
استخدام المواد المعالجة بالمبيدات:
استخدمت المواد المعالَجة بالمبيدات بصورة ناجحة ومأمونة، للسيطرة على الأمراض والوفيات الناجمة عن الملاريا، في سلسلة من البيئات في جميع أنحاء إفريقيا، وحيث يتزايد تدريجياً في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى) استخدام الناموسيات المعالَجة بالمبيدات وغيرها من المواد، مع التحول من التنفيذ المرتكز على المشاريع إلى التنفيذ التشغيلي.
وقد تمّ بنجاح تنفيذ برامج ترتكز على استخدام المواد المعالَجة بالمبيدات؛ ففي مناطق إقليم غرب المحيط الهادي، مثل: فيتنام، تُستخدم الناموسيات بنجاح على نطاق واسع، باعتبارها أحد مقومات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الملاريا، ويشمل ذلك المناطق ذات الطبيعة الوبائية أيضاً، وفي الصين ظلت الملايين من هذه الناموسيات تُستخدم بصورة روتينية نمطية على مدى أعوام كثيرة، وفي (جزر سليمان) زاد استخدام الناموسيات زيادة بالغة على مدى الأعوام القلائل الماضية؛ مما أدى إلى انخفاض عظيم في الإصابة بالملاريا.
ويتضح من التجربة العامة الإقبال الشديد على هذا النوع من المداخلات، إضافة إلى التثقيف الصحّي، حتى في المجتمعات التي رأت عدم استخدام الناموسيات، وهو الأمر الذي يمكن أن ينعكس بصورة إيجابية على خفض مستوى المرض بإفريقيا عند تطبيقه؛ من خلال تلافي مشكلات صعوبة ضمان توفير الناموسيات لجميع المحتاجين إليها، ولا سيما السكان الأفارقة المحرمون من الخدمات.
ويرجّح خبراء الملاريا أن يؤدي التحسن في المعارف المحلية المتعلقة بوبائيات الملاريا (ولا سيما انتقال المرض)، بالإضافة إلى تحسين آليات الترصد، والاستخدام السليم للمعطيات المجمّعة، إلى مكافحة النواقل مكافحة أكثر انتقائية، وإلى التقليل من الاعتماد على (الرش الثمالي) داخل المباني.
ثانياً: إدارة البيئة:
لا تزال الملاريا، التي هي من صنع الإنسان، والتي أُطلق عليها (لعنة المنطقة المدارية)، تنتشر نتيجة لكثرة مشاريع التنمية الاقتصادية في المناطق الموبوءة في جميع أنحاء العالم، ولا يحدث هذا المرض نتيجة للاضطراب البيئي الذي تسببه المشاريع فحسب – ولا سيما المشاريع التي تتعامل مع الموارد المائية والزراعية – وإنما يحدث أيضاً نتيجة للخليط السكاني الناجم عنها، والذي يتفاوت أفراده من حيث حالتهم المناعية ضد الملاريا.
ثالثاً: المكافحة البيولوجية: (استخدام السمك آكل اليرقات):
ثبتت قدرة (السمك آكل اليرقات) على المكافحة في بعض الأوضاع، ولكن لم يثبت ذلك بعد على نطاق تشغيلي.
رابعاً: الوقاية الكيميائية:
أثناء الحمل:
يتلقّى – حالياً – القليل من النساء المقيمات في المناطق الموبوءة بالملاريا الوقاية الكيميائية، وفي بعض البلدان توصي الدلائل الإرشادية الوطنية بتوفير الوقاية الكيميائية في أثناء الحمل، ولكن الجهود التي تُبذل لتنفيذ هذا التدبير قليلة، وفي بلدان أخرى تتوافر الوقاية الكيميائية بـ (الكلوروكين)، ولكنها قليلة الفعالية بسبب عدم التزام المرضى، ومقاومة (المتصورة المنجلية) للدواء.
ولا توجد في الوقت الحاضر أساليب كاملة الفعالية والجدوى للوقاية من الملاريا في الحوامل عديمات المناعة في المناطق المستوطنة بالملاريا، أو المناطق ذات الطبيعة الوبائية، وقد اتضح أنّ العدوى بـ (المتصورة النشيطة) لها أيضاً آثار سلبية في حصيلة الحمل، وأنه يلزم أيضاً دراسة دور الوقاية الكيميائية، أو المعالجة المتقطعة، أو كلتيهما، في التدبير العلاجي لهذه العدوى.
في الأطفال:
لا يوصى عموماً بالوقاية الكيميائية للأطفال؛ نظراً لاحتمال تعرضهم للإصابة بالملاريا طيلة حياتهم.
3 – التبكير باكتشاف أوبئة الملاريا، أو احتوائها، أو الوقاية منها:
يتزايد إدراك الحاجة إلى تنفيذ برامج للتكهن بأوبئة الملاريا والوقاية منها، وقد بدأت بضعة بلدان بالفعل في إعداد أنشطة لرصد أخطار الوباء، ومع ذلك لم يتمّ في غالبية البلدان تحديد المناطق والأوضاع ذات الطبيعة الوبائية تحديداً كاملاً، مما أدى إلى تأخر اكتشاف الأوبئة – عادة – على نحو غير مقبول، وقد أوضحت التجربة أنه لم يتمّ بعد استخدام مؤشرات متاحة وبسيطة (مثل: معطيات الأرصاد، وتحركات السكان) استخداماً روتينياً (نمطياً) للتكهن بالأوبئة والوقاية منها، وفي معظم البلدان الإفريقية لا يتم التعاون بصورة كافية مع القطاعات الأخرى، ولا سيما خدمات الأرصاد والزراعة؛ مما يؤخر إنشاء نظام كفء للتكهن بالأوبئة.
4 – بناء القدرات وتعزيزها:
يُعَدّ بناء القدرات اللازمة للبحوث التطبيقية الأساسية، وتعزيزها، وتقييم برامج مكافحة الملاريا، جزءاً أساسياً من الاستراتيجية العالمية لمكافحة الملاريا، ولا سيما الإقليم الإفريقي، وهناك عجز خطير في الموظفين المهرة، وبخاصة كبار الموظفين، ونتيجة لتحرك الاستراتيجية العالمية بدرجة أكبر نحو المكافحة الانتقائية للملاريا – بناءً على المعرفة المحلية المتينة لوبائيات المرض – أصبحت الحاجة إلى الخبرة في مجال الملاريا أكثر إلحاحاً، وعلى الرغم من أنّ هذا النقص في الموظفين المدرّبين يبلغ أقصاه في البلدان الموبوءة بالملاريا؛ فإنه يشاهد في خارج هذه البلدان، وفي بلدان قام أبناؤها في الماضي بدور مهمٍّ في مكافحة الملاريا، ولا تزال المشورة تُطلب من متخصصيها، وهناك بعض المناطق التي لا تعاني عجزاً شاملاً في الموظفين المدرَّبين.
ثالثاً: العلاقة بين برامج مكافحة الملاريا وإصلاح القطاع الصحي:
استجابةً للمتطلبات السياسية والاقتصادية يجري إدخال بعض الإصلاحات على القطاع الصحي، وهي تستهدف بشكل شامل رفع كفاءة إدارة الموارد الصحية واستخدامها، ولا يُنتظر من مثل هذه الإصلاحات المساس بجودة إيتاء الخدمات، ومعدّل التغطية بها، بل يُنتظر منها أن تؤدي في النهاية إلى تحسنات مهمّة في جودة الرعاية، وذلك عن طريق الدخول في علاقات شراكة مع القطاعات الأخرى، (مثل: الإدارات الحكومية للتعليم والبيئة، ومجالس التنظيم الغذائي والدوائي، وقطاع الزراعة)، ومقدّمي الرعاية الصحية في القطاع الخاص، والمجتمعات.
وقد شملت الإصلاحات التي طرأت على القطاع الصحي في معظم البلدان ما يأتي:
– الإصلاحات التنظيمية: أي إعادة تنظيم وزارة الصحة، وتحقيق لامركزية التخطيط، وسلطة إعداد الميزانية، ومراقبة الموارد المالية، والمسؤولية عن تنفيذ أنشطة البرامج.
– إصلاحات التمويل الصحي: أي المشاركة في التكاليف، وفرض رسوم على المنتفعين، وآليات التأمين الصحي في القطاعين العام والخاص.
– زيادة علاقات الشراكة: مع المجتمعات، ومقدّمي الرعاية الصحية في القطاع الخاص.
1 – تحقيق لا مركزية النظام الصحي:
يشتمل تحقيق اللامركزية، باعتباره استراتيجية أساسية في إصلاح القطاع الصحي، على نقل الموارد والسلطة إلى مستوى المنطقة، والمنطقة الفرعية، كما ينبغي أن يشتمل على تخويل السلطات والمجتمعات المحلية سلطة تحديد الأولويات والاحتياجات، وينبغي معالجة القضايا الصحية بطريقة مباشرة من خلال زيادة وعي المجتمع ومعارفه فيما يتعلق بالوقاية من المرض، وتشخيصه ومعالجته، ومن خلال أنشطة البحث التنفيذية المحلية.
وقد قوضت اللامركزية السيئة الإدارة لبرامج مكافحة الملاريا فعالية هذه البرامج، وعاقت قدرتها على الاضطلاع بمسؤولياتها، وقد أدى هذا النوع من اللامركزية – الذي يحدث دائماً دون مساهمة موظفي برامج مكافحة الملاريا – إلى فقدان البرامج التي كانت شديدة الفعالية في توجهها، ومجالات اهتمامها، كما أدت إلى اعتزال الموظفين المحنكين المخلصين ذوي الخبرات التقنية الخاصة، أو انتقالهم إلى وظائف أخرى، وهكذا فقدت البرامج قدرتها على الاستجابة السريعة والفعالة للظروف المتغيرة (مثل الأوبئة)، والتزاماتها، وقدرتها على توجيه العمليات على صعيد المجتمع.
وعموماً؛ لم يقابل هذه الخسائر إنشاء الكفاءة التقنية والموارد وتنميتها، على صعيد المنطقة، والمنطقة الفرعية، مما خلق فراغاً في الخبرة في مجال مكافحة الملاريا، وفراغاً في تنفيذ هذه المكافحة، ونتيجة لذلك: اختفى الكثير مما يمكن أن يكون إيجابياً من حصائل اللامركزية، مثل: الملكية المحلية للبرنامج، والمسؤولية عنه، والمشاركة المجتمعية الأكثر إيجابية، وزيادة القدرة على تصميم تدابير المكافحة وفقاً للأوضاع الوبائية المحلية، وزيادة التعاون بين القطاعات.
كما لوحظ وجود مشكلات مماثلة في البلدان الإفريقية التي كانت تفتقر إلى برنامج وطني فعال للمكافحة عندما بدأت عملية تحقيق اللامركزية، وقد تركت هذه البلدان مضلّلة، وعاجزة عن التعامل بصورة فعالة مع التحدي المتمثل في بناء الموارد البشرية وتعزيزها، والكفاءة التقنية على الصعيدين المركزي والمحلي.
وتتطلب الإدارة الفعالة لأنشطة مكافحة الملاريا الإبقاء على بعض الوظائف المتعلقة بالكفاءة والتنسيق على الصعيد الوطني، أو تطويرها على الصعيد المركزي للبرنامج، وليس بالضرورة (رأسمال القطر)، خلال عملية تحقيق اللامركزية، وتشمل هذه الوظائف تزويد البرنامج بتوجيه استراتيجي، وتطوير سياسة مكافحة الملاريا على الصعيد الوطني، ووضع معايير، وأماثيل (نماذج)، ومؤشرات، لرصد تقديم الأنشطة التنفيذية، بالإضافة إلى حشد وتنسيق للتمويل الخارجي، والتحليل الوبائي، وضمان الجودة، وتزويد أعضاء فريق مكافحة الملاريا على الصعيد المحلي بالتدريب والدعم التقنيين، وتنسيق مواجهة الأوبئة، وتقييم وتوثيق مصداقية أنشطة البرنامج، بما في ذلك البحوث الميدانية التي تجري في مستوى المنطقة.
وعليه؛ فإنّ الإدارة الفعالة لبرامج المكافحة لا تتطلب الخبرة في مجال التدبير العلاجي للأمراض، والوبائيات، والترصد، ومكافحة النواقل، فحسب، وإنما تتطلب أيضاً دراسات اجتماعية، واقتصادية، وسلوكية، ودعماً إدارياً وإحصائيا وإمدادياً كافياً، وفي البلدان التي تولي وزارة الصحة فيها الملاريا أولوية كبيرة لا يستطيع الموظفون غير المتفرغين، والذين لا يقتصر عملهم على برامج المكافحة وحدها، أن يقدّموا هذا المستوى من الكفاءة في العادة.
ومن الفوائد المهمّة لسياسة تحقيق لامركزية مكافحة الملاريا وجود القدرة على اتخاذ القرارات والتخطيط في المستوى الذي تحدث فيه المشكلة، أمّا على صعيدي المنطقة والمنطقة الفرعية، حيث تتركز المسؤولية عن التنفيذ الناجح لأنشطة المكافحة، فإنّ من شأن الوظائف المطلوبة أن تتضمن التخطيط، وتخصيص الموارد، وترصد المرض، ورصد أنشطة البرنامج، والتثقيف الصحي، والتدريب، ومكافحة النواقل.
ولا بد من أن يكون موظفو المنطقة نقطة اتصال فعّال بين الموظفين الميدانيين والموظفين في المستوى الوطني، وأن يقدّموا الإرشادات التنفيذية المستمرة للمستوى المحيطي الذي ينبغي أن يبدأ فيه تحليل المعلومات الوبائية المجمّعة في هذا المستوى نفسه، على أن يتم تقديم المعلومات الارتجاعية، والمعلومات التقنية، للموظفين الميدانيين لاتخاذ إجراء سريع بشأنها؛ بينما يتم تزويد الفريق المركزي بموجز للمعطيات، بصفة منتظمة، للحصول على تحصيل أكثر تفصيلاً، ومن الضروري تقوية القدرة المحلية على الترصد والاستجابة السريعة، خصوصاً في المناطق الأكثر تعرضاً للخطر، والمناطق ذات الطبيعة الوبائية.
ومن الأمور الحاسمة أن تقترن المسؤولية عن تنفيذ أنشطة مكافحة الملاريا على صعيدي المنطقة والمنطقة الفرعية بتمويل كاف، كما يجب تقديم دعم إمدادي كاف؛ لتمكين السلطات المحلية والموظفين المحليين من الاضطلاع بمسؤولياتهم، والاستجابة بسرعة وفعالية للتغيّرات التي تطرأ على الوضع الوبائي.
2 – الإصلاحات المدخلة على تمويل الرعاية الصحية:
كان تصاعد تكاليف الرعاية الصحية، وعجز الحكومات عن مواكبتها، هو الدافع وراء الجهود المبذولة لاسترداد التكاليف، عن طريق المشاركة في التكاليف، وفرض رسوم على المنتفعين، وتطبيق نظام التأمين الصحي.
وبينما أسهمت هذه الإصلاحات في رفع كفاءة استخدام الموارد، وزيادة توفير الأدوية في المستوى المحيطي، واستدرار الأرباح التي يمكن استثمارها في المشاريع المحلية الأخرى ذات الأولوية، فقد أدت أيضاً إلى زيادة نسبة ما يتحمله الفقراء من تكاليف الرعاية الصحية.
ونظراً لكون التوصّل المضمون للتشخيص المبكر، والمعالجة المناسبة للحماية، هو مفتاح خفض معدل المرض والوفيات بسبب الملاريا؛ فإنّ أي تغيّر – قد يؤثر في توفير المعالجة الفورية والفعالة – يكون ذا أهمية حاسمة بالنسبة للجهود المبذولة لمكافحة الملاريا، وقد اتضح من التجربة أنّ ارتفاع تكلفة المعالجة، عن طريق أحد أشكال فرض الرسوم على المنتفعين، دون أن يقابل هذا الارتفاع حدوث تغيّر في جودة الرعاية الصحية، يؤدي إلى انخفاض عدد المترددين على المرافق الصحية؛ مما يؤدي من ثمّ إلى تأثر الفقراء بشكل غير متكافئ.
أمّا إذا أدى ارتفاع التكاليف إلى تحسّن جودة الرعاية؛ فإنّ عدد المترددين على المرافق الصحية لا ينخفض بالضرورة، وقد اتضح من تحليلٍ لتأثير ارتفاع التكاليف في توفير الرعاية وجودتها في (مبادرة باماكو)(1) حدوث خليط من النتائج، ففي حين زاد توافر الدواء والطلب عليه في بعض الحالات؛ فإنّ من الممكن أن يكون ذلك في غير صالح الفقراء في حالات أخرى.
وعليه؛ لا توجد حالياً بيّنات تدل على أنّ استرداد التكاليف في حدّ ذاته قد أدى إلى تحسّن جودة الرعاية، والحقّ أنّ زيادة التكاليف يزيد من أعداد المرضى الذي يميلون إلى السعي للحصول على المعالجة المضادة للملاريا من مصادر خاصة، أو غير رسمية، يُعالجون فيها عادة بأدوية غير مناسبة، أو بجرعات خاطئة، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة معدلات المرضى والوفيات، وهناك بيّنات من بعض البلدان تدل على أنّ رسوم الانتفاع قد زادت هي أيضاً من الممارسات غير الرشيدة لوصف الأدوية في مجال معالجة الملاريا، مثل: المعالجات دون الشافية، وتعديد الأدوية (وصف أدوية متعددة)، واستعمال المضادات الحيوية أو (الستيرويدات)، أو كليهما في وقت واحد، واستعمال الحقن بلا داع.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإدخال إصلاحات على التمويل الصحي للخدمات العلاجية؛ فإنّ معظم الناس ميّالون إلى الموافقة على أنّ الخدمات الوقائية ينبغي أن تدار بطريقة مختلفة.
وقد اعتبرت أنشطة، مثل: البرنامج الموسّع للتمنيع، وتقديم خدمات وقائية أثناء الحمل وبعد الوضع، من أولويات التمويل العام، وقد كان من المقبول – دائماً – القول بأنه ينبغي تمويل (الرش الثمالي) داخل المباني من المال العام، كما اقترح تقديم الوقاية الكيميائية، أو المعالجة المتقطعة، للملاريا أثناء الحمل مجاناً، ومع ذلك فإنّ الوضع أقلّ وضوحاً فيما يتعلق بالناموسيات، وغيرها من المواد المعالَجة بالمبيدات.
وقد احتجّ بأنه في ظلّ التأثير غير المتكافئ لملاريا (المتصورة المنجلية) على الحوامل، وصغار الأطفال (الذين لم يبلغوا الخامسة)، في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى)، فإنه ينبغي تزويد هذه المجموعات بالناموسيات المعالَجة بالمبيدات مجاناً، كجزء من مجموعة خدمات الرعاية أثناء الحمل أو بعد الوضع، وبينما يبدو هذا الأمر جذاباً؛ فقد اتضح من التجربة أنّ هذا الإجراء قد لا يكون هو الطريقة المثلى لاستهداف هؤلاء السكان؛ وذلك لأنّ الأمر غالباً ما ينتهي إلى ذهاب هذه الناموسيات إلى غير من صُرفت من أجلهم من أفراد الأسرة، أو بيعها لأشخاص أخرىن، وعليه؛ فقد يكون تقديم المواد المعالجة بالمبيدات للجميع بسعر مخفّض أكثر فعالية.
ومن الضروري زيادة فاعلية البرامج الوطنية لمكافحة الملاريا في تحديد ما يتعلق من أغراضها بالرعاية العلاجية، والوقائية، مع حدوث الإصلاحات المتعلقة بتمويل الرعاية الصحية، وسوف يضمن ذلك عدم وضع أكثر المجموعات السكانية تأثّراً بالملاريا في وضع غير مناسب؛ نظراً لأنه يتعيّن عليهم تحمّل نصيب كبير – بشكل غير متكافئ – من تكلفة تقديم الخدمات الصحية الجيدة، ويمثّل التوصّل المضمون للتشخيص والمعالجة المبكرين للحميات مقوماً أساسياً لجهود مكافحة الملاريا، ويمكن تحقيق ذلك إذا أقدمت برامج المكافحة على تقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية مجاناً للجميع.
3 – زيادة علاقات الشراكة مع المجتمعات والقطاع الخاص:
عجّلت تكاليف مدّ الخدمات الصحية العمومية إلى مستوى المجتمع المحلّي من عملية مشاركة المجتمعات والقطاع الخاص، كشركاء في مكافحة الملاريا، ويمكن أن نتوقع أن تكون هذه العملية بطيئة ومستمرة، وحتى الآن تتوافر معلومات من البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى) إلى حدٍّ كبير عن مردود ثلاثة أنماط من المداخلات التي يتمّ تنفيذها على صعيد المجتمع، ألا وهي:
1 – تقديم معالجة علاجية متاحة على نطاق واسع، عن طريق متطوعي القرى عادة.
2 – والوقاية الكيميائية للحوامل.
3 – واستخدام الأدوات المعالَجة بالمبيدات.
وهناك حاجة إلى استقاء معلومات، من مختلف الأوضاع الوبائية، حول استخدام هذه المداخلات الثلاث في وقت واحد، وبينما تلوح المداخلات المجتمعية المرتكز بالأمل في المستقبل، فإنّ من الصعب حالياً الوصول إلى نتائج حول أنماط المداخلات التي يمكن إيتاؤها بنجاح بالاستعانة بمشاركة المجتمع، وعلى الرغم من وجود بيّنات على أنّ التبكير بمعالجة الملاريا في الأطفال يخفّض من معدلات الإماتة بين الحالات؛ فقد كان من الصعب إعداد آليات مجتمعية المرتكز للتوزيع، تدل على تأثر معدّل الوفيات.
وفي حين أنه من الواضح أنّ توفير المواد المعالَجة بالمبيدات للجميع، والوقاية الكيميائية للحوامل، يمكن أن تنقذ الأرواح، إضافة إلى مردودها العالي في أماكن البحث، فإنه لا يُعرف بعدُ ما إذا كان يمكن إيتاؤها بتكلفة منخفضة في برنامج عملي! ويبشّر استخدام اثنتين أو أكثر من هذه المداخلات في وقت واحد، والذي يمكن أن يتيسر إذا ازدادت مشاركة المجتمع، بحدوث تأثير تآزري على معدلات المراضة الشديدة (المصابين بالملاريا) والوفيات.
رابعاً: التدبير العلاجي للمرض:
لا يزال التدبير العلاجي للمرض عنصراً أساسياً – لا غنى عنه – من عناصر مكافحة الملاريا.
ويهدف التدبير العلاجي إلى ما يأتي:
– تجنّب ترقي الملاريا البسيطة إلى (ملاريا وخيمة)، أو ذات مضاعفات.
– الوقاية من الوفاة أو العقابيل الناجمتين عن (الملاريا الوخيمة)، والملاريا ذات المضاعفات.
– الحدّ من مدة المرض.
– الوقاية من انتقال الملاريا في أوضاع معيّنة، ولا سيما الأوضاع التي يكون الانتقال فيها منخفضاً.
– التقليل – إلى أدنى حدٍّ ممكن – من خطر انتقاء الطفيليات المقاومة للأدوية ونشرها.
1 – التدبير العلاجي للملاريا غير ذات المضاعفات:
يشمل التدبير العلاجي لـ (الملاريا غير ذات المضاعفات): المرضى والقائمين بالرعاية، وموظفي الرعاية الصحية، وبائعي الأدوية، بما في ذلك الصيادلة وموردو الأدوية.
ويشمل التدبير العلاجي لهذا المرض في أحسن الأحوال ما يأتي:
– إدراك العلامات والأعراض التي يمكن أن تسببها الملاريا.
– التماس الرعاية.
– تشخيص المرض الملاري، أو غيره من الحمّيات، أو كليهما.
– الإحالة إلى مستوى أعلى للرعاية عند الضرورة.
– وصف المعالجة الصحيحة.
– تثقيف المريض أو القائم بالرعاية حول: (كيفية أخذ الأدوية، أو إعطائها، النتيجة المنتظرة للمعالجة، الموعد الذي ينبغي فيه العودة إلى المرفق الصحي، علامات الخطر، الآثار الجانبية، الوقاية من الملاريا، وصف أو بيع الأدوية الصحيحة المضمونة الجودة، مع أخذ الجرعة الأولى – دائماً – تحت الإشراف، التزام المريض بتعليمات وصف الدواء، المتابعة؛ من أجل التأكد من تحقّق الأثر العلاجي المنتظر، أو عدم تحقّقه).
وتقع على عاتق برامج مكافحة الملاريا، والبرامج الدوائية داخل الخدمات الصحية العامّة، المسؤولية عن ضمان توفير تدبير علاجي يتمتع بأفضل جودة ممكنة للمرضى، ويولي الاعتبار الأول لتقديم المعالجة المناسبة في الوقت المناسب، وبالجرعة المناسبة، ونظراً لإمكانية ترقي (الملاريا المنجلية) إلى مرض وخيم في خلال بضع ساعات، خصوصاً في الأطفال، فإنه يجب توفير معالجة فعالة وكاملة للمرض بالقرب من منزل المريض.
توافر المعالجة وجودتها:
يتلقّى حالياً نسبة كبيرة من مرضى الملاريا، في جميع المناطق المستوطنة، نوعاً من أنواع المعالجة المضادة للملاريا دون مجرد الاتصال بالخدمات الصحية الرسمية، التي غالباً ما تكون غير موجودة، أو موجودة لكنها لا تعمل على مسافة قريبة من المنزل بالقدر الكافي، ومن غير الممكن أن يتوقّع توفير التدبير العلاجي المناسب للمرض – على النحو المبين آنفاً – في ظلّ عدم وجود الخدمات الصحية الرسمية.
وينبغي أن يكون من أولويات الحكومة دائماً تيسير توصل مرضى الملاريا إلى الرعاية الجيدة، وقد حاولت بلدان كثيرة تقديم التدبير العلاجي للملاريا، أو لسلسلة من الأمراض ذات الأهمية المحلية، عن طريق متطوعي المجتمع، ومع أنّ هذه النّظُم لم تكن فعالة في خفض معدل الوفيات؛ فإنّ الاهتمام بها يتحدد في مجال مكافحة الملاريا؛ نظراً لأنها يمكن أن توفّر نقطة اتصال في القرى، تربط بين السكان والخدمات الصحية في المجالات الآتية: تقديم معالجة مبكرة مضادة للملاريا لحالات الحمّى، ومشاركة الأسرة والمجتمع في برامج تعزيز استخدام الناموسيات المشبعة بالمبيدات، وجمع المعطيات المتعلقة بمؤشرات معدلات المرضى والوفيات.
ويتزايد حالياً عدد العاملين الممارسين للطب، والصيادلة المؤهلين العاملين في القطاع الخاص، في بعض المناطق المستوطنة بالملاريا، على نحو يمكن أن تكون معه خدماتهم ذات أهمية في مكافحة الملاريا.
وعلى الرغم من أنه قد يكون من الصعب حملهم على الالتزام الصارم بالدلائل الإرشادية العلاجية الرسمية؛ فإنه من المهم توعيتهم وتزويدهم بالمعلومات، وتطبيق لوائح تهدف إلى تحسين جودة الرعاية، كما أنه من الممكن أن تكون هذه الفئة مصدراً للمعلومات الوبائية القيمة.
وعلى مدى عدة سنوات؛ ظلت بعض المجموعات تولي مزيداً من الاهتمام – وبحقّ – للمعالجة التي تقدّم في المنزل، والمعالجة التي تقدمها خدمات غير رسمية، ما بين صيادلة مجازين، وبائعين، ومحال تجارية.
وتمّ إعداد مواد لتعليم الأمهات كيفية تعرف أعراض الملاريا، ومع ذلك فإنه نظراً لوجود بيّنات على أنّ الأمهات يكتسبن معارفهن المتعلقة باستخدام الأدوية المضادة للملاريا في الأماكن التي يشترينها منها؛ فإنّ هناك – حالياً – اهتماماً كبيراً بتطور أنشطة التدريب، خصوصاً من أجل مَن يقومون ببيع الأدوية للمرضى، والقائمين برعايتهم، وقد تثبت كفاءة هذه الطريقة في تحسين أنماط استعمال الأدوية، خصوصاً إذا اقترن ذلك بالتثقيف الصحي للأمهات، وغيرهم من القائمين بالرعاية، والمرضى، ومع ذلك فإنه لا تزال هناك حاجة إلى بحوث ميدانية لدراسة ما إذا كانت الأنشطة الموجهة إلى بائعي الأدوية يمكن أن تؤدي – على المدى الطويل – إلى زيادة ترشيد استعمال هذه الأدوية.
ولا بد في جميع الظروف من تقديم التدريب المناسب، أو المعلومات المناسبة، أو كليهما، في المستوى الذي يتم فيه بيع الأدوية واستخدامها، وينبغي في أحسن الأحوال توفير أدوية الخط الأول، والمعلومات المتعلقة بها عن طريق القطاع الخاص.
وقد أدى تغيّر السياسات الدوائية، وتوافر المعالجات الجديدة، إلى التخوّف من عدم جودة الأدوية المتوافرة في المستوى المحيطي، ونظراً لتأثير الأدوية دون المعيارية على فعالية المعالجة ومأمونيتها، وعلى مقاومة الطفيليات للأدوية، فإنه من الأمور الأساسية، خصوصاً في ظلّ إدخال مشتقات (الأرتيميزينين)، تقوية القدرات الوطنية المتعلقة بمراقبة الجودة، وكذلك المتعلقة بضمان الجودة بمرور الوقت.
2 – معالجة (الملاريا الوخيمة) في المستوى المحيطي:
هناك أسباب وجيهة من وجهة النظر السريرية للإقدام على إدماج تعاريف (الملاريا الوخيمة)، و (الملاريا ذات المضاعفات)، وإن كان من المفيد في بعض الأوضاع التبليغ عن (الملاريا ذات المضاعفات) على حدة، نظراً لإمكانية تعريفها بصورة أدق.
ويتمّ تناول التدبير العلاجي لـ (الملاريا الوخيمة) في المستشفيات بالتفصيل، أمّا هنا فسنركز في التدبير العلاجي لـ (الملاريا الوخيمة) في مستوى المحيط.
ويجيء على رأس المتطلبات: الإدراك المبكر لعلامات (الملاريا الوخيمة) وأعراضها، والتي ينبغي أن تؤدي إلى تقديم رعاية إسعافية داخل المستشفيات.
وتتمثل علامات (الحمّى الوخيمة) وأعراضها في الأطفال في سبق الإصابة بالحمّى، إضافة إلى واحدة على الأقل من العلامات والأعراض التالية:
– الإعياء (عدم القدرة على القعود)، أو تغيّر الوعي، أو النوام، أو السّبات (الغيبوبة).
– صعوبة التنفس.
– فقر الدم الشديد.
– الاختلاج.
– عدم القدرة على الشرب.
– القيء المستمر.
وتنطبق هذه العلامات والأعراض نفسها على البالغين، مضافاً إليها قتامة البول، أو قلّته، أو كلتاهما.
وينبغي – لو أمكن – معالجة المرضى الذين يعانون الإعياء أو صعوبة التنفس بمضادات الملاريا والمضادات الحيوية التي تؤخذ حقناً، ويمكن – إذا سمحت الأحوال السريرية – معالجة المرضى الأخرىن بمضادات الملاريا التي تؤخذ عن طريق الفم، والتي يجب أن تكون فعالة.
وفي الأماكن التي يتردد عليها مرضى (الملاريا الوخيمة) بانتظام، والتي يتعذر فيها إحالتهم بسرعة إلى المرافق القادرة على معالجة هذا النوع من الملاريا، يمكن توفير مجموعة أساسية من الأدوية للمعالجة الأولية، يدعمها التدريب والأشراف، وهناك نتائج أولية مشجّعة من مالاوي تتعلق بتوفير مثل هذه المجموعة، وينبغي أن يؤكد التدريب – لو أمكن – على ضرورة إحالة المرضى الذين تحسّنت حالتهم بعد المعالجة الأولية دون أن يتحقّق لهم الشفاء.
وقد تختلف محتويات المجموعة باختلاف المنطقة، ولكن ينبغي أن تشتمل هذه المحتويات – على الأقل – على ما يأتي: دواء مضاد للملاريا يُعطى حقناً، ومضاد حيوي يُعطى عن طريق الفم، ومضاد للاختلاج يُعطى عن طريق المستقيم.
وينبغي أن يكون الدواء المضاد للملاريا الذي يُعطى عن طريق الحقن هو (الكينين)، أو أحد مشتقات (الأرتيميزينين)، أو مركب (السلفادوكسين والبريميثامين) إذا كان الطفيلي معروفاً بحساسيته له.
وقد أصبحت مركبات (الأرتيسونات المستقيمة) أكثر توافراً الآن، ومن المحتمل اختيارها من أجل معالجة (الملاريا الوخيمة) قبل الإحالة إلى المستشفى، على أنه ينبغي الاهتمام بالحاجة إلى معالجة شافية كاملة.
وقد يكون من الضروري، خصوصاً في حالة استعمال (الكينين)، إعطاء المريض (الجلوكوز) داخل الوريد، أو عن طريق أنبوب أنفي معدي، إلا أنّ هناك شكوكاً حول مأمونية إعطاء السوائل عبر أيٍّ من هذين الطريقين خارج المستشفى، وينبغي دراسة هذه القضية عن طريق إجراء بحوث ميدانية في الظروف المحلية.
ويتعين استخدام مضاد للاختلاج يُعطى عن طريق المستقيم، مثل (الديازيبام) في حالة الاختلاج، وتدل البحوث الأخيرة على أنّ الاستعمال الروتيني (النمطي) لـ (الفينوباربيتال) قد يزيد من الوفيات بين الأطفال المصابين بـ (الملاريا الوخيمة)(2).
خامساً: مقاومة طفيليات الملاريا للأدوية:
1 – رصد مقاومة الطفيليات للأدوية:
يتمثّل الغرض الرئيس لرصد مقاومة الطفيليات للأدوية في تقييم نجاعة الخيارات العلاجية الموصى بها لمعالجة الملاريا على الصعيد المحلي، مع التركيز بوجه خاص في (الملاريا المنجلية)، وأنسب طريقة لبلوغ هذا الغرض، هي نظام رصد النجاعة العلاجية للأدوية المضادة للملاريا.
رصد النجاعة العلاجية:
في عام 1994م قامت المنظمة بإنشاء نظام جديد لرصد النجاعة العلاجية للأدوية المضادة للملاريا، المستخدمة في معالجة (الملاريا المنجلية غير ذات المضاعفات)، وذلك بناءً على التقييم السريري لمجموعة منتقاة من مرضى الملاريا، باستخدام عدد محدود من فحوص المتابعة، وفي عام 1996م تمّ إعداد بروتوكول تفصيلي للمناطق التي يتّسم فيها معدل انتقال الطفيليات بالكثافة، وبوجه خاص في الأطفال دون سنّ الخامسة.
ويتألف الاختبار الأساس من تسجيل المعلومات الأساسية المتعلقة بالمرض، وهو التقييم السريري، ودرجة حرارة الجسم، ووزنه، ومستوى الطفيليات في الدم، ومستوى الهيموغلوبين في اليوم السابق للمعالجة مباشرة، وتقديم المعالجة مباشرة، وتقديم المعالجة تحت الإشراف، ويعاد إجراء الفحوص السريرية والطفيلية في اليوم: الثالث، والسابع، والرابع عشر.
وتُستخدم المعايير السريرية والطفيلية لتصنيف الاستجابة للمعالجة، على أنها: استجابة سريرية كافية، أو إخفاق علاجي مبكر (من اليوم الأول إلى اليوم الثالث)، أو إخفاق علاجي متأخر (من اليوم الرابع إلى اليوم الرابع عشر)، وعن طريق سلسلة من الحلقات العملية الإقليمية والبلدانية التي تنظمها المنظمة، ثم تكييف البروتوكول الأساس، خصوصاً وفقاً لظروف المناطق التي يتسم فيها معدل الانتقال إمّا بالانخفاض وإمّا بالاعتدال.
وتشمل التعديلات التي أجريت: تسجيل المرضى من جميع الفئات العمرية، والمعالجة القائمة على معاودة ظهور الطفيليات في الدم، ومتابعة المرضى حتى اليوم الثامن والعشرين.
ونظراً لما يستلزمه التقييم الروتيني (النمطي) لنجاعة الأدوية من رصد للنجاعة العلاجية؛ فإنه يجب إدراج هذا الرصد في كلّ لحظة من خطط العمل الخاصة ببرامج مكافحة الملاريا جميعها، ونظراً لتغيّر أنماط المقاومة الدوائية، فإنه ينبغي أن يجرى على فترات منتظمة (كلّ عامَيْن مثلاً) تقييم نجاعة الخيارات العلاجية المتاحة، أو كلما تزايدت أعداد البلاغات السريرية عن عدم جدوى الأدوية في العلاج، ويُنتظر أن تساعد نسبة حالات الفشل العلاجي المبكر والمتأخر، بعد المعالجة الخاضعة للإشراف، واضعي السياسات على البتّ فيما إذا كان يتعيّن تحديث الدلائل الإرشادية لمعالجة الملاريا أو لا.
ونظراً لما يتّسم به رصد النجاعة العلاجية من تعقّد؛ فإنه يحتاج إلى خبرة تقنية خاصة (نوعية)، وإزاء ما يتطلبه الاختبار حالياً فإنّ موظفي الخدمات الصحية العامة – الذين لا يخضعون لقدر كبير من الإشراف – لا يستطيعون القيام به، ومع ذلك يمكن استخدام البروتوكول لتدريب موظفي البرامج الوطنية لمكافحة الملاريا على طرائق البحوث الميدانية، ويمكن استخدام (برتوكول النواة) في التجارب الميدانية على الأدوية المضادة للملاريا، أو توليفات هذه الأدوية، وينبغي – كلما أمكن – إدراج الملاحظات الأساسية داخل التجارب السريرية الجديدة، حتى يتسنّى استخدام النتائج لرصد النجاعة العلاجية.
وتتمثّل أهم متطلبات الرصد الفعال للنجاعة العلاجية في انتقاء أقلّ عدد ممكن من المواقع النموذجية (الممثلة)، ولا تسمح البيانات المتاحة بتبسيط الطريقة، مما يلزم معه مواصلة البحث في مجال النذر المبكرة لإخفاق المعالجة، بغية إعداد اختبار يستغرق مدة أقصر، ومع ذلك فإنّ الاختبار الحالي يمكن أن يهيئ الأساس لمواصلة البحوث، كما يمكن أن يضيف الباحثون (القائمون بالاستقصاء) ملاحظات أخرى (مثلاً: فحوص المتابعة في اليوم الخامس أو الحادي عشر أو الثامن والعشرين) إلى الاختبار الأساس لمعالجة قضايا خاصة، على أنه لا يزال يتعيّن بلوغ المرمى الطويل الأمد المتمثل في إعداد إجراءات يمكن إدراجها داخل التدريب العلاجي الروتيني (النمطي) للمرضى، بما يسمح بالرصد المتواصل لاستجابة للأدوية.
وسوف يتم تحديد تفسير الاستجابة السريرية، على أساس الغرض من معالجة الملاريا بصفة رئيسة (أي الشفاء السريري، أو الجذري)، بدلاً من مستويات التوطن.
وفي إفريقيا، حيث يمثّل الشفاء السريري الغرض من المعالجة، تمّ اعتماد متابعة مدتها 14 يوماً لجميع الفئات العمرية في المناطق التي يتّسم فيها معدل انتقال الطفيليات بالانخفاض أو الاعتدال، وللأطفال الذين لم يبلغوا الخامسة لا غيرهم، في المناطق التي يتّسم فيها هذا المعدل بالكثافة، وفي البلدان التي تستهدف فيها المعالجة تحقيق الشفاء الجذري يوصى بأن يستمر الاختبار مدة 14 يوماً على الأقل، إذا لم تكن المتابعة في اليوم الحادي والعشرين متيسرة، وعلى الرغم من أنه تم الإبلاغ عن مقاومة (المتصورة النشيطة) لـ (الكلوروكين) في بضعة بلدان؛ فقد كان لذلك حتى الآن تأثير محدود في التدبير العلاجي السريري لمرضى الملاريا النشيطة، وقد أمكن رصد النجاعة العلاجية لـ (الكلوريكين) ضد (المتصورة النشيطة) باستخدام بروتوكول معدّ من أجل (المتصورة المنجلية)، ومع مزيد من الخبرة والبحث ينبغي المواظبة على تحسين منهجيات رصد مقاومة الطفيليات للأدوية.
ومن الأمور ذات الأهمية الخاصة إجراء بحوث ترمي إلى تحديد مغزى عدم نجاح المعالجة المبكرة والمتأخرة، من حيث خطر احتمال الترقي السريع للمرض إلى (ملاريا وخيمة)، وانتهائه بالوفاة، والمرض المستمر، وتحميل المرافق الصحية عبئاً ثقيلاً نتيجة لتكرار إخفاق المعالجة.
اختبار (حساسية الطفيليات) في الزجاج:
ليست كلّ برامج مكافحة الملاريا في حاجة روتينية إلى اختبار (حساسية الطفيليات للأدوية المضادة للملاريا) في الزجاج، ومع ذلك فإنّ هذا الاختبار أداة مفيدة جداً لبحث قضايا معيّنة، مثل: الاتجاهات الزمنية والمكانية (الجغرافية) في حساسية الطفيليات التي قد تكون دليلاً على حدوث تغيّرات مستقبلة في نجاعة الأدوية في الحي، وأنماط المقاومة المتصالبة لدى (المتصورة المنجلية) للأدوية المختلفة، وتقييم الحساسية الأساسية للطفيليات للأدوية الجديدة؛ قبل استعمالها في منطقة معينة.
ولفهم ما يرتبط بذلك من (ديناميات المقاومة) ينبغي تشجيع اختبار حساسية مشتقات (الأرتيميزينين) في الزجاج في المناطق التي يُجرى فيها إدخال هذه الأدوية، ويمكن أن يكون اختبار (المفلوكين) و (الكينين) في الزجاج بمثابة نظام للإنذار المبكر في المناطق التي تكون فيها المقاومة ضعيفة أو في بدايتها (أولية)؛ نظراً لأنّ اكتشاف حالات قليلة من إخفاق المعالجة بهذه الأدوية يمكن أن يحتاج إلى إجراء متابعة تستغرق مدداً طويلة.
الوصمات الجزيئية المرتكزة على الترصد لمقاومة الطفيليات للأدوية:
إنّ البحوث في هذا المجال شديدة الفعالية، نظراً لاقتران مقاومة (المتصورة المنجلية) لـ (البريميثامين) و (البروغوانيل) بطفرات نقطية في الجين المعروف باسم (dhfr)، وارتباط مقاومتها لـ (السلفادوكسين) بطفرات نقطية في الجين المعروف باسم (dhfs)، ومع ذلك فإنّ الترصد الجزيئي لمقاومة الطفيليات لمركب (السلفادوكسين والبريميثامين) لا يزال يتطلب تحديد بضع وصمات جينية (توليفات نوعية من طفرات الجين dhfr والجين dhps) تنذر بشدة فشل المعالجة، ويلاحظ أنّ الآلية الجزيئية لمقاومة الطفيليات لـ (الكوروكين) وغيره من الأدوية المضادة للملاريا، مثل (المفلوكين) و (الهالوفنترين) و (الكينين)، غير واضحة على وجه الدقّة.
ويتطلب توثيق صحة الوصمات الجينية ملاحظات نسبية، قبل المعالجة وبعدها، على تنوع مستفردات الطفيلي (استبعاداً لمعاودة العدوى)، واختبار حساسيته في الزجاج، وتقييم الاستجابة السريرية، وقياس مستويات الدواء في الدم، وسوف تتوافر نتائج الدراسات المنسقة من قبل المنظمة في عام 2000م، ويُنتظر أن تساعد على توحيد الطرق الحالية لرصد مقاومة الطفيليات للأدوية وتحسينها.
2 – الرصد الدولي لاستجابة (المتصورة المنجلية) للأدوية:
تتمثل الأغراض الرئيسة للرصد الدولي لمقاومة الأدوية في: تحليل ديناميات المقاومة، وتبادل البلدان للمعلومات، ويمكن في إطار التحليل أن يقوم الرصد الدولي بمراجعة استراتيجيات استخدام الأدوية وتقيمها، أو الوقاية من اكتسابه لها.
ومن الضروري إنشاء عدد محدود من المراكز في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى)، وفي أماكن أخرى، كمستودعات لمستفردات الطفيلي (من عينات الدم، ووخزات الأصابع المأخوذة أثناء الفشل السريري، ولطاخات الدم)، من أجل إجراء دراسات على مقاومة الطفيليات للأدوية، ووراثيات الملاريا، والمناعيات، والدوائيات.
وينبغي تقوية القدرة على إجراء دراسات على حرائك الأدوية على الصعيد الإقليمي، كما ينبغي الاستعانة بنخبة من المراكز المتعاونة مع المنظمة لإجراء مثل هذه الدراسات، ولأغراض التدريب.
3 – السياسة المتعلقة بالمعالجة المضادة للملاريا:
تتفاوت مستويات الفشل العلاجي التي تمثل أساس استبدال معالجة الخط الأول، وتعتمد على الخيارات الدوائية المتاحة، والموارد المالية والتنظيمية والوظيفية (الموارد من الموظفين) الموجودة في البلد، وقد اقترح تحديث الدلائل الإرشادية لمعالجة الملاريا في حالة إخفاق المعالجة في 25% من الحالات (شاملة حالات الفشل المبكر والمتأخر)، إلا أنه من المعروف، على نطاق واسع، أنه لا يمكن وضع حدٍّ أدنى موحّد للنجاعة.
وقد تمّ خفض تكلفة مركب (السلفادوكسين والبريميثامين) إلى حدٍّ كبير خلال الأعوام الأخيرة إلى ما يوازي تكلفة (الكلوركينن)، ويمكن أن يتمّ التحول من (الكلوروكين) إلى هذا المركب في وقت أسبق مما كان يُعتقد أصلاً، وفضلاً عن (الكلوركين) ومركب (السلفادوكسين والبريميثامين)؛ فإنّه من المحتمل ألا يتوقف البتّ فيما إذا كان يتعين تغيير الأدوية المضادة للملاريا أو لا، ليس على مستوى فشل المعالجات فحسب، بل أيضاً على التكلفة والعوامل التشغيلية الأخرى.
وتعاني حالياً كثير من البرامج الوطنية للمكافحة العجز عن تنفيذ عدد من الدلائل الإرشادية المختلفة لمعالجة الملاريا، وفي ظلّ التحسن المطرد في ترصد مقاومة الطفيليات للأدوية من ناحية، وإدخال أدوية أغلى ثمناً وأكثر سمية من الناحية الأخرى، يكون من الضروري إعداد دلائل إرشادية للمعالجة وتنفيذها.
ويجب بذل جهود أكبر من قِبل الحكومات الوطنية والبرامج الصحية لضمان سهولة توصّل السكان المعرضين للخطر لأدوية الخط الأول – المناسبة والرخيصة – المضادة للملاريا، في أقرب مكان ممكن من المجتمع، كما يجب أن تتوافر دائماً معالجة فعّالة من معالجات الخط الثاني في المناطق أو الأوضاع التي تقاوم فيها الطفيليات معالجة الخط الأول.
ولا يخفى ما لإعداد التشريعات المناسبة من أهمية بالنسبة لتحسين أنشطة تسجيل الأدوية واستعمالها (خصوصاً في القطاع غير الرسمي)، فضلاً عن مساهمتها في إنشاء آليات فعّالة لمراقبة جودة الأدوية، وينبغي أن تقوم المنظمة بزيادة قدرتها على مراقبة جودة الأدوية المضادة للملاريا على أساس إقليمي.
4 – احتواء مقاومة الطفيليات للأدوية:
لم يثبت وجود علاقة مباشرة واضحة بين انتقال الملاريا ومقاومة الطفيليات للأدوية، ومع ذلك تشير وثيقة مراجعة – صدرت أخيراً – إلى أنّ المداخلات التي تؤدي إلى الحدّ من الانتقال قد تؤدي أيضاً إلى التقليل من مقاومة (المتصورة المنجلية) للأدوية على نحو ما ثبت في شمال شرق الهند، والحقّ أنه لا يُعرف بعد أثر قصور مكافحة النواقل على حرائك انتشار مقاومة الطفيليات للأدوية، ولا أثر المداخلات النوعية، مثل إدخال الناموسيات المعالَجة بالمبيدات، على احتواء هذه المقاومة في المناطق التي يتسم فيها الانتقال بالكثافة في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى).
وتمثل مقاومة (المتصورة المنجلية) – لأدوية متعددة – الخطر الرئيس على أنشطة مكافحة الملاريا في كثير من بلدان جنوب شرق آسيا، وفي المناطق المتأثرة لا يمكن استخدام الطرق التقليدية لمكافحة النواقل عن طريق الرش داخل المباني، حيث توجد حاجة ماسّة إلى استخدام طرق بديلة، بما في ذلك: الحماية الشخصية أو استخدام المنفرات أو اقتناء مسببات العدوى، للحدّ من احتمالات التعرض لخطر انتقال مقاومة الأدوية.
وقد أوضحت بعض المعطيات وجود ارتباط بين أوبئة الملاريا ومقاومة الطفيليات للأدوية، ونظراً لإمكانية مساهمة الاستعمال الجماعي للأدوية – وهو إحدى المداخلات الرئيسة في مكافحة الأوبئة – في زيادة مقاومة الطفيليات للأدوية؛ فإنه ينبغي في جميع الأحوال أن يتلو ذلك عملية متابعة مكثفة، تشتمل – علاوة على مكافحة النواقل – على اكتشاف فعّال للحالات، ومعالجة جذرية، للتخلص من جيوب مقاومة الأدوية.
ويمكن أن تساعد المعالجة الملائمة بتوليفة من الأدوية على منع أو احتواء مقاومة الطفيليات للأدوية شريطة استقلال آليات مقاومة الطفيليات للأدوية فرادى، وتحقيق المقومات لأفعال حرائكية دوائية مكملة.
ومن الضروري في المناطق التي تحدث فيها تحركات سكانية مكثفة، والتي تنتشر فيها مقاومة (المتصورة المنجلية) لأدوية متعددة، حماية الأشخاص المهاجرين إلى هذه المناطق، باستخدام استراتيجيات مناسبة (مثل: الحماية الشخصية، والمعالجة الاحتياطية، وتقصّي ومعالجة العائدين من المناطق الموبوءة)، ويمكن النظر في اللجوء إلى اتقاء مسببات العدوى باستخدام (البريماكين) يومياً من أجل الفئات الأكثر تعرضاً للخطر، والذين يقيمون بصفة مؤقتة في المناطق التي تنتشر فيها مقاومة (المتصورة المنجلية) لأدوية متعددة، عقب التنظير التمهيدي للتأكد من الإصابة بـ (عوز نازعة هيدروجين الجلوكوز – 6 فوسفات).
سادساً: التكهن بأوبئة الملاريا، والاستعداد لها، ومكافحتها:
لا تزال أوبئة الملاريا تهدد مساحات شاسعة من العالم، وعموماً فقد كانت هذه المساحات – في المناطق المدارية وتحت المدارية – مواقع لأوبئة إقليمية رئيسة في الماضي، وينشأ كلّ وباء من تعرض الأشخاص عديمي المناعة بشكل مفاجئ للانتقال المكثف للمرض، ويتأثر مدى انتقال الملاريا – إلى حدٍّ بعيد – بالظروف البيئية والاجتماعية، لا سيما الظروف المائية والمناخية غير العادية، وتحركات السكان، وغير ذلك من العوامل.
ويتجاوز تأثير أوبئة الملاريا زيادة المرضى النوعية إلى الحالة الصحية العامة للسكان المتأثرين، والتي غالباً ما تكون متأثرة أصلاً بقلة المحاصيل، والأزمات الاقتصادية والحروب، أو الاضطرابات الداخلية، ولذا فإنّ الأشخاص المقيمين في المناطق ذات الطبيعة الوبائية – فضلاً عن ضعفهم البدني بصفة عامّة – يكونون عرضة للإصابة بأمراض أخرى، وعاجزين عن الحصول على الرعاية المناسبة.
ويمكن أن تحدث أوبئة الملاريا نتيجة لما يأتي:
– التغيرات الرئيسة (البيئية مثلاً) في النظام البيئي الوبائي؛ مما يدفع المنطقة نحو توازن جديد لارتفاع مستوى التوطّن، وفي غياب المداخلات يترسّخ التوطّن ويبقى.
– الإنهاء المبكر، أو القطع غير المخطط، لتدابير مكافحة الملاريا، والتي حقّقت – فيما سبق – السيطرة على المناطق التي تتسم بجميع الخصائص الوبائية للتوطّن العالي، وهذه الأوبئة انبعاثات حقيقية ناشئة عن فشل المكافحة، فإذا تُركت هذه الانبعاثات وشأنها فسوف يعاود الوضع التوطني الأصلي ترسّخه في بضعة مواسم وبائية.
1 – خطر حدوث الأوبئة، والمناطق ذات الطبيعة الوبائية:
تحدث الأوبئة في المناطق أو الأوضاع التي تشتمل على معظم الظروف المواتية للانتقال المكثف للملاريا، ولكن عادة ما يكون واحد، أو أكثر من العوامل الأساسية غير موجود أو غير كاف، وعليه؛ فإنّ معدل حدوث الملاريا في الأعوام العادية يكون مخفضاً، كما يكون موسم الانتقال قصيراً، ومن ثمّ يكون غالبية السكان عديمي المناعة، أمّا في الأعوام التي تكون فيها العوامل الضعيفة عادةً بارزة، أو طويلة الأمد على غير العادة، أو بارزة وطويلة الأمد معاً، فإنّ الانتقال المكثف الناتج عن ذلك يؤدي إلى حدوث وباء، وتحدث الأوبئة في الغالب في المناطق ذات الطبيعة الوبائية التي يمكن تحديدها، حيث تمتد مدة معينة (دورة مدتها 2 – 7 أعوام غالباً)، أو تكون مرتبطة باضطرابات بيئية واجتماعية، وغالباً ما يكون للمناطق الممتدة بمحاذاة مناطق توطّن الملاريا هذه المدة المعينة، كما يمكن اعتبارها ذات طبيعة وبائية، سواء كانت أطراف الصحراء أو مشارف الهضاب.
ويمكن تصنيف المناطق ذات الطبيعة الوبائية، وفقاً للعوامل الرئيسة المسؤولة عن إطلاق شرارة الوباء، على النحو الآتي:
1 – مناطق مستوطنة بالملاريا، معرضة لزيادة مفاجئة في عدد المتعرضين من الأشخاص عديمي المناعة، بسبب:
– الوفود الجماعي للسكان عديمي المناعة (مثل: اللاجئين، أو المشرّدين) إلى المناطق الموبوءة.
– اختلاط أعداد كبيرة من السكان المنيعين بالسكان عديمي المناعة في ظروف بدائية (كما في معسكرات العمل المؤقتة، ومواقع المشاريع الإنمائية مثلاً).
2 – المناطق القليلة أو المتوسطة التوطن، المعرضة لزيادة مفاجئة في قدرة النواقل على الإعداد، بسبب:
– ارتفاع مفاجئ في كثافة (البعوض الأنوفيلي)، بسبب غزارة الأمطار بشكل غير عادي، أو بسبب تطاول أجل البعوض، نتيجة لامتداد فترة الطقس الدافئ والرطب، أو بسببهما معاً.
– التعجيل بدورة التكاثر البوغي للطفيلي؛ بسبب طول مدة الصيف ودفئه على غير العادة.
– دخول نواقل أكفأ لمناطق عجزت فيها النواقل المحلية عن الإبقاء على كثافة الانتقال، أو لمناطق لم تكن توجد فيها نواقل.
3 – المناطق القليلة أو المتوسط التوطن، المعرضة لتعديلات بيئية يمكن أن تؤدي إلى زيادة كثافة النواقل، وتحرك السكان، مثل:
– التنمية الزراعية.
– النمو العشوائي السريع للمدن في المناطق المدارية.
4 – المناطق التي كانت تتوطنها الملاريا، وأخفقت فيها جهود الإبقاء على أنشطة المكافحة الفعالة، بسبب:
– انبعاث انتقال الملاريا (مما يؤدي إلى حدوث أوبئة عقب الاستئصال).
– تصاعد انتشار مقاومة الطفيليات لـ (الكلوروكين)، خصوصاً في البلدان الإفريقية جنوبي الصحراء، خلال العقدين الماضيين، وفي حين أخذت مقاومة الطفيليات للأودية شكلاً وبائياً في بعض الأوضاع؛ فإنّ الأوبئة غالباً ما تكون وسيلة رئيسة لانتشار الذراري المقاومة للأدوية.
2 – الاستعداد للأوبئة، والتكهن بها، والوقاية منها:
عندما يحدث الوباء نادراً ما تسمح الحاجة الماسّة إلى اتخاذ الإجراء اللازم بوجود وقت كاف لتخطيط تدابير المكافحة اللازمة وتنفيذها، ما لم يكن هناك استعداد كاف، وفي المناطق ذات الطبيعة الوبائية ينبغي أن يكون مصدر هذا الاستعداد نظاماً ملائماً للتكهن، يرتكز على رصد عوامل خطر حدوث الأوبئة.
ويجري تعزيز الاستعداد للأوبئة والطوارئ باعتباره نشاطاً أساسياً من أنشطة الخدمات الصحية، وقد قامت المنظمة في هذا الإطار بدعم تنظيم وعمل الفرق البلدانية للاستعداد للطوارئ في إفريقيا، التي ستتعاون مع البلدان المتأثرة، ومن الأمور الأساسية في المناطق ذات الطبيعة الوبائية ترسيخ التعاون بين الخدمات المتخصصة لمكافحة الملاريا، وفرق الاستعداد للطوارئ، وعندها تستطيع هذه الخدمات المساعدة فيما يأتي:
– تحديد المناطق ذات الطبيعة الوبائية، وعوامل الخطر الرئيسة، وإشارات الإنذار.
– رصد عوامل الخطر.
– تخطيط تدابير الوقاية – أو الوقاية أو المكافحة – وتنفيذها وتقييمها، مع مراعاة الخصائص الوبائية الأساسية (مثل: حساسية الطفيليات للأدوية، وحساسية النواقل للمبيدات).
وينبغي أن يؤخذ في الاعتبار مفهوم اكتشاف احتمالات التعرض للخطر فيما يتعلق بالوقت المتاح لتنفيذ الاستجابة المناسبة، وبعد اكتشاف خطر وبائي وشيك؛ فإنّ المهمّ – بصفة خاصة – التمكّن من تقدير الجسامة المحتملة لموجة الوباء القادمة، والمنطقة التي يمكن انتشاره فيها.
3 – نظم المعلومات الوبائية:
غالباً ما يتمّ إعداد نظم المعلومات من أجل توفير معطيات إدارية ووبائية يُعتقد أنها ضرورية لرصد أثر المداخلات، ورصد تنفيذ أنشطة برامج المكافحة.
وقد علَّم تجدد الاهتمام بأوبئة الملاريا اختصاصي الملاريا، والاختصاصين الوبائيين، أنّ معظم الأوبئة تحدث نتيجة لمحددات مناخية، أو اجتماعية اقتصادية، أو تتأثر بها تأثّراً كبيراً، ومع ذلك فإنّ معظم خدمات مكافحة الملاريا لم تضع بعد آليات لرصد هذه المتغيرات.
ومن الأمور الأساسية أن تتوافر للخدمات الصحية الكفاءة البيولوجية لاختيار المؤشرات المناسبة، والقدرة على تنسيق التعاون بين القطاعات من أجل رصد هذه المؤشرات في الوقت المناسب.
ونظراً لكون الأوبئة من الكوارث؛ فإنّ دراستها تتطلب تحديداً دقيقاً للزمان والمكان، وفيما يتعلق بتنفيذ مداخلات المكافحة، وتفهّم ديناميات الخطر؛ فإنّ من الضروري تحديد الحدود الجغرافية لكلّ وباء إلى أقصي حدٍّ ممكن.
ونظراً لكون معظم أوبئة الملاريا نتيجة لأحوال مناخية غير عادية؛ فإنّ رصد المناخ يوفّر إحدى مؤشرات خطر حدوث الأوبئة، ويتيح تحليل السجلات الماضية تحديد إشارات الإنذار (مثل: حدوث الأمطار، والسيول، وعدم هبوب الرياح الموسمية بصورة مبكرة، ولوقت طويل)؛ مما يمكن أن ينبّه نظام الاستعداد للأوبئة للاستعداد والاستجابة المناسبة.
ويمكن أن تكون المعلومات المأخوذة من الأقمار الصناعية الإرصادية ذات فائدة كبيرة في تحديد المناطق ذات الطبيعة الوبائية، والتأكد منها، ورسم حدودها، ومع أنّ فائدة معطيات الأقمار الصناعية كمؤشرات للخطر محدودة، نظراً لأنّ رصد الأمطار يوفّر إنذاراً مبكراً، فإنه ينبغي مراعاة الفائدة المحتملة للمؤشرات الأخرى، والتي يتمّ الحصول عليها باستخدام الأقمار الصناعية، مثل أمد السحب الباردة، إذا أمكن الحصول عليها قبل الموعد الذي يمكن فيه ذلك حالياً.
ولا يزال رصد المتغيرات المناخية ذات العلاقة أجدى مؤشر في المناطق التي يكون فيها خطر حدوث الأوبئة مرتبطاً بما يأتي:
– الجفاف، مثل عدم هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية في المناطق الوسطي الموبوءة من سريلانكا.
– ارتفاع درجة الحرارة بصورة غير طبيعية، كما في مرتفعات شرق إفريقيا (حوالي 2000 متر).
وتتطلب الأوبئة الناتجة عن التعديلات البيئية، أو الاضطرابات الاجتماعية، استمرار تنبّه خبراء الملاريا الوبائيين للأحوال الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المبتلاة بالملاريا، أو التي يُحتمل أن تبتلى بها.
ويتطلب الاكتشاف المبكر للأوضاع الوبائية تحديد الوضع الطبيعي، وتتمثل الطريقة العملية بدرجة أكبر في هذا المجال في تحديد (المناسب الوبائية) عن طريق تعيين متوسط معدل الإصابة بالملاريا، أو الربع الثالث من هذا المعدل، أو (أعداد الحالات لا غير)، في كلّ شهر ميلادي من الأعوام السابقة، وبذا يمكن تحديد مدى طبيعي يتمّ على أساسه تعيين المعطيات الراهنة؛ من أجل اكتشاف زيادة غير طبيعية.
وينبغي أن تقدّم برامج مكافحة الملاريا الدعم للمسؤولين الطبيين، لضمان استخدام بضعة مرافق صحية (مستشفيات، ومراكز صحية) لهذه الطريقة من طرق التحليل الوبائي؛ على الأقلّ في المناطق ذات الطبيعة الوبائية.
4 – الاستجابة للأوبئة (مواجهة الأوبئة):
في حالة تعذّر الاستعداد مسبقاً للوباء؛ ينبغي أن يتلو التعرف على إشارة الإنذار بوشك وقوع الوباء تنفيذ تدابير يمكن أن تتألف مما يأتي:
1 – تدابير الوقاية من الانتقال (مثل (الرش الثمالي) داخل المباني) قبل بدء الوباء إذا توافرت الموارد.
2 – في حالة تعذر تنفيذ هذه التدابير في الوقت المناسب؛ فإنّ من الضروري ضمان وجود أرصدة كافية من الأدوية المضادة للملاريا، وعدة مستويات فوق العادية من الاستهلاك، وتقوية نُظم الاكتشاف المبكر للأوبئة المستجدة، في أكبر عدد ممكن من مرافق الرعاية الصحية في منطقة الخطر.
3 – وينبغي أن تشتمل الاستجابة للوباء – المبلَّغ عنه من أي مصدر كائناً مَن كان (الخدمات الصحية، أو مقدمو الرعاية الصحية بالقطاع الخاص، أو السلطات السياسية أو الصحافة) – على إثبات التشخيص (مع تحديد نوع الطفيلي إن أمكن)، وتسجيل درجة الوخامة، ومدة المرض، وحدوث وفيات، واتساق تعاريف الحالات، وينبغي إذا ثبتت الإصابة بالملاريا توثيق نوع الطفيلي المسؤول وديناميات انتقاله.
4 – رسم حدود المنطقة المتأثرة.
5 – تقييم القدرة المحلية (الخدمات الصحية، والمشاركة المجتمعية، والتعاون بين القطاعات) لمعالجة الوضع، والحاجة إلى المساعدة من داخل القطر، وربما من المتعاونين الدوليين.
6 – تقوية المرافق التشخيصية والعلاجية داخل الخدمات الصحية، وفي أي من النّظُم غير الرسمية التي يمكن استنفارها (مثل: السلطات، والمنظمات المحلية، والمدرسين، وموردي الأدوية المنزليين).
7 – تخطيط وتنظيم تدابير مكافحة الطوارئ، وربما تنفيذ نخبة من المداخلات في الوقت المناسب؛ للتأثير في مسار الوباء.
ولا يفوتنا أن نؤكد أنه ينبغي في أحسن الأحوال القيام بالأعمال الموصوفة في النقاط (3 – 5) قبل تفشي الوباء بوقت كاف.
وينبغي أن تكون الأغراض الرئيسة لمكافحة الأوبئة هي:
1 – تقديم الغوث الكافي للسكان المتأثرين.
2 – احتواء انتقال العدوى – إن أمكن – في المناطق المتأثرة.
3 – الحيلولة دون استمرار انتشار الوباء.
4 – تحسين أنشطة الاستعداد للطوارئ، بغية منع حدوث أوبئة في المستقبل.
ويمكن أن تتضمن أنشطة مكافحة الطوارئ الإعطاء الجماعي للأدوية، أو بالأحرى المعالجة الجماعية للحمّى، التي تشتمل عادة على معالجة كلّ مريض يشكو من حمّى حالية، أو حمّى حدثت مؤخراً، وكذلك كلّ فرد من أفراد أسرة المريض.
وتوصف هذه التدابير غالباً في حالة اللاجئين أو السكان المشرّدين (المهجّرين) قبل التمكن من تنظيم نظام للرعاية الصحية في المخيمات، وينبغي أن يكون الدواء الذي اختير من أجل المعالجة الجماعية معروفاً بفعاليته، على ألا يمس استعماله الإمدادات اللازمة لمعالجة الحالات الفعلية، ويستهدف الإعطاء الجماعي للأدوية الحدّ بسرعة من مستودع الطفيليات خلال فترة الانتقال المكثف لمكافحة الانتقال المكثف.
وينبغي أن يضاف (البريمكاين) إذا كان متوافراً إلى النظام الدوائي، نظراً لمفعولة المبيد للعرسيات، كما ينبغي بذل جميع الجهود الممكنة لمكافحة الانتقال، مثلاً: باستخدام (الرشّ من الجو)، و (الرش الثمالي) داخل المباني، كلما تمّ تنفيذ الإعطاء الجماعي للأدوية، نظراً لأنّ المعالجة الجماعية للسكان عديمي المناعة أثناء فترة الانتقال الشديد الكثافة تتسبب بشدة في حدوث مقاومة الطفيليات للأدوية.
5 – الإجراءات اللاحقة للوباء:
ينبغي اعتبار أي وباء فرصة سانحة لتحسين الخدمات الوبائية والصحية في مجال الاستعداد للطوارئ، والتعاون بين هذه الخدمات، وبرنامج مكافحة الملاريا.
ومن الضروري تحديد ما يأتي:
– أوجه القصور التي حالت دون التكهن بالوباء، أو عاقت تنفيذ التدابير الوقائية.
– ما يمكن أن يوجد من مشكلات أثرت في الاكتشاف المبكر للوباء، والتأكد منه، أو مواجهته في الوقت المناسب.
– المؤشرات التي ينبغي رصدها من أجل تحسين أنشطة اكتشاف خطر حدوث الوباء.
كما أنّ من الأمور ذات الأهمية الحيوية تقوية القدرات المتعلقة بالتدبير العلاجي للحالات، ومكافحة انتقال العدوى، من أجل تحسين أنشطة اكتشاف الخطر، ومنع حدوث مزيد من الأوبئة في مواسم الانتقال التالية في المناطق نفسها والمناطق المشابهة لها.
سابعاً: الوقاية من الملاريا:
تؤكد الاستراتيجية العالمية لمكافحة الملاريا الاستعمال الانتقائي للتدابير الوقائية حيثما يمكن أن تؤدي هذه التدابير إلى نتائج مضمونة الاستمرار، وينبغي أن تستهدف هذه التدابير وقف تدهور وضع الملاريا، والتقليل إلى أدنى حدٍّ ممكن من الإسراف في استعمال الموارد، والمساهمة بصورة ملائمة في تطوير الخدمات الصحية، والتعاون بين القطاعات، والمشاركة المجتمعية.
1 – المكافحة الانتقائية للنواقل:
تشتمل المكافحة الانتقائية للنواقل على الاستخدام المحدّد الهدف لإحدى الطرق المختلفة لمكافحة النواقل، أو استخدامها مجتمعة، من أجل الوقاية من احتكاك بين الإنسان والنواقل، أو الحدّ منه على نحو يحقّق مردوداً عالياً، مع تناول القضايا المتعلقة بضمان الاستمرارية.
ويعتمد تنفيذ تدابير المكافحة على عدد من العوامل، مثل: وبائية الملاريا، وتوافر المعلومات، وإمكانيات كلّ طريقة، وأوجه قصورها، والبنية الأساسية، والقدرات المؤسسية، وتختلف هذه العوامل داخل البلدان والأقاليم، وفيما بينها.
أ – (الرش الثمالي) داخل المباني:
لم تعد التغطية غير الانتقائية على النحو الذي كان متبعاً بالنسبة لمبيد (د. د. ت DDT)، وغيره من المبيدات في الماضي، استراتيجية مجندة، ولا تزال هناك حاجة إلى الحدّ من التغطية الواسعة النطاق في الأمريكتين، وآسيا، وبعض مناطق إفريقيا (حيث يكون انتقال الملاريا بؤريا وغير مستقر، وقاصراً على المناطق ذات الطبيعة الوبائية).
ونظراً إلى ما يستلزمه ذلك من موارد مالية وبشرية، بالإضافة إلى إمكانية مقاومة النواقل للمبيدات، ومصادر القلق البيئية، ينبغي ألا يُستخدم (الرش الثمالي) داخل المباني إلا في الأوضاع المعرضة لخطر محدّد جيداً، أو لخطر مرتفع أو خاص، ويجري إلغاء استخدام مبيد (د. د. ت) على مراحل، نظراً لسابق استخدامه على نطاق واسع في البيئة، ونظراً للضغط السياسي والاقتصادي الناجم عن ذلك.
وينبغي تنقيح المؤشرات الوبائية المستخدمة للبت في أمر تنفيذ (الرش الثمالي) داخل المباني، بحيث تأخذ في اعتبارها طرق انتقال العدوى، والتي يمكن أن تتباين تبعاً للزمان والمكان، ويمكن مواصلة تقسيم المواقع الرئيسة التي يقع عليها الاختيار لتنفيذ عمليات الرش إلى أصغر الوحدات التنفيذية الممكنة، مع تحديد المواقع المستهدفة بالرش تحديداً جيداً، كما يلزم وضع معايير لتقرير بدء عمليات الرش أو وقفها.
ويتيح إجراء تحليل أدق للمعلومات الوبائية استهداف الرش للمنازل التي توجد في الأماكن التي يبلغ فيها خطر انتقال العدوى أقصاه، مثل: المنازل القريبة من مواقع استيلاد (توالد) البعوض الرئيسة، بل إنّ من الممكن – بحسب ما يفضل مما يتبقى من مواقع النواقل – قصر الرش على بعض مسطحات المنازل دون بعضها الآخر.
ب – استخدام الـ (د. د. ت) في مكافحة الملاريا:
جرى تناول موضوع استخدام الـ ( د. د. ت) في اجتماع (المجموعة) التي شكلتها المنظمة لدراسة مكافحة نواقل الملاريا، وسائر الأمراض المنقولة بالبعوض، والذي عُقد في عام 1995م، وقد قررت هذه (المجموعة) جواز استخدامه في الرش داخل المباني، وأن يكون فعالاً، ومستوفياً لمواصفات الإنتاج التي حددتها المنظمة، مع تطبيق احتياطات الأمان اللازمة لاستعماله والتخلص منه، وقد قامت (لجنة الخبراء) بإعادة النظر في النتائج التي توصلت إليها (المجموعة)، وصادقت عليها باعتبارها لا تزال صالحة حتى الآن.
ويتم استخدام الـ (د. د. ت) في (الرش الثمالي) داخل المباني في بعض البلدان التي لا تزال فيها النواقل المحلية للملاريا حساسة لهذه المادة، ومع ذلك فإنّ استخدام الـ (د. د. ت) في الأغراض الزراعية محظور في كلّ البلدان تقريباً، وقد قام عدد من البلدان بمد هذا الحظر إلى الاستخدامات الصحية العمومية، وتعكف عدة بلدان أخرى (مثل: جنوب إفريقيا، والمكسيك، والهند) على بحث الإلغاء التدريجي لاستخدام الـ (د. د. ت) في خدماتها الصحية العمومية، ما لم تكن قد قررت ذلك بالفعل على مدى فترات تتراوح بين 3 و 8 أعوام.
وقد انصبّ تركيز الاجتماعات السابقة للجان الخبراء، ومجموعات الدراسة التي شكلتها المنظمة، في إطار صلاحياتها على جوانب الـ (د. د. ت) وسائر المبيدات السامّة للإنسان.
ويؤدي الاستخدام المحدّد الأهداف للمبيدات في الجدران داخل المباني – من أجل قطع سلسلة انتقال المرض – إلى التقليل إلى حدّ بعيد من تناثر الكيماويات في البيئة، ولذا فقد اعتبرت الأخطار البيئية الناجمة عن مثل هذه التدابير المحدّدة الأهداف ضئيلة – ولا شك -، بالمقارنة بالأخطار البيئية المرتبطة بالاستخدامات الزراعية، حيث تفوق كميات المبيدات المطلقة منها كميات المبيدات المطلقة في الاستخدامات الصحية العمومية.
إلا أنّ (وكالات مكافحة البيئة) تحتج بأنّ كميات لا بأس بها من الـ (د. د. ت) المخصصة للاستخدامات الصحية العمومية لا تزال تنتهي إلى القطاع الزراعي من خلال الممارسات التجارية غير المشروعة، ومن ثمّ إلى البيئة، وعلى الرغم من وجود معطيات غير كافية للتقدير الكمّي الدقيق؛ فإنّ من المعتقد أنّ هذا الأمر ذو أهمية ضئيلة، ومع ذلك فإنّ من الواضح أنّ قلق المنظمة في الوقت الحاضر، وفي الإطار الأوسع للتنمية المضمونة الاستمرار، ووفقاً للمبادئ المتفق عليها في مؤتمر الأمم المتحدة (المعني بالبيئة والتنمية)، يتجاوز مسألة قدرة هذا المبيد على تسميم الإنسان؛ إلى أثر استخدامه في موارد الأرض والتنوع البيولوجي.
ج – استخدام المواد المعالَجة بالمبيدات:
تستخدم المواد المعالَجة بالمبيدات، مثل: أشرطة الأفاريز، والستائر، والأراجيح (الأسرّة) الشبكية، والدروع الليفية القابلة للطّي، والستائر الطائرة، بديلاً عن الناموسيات في بعض الأماكن، ويكفل هذا الأسلوب زيادة مقبولية المواد المشبعة بالمبيدات ومرونتها.
ومن الضروري بحث مدى مأمونية الأراجيح الشبكية المعالجة بمادة (البيريثرويد) في مناطق الأحراج، خصوصاً في منطقة الأمازون، وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، وقد تكون هناك معلومات عن مأمونية استخدام القماش المعالَج، مثل: بعض السترات الرسمية العسكرية.
وفي المناطق المستوطنة بالملاريا يُنتظر في المدى الطويل أن تصبح المواد المعالَجة بالمبيدات سلعاً منزلية عادية، يمكن شراؤها من منافذ مناسبة، مثل: الصيدليات، والحوانيت المحلية، ومع ذلك فإنه لا بد من التعجيل باستكشاف آليات لتلبية احتياجات الفقراء.
ويتمثّل أحد التحديات التي تواجه برنامج المكافحة، فيما يتعلق بالمواد المشبعة بالمبيدات، في تقديم منح قصيرة الأمد من الأطراف المعنية في القطاع التجاري، والذي يمكن أن يكون له تأثير سلبي على المدى الطويل، ولذا ينبغي تشجيع (المانحين) على المساهمة في إنشاء برامج مضمونة الاستمرار بدرجة أكبر.
وينبغي، لزيادة القدرة على شراء الناموسيات والمبيدات، التفكير في تدابير ملائمة (مثل: الإعفاءات الضريبية، ومراقبة الأسعار، وإدراج الناموسيات والمبيدات بصورة استثنائية في قائمة الأدوية الأساسية)، ويعتبر التسويق الاجتماعي مبادرة مهمّة لخلق طلب يتم تلبيته تدريجياً من قبل القطاع التجاري، على أن يضمن القطاع العام ضمان جودة الناموسيات، والمبيدات، ومن الضروري التعجيل بوضع اختبارات بسيطة لرصد وجود المبيدات في الناموسيات.
وتمثّل إعادة المعالَجة مقوّماً حاسماً للبرامج المضمونة الاستمرار لتشجيع استخدام المواد المعالَجة بالمبيدات، ولذا ينبغي تكثيف الأنشطة الترويجية لزيادة وعي الناس بالحاجة إلى إعادة معالَجة المواد.
وهناك عدة خيارات لإعادة المعالجة، منها تقديم جرعات فرادى (في شكل أكياس صغيرة أو أقراص)، يعتقد أنها تزيد من القدرة على شراء المبيدات في المستوى المحيطي، إلا أنّ من المهم الاعتناء برصد إعادة معالَجة المواد، من أجل اكتشاف الجرعات الناقصة والزائدة (المفرطة) من المبيدات، كما يلزم مواصلة تقصي طرق تحسين مقاومة رواسب المبيدات للغسيل، كالتشبيع (النقع) الدائم مثلاً.
وقد ثبت بشكل واضح أثر الناموسيات المعالجة بالمبيدات في إجمالي الوفيات، إلا أنه من الضروري رصد أثرها الطويل الأمد في مناعة السكان، ومقاومة البعوض وسلوكه، ويمكن أن يكون إدخال المرضى المستشفى بسبب الإصابة بفقر الدم، أو (الملاريا الوخيمة) بمثابة مؤشر تقريبي لاتجاهات معدلات المرضى والوفيات، المتعلقة بأنشطة مكافحة الملاريا، بما في ذلك استخدام المواد المشبعة بالمبيدات، وينبغي إدماج رصد استخدام المواد المعالجة بالمبيدات وتقييمه في جميع برامج مكافحة الملاريا.
د – التدبير العلاجي للملاريا في مشاريع التنمية:
كثيراً ما تساهم مشاريع التنمية – عن غير قصد – في التعرض لخطر الإصابة بالملاريا، ولذا فإنّ من الضروري وضع وتطبيق سياسات وتشريعات للوقاية من هذا الخطر الإضافي، ومواجهة ما يترتب على المشاريع من آثار تؤدي إلى تفاقم مشكلة الملاريا.
ويجري تعزيز عمليات تقييم آثار المشاريع على الصحة؛ كمقوم أساس من مقومات تقييم آثار المشاريع الإنمائية المهمة على البيئة، وينبغي أن تتضمن عمليات تقييم آثار هذه المشاريع على الصحة تقييماً شاملاً لآثار المشروع على وبائيات الملاريا، لا في المنطقة الملاصقة للمشروع، أو المشتغلين فيه فحسب، بل أيضاً في كامل المنطقة المتأثرة بهذا المشروع.
فإذا أجري هذا التقييم، بصورة سليمة في مراحل التخطيط، فإنّ الاستثمار الصغير نسبياً، والموجّه توجيهاً سليماً، سوف يؤدي لا إلى منع الإصابة بالملاريا التي من صنع الإنسان فحسب، وإنما سيساهم كذلك في مكافحة الملاريا بشكل أفضل في جميع المناطق المتأثرة بالمشروع، أمّا الإخفاق في إجراء هذا التقييم في مرحلة التخطيط فسوف يؤدي في كثير من الأحيان إلى حدوث أوبئة للملاريا، أو انبعاث هذا المرض مع ارتفاع معدلات المرضى والوفيات، كما سيحتاج إلى استثمارات كبيرة للسيطرة على هذا الوضع.
وتحظى هذه المبادئ حالياً بقبول واسع النطاق، ولكنها لا تطبق دائماً في أثناء مرحلة التخطيط لأسباب مالية، أو لأسباب أخرى، ويتطلب التدبير العلاجي للملاريا في أثناء المشاريع الإنمائية تعاوناً بين القطاعات، كما يهيئ الفرصة لإقامة روابط بين العاملين في مختلف المجالات، يمكن أن تكون ذات قيمة في سائر برامج مكافحة الملاريا، والتي لا تتعلق بالمشروع الإنمائي.
كما أنّ من الضروري توثيق النماذج الحالية للتدبير العلاجي البيئي للملاريا من خلال مكافحة النواقل.
التطورات الجديدة في إفريقيا
هناك مزيد من المعارف عن لا تجانس طرق انتقال الملاريا في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء)، حيث تعكس هذه الطرق التغيرات الطارئة على العوامل المتصلة بالإنسان (مثل: تحضّر السكان الذي تبلغ نسبته حالياً 40%، والبنية الأساسية، والتطور الاجتماعي)، وقد زاد التحضّر من الوعي بالحاجة إلى مكافحة الملاريا، كما زاد – في الوقت نفسه – الالتزامُ السياسي بدعم هذه المكافحة، وقد أتاحت البيئة الحضرية فرصاً أفضل للمكافحة الانتقائية للملاريا.
أمّا في المناطق الريفية فقد تم إحداث التطورات الآتية:
– حيثما يتسم انتقال الملاريا بالاستقرار يكون استخدام المواد المعالَجة بالمبيدات الطريقة المفضلة للوقاية إذا استُخدمت بشكل سليم.
– حيثما يتسم انتقال الملاريا بعدم الاستقرار يمكن أن يكون (الرش الثمالي) داخل المباني مناسباً، شريطة توافر البنية الأساسية للحفاظ على البرنامج، وقد أصبحت حملات (الرش الثمالي) داخل المباني انتقائية بصورة متزايدة، وهو أمر راجع جزئياً إلى تنفيذ الاستراتيجية العالمية لمكافحة الملاريا.
– يجري في بضعة مناطق، يمكن فيها استخدام المواد المشبعة بالمبيدات والرش داخل المباني، استكشاف مدى الرغبة في كلتا الطريقتين ومردودهما، ومدى إمكانية تآزرهما.
– وفي المناطق ذات الطبيعة الوبائية، والمناطق التي يتسم فيها موسم انتقال الملاريا بالقصر الشديد، يكون الرش داخل المباني أصلح من استخدام المواد المشبعة بالمبيدات بغرض احتواء الأوبئة.
استخدام الأدوية المبيدة للعرسيات:
يشير ما تؤدي إليه مشتقات (الأرتيميزينين) من تقليل أعداد العرسيات في المرضى المصابين بالعدوى، وما يحتمل أن تؤدي إليه أيضاً من الحدّ من انتقال العدوى، إلى أنّ معالجة مرضى الملاريا بهذه المشتقات، في ظل انخفاض معدل الانتقال، قد يكون لها دور ملموس في الوقاية من الملاريا.
2 – الوقاية الكيميائية:
تقتصر الأدوية المتاحة للوقاية الكيميائية على (الكلوروكين)، و (البروغوانيل)، ومركب (البريميثامين والدابسون)، و (المفلوكين)، و (الدوكسي سيكلين).
ويؤدي تزايد مقاومة الطفيليات للأدوية، والآثار الجانبية لأدوية معينة، إلى تزايد صعوبة وضع دلائل إرشادية رشيدة للوقاية الكيميائية، وليس هناك دواء مثالي للوقاية، وتقتصر الوقاية الكيميائية على المسافرين، والفئات الخاصة (مثل رجال الجيش)، وعلى الحوامل في أوضاع معينة.
الوقاية الكيميائية بين الأشخاص عديمي المناعة الذين يقومون بزيارة المناطق الموبوءة:
حدثت في الأعوام الأخيرة تحسنات في أنشطة تقديم المشورة حول الوقاية الكيميائية في المناطق التي يحتاج إليها فيها، وفي أخذ نوع المسافر والأخطار النوعية التي يواجهها في الحسبان، وفي بعض المناطق قد ترجح الآثار الجانبية الممكنة للدواء المضاد للملاريا الموصى به كفة احتمالات التعرض لخطر الإصابة بعدوى الملاريا، وفي المناطق التي تنتشر فيها الملاريا النشيطة قد يكون من الضروري إعادة تقييم استخدام (الكلوروكين) كإجراء وقائي، ويلزم أن يتخذ جميع المسافرين احتياطات كافية للوقاية من لدغات البعوض.
وينبغي أن يقوم المسافرون دائماً بمشاورة أطبائهم لمناقشة الموانع النوعية لاستعمال الأدوية المضادة للملاريا قبل السفر بوقت كاف، ومن المستحب التوحيد بين الدلائل الإرشادية الوطنية والدولية والدلائل الإرشادية الواردة بتوصيات المنظمة؛ نظراً لما قد يؤدي الاختلاف بينهما من الارتباك قد يتسبب في عدم أخذ المسافرين لأي دواء اتقائي على الإطلاق.
ومن الضروري زيادة الاهتمام بمدى التزام المريض بالمعالجة، ومأمونية الأدوية، وإجراء مزيد من البحوث عليهما، في جملة العوامل التي تزيد من صعوبة تحقيق الوقاية الطويلة الأمد.
الوقاية من الملاريا في أثناء الحمل:
غالباً ما تُحرم الحوامل في المناطق المستوطنة بالملاريا من الرعاية الوقائية والعلاجية المطلوبة؛ مما يساهم في الارتفاع غير المستساغ الذي يمكن تجنّبه في الوفيات الأمومية ووفيات الرضع، ويجب أن تأخذ الرعاية الصحية المقدمة لهذه الفئة شكل (برنامج شامل)، يرتكز على حجم المشكلة وفرص المداخلة.
وفي المناطق التي يتسم فيها معدل انتقال الملاريا بالانخفاض؛ ينبغي أن يتضمن هذا البرنامج الوقاية من الإصابة بعدوى الملاريا؛ من خلال تعزيز الصحة والمداخلة، إلى جانب طرق الحدّ من عواقب العدوى، ويشمل ذلك: استعمال مضادات الملاريا كإجراء وقائي أو كمعالجة متقطعة، وربما باستخدام الناموسيات المعالَجة بالمبيدات، وإتاحة التوصّل إلى التشخيص المبكر والمعالجة الفعّالة لـ (فقر الدم) و (الملاريا السريرية).
وفي المناطق المستوطنة تحد الوقاية الفعالة من الملاريا في أثناء الحمل من معدل وقوع انخفاض الوزن عند الولادة، وفقر الدم الأمومي الوخيم، وقد كانت الوقاية الكيميائية الأسبوعية هي الطريقة المفضلة، ولكن تتزايد إعاقة الوقاية الكيميائية بسبب مقاومة الطفيليات للأدوية، وموانع استعمال أدوية معينة، وقلّة التزام المريضات بالمعالجة.
وفي معرض البحث عن استراتيجية بديلة اقترحت المعالجة المتقطعة، باعتبارها طريقة سهلة، وعالية الردود، في المناطق الموبوءة بالملاريا بدرجة أكبر، وتشتمل المعالجة المتقطعة على إعطاء المريضة جرعات علاجية شاملة من دواء فعّال مضاد للملاريا على فترات محددة مسبقاً في أثناء الحمل.
وفي مناطق شرق إفريقيا التي تتزايد فيها مقاومة الطفيليات لـ (الكلوروكين) اتضح من التجارب الواسعة النطاق أنّ المعالجة المتقطعة بجرعة علاجية وحيدة من مركب (السلفادوكسين والبريميثامين) في بداية الأشهر الثلاثة الثانية والثالثة تخفّض بصورة ملموسة من معدل انتشار (فقر الدم)، و (انخفاض الوزن عند الولادة) الذي يمثّل أكبر عامل مفرد لخطر وفيات الرضع، وتدل الدراسات التي أُجريت في كينيا ومالاوي على أنه من الممكن خفض معدلات (الملاريا المشيمية)، و (فقر الدم)، و (انخفاض الوزن عند الولادة)، خفضاً ملموساً، إذا تمّت معالجة المرأة أثناء الحمل الأول والثاني معالجة متقطعة بمركب (السلفادوكسين والبريميثامين)، كجزء من الرعاية أثناء الحمل، أضف إلى ذلك أنّ الحوامل تحمّلن الدواء جيداً دون حدوث تفاعلات ضارة بصورة شائعة(3).
وفي مالاوي؛ تمّ إدخال المعالجة المتقطعة بمركب (السلفادوكسين والبريميثامين) بنجاح في عام 1993م، كسياسة وطنية للوقاية من الملاريا أثناء الحمل، مما نجم عنه انخفاض معدل قلة الوزن عند الولادة في مواليد الحمل الأول.
ويمكن أن نستخلص من ذلك أنّ المعالجة المتقطعة بمركب (السلفادوكسين والبريميثامين) تكون مأمونة وفعالة في الحدّ من عواقب الملاريا أثناء الحمل، في المناطق التي يزيد فيها خطر الإصابة بعدوى (المتصورة المنجلية) أثناء الحمل، والتي تكون فيها (المتصورة المنجلية) حساسة للمركب الآنف الذكر، والتي يمكن فيها اتباع هذا النظام العلاجي بصورة صحيحة.
وفي المناطق المستوطنة بالملاريا، يمكن أن تكون المقارنة بين أوزان مواليد الحمل الأول عند الولادة، وبين أوزان مواليد الأمهات اللائي تكررت مرات حملهنّ، مؤشراً مناسباً لنجاعة مكافحة الملاريا أثناء الحمل، ويمكن أن تستخدم هذه النسبة بين أوزان مواليد الفئتين لتحديد المناطق المستوطنة التي تكون فيها أنشطة مكافحة الملاريا غير كافية، وتكون فيها المعالجة المتقطعة مفيدة للحوامل.
ويدل مزيد من الدراسات، التي أجريت في كينيا ومالاوي، على انخفاض نجاعة المعالجة المتقطعة بمركب (السلفادوكسين والبريميثامين) في الحوامل المصابات بعدوى (فيروس الإيدز)، مما يشير إلى أنّ هذه الفئة قد تكون في حاجة إلى مزيد من المعالجات المتقطعة المتكررة، وهناك دلائل على أنّ عدوى (فيروس الإيدز) يمكن أن تعرقل الحفاظ على المناعة الخاصة بالحمل المكتسبة أثناء مرّتَي الحمل الأولى والثانية؛ مما يعرض النساء المصابات بعدوى (فيروس الإيدز)، واللائي تكرر حملهنّ، لخطر التعرض للعواقب الوخيمة للملاريا أثناء الحمل.
3 – لقاحات الملاريا والبحوث الأساسية:
ترحّب لجنة الخبراء باستثمار البحوث الأساسية في تشجيع تجدد الاهتمام باستنباط أدوات جديدة للوقاية من الملاريا ومكافحتها.
وتتيح اللقاحات، وكذلك البعوض الطافر، مثلاً، إمكانية مثيرة في إطار برنامج متكامل لمكافحة الملاريا، متى وإذا توافرت هذه اللقاحات من الناحية التشغيلية.
4 – اتجاهات مقاومة الطفيليات للمبيدات:
نتجت مقاومة نواقل الملاريا للمبيدات عن استعمال المبيدات للأغراض الزراعية؛ أكثر كثيراً مما نتجت عن عمليات مكافحة النواقل لأغراض الصحة العمومية.
وقد حدثت المقاومة الواسعة الانتشار لـ (ثنائي الإيلدرين) في الستينيات، ولا تزال تحدث في كثير من (الجمهرات الأنوفيلية)، وعلى الرغم من الانصراف عن استعمال (ثنائي الإيلدرين) منذ فترة طويلة؛ فإنّ آلية مقاومة البعوض له يعطي قدراً من المقاومة المتصالبة لمشتقات (الفينيل بيرازول)، وهو صنف من المبيدات تمّ استنباطه حديثاً.
وقد استغرق حدوث مقاومة نواقل الملاريا لـ (د. د. ت)، بعكس ما حدث بالنسبة لـ (ثنائي الإيلدرين)، وقتاً أطول، كما لم تكن هذه المقاومة واسعة الانتشار إلى هذه الدرجة، وقد حدثت هذه المقاومة – بصورة عامة – نتيجة لآلية المقاومة الخاصة للـ (د. د. ت) (ناقلة – IS لغلوتاتيون)، ومع ذلك فقد تمّ في غرب إفريقيا مؤخراً اكتشاف آلية للمقاومة تُعرف باسم (المقاومة القاضية)، تعطي مقاومة متصالبة للـ (د. د. ت) ولطائفة كبيرة من (البيرثويدات)، وتنتج عن طفرة نقطية في قنوات الصوديم الذي يمثّل الموقع المستهدف للـ (د. د. ت) و (البيرثويدات)، ويمكن استخدام الاختيارات التشخيصية لتفاعل (سلسلة البوليمراز)، لاكتشاف (المقاومة القاضية) في أفراد مجمع (الأنوفيلة الغامبية).
وقد تمّ الحفاظ على جين (المقاومة القاضية)، أو مواصلة اكتسابها في جمهرات البعوض، باستخدام (البيريثرويدات) في الزراعة، ومكافحة الهوام المنزلية، ويمكن الحفاظ على وجود الجين بمعدل تكرار منخفض في جمهرات البعوض على مدى عشرات السنين.
وقد اكتشف وجود مقاومة لـ (البيريثرويد) في بعض النواقل المهمة للملاريا، مثل (An. Gambiae s.s) في غرب إفريقيا، و (الأنوفيلة البيضاء الأرجل) في أمريكا الوسطي، و (الأنوفيلة الزخاروفية) في تركيا، و (الأنوفيلة الاصطفانية) في باكستان والهند، وبعض مناطق شبه الجزيرة العربية.
وقد تمّ مؤخراً تقصّي أثر (المقاومة القاضية) على سلوك (الأنوفيلة الغامبية S.S)، وعلى نجاعة الناموسيات المعالَجة بـ (البيريثرويد)، باستخدام أكواخ تجريبية في اثنين من بلدان غرب إفريقيا، هما: بينين، وساحل العاج، وقد عُقدت – في كلٍّ من البلدين – مقارنة بين المناطق التي كان فيها البعوض مقاوماً لهذا الدواء والمناطق التي كان فيها حساساً له، وعلى الرغم من أنّ معدل (التكرار الأليلي) لـ (المقاومة القاضية) كان شديد الارتفاع، أكثر من 80% في المناطق التي تنتشر فيها المقاومة في كلٍّ من البلدين، فإنّ الناموسيات المعالَجة بـ (البرمثرين) و (الدلتامثرين) لا تزال توفّر الحماية من البعوض؛ حيث تمّ الإبقاء على التأثيرات المنفرة والقاتلة، والانخفاض في معدل التغذي على الدم، وعند مستويات متشابهة في كلّ المناطق التي تنتشر فيها المقاومة التي يكون البعوض حساساً فيها.
ويتعين مواصلة تقييم أثر (المقاومة القاضية) على الصعيد التنفيذي في حالة استخدام الناموسيات لحماية المجتمع، حيث ينتظر حدوث قتل جماعي لجمهرة البعوض، كما أنه من المهم تقييم أثر آليات مقاومة البعوض لـ (البيريثرويد) التي لا تدخل فيها آلية (المقاومة القاضية)، مثل عائلة (الإستراز) و (الأكسيداز).
وحتى الآن لم يعثر على (المقاومة القاضية) إلا في النمط البطحائي (السفنّي) لـ (الأنوفيلة الغامبية S.S)، وفي غرب إفريقيا، مع الاشتباه بقوة في وجود هذه المقاومة في (الأنوفيلة الاصطفانية)، و (الأنوفيلة البيضاء الأرجل)، و (الأنوفيلة الزخاروفية).
وفي المناطق التي تنعدم فيها (المقاومة القاضية) – حالياً – يكون من غير المحتمل اكتساب هذه المقاومة بالاقتصار على استخدام المواد المعالَجة بالمبيدات، ومع ذلك فإنّ من الممكن أيضاً ضلوع آليات أخرى في مقاومة (البيروثرويد) التي يوجد قدر منها بالفعل في نواقل الملاريا، ونظراً إلى تزايد استعمال (البيرثرويدات) في الزراعة، وفي المناطق الحضرية، فإنه يجب اعتبار حدوث مقاومة لها في نواقل الملاريا قضية مهمّة جداً.
وقد تمّ في إفريقيا مؤخراً البدء في إنشاء شبكات لرصد مقاومة نواقل الملاريا للمبيدات، وسوف يتمّ، إضافة إلى المقايسات البيولوجية التقليدية (المعهودة)، تحديد آليات المقاومة الضالعة، وتقييم أثرها في نجاعة المواد المشبعة بالمبيدات، كما ينبغي إنشاء شبكات مماثلة في المناطق الأخرى التي يزمع مكافحة النواقل فيها.
وعلى الرغم من تركز أمل كبير- حالياً- في استخدام المواد المعالجة بالمبيدات؛ فإنّ نجاحها يكاد يتوقف كلية على مشتقات (البيرثرويد) (البيرثرويدات) التي تمثل المبيدات الوحيدة المتوافرة حالياً لهذا الغرض، ومن ثمّ ينبغي منح أولوية متقدّمة للبحث عن مبيدات لا تدخل فيها هذه المشتقات لمعالجة المواد بها، وينبغي تشجيع البحث عن استراتيجيات فعّالة وعملية لمعالجة مقاومة البعوض للمبيدات، وينبغي بذل جميع الجهود الممكنة من أجل إطالة العمر الافتراضي للمبيدات المتاحة، وإعداد تدابير وقائية بديلة.
5 – مردود التدابير الوقائية:
لا يُعرف إلا أقلّ القليل عن التكلفة الحقيقية لمكافحة الملاريا، ومردود المداخلات المختلفة في الظروف الوبائية المختلفة، وينبغي معالجة القضايا المتعلقة بضرورة تقييم كلّ برنامج للمكافحة، وتقدير تكلفته، ومقارنته بالبرامج المشابهة في الأحوال الوبائية المختلفة، وما إلى ذلك من القضايا.
ثامناً: نظم المعلومات والبحوث الميدانية:
1 – المؤشرات الوبائية:
إنّ المعلومات الوبائية الدقيقة أمر ضروري لتقدير حجم المشكلات الصحية العمومية، وتخطيط برامج مكافحة المرض وتقييمها، وفي حين يتمّ جمع هذه المعلومات في المقام الأول لغرض توجيه الجهود المحلية والوطنية للمكافحة؛ فإنه يتمّ أيضاً مضاهاتها واستخدامها من قِبل المنظمات الدولية من أجل تقييم الاتجاهات الإقليمية والعالمية، ولذا فإنه من المهمّ بمكان الاتفاق على توحيد أساليب جمع المعلومات والتبليغ.
ونظراً للتنوع الكبير في المعطيات المتعلقة بالملاريا، التي يتمّ تجميعها وتبليغها من قِبل مختلف برامج مكافحة الملاريا، فإنّ المقارنة بين البلدان تكون بالغة الصعوبة، وإذ ينبغي اتخاذ القرار النهائي حول نوع الأسلوب المتبع لجمع المعطيات، ومعدل تكرار جمعها في المستوى الذي سيتم فيه تحليل هذه المعطيات واستخدامها، فإنه لن تكون هناك مجموعة مفردة من المعطيات مناسبة لجميع الأوضاع الوبائية والبلدان، ومع ذلك فإنّ الاتفاق على تعاريف معيارية لمعدلات مرضى الملاريا ووفياتها، وعلى عدد محدود من المؤشرات التي يمكن استخدامها في جميع الأوضاع لرصد أنشطة مكافحة الملاريا، يمكن أن يكون خطوة مهمّة إلى الأمام، كما أنّ استخدام مثل هذه النواة من المؤشرات من شأنه ألا يمنع البلدان من جمع المعلومات الأخرى التي تعتبرها ضرورية لرصد تقدّم الخطط التي وضعتها للعمل من أجل مكافحة الملاريا.
التعاريف الموحدة (المعيارية) للحالات، معدلات المرضى والوفيات:
تختلف تعاريف معدلات المرضى والوفيات الناجمة عن الملاريا باختلاف القدرات التشخيصية في مختلف مستويات نظام الرعاية الصحية، وينبغي – كلما أمكن – التبليغ عن المعطيات المتعلقة بحالات الملاريا، موزعة بحسب المجموعة العمرية للمريض، ونوع الطفيلي.
أ – في المناطق التي لا يتيسر فيها التوصّل إلى التشخيص المختبري المرتكز:
– حالة احتمال الإصابة بـ (الملاريا غير ذات المضاعفات): أي مريض تظهر عليه علامات، أو أعراض (الملاريا غير ذات المضاعفات)، ويتلقّى معالجة مضادة للملاريا، أو تظهر عليه هذه العلامات والأعراض معاً.
– حالة احتمال الإصابة بـ (الملاريا الوخيمة): أي مريض يلزم إدخاله المستشفى بسبب وجود علامات، أو أعراض (الملاريا الوخيمة)، ويتلقّى معالجة مضادة للملاريا، أو تظهر عليه هذه العلامات والأعراض معاً.
– الوفاة التي يُحتمل أن تكون راجعة إلى الملاريا: أي وفاة مريض تمّ تشخيص حالته على أنها إصابة محتملة بـ (الملاريا الوخيمة).
ب – في المناطق التي يتيسر فيها التوصّل إلى التشخيص المختبري المرتكز:
– الملاريا عديمة الأعراض: الإثبات المختبري (بالفحص المجهري، أو الاختبار التشخيصي المناعي) لوجود طفيليات في دم شخص لم يسبق أن ظهرت عليه حديثاً علامات أو أعراض الملاريا، أو كلاهما.
– حالة ملاريا موكدة غير ذات مضاعفات: أي مريض تظهر عليه علامات أو أعراض (الملاريا غير ذات المضاعفات)، أو كلاهما، ويتلقّى معالجة مضادة للملاريا، مع ثبوت التشخيص مختبرياً.
– حالة (ملاريا وخيمة) مؤكدة: أي شخص تتطلب حالته دخول المستشفى بسبب ظهور علامات أو أعراض (الملاريا الوخيمة)، أو كليهما، ويتلقّى معالجة مضادة للملاريا، مع ثبوت التشخيص مختبرياً.
– وفاة ثبت أنها بسبب الملاريا: أي وفاة شخص شُخّصت حالته على أنها (ملاريا وخيمة)، مع ثبوت هذا التشخيص مختبرياً.
وقد تختلف علامات، وأعراض الملاريا التي يتعين إدراجها في هذه التعاريف باختلاف الأوضاع الوبائية، والمقصود بفئتي (الملاريا غير ذات المضاعفات) و (الملاريا الوخيمة) أن تستبعد إحداهما الأخرى، وعلى سبيل المثال فإنّ المريض الذي يشكو مبدئياً (ملاريا غير ذات مضاعفات)، ثم تظهر عليه علامات المرض الوخيم، أو أعراضه، ينبغي ألا يصنّف إلا على أنه مصاب بـ (ملاريا وخيمة)، وألا يدخل في العدّ مرتين، ويسري هذا أيضاً على فئتي الإصابة المحتملة بالملاريا والإصابة المؤكدة، وعليه يُنتظر من البلدان التبليغ عن كلٍّ من حالات الإصابة (المحتملة) و (المؤكدة) على حدة.
ونظراً لتزايد أهمية مقاومة الطفيليات للأدوية المضادة للملاريا بالنسبة لجهود المكافحة؛ فإنه من الضروري وجود تعريف موحّد (معياري) لحالات (فشل المعالجة).
والمقصود بفشل معالجة الملاريا: أي مريض ثبتت إصابته بـ (الملاريا غير ذات المضاعفات)، وسبق تناوله للجرعة الصحيحة، واتبع النظام العلاجي للمعالجة المضادة للملاريا الموصى به على الصعيد الوطني، ويشكو من وجود لاجنسي للطفيليات (طفيلية لاجنسية) على لطاخة الدم في خلال 14 يوماً من بدء المعالجة.
المؤشرات:
يمكن – متى اتُفق على التعاريف الموحدة للحالات – وضع مؤشرات لقياس مدى تقدم برنامج المكافحة، وينبغي ربط المؤشرات ربطاً وثيقاً بأغراض البرنامج، تحقيقاً لأغراض الرصد والتقييم، وعند تحديد عدد المؤشرات التي ينبغي استخدامها يفضّل القياس الدقيق لعدد قليل من المؤشرات النواة على القياس الصحيح لعدد أكبر مما يلزم فيها، وعندما تتوافر موارد إضافية، ويكتسب البرنامج الخبرة، ويحرز مزيداً من التقدّم، يمكن تنقيح هذه المؤشرات، وتحسينها، والإضافة إليها.
المصادر العامّة الثلاثة للمؤشرات:
ويمكن الحصول على معظم المعلومات اللازمة لقياس المؤشرات من المصادر العامّة الثلاثة الآتية؛ على الرغم من احتمال اختلاف هذه المصادر اختلافاً كبيراً من حيث جودة المعطيات التي توفرها.
1 – المعطيات الروتينية (النمطية): المجمّعة من قِبل النظام الوطني للمعلومات الصحية (على افتراض أنه تمّ الاتفاق على التعاريف الموحدة للحالات، وتمّ استخدامها، وأنّ هذه المعطيات ذات جودة مقبولة).
2 – المقابلات (الاستجوابات)، أو المشاهدات، أو كلتاهما: في المرافق الصحية، ويمكن القيام بذلك أثناء الزيارات الإشرافية الروتينية (النمطية)، أو أثناء المسوحات الخاصة.
3 – المسوحات المنزلية، أو المجتمعية النوعية.
ويُنتظر أن يتوافر مصدرا المعلومات الأولان لجميع البرامج، أمّا المصدر الثالث؛ فيتطلب موارد برنامجية إضافية، وعلى الرغم من أنّ تكلفة إجراء هذه المسوحات قد تكون مرتفعة؛ فإنه يمكن تحقيق وفورات عن طرق قياس عدة مؤشرات في المسح الواحد.
المؤشرات النواة:
على الرغم من أنه يجب ترك اختيار المؤشرات للبرامج الوطنية فرادى؛ فإنه ينبغي استخدام المؤشرات النواة (الأثر، والنتيجة) التالية في جميع برامج مكافحة الملاريا، بغضّ النظر عن مراميها، أو عن الوضع الوبائي المحلّي.
1 – مؤشرات الأثر:
الحالات المرضية المنسوبة إلى الملاريا:
– عدد حالات (الملاريا غير ذات المضاعفات) (المحتملة، والمؤكدة) بين الفئات المستهدفة / لكل وحدة من السكان / لكل وحدة زمنية.
– عدد حالات (الملاريا الوخيمة) (المحتملة، والمؤكدة) بين الفئات المستهدفة / لكل وحدة من السكان / لكل وحدة زمنية.
الوفيات المنسوبة إلى الملاريا:
– عدد الوفيات (المحتملة، والمؤكدة) الناجمة عن الملاريا بين الفئات المستهدفة / لكل وحدة من السكان / لكل وحدة زمنية.
– نسبة الوفيات (المحتملة، والمؤكدة) بسبب الملاريا بين المرضى المصابين بـ (الملاريا الوخيمة) الذين تمّ إدخالهم أحد المرافق الصحية / لكل وحدة زمنية.
حالات فشل معالجة الملاريا:
أي عدد حالات فشل معالجة الملاريا المثبتة بالفحص المجهري / لكل عدد من المرضى المعالجين.
وينبغي التبليغ عن هذه المعطيات عن كلّ دواء يتم استخدامه.
2 – مؤشرات النتيجة:
– توافر الأدوية المضادة للملاريا: أي النسبة المئوية للمرافق الصحية التي لم تبلّغ عن انقطاع إمدادات الأدوية المضادة للملاريا (على النحو المحدد في السياسة الدوائية الوطنية) خلال الأشهر السابقة.
– التبليغ عن مؤشرات المرضى والوفيات: أي نسبة المناطق التي قامت به شهرياً بالتبليغ عن مؤشرات المرضى والوفيات إلى البرنامج الوفيات، خلال الاثني عشر شهراً السابقة.
مؤشرات إضافية:
يمكن استخدام المؤشرات الإضافية التالية، تبعاً للوضع الوبائي ومرامي البرنامج:
1 – المعدل السنوي لوجود الطفيليات: أي عدد حالات الملاريا المثبتة بالفحص المجهري خلال عام واحد / لكل وحدة سكانية.
2- استخدام الناموسيات المعالَجة بالمبيدات: أي نسبة الفئات المستهدفة المزودة بالناموسيات المعالجة بالمبيدات، ونسبة مَن يبلغ من هذه الفئات عن أنهم ناموا تحت هذه الناموسيات في الليلة السابقة.
وتتطلب هذه المؤشرات إجراء مسوحات منزلية أو مجتمعية، وهي مؤشرات تتعلق بالأوضاع التي تتمثل أغراض البرامج فيها في الحدّ من انتقال (الملاريا المنجلية) ومنع حدوثه.
3 – أداء الأمهات أو القائمين بالرعاية: أي نسبة الأمهات، أو القائمين بالرعاية الذي يضمنون التدبير العلاجي المنزلي الصحيح للأطفال المصابين بالحمّى، وفقاً للسياسات الوطنية، ويتطلب هذا المؤشر إجراء مسوحات منزلية أو مجتمعية.
4 – حماية الحوامل: أي نسبة النساء اللائي أبلغن، أثناء حملهنّ الأول والثاني / في كل وحدة زمنية، عن حصولهنّ على وقاية كيميائية، أو معالجة دوائية متقطعة، وفقاً للسياسات الدوائية الوطنية.
5 – الاستعداد لأوبئة الملاريا: أي نسبة المناطق ذات الطبيعة الوبائية التي توجد لديها خطة لاحتواء الأوبئة، وأرصدة كافية من الأدوية المضادة للملاريا، والإمدادات، والمعدات الفاعلة الموجودة، أو التي يمكن الحصول عليها بسهولة قبل شهر واحد على الأقل من بدء موسم الأوبئة، ويتعلق هذا المؤشر بالأوضاع التي تتمثل فيها أغراض البرنامج في الحدّ من معدلات المراضة، والوفيات، والحدّ من انتقال المرض، ومنع حدوث أوبئة (الملاريا المنجلية).
6 – رش المبيدات داخل المنازل: أي نسبة المنازل التي تم رشّها إلى مجموع العدد المستهدف رشّه، ويصلح هذا المؤشر للأوضاع التي يستهدف البرنامج فيها الحدّ من انتقال المرض، ومنع حدوث أوبئة (الملاريا المنجلية)، و (الملاريا النشيطة).
7 – التشخيص المختبري:
– نسبة المناطق الصحية التي توجد فيها إجراءات جيدة لمكافحة الملاريا.
– نسبة المرافق الصحية التي تتمتع بقدرات تشخيصية مختبرية، ثبت منها (إيجابية، وسلبية) عينة كافية من الشرائح بمعرفة أحد المختبرات المرجعية.
– مؤشرات النتائج الخاصة بالمناطق التي يوجد فيها (انتقال ثمالي)، أو لا يوجد فيها انتقال على الإطلاق.
8 – وجود بؤر لانتقال المرض:
– عدد القرى التي تمّ التبليغ فيها عن وجود حالات آصلة (مصنفة بحسب النوع)، منذ بدء موسم الانتقال السابق.
– عدد الحالات التي تمّ استقصاؤها (مصنفة بحسب النوع)، وتبين أنها آصلة.
– عدد ما تمّ استقصاؤه من حالات الملاريا.
وفي هذه المناطق، ينبغي اعتبار (عدّ) العداوى المختلطة ضمن حالات (الملاريا المنجلية).
2 – البحوث الميدانية.. الحاجة إليها:
يجب أن تكون جميع البرامج الوطنية لمكافحة الملاريا قادرة على إجراء البحوث الميدانية، حتى تتسنى زيادة فعالية الأنشطة البرمجية، وتكييفها وفقاً للأوضاع الوبائية المتغيرة(4).
وينبغي أن تكون هذه البحوث ذات علاقة بالأغراض البرنامجية الوطنية، بحيث لا تقتصر على تناول موضوع نجاعة المداخلات النوعية، وإنما تتناول أيضاً العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسلوكية التي يمكن أن تؤثر في الأنشطة البرنامجية، ويمكن أن تساعد هذه الأنشطة – أو تعوق – الجهود التي تبذلها الخدمات الصحية والقطاعات المتعاونة الأخرى، لتنفيذ الأنشطة عالية المردود ومضمونة الاستمرار لمكافحة الملاريا، كما يمكن أن تؤثر في المجتمعات أثناء اضطلاعها بمسؤولية أكبر عن حماية أنفسها ومعالجتها.
كما أنّ للبحوث الميدانية دوراً تقوم به في تنظيم وإيتاء أنشطة مكافحة الملاريا، وتقوم حالياً كثير من البلدان الموبوءة بتنفيذ إصلاحات في القطاعين الاقتصادي والصحي، يُطلب فيها من الأفراد والمجتمعات زيادة الإسهام في الخدمات الصحية، مع الحدّ من مجانية الخدمات الصحية، كذلك يُجرى تحقيق لامركزية الخدمات الصحية لزيادة اشتراك المجتمع، وهناك حاجة إلى النظر في الكيفية التي يمكن بها استخدام اللامركزية في الوصول بأنشطة مكافحة الملاريا إلى أفضل مستوى ممكن، وفي إدارة المداخلات المجتمعية.
القدرات البرنامجية الوطنية المتعلقة بالبحوث الميدانية:
تختلف القدرات البحثية للبرامج الوطنية لمكافحة الملاريا اختلافاً كبيراً، ففي حين حافظت بعض البلدان على القدرة على إجراء البحوث الميدانية داخل البرنامج، أو بالتعاون مع معاهد البحث الوطنية، والجامعات، والمجموعات القادمة من البلدان الصناعية؛ فقد انخفض في كثير من البلدان الأخرى الالتزام بإجراء البحوث، والقدرة عليه، مع انخفاض عبء مكافحة الملاريا أثناء عهد الاستئصال.
وتعاني معظم برامج مكافحة الملاريا في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء) عدم قدرتها بصورة كافية على تخطيط أنشطة مكافحة الملاريا، ومن ثمّ فليس لديها رصيد سابق في مجال تنفيذ البحوث الميدانية، وذلك فضلاً عن معاناتها من قلة الموارد البشرية والمالية، وحتى عندما تتوفر لهذه البلدان منظمات وطنية للبحوث الطبية البيولوجية؛ فإنه كثيراً ما يكون الاتصال – أو التعاون – بين هذه المنظمات وبرامج المكافحة محدوداً، ومن ثمّ فإنّ البحوث الميدانية قد تكون غالباً منفصلة عن الاحتياجات ذات الأولوية لوضع الملاريا في القطر.
3 – معوقات البحوث الميدانية:
ربما يكون الانعزال النسبي بين أنشطة المكافحة والبحوث الميدانية في كثير من البلدان راجعاً إلى اختلاف طرق التكليف بهذه الأنشطة والبحوث وتمويلها، وبينما يعوق هذا الانعزال توجيه البحوث نحو تلبية الاحتياجات البرنامجية، وتحويل النتائج إلى ممارسة عملية (واقع عملي)، فإنّ هناك أيضاً معوقات أخرى تعوق البحوث الميدانية، منها:
– عدم توحيد (تقييس) البروتوكولات (أي الطرق، ومعايير الإدراج، والتعامل مع المعطيات) بدرجة كافية، لضمان إمكانية المقارنة بين النتائج وتحليلها بصور كافية.
– عدم توافر المعطيات ذات العلاقة لصنّاع القرار، وغالباً ما تظلّ المعطيات في التقارير المتعلقة بالبرامج الوطنية والدولية غير منشورة، فضلاً عن قلّة فرص توصل كثير من البرامج الوطنية إلى المجلات الدولية والوطنية.
– عدم وجود وقت كاف لدى صناع القرار لتقييم نتائج البحوث، بسبب ما يواجهونه من مشكلات ملحة تتعلق بتنفيذ البرامج.
– عدم وجود الخبرة الوطنية الكافية لتحديد الاحتياجات على صعيد المنطقة، وتخطيط البحوث الميدانية وتنفيذها، بينما تجنح البحوث الميدانية إلى التركيز في القضايا التقنية الملحة، مثل: نجاعة الأدوية، والمبيدات والمواد المشبعة بها، وعلى الرغم من زيادة التركيز مؤخراً في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وإصلاح القطاع الصحي، فإنّ القدرة المحلية في هذه المجالات البحثية محدودة.
– عدم كفاية الدعم المالي، على الصعيدين الوطني والدولي، للبحوث الميدانية، إذ قلما يتم اندماج أنشطة البحث في الخطط الوطنية لمكافحة الملاريا، وتمويلها، باعتبارها جزءاً منها، مع الاعتماد – بدلاً من ذلك – على الدعم الدولي، والثنائي المحدود.
– التأخر الزائد في تغيير السياسات في ضوء البحوث الجديدة، وفي تنفيذ السياسات المعدلة.
تذليل المعوقات:
تمّ مؤخراً اتخاذ عدة مبادرات لتحسين أنشطة تنسيق البحوث الميدانية وتنفيذها وتمويلها، منها:
– مبادرة منظمة الصحة العالمية (1996م) للتعجيل بتنفيذ مكافحة الملاريا في نخبة من البلدان الإفريقية.
– المبادرة المتعددة الجنسيات بشأن الملاريا (1997م).
– شبكة شرق إفريقيا (1997م) الممولة من مصادر ثنائية.
– الشبكة الآسيوية التعاونية للتدريب في مجال الملاريا (1996م) – في جنوب شرق آسيا – الممولة من قِبل المنظمة والشركاء الآخرىن.
ومع ذلك؛ فإنّه لا تزال هناك حاجة ملحّة إلى قيام المنظمة والشركاء الآخرىن بالدعوة إلى إدماج البحوث الميدانية في جميع الخطط الوطنية للعمل من أجل مكافحة الملاريا، وإلى تمويلها، باعتبارها جزءاً من هذه الخطط، ومن ِشأن ذلك أن يساعد على ضمان تماشي البحوث الميدانية مع احتياجات البرنامج، وليس هذا فحسب، بل يوفر أيضاً نظاماً يمكن عن طريقه أن تقوم البرامج بالتكليف بالبحوث الميدانية العاجلة التي لا تملك وزارات الصحة حالياً الأموال اللازمة لها.
وسوف تسهل ترجمة النتائج إلى واقع عملي على الصعيد الوطني، إذا تمّ إنشاء هيئات وطنية لتطوير أولويات البحث واستراتيجياته بما يتفق وأولويات المكافحة، أو تقوية الموجود من هذه الهيئات، وينتظر أن تهيئ هذه الهيئات ساحة للجمع بين الباحثين، ومقدمي الرعاية الصحية، وواضعي السياسيات، باعتبارهم شركاء في هذا المجال.
ويجري استنباط الأدوات اللازمة لتحسين ترجمة النتائج إلى واقع، كما يجري حالياً استخدام البروتوكولات المعيارية في البحوث الميدانية، بشكل متزايد، ويتمّ تيسير تبادل المعلومات عن طريق إعداد عدة مواقع على شبكة الإنترنت، وإنتاج سجل إلكتروني للتجارب المنضبطة من قِبل (مجموعة كوشران) المعنية بالأمراض المعدية، وعلى الرغم من تزايد التوصل إلى المعلومات المرتكزة على الحاسوب، في البلدان المستوطنة بالملاريا، فإنه لا تزال هناك حاجة إلى زيادة تبادل المعلومات باستخدام الوسائل التقليدية، وينبغي في هذا الصدد أن تقوم المنظمة بنشر نتائج البحث ذات العلاقة بأسرع ما يمكن، والنظر في تقوية مجموعة المناقشة على الموقع العالمي لشبكة الملاريا على شبكة الإنترنت (وهي المجموعة إلى تمّ انشاؤها مؤخراً بدعم من البنك الدولي)، وتوسيع نطاق هذه المجموعة.
ولا تستدعي ترجمة النتائج إلى ممارسة عملية زيادة بث نتائج البحث القابلة للمقارنة فحسب، وإنما تستدعي أيضاً توجيه هذه النتائج إلى واضعي السياسات والمسؤولين عن تنفيذ أنشطة المكافحة (استهداف واضعي السياسات، والمسؤولين عن تنفيذ المكافحة، بهذه النتائج).
كما يجب أن يكون التدريب جزءاً لا يتجزأ من المداخلات البحثية الميدانية إذا أُريد للقدرات الوطنية في مجال البحوث الميدانية أن تزيد.
4 – المجالات ذات الأولوية في البحوث الميدانية:
وتشمل المجالات ذات الأولوية ما يأتي:
1 – المجالات ذات الأولوية فيما يتعلق بتبادل الخبرات وتطورير العاملين:
– تنمية قدرات البحث من خلال المشاركة العملية في إعداد البروتوكولات، وتنفيذها، وجمع النتائج، وتحليلها، وبثها.
– تبادل موظفي برامج المكافحة بين البلدان المستوطنة التي تواجه مشكلات تنفيذية مشابهة (مثل: قيام موظفي المناطق ذات الطبيعة الوبائية في أحد البلدان بمساعدة موظفي بلد آخر أثناء تفشي أحد الأوبئة).
– تعديل المناهج الدراسية الجامعية للعاملين الصحيين، لتلبية الاحتياجات العملية لمكافحة الملاريا (مثل: استهداف زيادة وعيهم باحتياجات المجتمع والمرضى من المعلومات والتثقيف والاتصال، وبمفاهيم التدبير العلاجي المتكامل لأمراض الطفولة).
2 – المجالات ذات الأولوية للبحوث الميدانية، المتعلقة بأغراض البرنامج وسياسته:
– تقوية أنشطة التشخيص المبكر والمعالجة الفورية؛ للحدّ من المرضى والوفيات في الفئات الأكثر تعرضاً للخطر.
أ – تحسين جودة الرعاية في المنزل:
تشمل قضايا البحث ما يأتي:
– دراية القائمين بالرعاية بالحمّى (التعرف على الأعراض، والوعي بالخيارات العلاجية).
– الوقاية من الملاريا، وسلوك طالبي الرعاية، وعلاقتهما بالتكلفة، والتزام المرضى بالمعالجة.
– إعداد أساليب جديدة لتحسين التدبير العلاجي للملاريا، ورعاية مرضاها في المنزل، بما في ذلك زيادة قدرة الأمهات، والقائمين بالرعاية، على تعرف أعراض (الملاريا الوخيمة).
ب – تحسين التدبير العلاجي للمرض في القطاعين العام والخاص:
وتشمل القضايا المتعلقة بالبحوث في هذا المجال ما يأتي:
– وضع سياسات دوائية رشيدة لمكافحة الملاريا، بما في ذلك رصد مقاومة الطفيليات للأدوية، والنجاعة العلاجية للأدوية.
– تحسين جودة الأدوية المضادة للملاريا، والرعاية الصحية، في المستوى المحيطي، وزيادة توفيرها.
– العلاقة بين سلوك طالبي الرعاية، وغيره من عوامل الخطر، وبين حدوث (الملاريا الوخيمة).
– إعداد استراتيجيات للتدبير العلاجي لـ (الملاريا الوخيمة) في المستوى المحيطي.
– تقييم الأدوات التشخيصية الجديدة.
– تحسين عمليات التشاور بين العاملين الصحيين والمرضى (مثل توعية المرضى).
– تقوية القدرة على تنفيذ التدابير الوقائية الانتقالية.
ج – الحدّ من أثر الملاريا على الحمل:
وتشمل القضايا المتعلقة بالبحوث في هذا المجال ما يأتي:
– فهم المعارف المحلية، وممارسات الرعاية الصحية وغيرهما من العوامل التي تؤثر على الملاريا أثناء الحمل (بما في ذلك العدوى المشتركة بفيروس الإيدز، واستخدام الأدوية المضادة للعدوى بهذا الفيروس).
– إعداد وتقييم الاستراتيجيات الفعّالة لحماية الحوامل.
د – زيادة استخدام التدابير الفعالة للحماية الشخصية:
وتشمل القضايا المتعلقة بالبحوث في هذا المجال ما يأتي:
– تحديد العوامل التي تؤثر في تنفيذ برامج (التشجيع على استخدام الناموسيات المشبعة بالمبيدات) وتوزيعها وتعزيزها، خصوصاً في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء).
– فهم المدركات المحلية لاستخدام الناموسيات لمكافحة المرض، وتجنّب اللدغ المزعج.
– تقييم الأثر الطويل الأمد لاستخدام المواد المشبعة بالمبيدات على حدوث مقاومة النواقل للمبيدات، والحالة المناعية للسكان، في مختلف الأوضاع الوبائية.
ه – تحديد أهداف المكافحة الانتقائية للنواقل:
وتشمل القضايا المتعلقة بالبحوث في هذا المجال ما يأتي:
– تحديد الأوضاع الوبائية المحلية التي يمكن أن تكون فيها المكافحة الانتقالية للنواقل فعّالة، وتعيين ما يتعلق بذلك من مساهمات مختلف طرق مكافحة النواقل في هذه الأوضاع.
– رصد مقاومة النواقل للمبيدات، للمساعدة على إعداد سياسات وطنية لاستخدام المبيدات في مكافحة المرض.
– التوضيحات العملية الواسعة النطاق للمكافحة الانتقائية للنواقل.
– تقييم الخيارات المختلفة، للحدّ من الاعتماد على المبيدات، خصوصاً من أجل الرشّ داخل المباني.
و – تقوية المشاركة المجتمعية في مكافحة الملاريا:
وتشمل القضايا المتعلقة بالبحوث في هذا المجال ما يأتي:
– فهم المنظورات والقدرات المحلية للأنشطة المجتمعية المرتكز.
– تقييم مختلف الأساليب المجتمعية المرتكز لتحديد مردودها وتأثيرها؛ من حيث النتيجة، ومضمونية الاستمرار على الفئات الأكثر تعرضاً.
ز – تقوية القدرة الوطنية على اكتشاف الأوبئة:
وتشمل القضايا المتعلقة بالبحوث في هذا المجال ما يأتي:
– إعداد طرق للتكهن بالأوبئة، واكتشافها المبكر، والوقاية منها.
– تحليل الأوبئة الماضية والحاضرة، بما في ذلك المعلومات المناخية، لتحديد أسباب الأوبئة، وإعداد المداخلات المناسبة لإبطال مفعول العوامل الكامنة وراءها, أو إزالتها, وتحديد الإجراءات المستقبلة.
ح – تقوية القدرة الوطنية على تخطيط أنشطة مكافحة الملاريا وتنفيذها وتقييمها:
وتشمل القضايا المتعلقة بالبحوث في هذا المجال ما يأتي:
– تقييم أثر القطاع الصحي الوطني والإصلاحات الاقتصادية على تنفيذ أنشطة مكافحة الملاريا.
– إدارة عملية تحقيق لامركزية أنشطة المكافحة على الصعيد الوطني وصعيد المنطقة.
– تقييم مدى ملائمة نخبة من مؤشرات (الأثر، والنتيجة).
– تطوير مواد المعلومات والتثقيف والاتصال، وتقييم آثارها.
منح وسام وجائزة (دارلنغ Darling):
قامت لجنة الخبراء بدراسة مختلف الترشيحات التي تمّ تقديمها للحصول على وسام وجائزة دارلنغ، عملاً بالمادة (الخامسة) من اللوائح المختصة.
وبعد مناقشة المميزات النسبية للمرشحين في جلسة مغلقة؛ قامت اللجنة عملاً بالمادة (السابعة) برفع توصياتها، في رسالة بعثت بها إلى المديرة العامة للمنظمة، باعتبارها أمينة لجنة (مؤسسة دارلنغ).
تاسعاً: مشروع (مبادرة دحر الملاريا):
قامت حكومات البلدان التي تستوطن فيها الملاريا باعتبار الملاريا مرضاً ذا أولوية متقدّمة، وذلك فضلا ًعن تعاظم الالتزام السياسي بمكافحتها، وقد قامت المديرة العامة للمنظمة، بعد قبولها التحدي المتمثل في قيادة الجهود العالمية لمكافحة هذا المرض بإنشاء مشروع (دحر الملاريا)، وهو مشروع أقامته المنظمة لتنسيق الإجراءات العالمية في هذا المجال.
ويتألف هذه المشروع من شراكة عالمية النطاق، يساهم في إطارها جميع الشركاء بمهاراتهم ومواردهم، من أجل تحقيق أفضل أثر ممكن لمشروع (دحر الملاريا) على أنشطة المكافحة.
ويتمثل الغرض الرئيس لـمشروع (دحر الملاريا) في تخفيف العبء العالمي لهذا المرض بصورة ملموسة، من خلال مداخلات مكيفة وفقاً للاحتياجات المحلية، ومن خلال تقوية القطاع الصحي.
المفاهيم الأساسية لهذه المبادرة:
تناول مشروع (مبادرة دحر الملاريا) (باعتبارها قضية صحية ذات أولوية، في إطار تطوير القطاع الصحي، تستلزم تعزيز التعاون بين القطاعات، واعتبار المجتمع شريكاً في هذا المشروع) ما يأتي:
– قيام المنظمة بتقديم الدعم الاستراتيجي لشراكة عالمية، تشمل المنظمات التابعة لمنظومة الأمم المتحدة (منظمة الأمم المتحدة للأطفال، وبرامج الأمم المتحدة الانمائي)، والبنك الدولي، والحكومات الوطنية للبلدان المستوطنة بالملاريا، والوكالات المانحة الثنائية، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني.
– قيام المنظمة بالعمل كمؤسسة متحدة، عن طريق توزيع برامجها على الشيوع، داخل المقر الرئيس والمكاتب الإقليمية والقطرية، من أجل معالجة مشكلة الملاريا.
ويحقّق مشروع (دحر الملاريا) أغراضه عن طريق ما يأتي:
– توفير خدمات الوقاية والمعالجة المبكرة، الموثقة والمضمونة الاستمرار، للسكان المتأثرين.
– الاستثمار في البحوث، واستنباط الأدوات الفعالة والرخيصة الثمن.
– بناء الموارد البشرية والمؤسسية وتعزيزها.
– تقييم الإنجازات في ضوء الأهداف الواضحة التحديد.
وتقوم الشراكة العالمية في إطار مشروع (دحر الملاريا) بما يأتي:
– دعم شراكات الحكومات والبلدان.
– تقوية القطاع الصحي.
– رصد المدى الجغرافي لانتشار المرض (الانتشار الجغرافي للمرض)، وقياس نتائج المداخلات.
– رفع الكفاءة والقدرة التقنية، عن طريق بناء الشبكات التقنية ودعمها، وشبكات البحث، في البلدان المستوطنة بالملاريا.
– تنسيق جهود الشراكات القطرية، عن طريق تعزيز العمل الجماعي، وتبادل المعلومات المتعلقة ببرامج الملاريا، بغية تحسين عمليات تخصيص الموارد واستخدامها.
ومشروع (دحر الملاريا) مشروع محدد المدة بخمسة أعوام، وسوف يركز في البداية على البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء)، حيث يبلغ عبء الملاريا أقصاه، ثمّ يمتد ليشمل مناطق أخرى من العالم.
وقد بدأت مرحلته التحضيرية، ويُنتظر أن تكون طليعة البلدان مستعدة لتنفيذ خطط (دحر الملاريا) واستراتيجياته بحلول سنة 2000م.
وقد صادقت لجنة الخبراء على الأساس التقني لهذه المبادرة، ورحبت بها، باعتبارها تطوراً رئيساً آخر في المعركة ضد الملاريا.
عاشراً: النتائج والتوصيات:
ثبتت في جميع أنحاء العالم صلاحية (مبادئ الاستراتيجية العالمية لمكافحة الملاريا) منذ المصادقة على هذه الاستراتيجية في عام 1992م، وقد ساهمت الجهود التي قامت المنظمة بتنسيقها في الأعوام الأخيرة – من أجل وضع الملاريا على رأس جدول الأعمال السياسي، خصوصاً في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء) – في وضع أساس متين للحدّ من أثر هذا المرض.
وتوجد حالياً، في أكثرية البلدان المستوطنة بالملاريا، برامج لمكافحتها في مختلف مراحل تنفيذ خطط العمل الواقعية، وقد أدى تنفيذ هذه الخطط إلى انخفاض ملاحظ في معدلات المرضى والوفيات الناجمة عن الملاريا في بعض البلدان (مثل البرازيل، وتايلاند، وعمان، وفانواتو، وفيتنام، وكولومبيا، ومصر، وبعض ولايات الهند)، كما أتاح لبعضها الآخر (ومنها: تونس وقبرص وبعض بلدان شمال إفريقيا) الإبقاء على خلوّها من الملاريا.
والدرس الواضح المستفاد من ذلك هو أنّه من الممكن مكافحة الملاريا باستخدام الأدوات المتاحة حالياً، ومع ذلك فلا مجال للرضا عن النفس، نظراً إلى أنه لا يزال يتعين مواجهة التحدي الأكبر المتمثل في تحقيق إنجاز مماثل في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء)، كما يتعين ضمان استمرار الإنجازات الحالية، في مواجهة المشكلات التقنية، بما في ذلك انتشار مقاومة الطفيليات للأدوية.
وفي حين حقّقت الأدوات الموجودة بعض الأثر على معدلات المرضى والوفاة بسبب الملاريا؛ فإنّ أبرز إنجاز هو التدليل على انخفاض معدلات وفيات الأطفال نتيجة لاستخدام الناموسيات المشبعة بالمبيدات، في طائفة من الأوضاع الوبائية في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء).
وقد اتضح من التجربة أنه لا يمكن المحافظة على استمرار تحسن وضع المرض إلا بمحافظة الحكومات على التزامها بمكافحة الملاريا، ثمّ إنّ هناك حاجة إلى توسيع الخدمات الصحية، خصوصاً في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء)، ولا بد من مواصلة البحوث والتطوير وتقويتها، من أجل توفير الأدوات والأساليب الجديدة التي يستلزمها تغيير وضع الملاريا.
وفي غياب اللقاحات ذات الأثر الفعّال (التشغيلي) على الملاريا؛ يكون من الضروري – بوجه خاص – وجود أدوية جديدة، نظراً لقلة الخيارات من الأدوية، وتزايد مقاومة الطفيليات للأدوية الموجودة، كما أنه لا بد من تحسين الأدوات التشخيصية، وخفض أسعارها.
الإحالات والهوامش:
(*) رئيس تحرير مجلة صحتك.
(1) وهو مشروع واسع النطاق للرعاية الصحية الأولية في البلدان الإفريقية (جنوبي الصحراء الكبرى)، يساهم المجتمع في إطاره في التمويل الصحي، عن طريق اعتماد دوّار للأدوية.
(2) ك. مارش: الاتصال الشخصي، 1998م.
(3) ماكيزا: الاتصال الشخصي، 1997م، ص (20 – 33).
(4) يمكن أن تشمل المسوحات استبيانات خاصة؛ لتقييم أنشطة مكافحة الملاريا التي يقوم بها المجتمع