على مدار يومي الثالث والرابع من مارس 2024 قام رئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو بأول زيارة يقوم بها رئيس أفريقي إلى إسرائيل منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة, حيث بدأ زيارته بالذهاب إلى تل أبيب والتقي خلالها بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في مكتبه, ثم أعقب ذلك بزيارته إلى مدينة رام الله بالضفة الغربية في اليوم التالي, حيث التقي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس, وتأتي زيارة رئيس غينيا بيساو لإسرائيل عقب ادانة قادة الاتحاد الأفريقي لها خلال انعقاد القمة الأفريقية الـ37 والتي عقدت في 17-18فبراير الماضي, حيث وصف بيان القمة العدوان على غزة بالحرب الوحشية ضد أكثر من 2 مليون مدني في غزة, مطالبا إسرائيل بوقف إطلاق النار ومنع الإبادة الجماعية في القطاع, وبقدر ما يتم الترويج للزيارة على كونها بمثابة وساطة للسلام ومساعي لوقف إطلاق النار, إلا أنها يحيط بها العديد من الخفايا والأسرار, والتي يمكن تناولها في ثنايا هذه الدراسة الباحثة عن الحقيقة والمحاولة للكشف عنها, وذلك من خلال المحاور التالية :
المحور الأول: تفاصيل زيارة رئيس غينيا بيساو إلى إسرائيل
جاءت زيارة رئيس غينيا بيساو إلى إسرائيل بموجب دعوة موجهة إليه من قبل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ , حيث استجاب الرئيس سيسوكو للدعوة الإسرائيلية , وبدأ زيارته إلى إسرائيل في مساء الأحد 3 مارس 2024, لتكون هذه الزيارة هي أول زيارة لرئيس دولة أفريقي إلى إسرائيل منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة .
فعلي الجانب الإسرائيلي: استقبل الرئيس الإسرائيلي رئيس غينيا بيساو في مكتبه في تل أبيب, معربا عن سروره بالزيارة, قائلا له أنه صديق حقيقي لإسرائيل , ومعلنا عن بالغ سعادته عندما علم أن الرئيس عمر سيسوكو قد درس في إسرائيل, مذكرا له بلقاءاتهم في الماضي وكيف كان يرحب الرئيس سيسوكو به دائما باللغة العبرية, كما أضاف الرئيس الإسرائيلي , ” أنهم لن ينسوا أصدقائهم أبدا , حيث أشار إلى كون الرئيس سيسوكو كان يقف بجانب إسرائيل في كل الأوقات حتي هذا الوقت العصيب “, مشيدا بدعم الرئيس سيسوكو لإسرائيل داخل الاتحاد الأفريقي, واصفا ذلك بالصداقة الحقيقية, واعدا إياه بأن إسرائيل سوف تساعده شخصيا وتساعد شعب غينيا بيساو بكل الطرق الممكنة.
بالإضافة إلى ما سبق فقد أعلن الرئيس الإسرائيلي عن تفاصيل المحادثة السابقة بينه وبين الرئيس سيسوكو, مشيدا بحديث سيسوكو خلالها والذي أعلن عنه الرئيس الإسرائيلي قائلا “لقد قلت لي في محادثتنا الأخيرة: لقد تعرضت لهجوم همجي وقاس من قبل إرهابيي حماس ونحن نقف إلى جانبك”، مشيدا بكلامه واصفا له بأنه موقف واضح لأنه هو الحقيقة , رغم عدم تبنيه من كل دول أفريقيا”.
ومن جانب غينيا بيساو : فقد علق الرئيس عمر سيسوكو على تصريحات الرئيس الإسرائيلي قائلا له “أنه سعيد للغاية بوجوده معهم, مدركا الوصول إلى لحظة أزمة عميقة بين الشعبين اللذين يعيشان هنا – بين شعب إسرائيل والشعب الفلسطيني، معلنا أنه جاء ليري ما يمكنه القيام به كرسول للسلام, مؤكدا علمه جيدا بثمن الحرب وعبئها، وأن الحرب هي دائما الملاذ الأخير والأكثر فظاعة, وأن أي شيء يمكن أن تساهم به غينيا بيساو لتحقيق المفاوضات سوف تفعله, مضيفا أن غينيا بيساو وشعبها يقفون إلى جانبكم ومستعدون للمساعدة بأي طريقة ممكنة لتعزيز التفاهمات والاتفاقات والحوار بينكم وبين جيرانكم “.
المحور الثاني : خفايا وأسرار زيارة رئيس غينيا بيساو إلى إسرائيل
إذا حاولنا الوقوف أمام التصريحات التي قيلت خلال هذه الزيارة وتحليل مضمونها يمكن أن نكشف عن العديد من الخفايا والأسرار المحيطة بزيارة رئيس غينيا بيساو إلى الكيان الصهيوني, حيث يسعي الطرفين إلى تحقيق مجموعة من الأهداف والمصالح الخاصة بهم من خلال تلك الزيارة, ويمكن تسليط الضوء عليها فيما يلي :
أ-فيما يتعلق بالجانب الإسرائيلي :
1-رغبة الجانب الإسرائيلي في إظهار قدرته على اختراق القارة الأفريقية واستمراره فيها مستقبلا :
وذلك يتضح من قيام إسرائيل بتوجيه الدعوة إلى رئيس غينيا بيساو لزيارتها وسرعة استجابته لذلك الطلب, فالزيارة لم تكن بموجب مبادرة أو طلب من رئيس غينيا بيساو ليكون رسول سلام أو وسيط لوقف العدوان على غزة, وإنما كانت بدعوة من إسرائيل لشخص رئيس غينيا بيساو, حيث تم استخدامه خلال هذه الزيارة لإظهار التغلغل الإسرائيلي في القارة , بعدما تم الكشف عن دراسة رئيس غينيا بيساو في إسرائيل وحديثه باللغة العبرية خلال اتصاله معهم , وما يحمله ذلك الكشف من إشارات توحي بدور إسرائيل في صناعة واختيار ودعم بعض الشخصيات الأفريقية المرتبطين معها بعلاقات قديمة, وإيصالهم إلى السلطة, وهو ما تريد إسرائيل التأكيد عليه أفريقيا خاصة بعد الانتقادات الحادة التي تعرضت لها داخل أفريقيا منذ عدوانها الغاشم على غزة, بل وقيام جنوب أفريقيا برفع دعوي قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة السعي للإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة, ومالقيه من ترحيب دولي وأفريقي جعل الكيان الصهيوني في حالة قلق على مصالحه داخل القارة الأفريقية فسارع من خلال تلك الزيارة لمحاولة الحفاظ عليها , والاستمرار فيها مستقبلا بدعم رئيس غينيا بيساو.
2-محاولة إظهار عدم وجود إجماع داخل الاتحاد الأفريقي فيما يتعلق بإدانة إسرائيل :
تتصاعد مخاوف إسرائيل منذ إدانة الاتحاد الأفريقي لها بسبب عدوانها على غزة, وذلك خلال اجتماع القمة الأفريقية الـ 37 والتي عقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على مدار يومي 17-18 فبراير الماضي, حيث وصف رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسي فكي محمد, خلال خطابه أمام رؤساء الدول والحكومات الأفارقة المشاركين في القمة, الهجوم الإسرائيلي بأنه أكثر فظاعة وانتهاكا للقانون الدولي الإنساني, متهما إسرائيل بالإبادة الجماعية لسكان غزة, مدينا بشدة هذه الهجمات الإسرائيلية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية, داعيا إلى إنهائه فورا , ومؤكدا على تضامن الاتحاد الأفريقي مع الشعب الفلسطيني, ودعمه الكامل لحريته في تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة.
وفي ذات الوقت فقد أشاد غزالي عثماني رئيس جزر القمر وهو الرئيس المنتهية ولايته للاتحاد الأفريقي في خطابه أمام القمة بالقضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية, مدينا الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل تحت أنظار المجتمع الدولي, داعيا المجتمع الدولي إلى عدم إغماض عينيه عن الفظائع المرتكبة في فلسطين والتي كانت لها عواقب وخيمة على بقية العالم. كما إن ممثلة الـتحاد الأفريقي الدكتورة هاجر قلديش خلال مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية دعت إلى محاكمة إسرائيل لأن افلاتها الدائم من العقاب هو الذي يشجع انتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني.
وفضلا عن ذلك فقد أعلن إبيا كالوندو المتحدث باسم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي أن إسرائيل ليست مدعوة لحضور قمة الاتحاد الأفريقي, وفي المقابل فرش الاتحاد الأفريقي السجادة الحمراء لرئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية, والذي حظي بالتصفيق الطويل أثناء تواجده في اجتماع القمة من قبل رؤساء الدول والحكومات الأفريقية , كما خاطبهم قائلا ” إن الفلسطينيين يدافعون عن وطنهم كما دافعتم أنتم في أفريقيا عن أراضيكم ضد الاستعمار”.
وبجانب ما سبق فقد أدان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي يوم 2 مارس الجاري عمليات القتل الجماعي للفلسطينيين والتي وقعت في 29 فبراير الماضي على يد جنود إسرائيليين , ودعا إلى إجراء تحقيق دولي في هذه العمليات, مع ضرورة الوقف الفوري غير المشروط لإطلاق النار .
ونظرا لكل هذه المواقف الأفريقية المناهضة لإسرائيل, والتي تم اتخاذها بصورة جماعية من قبل الاتحاد الأفريقي, أو تم اتخاذها من قبل بعض دول القارة الأفريقية كجنوب أفريقيا, فإن إسرائيل حاولت من دعوتها لرئيس غينيا بيساو للزيارة أن تظهر عدم وجود إجماع ضدها داخل الاتحاد الأفريقي , وذلك يتبين من حديث الرئيس الإسرائيلي الذي يشكر فيه موقف رئيس غينيا بيساو الداعم لإسرائيل داخل الاتحاد الأفريقي, وتبنيه للرواية الإسرائيلية التي تدين المقاومة الفلسطينية, في محاولة لإظهار وجود انقسام أفريقي حول العدوان الصهيوني على غزة.
3-السعي من جديد للحصول على صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي بدعم غينيا بيساو :
خلال القمة الأفريقية الـ 37 السالف ذكرها تم اتخاذ قرار نهائي برفض اعتماد إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي, وذلك بعد عدوانها غير المسبوق على قطاع غزة والشعب الفلسطيني, ويأتي هذا القرار بعد عام من حادثة طرد الوفد الإسرائيلي بقيادة شارون بار لي نائب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية لشؤون أفريقيا, ومنعه من حضور قمة الاتحاد الأفريقي الـ 36 في فبراير 2023 , وذلك بفضل جهود دولتي جنوب أفريقيا والجزائر, اللتان رفضتا تمثيل وقبول عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي وهددتا بالانسحاب من القمة الـ 36, وهو ما أدي إلى تأجيل قرار البت في منح إسرائيل العضوية بالمراقبة بصورة نهائية للقمة الـ 37, والتي جاء انعقادها متواكبا مع عدوان إسرائيل على غزة , ليسفر ذلك عن قرار تعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي, مع غلق الملف المتعلق باعتمادها كعضو مراقب في الاتحاد, ويذكر أنه بعد نجاح إسرائيل في تطبيع علاقاتها مع نحو 46 دولة أفريقية, كانت قد تمكنت من الحصول على صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي في يوليو 2021 , حيث كان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسي فكي محمد قد قرر اعتماد إسرائيل ومنحها صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي, وذلك يبدو أنه تم بمساعدة حلفاء إسرائيل داخل القارة والممثلين في كل من إثيوبيا, ورواندا, وكينيا, والكونغو الديمقراطية, وتوجو, وغانا, وآخرهم غينيا بيساو, غير أن هذا القرار أدي إلى حدوث انقسام أفريقي كبير, تم بموجبه مراجعة القرار وإخضاعه للتأجيل للبت فيه خلال القمة الأفريقية لعام 2022 , والذي ظل مؤجلا حتي قمة 2024 التي بتت فيه نهائيا بغلق الملف, وهو ما يمثل انتكاسة كبيرة لإسرائيل, وضياع جهودها الدبلوماسية التي قامت بها على مدار ثلاثة أعوام, بل إن مجرد وجود ممثلين لإسرائيل في مقر الاتحاد الأفريقي أصبح أمر مستهجن ومرفوض, حيث أن وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور أعربت عن قلقها بشأن وجود ممثلين لإسرائيل في مقر الاتحاد الأفريقي, حيث شوهد سفير إسرائيل لدي إثيوبيا داخل مقر الاتحاد الأفريقي, فضلا عن قيام شارون بار لي المطرود سابقا بعقد اجتماعات سرية في أديس أبابا, لمحاولة التصدي لقرارات الاتحاد الأفريقي وهو ما لم ينجح فيه.
وإذا نظرنا إلى الدور الكبير الذي لعبه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في منح إسرائيل صفة عضو مراقب في الاتحاد عام 2021, لما يملكه من صلاحيات إدارية وتنفيذية داخل الاتحاد وقدرته على التأثير في قرارات رؤساء الدول والحكومات وبناء صفقات سياسية معهم , نجد أن إسرائيل تحاول اللعب من جديد على نفس الحبل ومحاولة الحصول على صفة عضو مراقب من جديد, وذلك بدعم من غينيا بيساو , حيث أن الرئيس عمر سيسوكو وفقا للمعلومات التي تم الكشف عنها, كان قد قرر ترشيح وزيرة الخارجية والمجتمعات في غينيا بيساو “سوزي كارلا باربوسا ” وهي من أقرب معاونيه, لخلافة موسي فكي محمد في رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي, والذي تنتهي مدة ولايته الثانية في رئاسة المفوضية مع حلول عام 2025, غير أن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأفريقي الذي عقد في 15 مارس الجاري قد أقر مبدأ التناوب على منصب رئيس المفوضية وفقا للترتيب الأبجدي باللغة الإنجليزية, وهو ما يعطي منطقة شرق أفريقيا حق الترشح لمنصب رئيس المفوضية هذه المرة, حيث أعلن رايلا أودينجا زعيم المعارضة الكينية ترشحه لهذا المنصب, مدعوما من غريمه رئيس كينيا ويليام روتو, وبدعم أوغندا ورواندا كذلك, وهي دول حليفة لإسرائيل, كما أن رايلا أودينجا نفسه له علاقات سابقة مع إسرائيل عندما كان وزيرا حيث بني علاقات تعاون معها, لكن لكي يفوز بالمنصب يحتاج دعم أغلبية ثلثين أصوات الدول الأفريقية في الاتحاد الأفريقي, ولهذا فإن زيارة رئيس غينيا بيساو إلى إسرائيل قد تحمل آمالا جديدة لها تمكنها من دعم المرشح الأمثل لإسرائيل ليحصل على منصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي, ومن خلال حشد رئيس غينيا بيساو لدول غرب ووسط أفريقيا فضلا عن الدول الناطقة بالبرتغالية في القارة لتدعم المرشح الذي يرعي مصالح إسرائيل في رئاسة المفوضية, والذي يمكن التعويل عليه مستقبلا في فتح ملف عضوية إسرائيل مجددا في الاتحاد الأفريقي والسعي إلى منحها تلك العضوية التي تسعي إليها إسرائيل, بجانب قيامه برعاية مصالح إسرائيل في داخل الاتحاد الأفريقي, والتصدي بصورة غير مباشرة للقرارات والمواقف التي قد يسعي الاتحاد الأفريقي لإصدارها ضد إسرائيل, ومنع صدورها, بل في حالة تولي غينيا بيساو الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي يمكن أن تسعي لدعم إسرائيل في الحصول على العضوية بالمراقبة مجددا , كما فعل رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي عندما تولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي في 2021 , فقد كان أحد الأعمدة التي ساعدت إسرائيل حينها في الحصول على صفة عضو مراقب.
4-خشية إسرائيل من حدوث تحالف دولي بين دول جنوب الجنوب يساهم في عزلها دبلوماسيا:
فبعد قيام الاتحاد الأفريقي بجهود ملموسة في إدانة إسرائيل وتصويت غالبية الدول الأفريقية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة, بل ومشاركة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في حضور القمة الأفريقية الـ 37 في أديس أبابا, معلنا إدانته لإسرائيل لارتكابها إبادة بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة, مشبها ما تقوم به إسرائيل تجاههم بالمحرقة النازية خلال الحرب العالمية الثانية, فضلا عن قيام الرئيس البرازيلي قبل تلك الخطوة بزيارة جامعة الدول العربية, أشار خلالها إلى أنه لن يكون هناك سلام دون إقامة دولة فلسطينية داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار, وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة, والاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
ويأتي موقف البرازيل متسقا مع مواقف العديد من دول أمريكا الجنوبية الرافضة للعدوان على غزة والداعمة للشعب الفلسطيني وعلي رأس تلك الدول فنزويلا, كوبا, تشيلي, كولومبيا, بوليفيا, هندوراس, ولذلك انزعجت إسرائيل من تلك المواقف التي إذا ما تم البناء عليها في إطار تعاون جنوب – الجنوب, يمكن أن يكون هناك تحالف دولي مكون من دول القارة الى الافريقية, ودول أمريكا اللاتينية, بقيادة الدول المحورية في كلا المنطقتين كجنوب أفريقيا والبرازيل لفرض عزلة دبلوماسية على إسرائيل ومحاصرتها دوليا, مع التصويت ضدها داخل المنظمات الدولية, بجانب التعاون المشترك بين هذه الكتلة لصالح دعم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة, والعمل على الاعتراف بها دوليا, والسعي لذلك بالتعاون بين الاتحاد الأفريقي والتكتلات الإقليمية والمنظمات الدولية في أمريكا الجنوبية.
ومع إدراك إسرائيل لخطورة الترتيبات التي تتم بين الاتحاد الأفريقي وبعض دول أمريكا اللاتينية كالبرازيل, فقد سعت إسرائيل من خلال استقدام رئيس غينيا بيساو إلى زيارتها للعمل على إفشال مثل ذلك التحالف, وذلك لكون رئيس غينيا بيساو أصبح مؤخرا معروف دوليا بعدما قام بالعديد من الزيارات والجولات الخارجية وعلي رأسها زيارته إلى كل من روسيا, وأوكرانيا, والفاتيكان, وهو ما يمكنه من محاولة إيصال وجهة نظر إسرائيل المتعلقة بالحرب لباقي الدول في أفريقيا وخارجها, وبالتالي يقلل من فرص التحالف جنوب الجنوب ضدها, ولا يسمح بقطع العلاقات مع إسرائيل وعزلها دبلوماسيا.
5- محاولة تفتيت الكتلة التصويتية الأفريقية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة بدعم غينيا بيساو :
حيث نلاحظ أن غالبية الدول الأفريقية كانت قد صوتت لصالح دعم فلسطين والقضية الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة, فعندما تبنت الجمعية العامة قرارا بشأن غزة يدعو إلى هدنة إنسانية وفورية ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية, في 26 أكتوبر الماضي نجد أن السلوك التصويتي للدول الأفريقية كان داعما ومؤيدا للقرار بقوة, حيث تم التصويت لصالح القرار من قبل 121 دولة عضو في الأمم المتحدة, بينما تم معارضته من قبل 14 دولة, وامتنع عن التصويت 44 دولة, ونجد أن الدول الأفريقية التي شاركت في الامتناع عن التصويت على ذلك القرار هي كل من ( إثيوبيا – جنوب السودان – الكاميرون – زامبيا – جمهورية الرأس الأخضر – تونس ) كما أن كل من ( توجو – بنين – ليبيريا –بوركينا فاسو- ساوتومي وبرنسيبي –رواندا- بوروندي – سيشل-اسواتيني ) لم تشارك هي الأخرى في دعم ذلك القرار.
وكذلك فيما يتعلق بالقرار غير الملزم الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر 2023 بشأن وقف إطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية والسماح بإدخال المساعدات لها, نجد أيضا أن غالبية الدول الأفريقية قد صوتت لصالح ذلك القرار, ولم تعارضه غير دولة أفريقية وحيدة هي(ليبيريا) , كما امتنع عن التصويت عليه الدول الأفريقية التالية (توجو –الكاميرون-جمهورية الرأس الأخضر – غينيا الإستوائية –جنوب السودان – مالاوي).
ورغبة من إسرائيل في محاولة تفتيت الكتلة التصويتية الإفريقية ضدها في المنظمات الدولية فإنها بدعوتها رئيس غينيا بيساو إلى تلك الزيارة, وحديث الرئيس الإسرائيلي أنه سوف يقدم مساعدات شخصية لرئيس غينيا بيساو , فضلا عن مساعدة شعبه بكل الطرق الممكنة, فإنه يحمل رسائل مبطنة إلى رؤساء باقي الدول الأفريقية , ومحاولة لاستقطابهم من خلال منحهم مساعدات شخصية لهم, وذلك في مقابل تعاونهم مع إسرائيل وعلي رأس ذلك التعاون عدم التصويت ضدها داخل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي, وفي ظل الأزمات السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها العديد من دول القارة, قد تنجح إسرائيل في استقطاب دول أفريقية أخرى إلى حظيرتها, مقابل إبرام صفقات سياسية معها, وبرعاية خفية من رئيس غينيا بيساو الذي كسر الحاجز المتصاعد ضد إسرائيل في أفريقيا بتلك الزيارة.
6-السعي لاختراق دول مجموعة إيكواس من جديد بدعم غينيا بيساو:
إذا علمنا أن رئيس غينيا بيساو كان هو الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWAS خلال عام 2023, وهو ما مكنه من تعزيز علاقاته مع رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في المنظمة, فضلا عن اطلاعه على الملفات الهامة داخل التكتل وقدرته في التأثير على صناعة القرار داخل المنطقة حتي بعد تولي رئيس نيجيريا رئاسة الإيكواس الدورية خلفا له, نجد أن إسرائيل تحاول استخدام تلك المؤهلات التي منحت لرئيس بيساو, وذلك من خلال تأثيره على رؤساء دول غرب أفريقيا وخاصة في سلوكهم التصويتي تجاه إسرائيل, فبعدما كانت إسرائيل قد حصلت على مكاسب دبلوماسية كبيرة داخل الإيكواس, وعلي رأس تلك المكاسب قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحضور القمة العادية الـ 51 للمجموعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) والتي عقدت في ليبيريا للمرة الأولي بتاريخ 4 يونيو 2016 , كما أنها القمة الأولى التي يشارك في حضورها رئيس غير أفريقي , حيث ألقي نتنياهو كلمة أمام رؤساء القمة دعا خلالها الزعماء الأفارقة للشراكة مع إسرائيل, قائلا “أن القارة لها مستقبل مع إسرائيل وخاصة في مجال التكنولوجيا والزراعة والأمن, وأن إسرائيل ستحقق أحلام القارة وتساهم في إيجاد حلول لمشاكلها والتغلب على التحديات الأفريقية المتعددة ولن يجد الأفارقة شريك أفضل من إسرائيل لتحقيق ذلك “. وأعلن كذلك عن استثمار ضخم بقيمة مليار دولار أمريكي في مجال الطاقة الشمسية مع دول المجموعة, وتخصيص 20 مليون دولار أمريكي للتعاون مع ليبيريا , كما دعا زعماء الإيكواس خلال القمة إلى دعم إسرائيل في الحصول على صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي, بجانب دعوته لهم للمشاركة في حضور القمة الإسرائيلية الأفريقية الأولي تحت شعار “إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تأتي إلى إسرائيل”, والتي كان مقررا عقدها خلال الفترة من 23-27 أكتوبر 2017 في جمهورية توجو, غير أن هذه القمة لم تعقد بسبب التهديدات بمقاطعتها بفضل جنوب أفريقيا, حيث تم الإعلان عن تأجيلها وفشلت إسرائيل في عقدها لاحقا, وقد أسفر حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي لقمة إيكواس عن عدد من النتائج, أبرزها زيارة رئيس مفوضية الإيكواس “مارسيل آلان دي سوزا “, لإسرائيل في يوليو 2016 وهو أول رئيس مفوضية للإيكواس يزور إسرائيل, وكان يحمل جنسية بنين وتوفي في 2019, كما تلى ذلك مشاركة 13 دولة من دول غرب أفريقيا في مؤتمر زراعي في إسرائيل نظمته ” الوكالة الإسرائيلية للتعاون الإنمائي الدولي” في ديسمبر 2016 , استمر لمدة 3 أيام حضره وزراء من (نيجيريا , وتوجو , وليبيريا , وغينيا , والرأس الأخضر , وسيراليون , وجامبيا) , وشارك فيه أيضا كبار المسؤولين من دول (بنين, بوركينا فاسو, ساحل العاج, غانا, غينيا بيساو, السنغال).
ورغم هذه النجاحات الدبلوماسية لإسرائيل في منطقة غرب أفريقيا, وقدرتها على اختراقها, لكن شعبيتها تراجعت مؤخرا بين دول المجموعة, ويتضح ذلك في سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو المشاركة في قمة الإيكواس التي عقدت في نيجيريا لاحقا غير أن حكومة نيجيريا رفضت مشاركته, بجانب دعم دول المجموعة للقضية الفلسطينية والوقوف بجانب غزة خلال العدوان الصهيوني المستمر عليها حتى الآن, ولذلك يبدو أن إسرائيل تسعي إلى استخدام رئيس غينيا بيساو لاستعادة نفوذها داخل دول مجموعة إيكواس, وطلب دعمهم في عضوية الاتحاد الأفريقي, ومحاولة إحياء عقد القمة الإسرائيلية الأفريقية من جديد, فضلا عن تجنب التصويت ضدها داخل المؤسسات الدولية, وهو هدف كان نتنياهو قد أعلن عنه للصحافة المحلية قبيل حضوره لقمة إيكواس 2016, حيث قال أنه يسعي إلى تفتيت الكتلة التصويتية العملاقة القادمة من أفريقيا والتي تبلغ 54 دولة والتي تشكل أساسا للأغلبية التلقائية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة والهيئات الدولية. وبجانب ما سبق فإن مجموعة دول غرب أفريقيا هامة لإسرائيل نظرا لكونها يتواجد فيها العديد من الدول الصغيرة الحليفة لإسرائيل كتوجو, وليبيريا, والتي تستطيع إسرائيل اختراقها وتمرير أهدافها في القارة الأفريقية وتنفيذ سياستها الخارجية من خلالها وفقا لما يراعي مصالحها.
7-رغبة إسرائيل في حماية مصالحها التجارية في غرب أفريقيا:
نظرا لكون إسرائيل لديها مصالح تجارية كبيرة في منطقة غرب أفريقيا كالفرص الاستثمارية التي توفرها دول المنطقة لرجال الأعمال الإسرائيليين, فضلا عن احتمالات مشاركة إسرائيل في عمليات تهريب المخدرات, وتجارة السلاح, والتنقيب عن الذهب والألماس والتجارة فيهما بصورة غير مشروعة, والتي تنتشر في العديد من دول غرب أفريقيا, وتود إسرائيل الحفاظ على تواجدها فيها, وخاصة في دولة غينيا بيساو التي تعد من أكبر دول العالم في تجارة المخدرات والكوكايين بل كان يشرف على تجارة المخدرات فيها كبار رجال الجيش كرئيس أركان الجيش أنطونيو إندجاي, وقائد القوات البحرية خوسيه بوبو نا تشوتو, وعدد من كبار قيادات الجيش الذين تم القبض على بعضهم من قبل قوات الشرطة التابعة لأمريكا الشمالية لتهريبهم المخدرات إلى الولايات المتحدة ودول أمريكا الشمالية, بل إن رئيس وزراء غينيا بيساو السابق نونو جوميز نابيام كان قد صرح في 2021 أن هناك طائرة تابعة لرئاسة الجمهورية في غينيا بيساو تحمل مخدرات وأسلحة, كما صرح في يناير الماضي خلال مسيرة شعبية أن المخدرات متوفرة بكثرة في ساحة غينيا بيساو مما جعله محل نقد من قبل وزير الداخلية, وفضلا عن ذلك يسافر العديد من الأشخاص الفارين من العدالة من دول أخرى إلى غينيا بيساو ويلجؤون للبلاد تحت ستار أنهم رجال أعمال ورجال اقتصاد, مع اشتغالهم بتجارة المخدرات في الباطن, والذي لا يستبعد أن يكون منهم شخصيات إسرائيلية, ولهذا فإن حاجة إسرائيل للحصول على مكاسب من تجارة المخدرات في أفريقيا, وخاصة عن طريق غينيا بيساو قد ازدادت بعد عدوانها على غزة.
ب-فيما يتعلق بجانب غينيا بيساو:
يوجد مجموعة من المصالح الخفية التي يسعي رئيس غينيا بيساو إلى تحقيقها من خلال زيارته إلى إسرائيل يمكن عرضها فيما يلي:
1-الحصول على دعم إسرائيل خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة :
فمن المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية في غينيا بيساو في أواخر العام الجاري 2024, أو خلال العام القادم 2025, حيث لم يحسم الخلاف بين الرئيس والمعارضة لتحديد موعد الانتخابات, والتي سيكون الرئيس الحالي عمر سيسوكو إمبالو مرشحا خلالها لولاية رئاسية ثانية مدتها 5 سنوات, وينافس فيها قوي المعارضة الشرسة التي لن تجعل مسألة فوزه وحسمه للولاية الثانية أمرا سهلا, بل ستسعى بكل قوة إلى تنحية الرئيس إمبالو عن السلطة, أو على الأقل عدم السماح له بحسم الفوز من الجولة الأولي وإرغامه على إجراء جولة إعادة قد تنجم عن حدوث أزمة سياسية, لتعود أزمة انتخابات 2019 التي فاز خلالها الرئيس الحالي عمر سيسوكو في الجولة الثانية أمام المنافس القوي دومينغوس سيمويس بيريرا, حيث طعن الأخير في النتائج الانتخابية وحدثت أزمة ما بعد الانتخابات والتي تدخلت فيها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” ودعمت فوز سيسوكو, والذي لم يحظى بموافقة ودعم البرلمان وظل فوزه محل شك, بل تم تنصيبه للرئاسة في أحد فنادق العاصمة حينها, ونظرا لدور إسرائيل السابق وعملياتها الخفية في المشهد السياسي الأفريقي, وتدخلها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تحدث في دول القارة, والتي تقوم خلالها اسرائيل باستخدام تقنيات حديثة وخبراء متخصصين في إدارة وتوجيه أصوات الناخبين داخل الدول الأفريقية, والعمل على التلاعب بالرأي العام وتوجيهه لصالح دعم مرشح معين, فضلا عن تشويه صورة منافسيه في الانتخابات, واستخدام شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من منصات الكترونية لصناعة تكتل انتخابي يدعم المرشح الذي تقرر دعمه, فيمكن أن تكون زيارة الرئيس سيسوكو إلى إسرائيل قد تضمنت طلب دعمه خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة سواء من خلال عمليات القرصنة الانتخابية, أو حتي من خلال الحصول على دعم مادي من إسرائيل لتمويل حملته الانتخابية, التي ستحتاج إلى تمويل كبير , في مقابل بعض المرشحين الذين ينفقون ببذخ خلال الحملات الانتخابية في غينيا بيساو , والتي قيل أن هناك شخصيات من كبار رجال الدولة الذين يعملون في تجارة المخدرات يقومون بتمويل حملات أنصارهم الانتخابية من عوائد هذه التجارة.
2-احتمالية طلب الحصول على برامج تجسس الكتروني من إسرائيل:
نظرا لكون البيئة السياسية مضطربة في غينيا بيساو , مع تجذر الأزمات السياسية فيها, ووجود محاولات مستمرة للانقلاب على الرئيس عمر سيسوكو كان آخرها في 2 ديسمبر 2023 , فإن الرئيس سيسوكو لا يشعر بالأمان على نفسه من كثرة المؤامرات السياسية التي تحيط به من قبل خصومه, وبل وحلفاؤه الغير راضين عنه داخليا, ويسعون إلى إزالته من السلطة, ونظرا لكون إسرائيل من أبرز الدول التي تبيع برامج التجسس الإلكتروني وعلي رأسها برنامج بيجاسوس الذي تصدره شركة (NSO) الإسرائيلية , وهي شركة تكنولوجيا متخصصة في صناعة برامج التجسس والإستخبارات الإلكترونية, حيث تقوم إسرائيل ببيع برامج التجسس هذه للحكومات والذي من خلالها يتم اختراق هواتف وحواسيب المعارضين للحكومة, والتمكن من الاطلاع على الرسائل والصور وجهات الاتصال بل وحتي الاستماع إلى المكالمات التي تتم على الهواتف والأجهزة المخترقة, ويذكر أنه كان قد تم الكشف عن تعرض العديد من المعارضين والصحفيين والحقوقيين والساسة في العديد من الدول بما فيها الدول الأفريقية للاختراق من قبل تلك البرامج, ومن أشهر الدول في أفريقيا كل من توجو, ورواندا, وأوغندا, وجمهورية الكونغو الديمقراطية, وأنجولا, وزامبيا. ولهذا يمكن أن تكون زيارة رئيس بيساو لإسرائيل قد جاءت للحصول على مثل تلك البرامج وذلك لكشف المخططات التي تسعي لإسقاط حكمه والانقلاب عليه, أو حتي الكشف عن خطط وبرامج وترتيبات المرشحين الذين سينافسونه خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة لوضع الخطط المناسبة لإفشال مخططاتهم التي قد تعصف بمستقبله السياسي في بيساو.
3-استخدام إسرائيل كوسيط له لدى القوي الدولية لتقوم بدعمه:
هناك أحاديث متداولة لدى الرأي العام الأفريقي والشعبي تقول أن من بين أهداف هذه الزيارة سعي الرئيس سيسوكو إلى طلب الدعم الدولي له بوساطة إسرائيل التي تتمتع بعلاقات قوية مع القوي المحورية في المجتمع الدولي كالولايات المتحدة وفرنسا, حيث يشاع أن فرنسا غير راضية عن الرئيس سيسوكو بعدما عجز عن تنفيذ سياستها الخارجية في منطقة غرب أفريقيا أثناء تولية الرئاسة الدورية لمنظمة إيكواس, والتي حدث خلالها العديد من الأزمات التي أثرت على المصالح الفرنسية والوجود الفرنسي في دول المنطقة وعلي رأسها أزمة الانقلاب العسكري في النيجر التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم والذي على أثرها تم كسر النفوذ الفرنسي في النيجر لتلحق بكل من مالي وبوركينا فاسو, وهو ما جعل باريس غاضبة من تلك الأحداث, حيث كانت ترى أن هناك دور أكبر يمكن أن يلعبه الرئيس سيسوكو لإبقاء باريس في تلك الدول وفشل في فعل ذلك, ولهذا فإنه من المحتمل ألا تدعمه باريس في الانتخابات الرئاسية المقبلة, وهو ما جعل الرئيس سيسوكو يحاول استجلاب ود فرنسا بوساطة إسرائيل, أو حتى يطلب من إسرائيل دعمها المباشر له, بجانب حشدها للقوى الدولية التي لها مصالح ونفوذ في غينيا بيساو كالبرتغال وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لكي تدعمه.
4-السعي لتعزيز مكانته وتسويق شخصيته أمام المجتمع الدولي:
فمن خلال هذه الزيارة التي قام بها الرئيس سيسوكو فهو يريد تحقيق مكاسب سياسية, تعزز من مكانته أمام شعبه وأمام المجتمع الدولي, حيث يشاع عن الرئيس سيسوكو أنه يحب الأضواء, ويحاول جذب الانتباه إلى نفسه, ويريد أن يظهر بمظهر السياسي صانع السلام , خاصة بعد زيارته نيابة عن الإيكواس إلى كل من روسيا وأوكرانيا في أكتوبر 2022 للتوسط بينهما لوقف الحرب بين الطرفين, فضلا عن محاولة غسل سمعة غينيا بيساو التي تعد علامة دولية على تجارة المخدرات والكوكايين ومحاولة تقديمها على أنها دولة صانعة للسلام حول العالم, بجانب محاولة إثبات نجاحه في مناطق دولية أخرى بعد إخفاقه في تسوية الأزمات الداخلية في بلاده وفي مجموعة غرب أفريقيا “إيكواس” التي كادت تتفكك وعصفت بها الأزمات التي وصلت إلى حد إعلان انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من عضويتها مؤخرا.
5-الحصول على مكاسب اقتصادية وأمنية من هذه الزيارة:
فنظرا لسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية في غينيا بيساو فيمكن أن تمثل هذه الزيارة إلى إسرائيل فرصة للحصول على مكاسب لغينيا بيساو على الصعيد الاقتصادي من خلال إبرام صفقات اقتصادية وزراعية أو الحصول على مساعدات تنموية قد تساهم في التغلب على الأزمات التي تعاني منها بيساو, وتذكيرا لما سبق فخلال زيارة رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو إلى ليبيريا في 2016 فقد قدم لها 20 مليون دولار أمريكي للتعاون معها, غير أن منح ليبيريا ذلك المبلغ فيما يبدو قد جاء لفتحها الأبواب لنتنياهو والسماح له بالمشاركة في قمة إيكواس وهو ما يعد رشوة سياسية مبطنة على هيئة مساعدات, ولهذا فإن زيارة رئيس بيساو إلى إسرائيل في الوقت الذي أجمع قادة الاتحاد الأفريقي على إدانتها فيه بمثابة فرصة لإسرائيل, وهو ما يمكن أن يجعلها تدفع له مبالغ ضخمة على هيئة مساعدات للتعاون مثلما فعلت مع ليبيريا, وإذا حدث ذلك فقد تستخدم تلك الأموال بصورة مؤقتة في تحسين الأوضاع الاقتصادية لجمع الجماهير والقوى الشعبية حول الرئيس سيسوكو خلال الانتخابات الرئاسية.
وفيما يخص التعاون الأمني فقد يكون هناك محادثات جرت خلال اللقاء يتم بموجبها إرسال قوات إسرائيلية وحراس شخصيين لحماية وتأمين الرئيس سيسوكو, أو حتى القيام بمهمة تدريب وتأهيل القوات الخاصة التي تحميه ومدها بأجهزة ومعدات عسكرية حديثة, وهو هدف هام يسعي إليه لتوجسه من فكرة محاولة اغتياله أو الانقلاب عليه من خصومه وهم كثر للغاية.
المحور الثالث: ردود الفعل والمواقف من زيارة رئيس غينيا بيساو إلى إسرائيل
كانت أغلب المواقف الشعبية والأفريقية التالية لزيارة رئيس غينيا بيساو لإسرائيل منتقدة له, خاصة بعدما أعلن عنها عبر حسابه على منصة إكس, حيث ردت عليه الناشطة الكاميرونية ناتالي يامب قائلة له “هناك أناس يقفون دائما على الجانب الخطأ من التاريخ”, وذلك بعد تصريح الرئيس سيسوكو أنه يقف إلى جانب إسرائيل مثل شعبه, وهو ما يعد دعما من جانبه لعمليات الإبادة الجماعية التي تقوم بها الميلشيات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والمدنيين في غزة, فضلا عن أن العديد من النشطاء في شعب غينيا بيساو لا يدعمون إسرائيل بل يقفون إلى جانب المستضعفين في غزة, رافضين للعدوان الصهيوني عليها, مشبهين له بالعدوان الذي كانت ترتكبه القوات البرتغالية ضد شعب غينيا بيساو خلال المرحلة الاستعمارية, واصفين أن من يقف اليوم مع إسرائيل لا يخون فلسطين فحسب بل يخون الإنسانية جمعاء.
كما أن معظم ردود الأفعال كانت ساخطة على زيارة الرئيس سيسوكو إلى إسرائيل لأنها تخالف اجماع الاتحاد الأفريقي, وذلك رغم قيامه أيضا بزيارة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن على هامش زيارته إلى إسرائيل, حيث التقي به في يوم 4 مارس 2024 بمدينة رام الله بالضفة الغربية, وأطلعه الرئيس الفلسطيني على تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة, وشكر الرئيس سيسوكو على زيارته ودعمه للشعب الفلسطيني, مؤكدا حرصه على تعزيز العلاقات الثنائية بين بيساو وفلسطين, وقد كان الرئيس سيسوكو قام بوضع إكليل من الزهور على قبر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قبيل لقاء الرئيس أبو مازن. ولعل زيارته هذه إلى فلسطين تأتي لتحقيق مجموعة من المكاسب السياسية الخاصة بالرئيس سيسوكو, وذلك ليعزز من علاقاته مع الدول العربية والإسلامية المتعاطفة مع غزة, ويحصل على مساعدات عربية تنموية لبلاده لمجرد تسجيله مواقف تبدو داعمة لفلسطين دون جدوى.
وأخيرا:
لا يسعنا خلال هذه الخاتمة إلا أن نقيم زيارة رئيس غينيا بيساو إلى إسرائيل على أنها بمثابة صفقة سياسية لتبادل المصالح بين الطرفين, وذلك لأن الوزن السياسي لغينيا بيساو داخل المجتمع الدولي لا يؤهلها لوقف العدوان الصهيوني على غزة لكونها لا تملك أدوات للتأثير دوليا فوزنها النسبي داخل المنظومة الدولية يجعلها في مؤخرة الدول وفقا للمؤشرات الدولية, كما أن الحديث عن لعبها دور أكبر في الشرق الأوسط مجرد هراء سياسي, وذلك لأن غينيا بيساو بعيدة جغرافيا عن المنطقة العربية, بل وعلى المستوى الداخلي فقد عجز رئيسها سيسوكو عن تسوية الأزمات, وحل المشاكل السياسية التي تعيش فيها بلاده منذ عقود, فهي تنتقل من أزمة إلى أخرى, وتعيش في حالة شبه دائمة من عدم الاستقرار الذي يتجلى في محاولات الانقلاب العسكري المتكررة عليه, وإرسال دول إيكواس قوات عسكرية لتدعم بقاؤه في السلطة, بل أن تسلمه للسلطة ظل محل تنازع لعدة شهور, كما أنه على المستوي الإقليمي لم ينجح في تسوية الأزمات المتصاعدة في دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا التي كان يتولى الرئاسة الدورية لها على مدار عام 2023 , سواء ما حدث في النيجر من انقلاب على الرئيس بازوم, أو أزمة انتخابات الرئاسية السنغالية أو غيرها من أزمات لم يفلح في تسويتها, فكيف له إذا أن ينجح في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي, أو وقف العدوان الإسرائيلي على غزة, الذي تقاعست وتآمرت القوي الدولية والإقليمية عن وقفه حتي الآن, ولهذا فإن كل الإشارات تدل على أن هذه الزيارة كانت تهدف إلى تحقيق مصالح مشتركة بين شخص رئيس بيساو والكيان الصهيوني, وما الحديث عن كونه رسول سلام إلا من باب أضغاث الأقوال والترهات السياسية التي درج على استخدامها العديد من رؤساء القارة الأفريقية.
………………………..
الإحالات والهوامش :
(1)-“President Herzog meets with President Embaló of Guinea-Bissau” , at , https://www.gov.il/en/departments/news/president-herzog-meets-with-president-embalo-of-guinea-bissau-3-mar-2024 , 3/3/2024 .
(2)-” African leaders condemn Israel’s offensive in Gaza” , at , https://apnews.com/article/african-union-israel-gaza-85c4b497463fe29c59fca5ffd987dd53 , 17/2/2024 .
(3)-Rym Bousmid ; ” Pourquoi l’Union africaine retire le statut d’observateur à Israël ” , at , https://www.jeuneafrique.com/1541375/politique/pourquoi-lunion-africaine-retire-le-statut-dobservateur-a-israel/ , 27/2/2024 .
(4)- Sonia Le Gouriellec ; ” Israël-Hamas : les pays d’Afrique subsaharienne dans la guerre de Soukkot ” , at , https://legrandcontinent.eu/fr/2023/10/20/israel-hamas-les-pays-dafrique-subsaharienne-dans-la-guerre-de-soukkot/ , 20/10/2023 (5)- Noé Hochet-Bodin ; ” Israël définitivement mis au ban de l’Union africaine” , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2024/02/18/israel-definitivement-mis-au-ban-de-l-union-africaine_6217216_3212.html , 18/2/2024 .
(6)- Ismail Akwei ; ” Israeli Prime Minister woos West African leaders to join forces ” , at , https://www.africanews.com/amp/2017/06/04/israeli-prime-minister-woos-west-african-leaders-to-join-forces/ , 9/12/2019 .
(7)- Michael Bishku ; ” In search of advantages: Israel’s observer status in the African Union ” , at , https://theconversation.com/in-search-of-advantages-israels-observer-status-in-the-african-union-165773 , 15/8/2021 .
(8)- “Bissau: PGR nega ligação entre avião retido e narcotráfico” , at , https://www.dw.com/pt-002/pgr-da-guin%C3%A9-bissau-rejeita-liga%C3%A7%C3%A3o-entre-avi%C3%A3o-retido-e-tr%C3%A1fico-de-droga/a-59836124 , 16/11/2021.
(9)- Niha Masih ; ” U.N. resolution on Gaza cease-fire: Which countries voted for and against it ” , at , https://www.washingtonpost.com/world/2023/12/13/un-vote-gaza-ceasefire-countries-against/ , 13/12/2023 .
(10)- Noé Hochet-Bodin ; “Le cas israélien divise à nouveau l’Union africaine” , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2023/02/20/le-cas-israelien-divise-a-nouveau-l-union-africaine_6162543_3212.html# , 20/2/2023 .
(11)- “L’Afrique divisée après l’attaque du Hamas contre Israël” , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2023/10/09/l-afrique-divisee-apres-l-attaque-du-hamas-contre-israel_6193381_3212.html . 9/10/2023 .
(12)-” General Assembly Adopts Resolution Calling for Immediate, Sustained Humanitarian Truce Leading to Cessation of Hostilities between Israel, Hamas ” , at , https://press.un.org/en/2023/ga12548.doc.htm?_gl=1*e3124f*_ga*NDk1NDI0NzUuMTcwOTk5OTY1Ng..*_ga_TK9BQL5X7Z*MTcxMDMxMzMzMS4xNC4xLjE3MTAzMTM3NDQuMC4wLjA. , 27/10/2023 .
(13)- Noé Hochet-Bodin ; ” Union africaine : le Kényan Raila Odinga veut conquérir la présidence de la Commission ” , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2024/03/16/union-africaine-le-kenyan-raila-odinga-veut-conquerir-la-presidence-de-la-commission_6222378_3212.html , 16/3/2024 .
(14)- “Visit to Israel: Embalò against the grain of History” , at , https://lejournaldelafrique.com/en/visit-to-israel-embalo-goes-against-the-grain-of-history/ , 7/3/2024 .
(15)- Wendy Bashi ; ” Pegasus: Opositores africanos também sob vigilância” , at , https://www.dw.com/pt-002/opositores-pol%C3%ADticos-tamb%C3%A9m-vigiados-pelo-software-pegasus-em-%C3%A1frica/a-58579879 , 21/7/2021.
(16)-” Guinea-Bissau president holds talks with Palestine’s Abbas” , at , https://www.africanews.com/2024/03/05/guinea-bissau-president-holds-talks-with-palestines-abbas/ , 5/3/2024 .
(17)- ” Guinea-Bissau’s president dissolves parliament after ‘attempted coup” , at , https://www.france24.com/en/africa/20231204-guinea-bissau-s-president-dissolves-parliament-after-attempted-coup , 4/12/2023 (18)-” La Guinée-Bissau, abonnée aux coups de force politiques, a deux presidents” , at , https://www.lepoint.fr/monde/la-guinee-bissau-abonnee-aux-coups-de-force-politiques-a-deux-presidents-29-02-2020-2365048_24.php , 29/2/2020 .
(19)-” Russie : le président de la CEDEAO reçu au Kremlin” , at , https://fr.africanews.com/2022/10/25/russie-le-president-de-la-cedeao-recu-au-kremlin/ , 26/10/2023 .
(20)- Lassana Cassamá ; ” Guiné-Bissau: Eleições presidenciais devem ter lugar em 2024 e não 2025 ” , at , https://www.voaportugues.com/a/guin%C3%A9-bissau-elei%C3%A7%C3%B5es-presidenciais-devem-ter-lugar-em-2024-e-n%C3%A3o-2025/7287537.html , 27/9/2023 .