شنَّت مجموعة من قوات الشرطة المسلحة بالبنادق والمعززة بقنابل الدخان المسيل للدموع، والمصحوبة بالكلاب البوليسية مداهمة كبيرة على مزرعة شخص يدعى “إسماعيل تشوكورونجيروا”، والذي يدّعي النبوة، ويعيش في قرية نيابيرا التابعة لمقاطعة ماشونالاند الغربية في دولة زيمبابوي، وهذه القرية تقع على بُعد حوالي 34 كم غرب هراري عاصمة زيمبابوي، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 12 مارس 2024م؛ حيث نجحت قوات الشرطة في دخول المجمع التابع لمدعي النبوة، ووجدت فيه أكثر من ألف شخص يؤمنون بمعتقدات هذا الرجل، والتي يقوم بموجبها بأَسْرهم وتعريضهم للأذى وخاصة الأطفال، وقد قامت الشرطة بتحرير 251 طفلاً كانوا يُستخدمون في أعمال لخدمة إسماعيل مدعي النبوة، كما وجدت مجموعة من القبور لعدد من الأطفال والكبار داخل المزرعة دون استخراج شهادات وفاة لهؤلاء الموتى رسميًّا، وعلى إثر تلك المداهمة قامت الشرطة باعتقال إسماعيل زعيم الطائفة وسبعة من كبار معاونيه بتهمة القيام بارتكاب أنشطة إجرامية مختلفة.
ومن خلال هذه المقالة سوف نُسلّط الضوء على قصة إسماعيل تشوكورونجيروا مدّعي النبوة، والمعتقدات التي يقوم بنشرها بين أتباعه، والمحاكمة التي يخضع لها، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولاً: التعريف بإسماعيل تشوكورونجيروا:
يبلغ إسماعيل تشوكورونجيروا من العمر 56 عامًا، وقد نصّب نفسه نبيًّا لطائفة تدعى “جور جينا بنييرانيكا”، ويطلق على نفسه اسم النبي إسماعيل، ويعرف شعبيًّا باسم “مادزبابا إسماعيل”، وكلمة “مادزبابا” معناها الحرفي “الرجال” في لغة مجموعة “شونا” التي تعد أكبر مجموعة إثنية في زيمبابوي، وتمثل أكثر من 70% من السكان، ويُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى زعماء الطوائف الدينية الرسولية في زيمبابوي، وقادتها الذين يساعدون باقي أعضاء الطائفة من خلال إمامتهم في الصلاة، والشفاء من الأمراض، وتبليغهم بالنبوءات.
وكان إسماعيل يسمي المجمع الذي كان يعيش فيه، وينشر فيه تعاليمه ومعتقداته داخل مزرعة ليلى التابعة له بـ”مجمع كنعان”، والطائفة التي يتزعمها تنتمي لمجموعة أوسع تعرف باسم “كنيسة يوهان ماسوي أو الكنائس الرسولية أو فابوستوري”، وفي مسمى آخر تُعرف باسم “الكنيسة الإفريقية ذات الثوب الأبيض”؛ حيث يرتدي أتباعها الملابس البيضاء، وتقوم هذه الجماعات الرسولية بدمج المعتقدات التقليدية مع العقيدة الخمسينية.
وتشير التقارير إلى وجود أكثر من 2.5 مليون شخص في زيمبابوي يتبعون الكنائس الرسولية، وهو ما يقدر بنحو 6% من سكان زيمبابوي من الذين ينتمون إلى مثل هذه الجماعات الكنسية.
وفي أبريل 2015م حُكِمَ على مادزبابا إسماعيل و11 من أعضاء طائفته بالسجن لمدة 4 سنوات لقيادته هجومًا على ضباط الشرطة والصحفيين وأعضاء المجلس المسيحي الرسولي في زيمبابوي بقيادة رئيس الأساقفة “يوهانس ندانجا” في ضريح في هراري في عام 2014م، حيث كان رئيس الأساقفة ندانغا يحاول إغلاق الضريح الموجود بمنطقة بوديريرو التابع لإسماعيل ووقف أنشطة طائفة مادزبابا إسماعيل بسبب مزاعم بإساءة معاملة النساء والأطفال مِن قِبَل أتباع إسماعيل.
وظل إسماعيل هاربًا لمدة ثمانية أشهر حتى تم القبض عليه في يناير 2015م، وقد نفى مهاجمته للشرطة، وادعى أن الملائكة هي التي هاجمتهم، ولكنه خضع للسجن في سجن مزرعة تشيكوروبي، وأثناء سجنه اعترف أن تجربة السجن ساعدته على النمو الروحي والتطور، وقد أفرج عنه في 2018م.
وبعد خروجه من السجن انتقل إلى منطقة نيابيرا، وبدأ الدعوة لمعتقداته، وأصبح يتبعه في المزرعة التي يعيش فيها نحو ألف شخص؛ حيث دعاهم إلى الإقامة بداخلها، ويلتزم أتباعه بلبس أثواب بيضاء طويلة، كما ترتدي النساء والفتيات أغطية للرأس بيضاء اللون، والعديد من أتباع الطائفة لا يمارسون الصلاة المسيحية، بل ينتظرون فقط نهاية العالم، ويعتقدون أن المزرعة التي يعيشون فيها هي أرض الميعاد.
ثانيًا: المعتقدات التي يدعو إليها بين أتباعه:
تتمثل المعتقدات التي يدعو إليها إسماعيل تشوكورونجيروا بين أتباعه فيما يلي:
1- إقناع أتباعه بفكرة الأذن الروحية وسماع صوت الله مباشرة:
حيث يروّج إسماعيل مدعي النبوة لفكرة الأذن الروحية التي تسمع صوت الله مباشرة، وهي موهبة من الله، والتي من خلالها أعطاه الله القواعد التي تُعرّفه كيفية دخول الجنة، ولذلك فإنه يرى أن إيمانه ومعتقداته ليست من الكتب المقدسة ولا حاجة له بها؛ لأنه يحصل على التعاليم مباشرة من الله، ومن خلال تلك الفكرة ينشر ما يشاء من أفكار وتعاليم بين أتباعه، ويُلزمهم بها لأنها صادرة من الله كما يدّعي.
2- تحريم تعليم الأطفال في المدارس الحكومية:
حيث يدعو إسماعيل أتباعه إلى عدم إلحاق أطفالهم بالمدارس الرسمية، مدعيًا أن الله حرَّم الالتحاق بالمدارس الرسمية؛ لأن الدروس المستفادة من مثل هذه المدارس تتعارض مع إملاءات الله، وبدلاً من ذلك يتم تعليمهم مجموعة من المهارات الحياتية، ويقومون بأعمال خدمة يدوية لصالح قيادات الطائفة، قائلاً لهم: إن هذا هو عمل الرب، كما صرح جيمس جوينزي أحد كبار زعماء الطائفة للصحفيين قبل القبض عليه: “إن الله لا يريد مدارس التعليم الرسمي؛ لأن ما يتعلمه الأطفال هناك يتعارض مع تعاليم الله، وإذا أرسلت أطفالك إلى المدرسة فلن يكون هناك مطر كما أخبرهم الله بذلك، مدللاً على صدق حديثه بمشاهدة الجفاف في جميع أنحاء زيمبابوي، ولكن يوجد في الضريح ما يكفي من المياه”.
كما يتم منع أتباع الطائفة من الاستماع إلى أجهزة الراديو أو مشاهدة التلفزيون، حتى لا يحصلون على المعلومات منها؛ لأنها لا تتوافق مع معتقداتهم حسب زعمهم، ويبدو أنهم يريدون من خلال منع وصول المعلومات عن أتباعهم، فرض عزلة عليهم عن العالم الخارجي حتى يتمكن إسماعيل زعيم الطائفة من السيطرة الفكرية عليهم وإخضاعهم له عقليًّا وفكريًّا، وسلبهم أي وسيلة تجعلهم يفكرون أو يراجعون أفكاره.
3-عدم استخراج شهادات ميلاد وبطاقات هوية رسمية:
حيث يقوم أتباع هذه الطائفة بعدم استخراج بطاقات هوية وطنية، ولا يستخرجون شهادات ميلاد رسمية للأطفال التابعين لهذه الطائفة؛ حيث وجدت الشرطة أن حوالي 246 طفلاً من بين 251 يعيشون في مزرعة مادزبابا إسماعيل بدون شهادات ميلاد رسمية، بجانب ابتعادهم عن التعامل بالنقود، ورفض حملها في جيوبهم، مع تخلّيهم كذلك عن الممتلكات الدنيوية، وهو ما يوحي بتحريمهم للتعامل مع الحكومة الرسمية، وتزهيدهم في الأموال والممتلكات.
4- مقاومة الطب الحديث ورفض زيارة المستشفيات وتعاطي الأدوية:
حيث إن التعاليم التي يدعو إليها إسماعيل ترفض الطب الحديث وتنهى أتباعها عن زيارة الأطباء والمستشفيات، وتجنّب أخذ الأدوية والعقاقير والحقن والتطعيمات، والبعد عن إجراء الفحوصات الطبية، ويلجؤون لطلب الشفاء من خلال إيمانهم بالصلاة، والماء المقدس، والحجارة الممسوحة لعلاج الأمراض التي تصيبهم، فضلاً عن منع الفتيات اللاتي بلغن سن الحيض من استخدام الفوط الصحية، معتقدين أن الذهاب للأطباء يتعارض مع عقيدتهم.
5- الترويج لزواج القاصرات وتعدُّد الزوجات بلا حدود:
من بين التعاليم التي يروّج لها إسماعيل وزعماء الطائفة المساعدون له بين أتباعهم الذين يعيشون داخل ضريح كنعان: تزويج القاصرات في سنّ مبكرة؛ حيث يتم تزويج الفتيات في سن يتراوح ما بين 14 إلى 15 سنة، وذلك رغمًا عنهن، وإجبارهن على تلك الزيجات، كما لا يسمح لهم عند الإنجاب بتسجيل أطفالهم رسميًّا في الوثائق الحكومية، ولا عَرضهم على الأطباء وهو ما يؤدي إلى وفاة العديد من الأطفال الرضع، كما تم الكشف عنه في القبور التي وُجِدَت داخل المزرعة.
وكذلك يمارس أتباع الطائفة تعدد الزوجات بلا حدود فيما يبدو؛ حيث إن إسماعيل مدعي النبوة متزوج من تسع فتيات، بينهن خمس فتيات كنَّ تحت السن الرسمي للزواج عندما تزوج بهن، حيث تزوج إسماعيل بزوجته الأولى تينداي موكومبي، والتي رفضت دعم معتقداته، وقررت البقاء في منطقتهم الريفية في موريهوا، كما تزوج إسماعيل فتاة قاصرًا تُدْعَى شيلا ستاندريك، وفتاة أخرى قاصرًا تُدعى سارة مادارا، ثم تزوج أختها الصغرى، وأعقب ذلك بزواج أختين قاصرتين، بجانب عدة نساء أخريات.
وفضلاً عن ذلك، فقد حاول إسماعيل توطيد علاقاته بزعماء طائفته من خلال المصاهرة؛ حيث زوَّج ابنته ليزا لشخص يُدعى بيسون، وتُعدّ ليزا بنت إسماعيل هي أقوى امرأة داخل الضريح وتتمتع بلقب “مامبوكادزي”؛ أي الملكة بلغة شونا، بينما يتمتع أبوها إسماعيل بلقب “ندي مامبو”، أي الملك بلغة شونا كذلك، كما أجبر إسماعيل ابنته الثانية على الزواج في سن مبكرة من شخص من أتباعه يدعى إبسون ماراندور، وعند غياب إسماعيل عن الضريح يقوم أصهاره والحراس الموجودون في الضريح بتنفيذ تعليماته؛ لكونهم جزءًا من اللجنة المسؤولة عن التخطيط والتنفيذ والتأديب داخل الضريح، ويمكنه الاعتماد عليهم في إدارته عند غيابه.
6- ممارسة طقوس العبادة في الهواء الطلق واعتقادهم قرب نهاية العالم:
بعدما يؤمن أتباع إسماعيل به يعتزلون الناس والعالم الخارجي، ويقومون ببناء منازل مؤقتة لهم من الصفيح يعيشون فيها داخل ضريح كنعان بالمزرعة التابعة له، ويقومون بالأنشطة الزراعية داخل المزرعة، ويعتقدون أن هذه المزرعة هي أرض الميعاد، ويقولون: إن إسماعيل يوجد فيه روح الله، ولهذا توقفوا عن الصلاة المسيحية واتبعوا أوامره، معتقدين اقتراب نهاية العالم منتظرين حدوث ذلك عن قريب، مرتدين الملابس البيضاء، ويؤدون بعض الطقوس في الهواء الطلق تحت الشجر ويغنون، ويبلغ عدد الأسر التي تأوي إلى المزرعة أكثر من 100 أسرة، يتخطى عددهم الألف شخص، ويلتزمون بقواعده الصارمة المفروضة عليهم، كما يمنع الأشخاص الذين يحاولون مغادرة المكان بالقوة والعنف مع حثّهم على البقاء رغمًا عنهم مع تعرضهم لأساليب التنمر للضغط عليهم، ومن يموت من أتباع إسماعيل داخل المزرعة يتم دفنه في نفس اليوم دون تشاور مع أهله ولا أقاربه ولا حتى استخراج وثيقة وفاة له مِن قِبَل الحكومة.
ثالثًا: التهم الموجهة إليه:
تم القبض على كلّ من إسماعيل تشوكورونجيروا زعيم الطائفة مدعي النبوة، وسبعة من كبار معاونيه؛ وهم:
1-جيمس جوينزي (55 عامًا).
2-سيريبينيو تشيكورونهي (53 عامًا).
3-آرون تشوكورونجيروا (47 عامًا).
4-زيبيديا سيجودو (45 عامًا).
5-ديفلودج كاتساندي (45 عامًا).
6-شينجيراي نجاوافوني (42 عامًا).
7-وندر كابايا (41 عامًا).
وتتمثل الاتهامات التي وُجِّهت إلى زعيم الطائفة وأعوانه بعد القبض عليهم فيما يلي:
1- انتهاك حقوق الأطفال واستغلال القاصرين وإساءة معاملتهم:
تم اتهام زعيم الطائفة باستخدام الأطفال لأداء أعمال وأنشطة بدنية متنوعة لخدمة قيادات الطائفة، مع تعريض هؤلاء القُصَّر للأذى، واستخدامهم كعمالة رخيصة، وتزويجهم قسرًا عنهم؛ حيث تم تقسيم عشرات الأطفال في المجمع إلى مجموعات مختلفة حسب أعمارهم، وتم تلقين هؤلاء الأطفال أن يعيشوا الحياة بطريقة مختلفة عن تلك التي يعيشها ملايين الأطفال في جميع أنحاء زيمبابوي، وهو ما يُعدّ مخالفة للمواد 7 (1) و (5) من قانون الأطفال في زيمبابوي؛ حيث تشير الاتهامات الرسمية إلى قيام إسماعيل منذ عام 2019م بإهمال الأطفال وسوء استغلالهم وتعريضهم لأمراض مختلفة، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، وأبرزها حقهم في الرعاية الصحية والتعليم المدرسي، مما تسبَّب في وقوع أضرار كبيرة عليهم صحيًّا واجتماعيًّا مع حرمانهم من حقوقهم الدستورية.
2- مخالفة قوانين الدفن وحرق الجثث:
حيث عُثِرَ داخل المزرعة على 16 قبرًا، منها تسعة قبور للكبار، وسبعة قبور للأطفال، وتمت عمليات الدفن دون تسجيل مسبق لدى مكتب المسجل العام، رافضين التزامهم بتسجيل الوفيات، مع عدم التزامهم بالحصول على تصاريح الدفن وفقًا للقانون؛ حيث تم اتهامهم بمخالفة القسم 3(1) و (2) من قانون الدفن وحرق الجثث بزيمبابوي، وتشير الادعاءات إلى أنه في نوفمبر 2023م قام إسماعيل وشركاؤه بدفن هازل تشيكونهير ووينليت كابايا، وذلك في سرية دون الحصول على تصاريح دفن، وهو ما يُعدّ انتهاكًا للقانون.
رابعًا: المواقف من عملية مداهمة الضريح ومحاكمة مدعي النبوة:
تنوعت المواقف التالية لعملية مداهمة ضريح كنعان، والقبض على إسماعيل مدعي النبوة ويمكن عرضها فيما يلي:
1-موقف إسماعيل مدعي النبوة من عملية مداهمة المزرعة:
عقب مداهمة قوات الشرطة لضريح كنعان قبل الفجر، حاول إسماعيل مدعي النبوة الدفاع عن نفسه قبل القبض عليه؛ حيث أبلغ ضباط الشرطة بضرورة إلقاء السلاح الذين يحملونه؛ لأنهم بأمان داخل الضريح، مناشدًا لهم بترك السلاح منعًا لتخويف الأطفال الموجودين في الضريح؛ لأن أطفالهم وزوجاتهم لا يشعرون بالارتياح لرؤية أشخاص يحملون السلاح، مضيفًا أنه يبشّر بالسلام في ضريح كنعان، وأنه يتزعم كنيسة مسالمة، وأنه بعيد عن مهاجمة الناس هو وطائفته، وأن الأشخاص الذين يهاجمونهم هم مَن يروجون لذلك الأمر، كما ذكر لهم أن الملائكة هي التي هاجمت ضباط الشرطة من ذي قبل عندما هاجمت الشرطة أتباع إسماعيل.
وبالإضافة لذلك فقد قال: إسماعيل لضباط الشرطة: إنه يريد أن يذبح لهم بقرة ليأكلوا منها، ويشاهدوا المشاريع التي يُنفّذها أتباع الطائفة داخل ضريح كنعان من أجل كسب لقمة العيش، غير أن محاولاته في تحييد ضباط الشرطة لم تنجح، وتم القبض عليه مع كبار زعماء الطائفة.
2-موقف أتباع إسماعيل مدعي النبوة من عملية المداهمة والمحاكمة:
من جانب أتباع الطائفة فقد صرحوا بأنهم كانوا يعيشون في الضريح بمحض إرادتهم كأتباع لإسماعيل، نافين تعرُّضهم للأَسْر، أو أي شكل من أشكال سوء المعاملة، كما اشتكت النساء الموجودات في الضريح من قيام قوات الشرطة بأخذ أطفالهن؛ حيث تم نقل هؤلاء الأطفال إلى مستشفى باريرينياتوا لفحصهم مِن قِبَل الأطباء، كما سافر بعض أتباع إسماعيل لحضور جلسة المحاكمة، لإظهار الدعم له؛ حيث صرحت إحدى أعضاء الطائفة بأنها لم تتعرض لأيّ إساءة منذ انضمامها لتلك الطائفة، معلنةً أن الدين الذي يبشّر به إسماعيل هو دين الله العظيم، ولن يُوقفه أحد، وأنهم ليسوا خائفين ولا يمكن إيقافهم.
3- موقف قوات الشرطة والأمن:
أصدرت الشرطة بيانًا رسميًّا عقب مداهمة ضريح كنعان، أوضحت فيه أسباب المداهمة، والتي تتمثل في محاولة كشف الانتهاكات التي تحدث داخل الضريح من إساءة معاملة النساء والأطفال، ووقف عمليات استغلالهم، كما رافق ضباط الشرطة أثناء المداهمة مسؤولون من وزارة الحكم المحلي والأشغال العامة والإسكان الوطني ومجلس منطقة نيابيرا الريفية ومكتب المسجل العام وإدارة الرعاية الاجتماعية، وعدد من الصحفيين؛ حيث قام مسؤولو الصحة ووحدة رعاية الضحايا والرعاية الاجتماعية بإجراء مقابلات مع مختلف النساء والأطفال وسؤالهم حول مزاعم سوء المعاملة داخل الضريح؛ حيث نفى أتباع إسماعيل تعرُّضهم لذلك، غير أن الشرطة قامت بإنقاذ أكثر من 200 طفل كانوا يقومون بأعمال خدمية داخل الضريح، وذلك رغم اعتراض النساء على أخذ هؤلاء الأطفال من الضريح، كما عادت قوات الشرطة في اليوم التالي للضريح مصحوبة بفريق من الأخصائيين الاجتماعيين، واعتقلت الأطفال والنساء، وكثير من النساء كان معهن أطفال رضع، وأخذتهم الشرطة في حافلات إلى أحد الملاجئ.
وأعرب ضباط الشرطة عن انزعاجهم من الحالة المزرية التي وجدوا الأطفال عليها داخل الضريح، وبجانب ذلك فقد تم توجيه دعوات مِن قِبَل الشرطة للمحاكم لتصدر حكمًا بحظر هذا النوع من المجتمعات والأضرحة الدينية؛ لكونها تؤثر على الأمن العام، وتدعو لنشر الجهل والخرافات بين الناس، وهو ما يُؤثّر سلبًا على الأوضاع الاقتصادية والصحية والعلمية في زيمبابوي.
4- الموقف الشعبي:
كانت المواقف الشعبية مؤيدة في معظمها لعملية مداهمة ضريح كنعان والقبض على إسماعيل ومحاكمته؛ حيث أشار البعض إلى أن الأطفال الذين كانوا موجودين داخل الضريح تم خطف بعضهم من أهاليهم، رافضين لأنشطة مدعي النبوة في زيمبابوي، والذين قسموا المجتمعات، وزرعوا بذور الشقاق بين الأفراد والأسر بعضهم البعض؛ من خلال إخبارهم بأنهم مسحورون بفعل أقاربهم، كما يقوم أتباع الأنبياء الكذبة بجمع الأبقار المملوكة للفقراء وأخذها لأنفسهم مما يزيد من فقر أتباعهم؛ حيث وصفت عملية تقسيم الأسر والمجتمعات بأنها تخالف تعاليم الكنيسة التي تدعو لوحدة الناس، ولهذا فإن دعوات الأنبياء الكذبة التي تقسم المجتمع يجب اتخاذ إجراءات حكومية ضدها ومكافحتهم ومعاقبتهم على فِعْلها.
كما أدان البعض تغافل ضباط الشرطة في المنطقة الموجود بها ضريح كنعان وعدم تدخلهم لوقف الانتهاكات التي تحدث بداخله منذ وقت طويل، والتظاهر بعدم معرفتهم بالحقيقة بسبب حصولهم على بعض التبرعات من ضريح كنعان، والتي تُعدّ رشوة للسكوت عن تلك الجرائم، وهو ما جعل البعض يتقدم بشكوى ضد أحد مفتشي الشرطة، وتم نقله على إثر ذلك، فضلاً عن إدانة الرأي العام الشعبي لعمليات حرمان الأطفال من حقوقهم الدستورية كالحق في الصحة والتعليم.
5- موقف المجلس المسيحي الرسولي في زيمبابوي (ACCZ):
قام المجلس المسيحي الرسولي في زيمبابوي منذ وقت مبكر بشنّ حملات تهدف إلى مكافحة مدعي النبوة، وذلك في جميع أنحاء زيمبابوي؛ لكون هذه الظاهرة تتصاعد وأصبحت تشكّل تهديدًا حقيقيًّا في المناطق الريفية بصورة خاصة؛ حيث قام رئيس المجلس السابق يوهانس نياموا ندانغا بالتعاون مع وزارة التنمية الريفية، وجهاز الشرطة في زيمبابوي بمكافحة الذين يدعون النبوة مع التصريح بأنهم كاذبون، وعلى رأسهم إسماعيل زعيم هذه الطائفة منذ 2014م، كما عاود رئيس المجلس المسيحي في 2017م إلى شن حملة من جديد على مدعي النبوة؛ حيث أشار إلى أنه رغم أن الدستور يسمح للناس بحرية العبادة؛ إلا أن هناك بعض الناس يسيئون استخدام هذا الحق، ويخدعون الناس، وينهبون أموالهم وممتلكاتهم الثمينة التي حصلوا عليها بشق الأنفس مثل الأبقار، فضلاً عن إساء معاملتهم لأتباعهم وتعريضهم للأذى، مؤكدًا على استهداف أمثال هؤلاء، وأنهم لن يتركوا أيّ جحر دون تفتيشه بمساعدة الشرطة، كما حثّ جميع الكنائس الرسولية على تسجيل كنائسهم رسميًّا، والحصول على تراخيص حتى تعترف بهم الحكومة، ومن يرفض تسجيل كنيسته يصبح محل شبهة، ويحق بموجب القانون التحقيق معه.
وبجانب ذلك، فقد صرح بعض الأساقفة بأنهم سيبذلون جهودهم لتنوير الناس وتوعيتهم بشأن الأنبياء الكذبة الذين يتزايدون كل يوم كالفيروس المتفشي؛ حيث أصبحت زيمبابوي ملاذًا آمنًا لهؤلاء الأنبياء الكذبة الذين يحتالون على أتباعهم بدافع الجشع؛ من أجل إثراء الذات، والحصول على نمط حياة فخم على حساب الجهلاء والبسطاء وضعاف العقول، داعيًا الناس إلى الإبلاغ عن الأنشطة الاحتيالية التي يقوم بها هؤلاء الأنبياء الكذبة.
خامسًا: إجراءات المحاكمة:
بدأت إجراءات المحاكمة أمام محكمة جنوب غرب هراري، وذلك يوم الخميس الموافق 14 مارس 2024م، وتم توجيه تهمتين أساسيتين لهم؛ وهما: انتهاك قانون الدفن والحرق، وإساءة معاملة واستغلال الأطفال، وأشار بول نياثي المتحدث باسم الشرطة إلى أن هناك اتهامات كثيرة قد يتم توجيهها إليهم؛ حيث إن التحقيقات ما تزال جارية.
كما أضافت وسائل الإعلام في زيمبابوي أنه تم حبس إسماعيل وشركائه احتياطيًّا على ذمة القضية؛ للبتّ في طلب الإفراج عنهم بكفالة؛ حيث طلب المتهمون من القاضي إطلاق سراحهم بكفالة، قائلين: إنهم ليسوا عنيفين، ويوجد لديهم أطفال يعتنون بهم، وسيعانون إذا أُرسلوا إلى السجن.
وخلال طلب الكفالة قال إسماعيل زعيم الطائفة الذي رفض التمثيل القانوني وحضور محامين للترافع عنه: إنه رجل مصلح وليس لديه أيّ سلطة على رعاياه، مدعيًا أنه عاش حياة خالية من العنف منذ إدانته في 2014م، وأنه كان يتعافى من حالة تسمم غذائي كان قد تعرض له في سبتمبر الماضي، وسوف تتفاقم حالته إذا ما بقي في السجن، وتم رفض طلب الخروج بكفالة.
وصرح إسماعيل للمحكمة بأن جريمته الوحيدة هي رعايته لما يقرب من 120 أسرة تقيم معه في مزرعة ليلى، كما صرح للصحفيين أنه ليس على عِلْم بحقوق المرأة والطفل.
ومن جانبه؛ فقد اعترض ضابط التحقيق دينوت موتشيتشوا على طلب الإفراج عنهم بكفالة؛ وذلك لوجود مخاوف لديه من تأثير إسماعيل وشركائه على الشهود في القضية، فضلاً عن خوف ضابط التحقيق من وقوع ضرر محتمل على الأطفال التابعين لطائفة إسماعيل في حالة خروجه من الحبس الاحتياطي. وما تزال إجراءات المحاكمة والتحقيقات مستمرة حتى الآن.
سادسًا: الخاتمة
في نهاية هذه المقالة، يمكن القول: إن انتشار مدعي النبوة والدجالين ومخترعي العبادات التي تضر بالنفس أصبحت متفشية خلال السنوات الماضية، وخاصةً في منطقتي جنوب وشرق إفريقيا؛ وذلك نظرًا لانتشار الأديان التقليدية في تلك المناطق، التي ترتفع فيها معدلات الفقر والجهل والحرمان من التعليم والتكنولوجيا، وهو ما يُيسّر لبعض ضعاف النفوس عملية استغلال تلك المجتمعات المعزولة، والإضرار بهم، والحصول على أموالهم، معتبرين ذلك تجارة تُدِرّ عليهم أموالًا ضخمة، ووسيلة للثراء السريع، وتكوين مكانة اجتماعية داخل تلك المجتمعات فضلاً عن كونها وسيلة للحصول على المزايا السلطوية، والمُتَع والشهوات الجنسية؛ حيث أصبح الذين يتاجرون بادعاء النبوة يعتبرون أن سرقتهم للفقراء وضعاف العقول شيء مباح في ظل غياب الرقابة الحكومية على تلك المؤسسات الدينية غير المسجلة، وهو ما يحتاج إلى ضرورة اتخاذ قرارات أعلى من المؤسسات الدينية الرسمية في داخل الدول والمؤسسات الدولية لتضع أجندة أو خطة سنوية لمكافحة تلك الطوائف وزعمائها، والكشف عنهم والتحذير منهم؛ من خلال إنشاء منصة إلكترونية عامة يسمح بموجبها بتلقي البلاغات والمعلومات التي تكشف خطورة وجرائم أمثال هؤلاء الدجالين، وقد حذر القرآن الكريم منهم ومن مسالكهم، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة التوبة، الآية 34].
وفي ذلك تحذير من فساد بعض المنحرفين، الذين قد يستخدمون الدين لمصالحهم الشخصية وأغراضهم النفسية؛ كالحصول على المال بغير وجه حق، أو الحصول على المكانة الاجتماعية والتعالي على الناس، أو إشباع شهواتهم الجنسية بالحصول على النساء أو الطعام، أو غير ذلك من ملذات قد يستخدم بعض مدعي التدين الدين مطية للوصول إليها، ولهذا فمن المهم أن تقوم المؤسسات الدينية التوعوية كمنظمة التعاون الإسلامي بعمل مرصد لمثل هذه الطوائف والعمل على إنقاذها وتوعية أتباعها من مدعي النبوة، والذين لن يكون آخرهم إسماعيل تشوكورونجيروا صاحب قصتنا هذه.
______________________
الإحالات والهوامش:
(1)- ” Zimbabwe Police Rescue 251 Children, Find Graves in Raid of Compound “، at، https://www.voanews.com/a/zimbabwe-police-rescue-251-children-find-graves-in-raid-of-compound/7526989.html، 13/3/2024 .
(2)- ” Self-styled ‘prophet’ arrested in Zimbabwe; 16 graves, 251 child laborers found on property “، at، https://www.foxnews.com/world/self-styled-prophet-arrested-zimbabwe-16-graves-251-child-laborers-found-property، 13/3/2024 .
(3)-” Ishmael Chokurongerwa held after 251 children rescued from farm labour “، at، https://www.theeastafrican.co.ke/tea/rest-of-africa/zimbabwe-arrests-sect-leader-over-child-abuse-4556976، 15/3/2024 .
(4)-” Net closing in on ‘bogus’ prophets “، at، https://nehandaradio.com/2017/07/17/net-closing-bogus-prophets/، 17/7/2017.
(5)- Arron Nyamayaro ; “MADZIBABA ISHMAEL’S NINE WIVES INCLUDE 5 WHO WERE UNDER AGE GIRLS WHEN THEY WERE MARRIED “، at، https://www.hmetro.co.zw/madzibaba-ishmaels-nine-wives-include-5-who-were-under-age-girls-when-they-were-married/، 15/3/2024 .
(6)-Arron Nyamayaro ; ” SPECTACULAR POLICE RAID NETS MADZIBABA ISHMAEL “، at، https://www.hmetro.co.zw/spectacular-police-raid-nets-madzibaba-ishmael-scores-of-kids-confirm-they-have-no-birth-certificates-they-also-tell-officers-theyve-never-been-to-a-school-defiant-ishmael-says-he/، 13/3/2024 .
(7)- Nyasha Chingono ; ” Zimbabwe sect leader held after 251 children rescued from farm labour “، at، https://www.reuters.com/world/africa/zimbabwe-sect-leader-held-after-251-children-rescued-farm-labour-2024-03-14/، 15/3/2024 .
(8)- Gem O’Reilly ; ” Zimbabwe police charge self-proclaimed prophet Ishmael and rescue 251 children “، at، https://www.bbc.com/news/world-africa-68564667، 15/3/2024 .
(9)- ” Zimbabwean prophet charged in court over child labor “، at، https://www.africanews.com/2024/03/15/zimbabwean-prophet-charged-in-court-over-child-labor/، 15/3/2024 .
(10)- Thando Kanye ; ” Alleged cult leader Madzibaba Ishmael arrested for ‘abusing congregants’”، at، https://nehandaradio.com/2024/03/12/alleged-cult-leader-madzibaba-ishmael-arrested-for-abusing-congregants/، 12/3/2024 .
(11)- ” Jailed cop-basher Madzibaba Ishmael repents “، at، https://nehandaradio.com/2016/11/20/jailed-cop-basher-madzibaba-ishmael-repents/، 20/6/2016 .
(12)-” Zimbabwe police arrest apostolic ‘prophet’ and rescue 251 children from compound “، at، https://www.theguardian.com/world/2024/mar/14/zimbabwe-police-arrest-apostolic-prophet-and-rescue-251-children-from-compound، 14/3/2024 .
(13)-” Police arrest cult leader – rescue 251 ‘child labourers’, find graves in raid of compound “، at، https://www.newzimbabwe.com/police-arrest-cult-leader-rescue-251-child-labourers-find-graves-in-raid-of-compound/، 14/3/2024 .
(14)-” Madzibaba Ishmael Says His Only Crime Is Taking Good Care Of 120 Families ” ، at، https://www.pindula.co.zw/2024/03/15/madzibaba-ishmael-says-his-only-crime-is-taking-good-care-of-120-families/، 15/3/2024 .
(15)-” Children, women rescued as police dismantle religious cult and arrest 7 “، at، https://www.thezimbabwemail.com/zimbabwe/children-women-rescued-as-police-dismantle-religious-cult-and-arrest-7/، 14/3/2024 .