عبد الأحد الرشيد
كاتب وصحفي سنغالي
تُمثِّل السنغال واحةً للديمقراطية في غرب إفريقيا، وتُعتبر دولةً نموذجيةً من حيث التداول السلمي للسلطة، والبنية السياسية القوية التي تساعدها في الحفاظ على الإرث الديمقراطي، وضمان الاستقرار السياسي؛ رغم التقلبات والاضطرابات السياسية التي تهدّدها من وقت لآخر.
ومن المفيد أن نشير إلى أنّ السياسة السنغالية دخلت مرحلةً جديدةً منذ إنشاء حزب “باستيف” في عام 2014م؛ حيث نلاحظ أنّ عثمان سونكو الذي يقود الحزب المذكور بمشروع سياسي إصلاحي جديد نال إعجاب عدد كبير من الطبقات الاجتماعية في البلاد، ودعا الشباب إلى تحمُّل مسؤولياتهم تجاه الوطن، والإسهام في الجهود المبذولة لتغيير النظام التقليدي، والعمل على إيجاد نظام جديد قادر على مواجهة جميع التحديات التي حالت دون مواكبة السنغال تطلعات شعبها، والالتحاق بركب الدول المتقدمة.
كما نلاحظ أيضًا أن هذا الحزب أحدث ثورة سياسية رفعت مستوى تداول الرؤى السياسية في البلاد عن طريق كتابة مشروع سياسي يتمّ عرضه على الناخب السنغالي لاقتناعه، بدلَ شراء صوته بدراهم معدودة.
وهذه المقاربة السياسية الجديدة التي يشهد الجميع بأنّ حزب “باستيف” نجح في فرضها في الحياة السياسية السنغالية لمدة عشر سنوات؛ غيَّرت طريقة ممارسة السياسة في البلاد، ودفعت شريحة واسعة من المواطنين السنغاليين، خاصةً الشباب، إلى الدخول في غمار السياسة وحمل هموم البلاد، والشعور بمسؤولية الإسهام في أيّ جهد يتم بذله لتحريك عجلة تقدم السنغال.
إنّ الانتخابات الرئاسية الّتي تمّ إجراؤها في 24 مارس 2024م هي الانتخابات رقم 12 من نوعها، وقد تميزت بأمور منها: لأول مرة تشهد السنغال انتخابات رئاسية لم يشارك فيها الرئيس المنتهية ولايته، ولأول مرة تفوز المعارضة في انتخابات رئاسية من الجولة الأولى، ولأول مرة يتمّ انتخاب رئيس ليس زعيمًا لحزب سياسي، فالرئيس المنتخب “بشير جوماي في” أمين عام لحزب “باستيف”، وعثمان سونكو هو زعيم الحزب.
ورغم الاضطرابات السياسية التي عرقلت مسار الانتخابات قبلَ وبعدَ قرار رئيس الجمهورية ماكي سال بتأجيلها؛ جرت الانتخابات الرئاسية في 24 مارس 2024م في ظروف سلمية، ضمنت شفافيتها ونزاهتها، ومكَّنت نحو أكثر من أربعة ملايين ناخب من أداء واجبهم الوطني، بنسبة مشاركة تُقدّر بـ61 بالمائة؛ بحسب تصريحات اللجنة الوطنية لفرز الأصوات.
تحديات وأولويات الحكومة الجديدة:
إنّ السنغال تمرّ بمرحلة صعبة بسبب التغيرات الجيوسياسية العالمية والإقليمية، بالإضافة إلى التحديات الداخلية المتمثلة في البطالة، وهشاشة الاقتصاد، وتفشّي الفساد والرشوة في شرايين المجتمع، ووجود تمزقات في الروابط الاجتماعية.
ونتوقّع من الحكومة الجديدة أن تركّز في أيامها الأولى على حلّ مشكلة البطالة التي تُقدّر نسبتها بـ 19.5 بحسب تقرير الوكالة الوطنية للإحصاء والديمغرافية في الثلث الأخير من عام 2023م، وأن تتخذ قرارات تهدف إلى تخفيف تكاليف المعيشة الناتجة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وفواتير الكهرباء والمياه.
كما يُنتظَر من الحكومة الجديدة العمل على تحسين إدارة الثروات الطبيعية، ومراجعة العقود المتعلقة بالبترول والغاز والصيد؛ حفاظًا على مصالح السنغال، وضمان سيادتها في الطاقة والغذاء.