نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) تقريرًا تحت عنوان “جنوب إفريقيا: شريك صعب ولكن مهم لألمانيا والاتحاد الأوروبي”؛ تطرقت خلاله البروفيسورة “ميلاني مولر”، باحثة في مجموعة أبحاث إفريقيا والشرق الأوسط بالمعهد ومُحاضِرة في كلية هيرتي للحوكمة في برلين، إلى أنه لطالما تم النظر إلى جنوب إفريقيا باعتبارها القوة الإقليمية بلا منازع في القارة الإفريقية؛ إلا أن ميزان القوى بات يتحوّل تدريجيًّا لصالح دول أخرى مثل نيجيريا وكينيا.
بقلم: ميلاني مولر
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
منذ تولّيه منصبه في عام 2018م، استثمر الرئيس سيريل رامافوزا سياسيًّا لتعزيز دور جنوب إفريقيا في الاتحاد الإفريقي. ولهذا السبب لا يزال يُنظَر إلى البلاد على أنها “قوة وسطى” مهمة في إفريقيا. كما أن عضويتها في مجموعة العشرين ومجموعة دول بريكس تجعل من جنوب إفريقيا لاعبًا رئيسيًّا على المستوى الدولي. وبصورة منتظمة، تؤكد حكومة جنوب إفريقيا على طموحاتها في سياسة الأمن الدولي، على سبيل المثال، كوسيط في النزاعات في القارة الإفريقية أو كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكان آخرها في 2019/ 2020م.
حتى عام 2022م، كانت جنوب إفريقيا ناجحة نسبيًّا في إستراتيجية سياستها الخارجية المُتمثلة في التنقُّل بين الاتحاد الإفريقي ومجموعة بريكس والغرب. لكن مع الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا، تغيَّرت المؤشرات؛ حيث إن التحالفات المتعددة والصورة الذاتية كطرف فاعل “محايد” ومستقل بين أقطاب مختلفة صارت لها حدودها بشكل متزايد، خاصةً وأن حكومة جنوب إفريقيا نفسها أحبطت هذه التحالفات من خلال تعاونها مع روسيا. وقد أدَّى ذلك، بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة مع الصين، إلى وضع علاقة جنوب إفريقيا مع الولايات المتحدة أمام اختبار شديد، وتسبَّب في توترات دبلوماسية خطيرة. وفي الوقت نفسه، تُعدّ الولايات المتحدة شريكًا مهمًّا اقتصاديًّا لجنوب إفريقيا، وهو ما يُفسّر تصحيحات المسار الحالي لجنوب إفريقيا تجاه روسيا.
إن الالتزام المُكثَّف بتوسيع مجموعة بريكس والتنقل بين القوى الكبرى يجعل من جنوب إفريقيا شريكًا صعبًا لألمانيا والاتحاد الأوروبي. ونظرًا لموقفها المتناقض والقويّ نسبيًّا في المنتديات الدولية، تُعدّ جنوب إفريقيا من بين “الدول المتأرجحة” التي تُشكّل أهمية بالغة لمستقبل الجغرافيا السياسية. ولا يجوز لألمانيا والاتحاد الأوروبي أن يتنازلا عن التعاون مع جنوب إفريقيا، خاصةً وأن العلاقات الاقتصادية بينهم وثيقة، وهناك آفاق أكبر للتعاون. علاوةً على ذلك، تتمتع ألمانيا والاتحاد الأوروبي، بشكل خاص، بوضع جيد لبناء الجسور واستكشاف المصالح المشتركة، والمضي قُدمًا في التعاون على مختلف أصعدة السياسة.
هوية سياسة جنوب إفريقيا الخارجية: تحالفات متعددة
منذ التسعينيات اتسمت هوية سياسة جنوب إفريقيا الخارجية بدرجة عالية من الاستمرارية منذ التحول إلى الديمقراطية، لكنها تغيرت تدريجيًّا وليس بشكل أساسي خلال فترات ولاية العديد من الرؤساء. ويمكن تفسير ذلك بحقيقة أن جنوب إفريقيا يحكمها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي فقط منذ عام 1994م. وقد فشلت أحزاب المعارضة حتى الآن في كسر هذه الهيمنة على المستوى الوطني، على الرغم من أن الاستياء واسع النطاق من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يشير إلى فرص التغيير في انتخابات 2024م.
لقد تم وضع أساس سياسة جنوب إفريقيا الخارجية خلال فترة ولاية أول رئيس ديمقراطي، نيلسون مانديلا (1994-1999م)، ولأسباب تاريخية، ظل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مرتبطًا، بشكل وثيق، بتلك الجهات الفاعلة التي دعمت كفاح حركة التحرير السابقة ضد الفصل العنصريّ، أي دول الجنوب العالمي اليوم، بالإضافة إلى الصين ودول الاتحاد السوفييتي السابق. وعلى الرغم من ذلك، سعى نيلسون مانديلا بإصرار إلى دمج جنوب إفريقيا في الاقتصاد العالمي. وقد انعكست الجهود الرامية إلى تحقيق انتقال سلمي في البلاد في سياسة جنوب إفريقيا الخارجية، وخاصةً في الالتزام بالسلام والتفاهم بين الجهات المُعادية. ومنذ ذلك الحين، عزَّزت الحكومة هذا المسار، دائمًا، من خلال التزامها بمفاوضات السلام والوساطة في القارة الإفريقية، وفي مناطق أخرى من العالم.
وقد سعى مانديلا بالفعل إلى تثبيت جنوب إفريقيا في الاتحاد الإفريقي. وقد تم دفع هذا المشروع إلى الأمام، بشكل أكثر نشاطًا، في عهد خليفته ثابو مبيكي (1999-2008م)؛ حيث أثبت أنه مُدافع بارز عن التعاون الإفريقي، وهو ما أكَّد عليه من خلال التزام جنوب إفريقيا تجاه الاتحاد الإفريقي. ومن خلال القيام بذلك، ظلت جنوب إفريقيا تحظى، لفترة طويلة، بمكانة مؤثرة نسبيًّا في القارة الإفريقية، على الرغم من إهمال هذا الموقف في ظل حكومة زوما منذ عام 2009م فصاعدًا. لكن حكومة جنوب إفريقيا الحالية قد أكدت مجددًا أنها تولي أهمية كبيرة لمنح الاتحاد الإفريقي مزيدًا من الدعم. وكان الرئيس رامافوزا قد دعا بالفعل إلى موقف إفريقي مشترك خلال عضوية جنوب إفريقيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكرئيس للاتحاد الإفريقي في عام 2020م، وهو ليس بالأمر السهل التعبير عنه بسبب مصالح الدول الإفريقية المتباينة وغير المتجانسة. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى المخاوف من إمكانية سحق القارة الإفريقية اقتصاديًّا تحت وطأة حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومن مصلحة جنوب إفريقيا تعزيز التعاون والمؤسسات الإفريقية. ويمكن ملاحظة ذلك، على سبيل المثال، في دعم توسيع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، وكذلك في الدعوة إلى إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لصالح تمثيل إفريقي أفضل.
لقد كانت فترة ولاية الرئيس جاكوب زوما (2009-2018م) محورية أثناء تعاون مجموعة بريكس وتكثيف العلاقات مع الصين؛ حيث قام بحملة من أجل ضمّ بلاده إلى تحالف دول بريكس، التي صارت معروفة باسم مجموعة بريكس منذ انضمام جنوب إفريقيا في يناير 2011م. وأدى ذلك إلى تعاون اقتصادي ثنائي أوثق مع الصين، التي أصبحت منذ ذلك الحين واحدة من أهم الشركاء التجاريين. لقد راحت تتآكل الديمقراطية في جنوب إفريقيا على يد زوما نتيجة مساعيه لتحقيق الإثراء الاقتصادي الشخصي، أو ما يسمى الاستيلاء على الدولة، بالتزامن مع التقارب مع دول بريكس. ولم يمنع تنفيذ “الاتفاق النووي” -وهو اتفاق بشأن الدعم المالي الروسي لاستخدام الطاقة النووية- إلا جهود المساندة الضخمة من جانب منظمات المجتمع المدني والدعوى القضائية المرفوعة أمام محكمة في جنوب إفريقيا في عام 2017م. وكان من الممكن أن يصبح هذا الاتفاق الاقتصادي، الأكثر شمولًا في تاريخ جنوب إفريقيا، أن يجعل البلاد تعتمد بشكل كبير على الديون.
وعلى الرغم من أن الرئيس الحالي سيريل رامافوزا قد غيَّر مساره منذ عام 2018م، إلا أن تأثير تاريخ حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على سياسة جنوب إفريقيا الخارجية لا يزال مستمرًّا، وذلك أيضًا لأن العديد من السياسيين الحاليين ما زالوا يحاربون الفصل العنصري بأنفسهم. ومنذ ذلك الحين، ارتبط اللاعبون الرئيسيون في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ارتباطًا وثيقًا بالشركاء الروس. وهذا يفسّر أيضًا موقف رامافوزا المتناقض تجاه الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا وعدم إدانة انتهاك القانون الدولي. وفي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، يُنظَر إلى رامافوزا على أنه “رئيس ذو توجهات غربية”، وهي تسمية غالبًا ما تكون غير مقبولة داخل حزبه. ويحرص رامافوزا، الذي أُعيد انتخابه رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في ديسمبر 2022م، على تعزيز سلطته بشكل أكبر. ولذلك ليس من المتوقع أن يتخذ موقفًا واضحًا ضد روسيا أو الصين.
إصلاح التعددية والعدالة العالمية والعلاقات الاقتصادية:
منذ منتصف عام 2023م، مارست الولايات المتحدة المزيد من الضغوط على حكومة جنوب إفريقيا، الأمر الذي دفعها إلى تعديل مسارها تجاه روسيا. بل إن بعض الأصوات في الكونجرس الأمريكي دعت إلى استبعاد جنوب إفريقيا من الاتفاقية الاقتصادية الخاصة بقانون النمو والفرص في إفريقيا (أجوا). فهي توفر للدول الإفريقية وصولًا تفضيليًّا إلى السوق الأمريكية، ومن المقرر أن يتم تمديدها اعتبارًا من عام 2025م. وقد اتخذ رامافوزا موقفًا عمليًّا هنا، خاصةً وأن الاقتصاد المتعثر قد فرَض المزيد من الضغوط عليه. لقد طوَّرت حكومة جنوب إفريقيا الآن موقفها الخاص بشأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا؛ فهي تقدم الآن مطالب ملموسة لروسيا، وتريد إجراء مفاوضات سلام بين موسكو وكييف. ويتوافق هذا الموقف مع خطوط الاستمرارية السابقة في سياسة جنوب إفريقيا الخارجية، وبالتالي فهو ليس موضع شك حتى في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.
ونتيجة لذلك، يبدو أن العلاقات مع الولايات المتحدة بدأت تتحسن مرة أخرى؛ حيث استضافت جنوب إفريقيا منتدى قانون النمو والفرص في إفريقيا في جوهانسبرج في نوفمبر 2023م، كما هو مخطَّط له، إيذانًا ببدء المفاوضات حول مستقبل الاتفاقية. وتكشف المناقشة حول مشروع قانون النمو والفرص في إفريقيا عن تناقضات في سياسة جنوب إفريقيا الخارجية: فمن ناحية، تخشى الحكومة في بريتوريا أن يؤدي فتح الأسواق بسرعة كبيرة في مجالات أخرى إلى تقويض جهودها الرامية إلى التصنيع والاندماج في سلاسل التوريد العالمية. ومن ناحية أخرى، يُعدّ دعم جنوب إفريقيا مُهمًّا للدول الإفريقية الأخرى. كما أن تأخير فتح السوق أو حتى رفضه من شأنه أن يُعيق اندماجهم الاقتصادي في الاتفاقية.
وتتجلى التحديات التي تواجهها القوى الوسطى مثل جنوب إفريقيا، تحديدًا في السياسة الاقتصادية والتجارية الدولية. إنهم يعتمدون على تكثيف علاقاتهم الاقتصادية مع مختلف البلدان، وقبل كل شيء، مع القوى الكبرى. ومن خلال القيام بذلك، يتعين عليهم أن يدافعوا عن طموحاتهم الاقتصادية، وأن يواجهوا أيضًا التوقعات من منطقتهم.
ومن الأمثلة على المشاركة النشطة للقوى المتوسطة في السياسة الاقتصادية والتجارية الدولية: انتقاد جنوب إفريقيا والهند لتنفيذ آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) في إطار منظمة التجارة العالمية (WTO)؛ حيث تهدف هذه الآلية إلى تجنب إغراق ثاني أكسيد الكربون في الأسواق الأوروبية. وتهدف أيضًا إلى استكمال نظام تجنُّب الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، والتأكد من أن الواردات تخضع لسعر كربون مماثل للسلع المنتجة في الاتحاد الأوروبي.
لقد كان المقصود من هذه الأداة في الأصل منع تشوهات المنافسة، وحماية الدول الأوروبية التي تمر بعملية إزالة الكربون من الواردات الرخيصة، وخاصةً من الصين والولايات المتحدة الأمريكية. لكن ذلك يؤثر أيضًا على الاقتصادات الناشئة مثل جنوب إفريقيا والهند والبرازيل. ولأنها لم تتمكن بعدُ من المُضي قدمًا في عملية إزالة الكربون التي التزمت بها بالسرعة الكافية، وتخشى المعوقات التنافسية، فقد طلبت من منظمة التجارة العالمية تأجيل تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون. وتنشط الهند وجنوب إفريقيا أيضًا في التوزيع العالمي للقاحات؛ ففي عام 2023م، مَارَس كلا البلدين الضغوط مرة أخرى لتمديد التسوية بشأن التنازل عن براءات اختراع اللقاحات. وهذا الصراع السياسي والاقتصادي لم يتمَّ حلّه بعدُ.
وتُظهِر الشكاوى في منظمة التجارة العالمية، على وجه الخصوص، أن جنوب إفريقيا لا ترفض الآليات متعددة الأطراف والنظام متعدد الأطراف، ولكنها على استعداد للعمل داخل هذه المؤسسات من أجل توزيع أكثر عدالة للسلطة بين الشمال العالمي والجنوب العالمي على المستوى الدولي. إن جزءًا مهمًّا من هوية سياسة جنوب إفريقيا الخارجية يتلخّص في تسليط الضوء على أوجه الظلم وعدم المساواة في النظام الدولي، حيث تتمتع الدول الغربية بمزايا لا نهائية.
وخلال جائحة كورونا، دعا الرئيس رامافوزا إلى توزيع عالمي للقاحات أكثر إنصافًا مما هو عليه. ووصف اكتناز اللقاحات بأنه “فصل عنصري عالمي في مجال اللقاحات”، واستمر في اتهام الدول الغربية في عام 2023م باستخدام اختلال توازن القوى في النظام العالمي لصالحها أثناء أزمة الوباء. وهذا الانتقاد لم يكن مُريحًا بالنسبة لألمانيا والاتحاد الأوروبي؛ لأنه يُندِّد أيضًا بالأخطاء وأوجه القصور في السياسة الأوروبية. ولكن الانفتاح مفيد لأنه يجعل من الحوار البنّاء أمرًا ممكنًا، مما يسهم في إعادة صياغة مقترحات مشتركة لإصلاح المؤسسات متعددة الأطراف وإقامة تعاون جديد مع القوى الوسطى.
توصيات:
إن التزام جنوب إفريقيا بالديمقراطية والتعددية والعدالة العالمية يظل متواصلًا على الرغم من التناقضات العديدة؛ ومن المؤكد أن قرارات السياسة الخارجية تستند إلى مبادئ معيارية. وفي الوقت نفسه، تتصرف البلاد بشكل عملي للغاية على المستوى الدولي. والدليل على ذلك هو الالتزام القوي بتوسيع مجموعة بريكس، والتعاملات مع روسيا وإيران، وفي القارة الإفريقية دعم دول مثل زيمبابوي.
لقد كانت جنوب إفريقيا دائمًا، وبكل وضوح، تتصدى للانتقادات الموجّهة إلى تناقضاتها من خلال الإشارة إلى تناقضات السياسة الغربية. ورغم أن حكومة جنوب إفريقيا ملتزمة بالتعددية؛ إلا إنها لا تُجهِد نفسها أبدًا في الإشارة إلى أن القانون الدولي كثيرًا ما يتم إنفاذه وتصميمه ليناسب المصالح الغربية.
في الغالب يتم توجيه الانتقادات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبدرجة أقل إلى الاتحاد الأوروبي، ونادرًا ما يتم توجيهه إلى ألمانيا، التي يُنظَر إليها على أنها شريك موثوق به. وبالتالي فإن الدول الأوروبية في وضع أفضل من الولايات المتحدة لتعزيز الحوار مع القوى الوسطى مثل جنوب إفريقيا حول إصلاح المؤسسات متعددة الأطراف. وعلى هذا فلا ينبغي لألمانيا والاتحاد الأوروبي أن يتجاهلا شكاوى هذه الدول، بل يتعين عليهما أن يُقدّما لها عروضًا لتطوير مواقف مشتركة بشأن إصلاح المنتديات متعددة الأطراف.
ومن الممكن أن يكون الحوار المنظَّم حول الإصلاحات المحتملة في نظام “بريتون وودز” وفي “الأمم المتحدة” بمثابة وسيلة لوضع المقترحات بشكل مشترك. ومِن ثَم يصبح بوسع ألمانيا والاتحاد الأوروبي أن يدعما هذه البلدان بكثافة. وهذا لن يؤدي فقط إلى تعزيز تبادل وجهات النظر بين مختلف الجهات الفاعلة، بل من الممكن أيضًا أن يساعد في تصحيح الاختلالات في المحافل الدولية.
ويتعين على الدول الأوروبية أيضًا أن تسعى إلى الحوار في وقتٍ مبكرٍ إذا كانت تستعدّ لوضع معايير ذات تأثير يتجاوز الحدود الإقليمية. تظهر المناقشات حول آلية تعديل حدود الكربون والقوانين المماثلة (مثل قوانين سلاسل التوريد الأوروبية) أن مثل هذه المبادرات ليست مرفوضة في حدّ ذاتها، ولكن (يجب) أن يُنظَر إليها على أنها أدوات حماية بسبب عدم مشاركة الشركاء الاقتصاديين في الجنوب العالمي.
ومن الممكن أن يؤدي التبادل المبكّر إلى تمكين الاتحاد الأوروبي من تصميم معاييره؛ بحيث يصبح قبولها وتنفيذها بشكل واقعي أكثر سهولة من قِبَل الشركاء الاقتصاديين. وهذا مهمّ أيضًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي؛ لأنه يتجنّب إحباط جهوده الرامية إلى تحقيق تعاون اقتصادي أكثر كثافة مع القوى الوسطى. وعندما يتعلق الأمر بالتعاون مع جنوب إفريقيا والدول الإفريقية الأخرى، فمن المهم أيضًا أن يدعم الاتحاد الأوروبي التعاون الإقليمي في إطار الاتحاد الإفريقي. ويتعين على الدول الأوروبية أن تأخذ هذا البُعْد الإقليمي في الاعتبار، وأن تَنظُر إلى القوى الوسطى الإفريقية، ليس فقط في ضوء المصالح الوطنية لهذه القوى، بل وأيضًا في ضوء مشاركتها في سياق الاتحاد الإفريقي.
وعندما يتعلق الأمر بالتعاون مع جنوب إفريقيا، يتعين على ألمانيا والاتحاد الأوروبي أيضًا مراقبة وجهات النظر السياسية الداخلية. إذا ظهرت حكومة ائتلافية بالفعل في بريتوريا بعد انتخابات عام 2024م، كما تشير العديد من التحليلات، فمن المرجّح أن يكون لذلك تأثير على سياسة جنوب إفريقيا الخارجية. فمنذ نهاية نظام الفصل العنصري، كان موقف السياسة الخارجية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي ثابتًا، ويمكن التنبؤ به. ويعتمد الأمر، إلى حد كبير، على تشكيل ائتلاف حكومي محتمل سواء تحوّل الثِّقل أكثر نحو الصين أو روسيا أو لصالح الدول الغربية.
ومن المرجح أن يؤدي ائتلاف التحالف الديمقراطي (DA) وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى التقارب مع الدول الغربية، في حين أن ائتلاف المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية (EFF) وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي من المحتمل أن يكون لهما تأثير معاكس.
وفي ظل حكومة ائتلافية، فمن المرجح أن تصبح سياسة جنوب إفريقيا الخارجية أقل قابلية للتنبؤ بها. لذلك، يتعين على صُنّاع القرار في ألمانيا وأوروبا الاستعداد لهذا السيناريو الآن، وإجراء حوار مع أحزاب المعارضة، وإيلاء اهتمام خاصّ للسياسة الخارجية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ