مقدمة
تعد “دبلوماسية الملاعب” إستراتيجية تستخدمها الصين لتوسيع نفوذها وتعزيز مصالحها على الساحة الدولية. وتُشير إلى بناء البنى التحتية الرياضية في الدول الأخرى كأداة للدبلوماسية والتأثير؛ من خلال تقديم الملاعب والمنشآت الرياضية كهدايا، أو تمويلها من خلال القروض الميسرة، كجزء من اتفاقيات أوسع قد تشمل الوصول إلى الموارد الطبيعية أو العقود للشركات الصينية.
ويرجع ذلك إلى أن الصين قد اتخذت من الرياضة إستراتيجية أوسع للسياسة الخارجية، مستخدمةً بناء الملاعب رمزًا للتحديث والتقدم، ووسيلةً لفتح علاقات مع الدول النامية، خاصةً مع إفريقيا.
وقد أثار استخدام هذه الإستراتيجية جدلًا واسعًا؛ حيث يرى البعض أنها وسيلة فعّالة للصين في تعزيز نفوذها في إفريقيا، ولا تستفيد منها القارة الإفريقية، بينما يرى آخرون أنها ساعدت الدول الإفريقية في تحقيق العديد من المزايا، وغيَّرت من النظرة السلبية للقارة، وحسَّنت مستوى المباني الرياضية في أغلب دولها.
ولذلك تناقش هذه الورقة طبيعة دبلوماسية الملاعب الصينية في إفريقيا، ومحدداتها السياسية، والرؤى المثارة حولها، بالإضافة إلى مستقبلها.
أولًا: ماهية دبلوماسية الملاعب الصينية
تُعرف “دبلوماسية الملاعب” الصينية على أنها شكل من أشكال الدبلوماسية الثقافية التي تمارسها الصين، وتقوم في جزء منها على التبرع بالملاعب والمرافق الرياضية لدول العالم النامي أو إنشائها بعقود استثمارية ميسرة. وبموجب هذه الأداة، تم تمويل وتصميم وبناء الملاعب الجديدة أو أنواع أخرى من المباني الرياضية([1])؛ حيث لجأت الصين إلى استخدام الرياضة لتحقيق مجموعة من الأهداف الدبلوماسية، كانت بدايتها مع بطولات تنس الطاولة كوسيلة للتواصل الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، فيما عرف بـ«دبلوماسية بينج بونج».
أسفرت هذه الأداة الدبلوماسية عن المصالحة الصينية الأمريكية في عام 1972م، والتي بلغت ذروتها بزيارة “نيكسون” التاريخية للصين.
وخلال الفترة نفسها، بدأت الصين في تطبيق نهج دبلوماسي مُبتكَر للقوة الناعمة ولبناء العلاقات الدولية في جميع أنحاء العالم. وكانت الملاعب الرياضية منذ السبعينيات من القرن العشرين، حجر الزاوية في الأنشطة الدبلوماسية الصينية في إفريقيا([2])، ويُعدّ ملعب (أمان) في تنزانيا أول ملعب تُشيّده الصين في القارة وذلك عام 1970م؛ حيث سارعت بعد ذلك في تشييد الملاعب في إفريقيا منذ أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وشهدت دول كلٍّ من السنغال وموريتانيا وموريشيوس وكينيا ورواندا والنيجر وجيبوتي وجمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير آنذاك) إنشاء ملاعب جديدة في ذلك الوقت([3]).
ولكن ابتداءً من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، استمر عدد الملاعب الرياضية في الزيادة، لتصبح جزءًا من البنية التحتية في الصين، إلى جانب الطرق السريعة والسكك الحديدية والموانئ والمكاتب الرئاسية. وحتى مركز مؤتمرات الاتحاد الإفريقي؛ كجزء من إستراتيجية أكبر للنفوذ الدبلوماسي أو الموارد الطبيعية.
وتُعد هذه الأداة جزءًا من سياسة الصين الناعمة في القارة؛ حيث كان للدبلوماسية الناعمة الصينية نجاح في خلق وجود قوي للصين في كافة القطاعات الإفريقية، فمنذ عام 2000م وحتى عام 2019م برزت الصين كأكبر ممول ثنائي لإفريقيا، بحجم تمويل وصل إلى أكثر من (153) مليار دولار أمريكي.
وعزّزت الصين تلك الخطوة بوضع إفريقيا ضمن محاور مبادرة الحزام والطريق من خلال التوسع في الطرق والمطارات ومحطات الطاقة والمراكز ذات الأنشطة الثقافية والرياضية التي تلعب دورًا دعائيًّا للصين. ومع ذلك، فإن ما يُميّز الصين في مجال تمويل التنمية الخارجية هو تركيزها الفريد على الملاعب الرياضية، وخاصةً ملاعب كرة القدم، كشكل من أشكال الدبلوماسية الناعمة([4]).
ثانيًا: محددات دبلوماسية الملاعب الصينية
تعتمد دبلوماسية الملاعب أو الإستادات الصينية على نطاق أوسع في تعزيز النفوذ الصيني خارجيًّا، خاصةً بين دول العالم النامي عبر تطوير البنى التحتية، فكما سبقت الإشارة فإن الصين لجأت إلى استخدام الرياضة في سياستها الخارجية منذ السبعينيات من القرن العشرين، وعزّزت من هذه السياسة مع صعودها الاقتصادي. وبشكلٍ عام ثمة مجموعة من المحددات التي تفسّر طبيعة دبلوماسية الإستاد الصينية كالتالي:
1- عنصر مهم في نطاق الدعاية الخارجية للصين:
اعتادت الصين في استثماراتها الخارجية، خاصةً في الدول النامية والتي منها إفريقيا، على بناء مشروعات للدعاية الرمزية كالطرق أو المدراس أو حفر الآبار في المناطق النائية. ولذلك كانت الصين حريصة على توظيف الملاعب الرياضية على وجه الخصوص في الدعاية الإعلامية لعدة أسباب:
- إدراك الصين أن الشعوب الإفريقية تحب الرياضة، وأن هناك الكثير من الدول الإفريقية لا تمتلك بنى تحتية رياضية متطورة، فاتجهت نحو إشباع رغبة الشعوب الإفريقية وحلمهم في امتلاك ملاعب حديثة.
- تَعتبر الصين أن بناء الملاعب الرياضية أداة دبلوماسية، غير مكلفة نسبيًّا، وسهلة البناء، وشعبية الاهتمام، ورمزية للغاية.
- تدرك الصين أن الملاعب الرياضية مهيمنة بصريًّا، وعادةً ما تصبح معالم بارزة وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة الاجتماعية والسياسية، ويتم استخدامها بشكل متكرر مِن قِبَل الجمهور لحضور الأحداث والفعاليات الرياضية وغيرها([5]).
- وسيلة في إيصال امتياز التحديث إلى الدول النامية، خاصةً أن المشاريع الخاصة بالملاعب الرياضية تُعدّ بوابة نحو مشروعات أخرى أكثر أهمية؛ حيث غالبًا ما يتم إدراج هذه الملاعب كمنشآت ثانوية لمشاريع البناء والطاقة الأكبر التي يتم التفاوض عليها بين الكيانات الصينية والحكومات الإفريقية([6]).
- تنظر الصين لبناء هذه الملاعب أو تجديدها على أنه نافذة تسمح لها بتأكيد خبرتها في الهندسة والبناء. وهذه الصورة هي الحجة التي لها وزن كبير عندما تريد إقناع الدول المترددة بدعم سياستها الإفريقية.
2- الوصول التأميني للموارد الطبيعية في إفريقيا:
ارتبط اهتمام الصين ببناء الملاعب في إفريقيا حديثًا بمبادرة الحزام والطريق، والتي تهدف إلى تعزيز التجارة والترابط بين الصين والدول الأخرى. كما تستخدم الصين بمهارة بناء الملاعب الرياضية؛ لتأمين الوصول التفضيلي، إن لم يكن حصريًّا، إلى أفضل الموارد الطبيعية التي تعتبرها ضرورية للحفاظ على قوة صناعتها.
وبما أن بناء الملاعب الرياضية لا يحقق أرباحًا فورية؛ فإن عددًا قليلًا جدًّا من الدول والشركات الأجنبية ترغب في الاستثمار في مثل هذا المجال. ومع ذلك، استخدمت الصين الملعب وسيلةً دبلوماسيةً لضمان الحفاظ على مصالحها في الدول الإفريقية على المدى الطويل، ولذلك فليس من الغريب أنه منذ عام 1958م شيَّدت الصين في إفريقيا (94) ملعبًا رياضيًّا([7]) من إجمالي (140) ملعبًا؛ أي: بنسبة (70%) من الملاعب في القارة الإفريقية كانت صينية النشأة والبناء.
3- ممارسة النفوذ السياسي:
إن دبلوماسية الملاعب الصينية، والتي تم وضعها رسميًّا على أنها ذات منفعة متبادلة. تُثار حولها الرؤى، فبينما تحصل الدول الإفريقية على بنية تحتية رياضية جديدة ولامعة واستثمارات داخلية. لكن بالنسبة للصين فإن دبلوماسية الملاعب تُمكِّن البلاد من توسيع نطاق نفوذها، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق حالة من الخلل والاضطراب في التوازن السياسي، بما يسمح للصين بالسيطرة على مُقدرات الدول أو الضغط السياسي عليها.
وقامت الصين بعرض إحلال وتجديد ما يقرب من (100) ملعب رياضي على مدى العقود الخمسة الماضية في القارة الإفريقية؛ بهدف تعزيز وسائل نفوذها السياسي وضمانًا للصوت الإفريقي في الأمم المتحدة. كما تلجأ الصين أيضًا إلى الضغط السياسي على الدول من أجل التوافق معها، مثلما حدث مع كوستاريكا؛ حيث قامت الصين بالضغط عليها من أجل سحب الاعتراف بتايوان عن طريق ما لديها من أموال مستحقة على كوستاريكا نظير قيامها ببناء الملعب الوطني عام 2011م، مما يعني أن الدول مُعرَّضة في أيّ وقت للضغط السياسي في سبيل التوافق مع السياسة الخارجية للصين ومصالحها([8]).
ثالثًا: تقييم لدبلوماسية الملاعب الصينية
ثمة بعض الاتجاهات التي سعت لوضع تقييم لإستراتيجية الصين الخاصة ببناء المنشآت الرياضية في إفريقيا؛ انقسمت هذه الاتجاهات بين من يرى أن لهذه المنشآت منافع للقارة، وأخرى ترى أنها تهدف لتحقيق أهداف أخرى تنصبّ حقيقتها في تحقيق المصالح الصينية بصورة أكبر. ويمكن إيضاح ذلك على النحو التالي:
الاتجاه الأول: فوائد مُشوبة بالمخاطر
ينطلق هذا الاتجاه من اعتبار أن الفراغ في المساعدات التي خلّفها الغرب؛ مكَّن الصين من الوصول بسهولة إلى الدول النامية. لقد نظرت الدول الغربية منذ فترة طويلة إلى إفريقيا باعتبارها مسارًا فاشلاً للتقدم المعاصر، وليست مكانًا للإمكانات الاقتصادية والاستثمار.
ولذلك يرى مُناصرو هذا الرأي أن بناء الصين للملاعب الإفريقية يأتي كأداة للوصول إلى القادة أو تأمين المصالح الاقتصادية، أو الاثنين معًا؛ حيث لا تُقدّم الصين هذه الملاعب مجانًا، بل تُموّل بناءها من خلال قروض ميسّرة أو هبات مشروطة أو وسيلة للدعاية في دولة ما بهدف التقارب مع نظامها السياسي خاصةً إذا كانت من الدول الغنية بالموارد الطبيعية التي تحتاج لها الصناعات الصينية.
وقد أثارت هذه السياسة المخاوف خاصةً حول اعتبارها جزءًا من فخّ الديون الصينية التي تعتبر حجر زاوية في أدوات ممارسة النفوذ السياسي والاقتصادي للصين خارجيًّا. وبخاصة أن طبيعة الملاعب التي تخصصها الصين في إفريقيا تحتاج إلى تمويلات على المدى الطويل مما يخلق أعباء على الدول الإفريقيةـ ولذلك فإن أصحاب هذا الاتجاه يرون أن دبلوماسية الملاعب الصينية في إفريقيا تهدف إلى:
1- سيطرة الصين على المقدرات الطبيعية للدول الإفريقية:
سبقت الإشارة إلى أن الصين تستفيد من دبلوماسية الملاعب في التقارب مع الدول الإفريقية الغنية بالموارد؛ إما من خلال إهداء الملاعب، أو أن يتم دفع ثمنها باستخدام قروض رخيصة نسبيًّا([9])، ويمكن الإشارة إلى توظيف الصين لدبلوماسية الملاعب في السيطرة على المقدرات الإفريقية على النحو التالي:
- قامت الصين ببناء ملاعب رياضية في عدة دول إفريقية، منها: (أنجولا والجابون وغينيا الاستوائية وغينيا بيساو)؛ نتيجة لامتلاك هذه الدول احتياطات نفطية بحرية كبيرة. وفي العام 2010م قامت الصين بتمويل وبناء أربعة ملاعب في أنجولا بتكلفة (500) مليون دولار، في مقابل أن ترتكز الصادرات الأنجولية نحو الصين على النفط الخام([10]).
- في غانا، قامت الصين بتمويل إنشاء ملعبين من الملاعب المخصصة للأمم الإفريقية عام 2008م من خلال القروض الميسرة لتمويل تكاليف الإنشاء التي وصلت حينها لـ(200) مليون دولار، وتشير بعض التقارير إلى أن الصين أصبحت منذ ذلك التاريخ من أكبر أسواق الذهب الغاني.
- تحصل الصين من الجابون نظير قيامها ببناء الملاعب التي شهدت أمم إفريقيا 2017م على (15%) من صادراتها النفطية؛ لسداد ما عليها من الأموال التي بُنيت بها هذه الملاعب([11]).
- شيَّدت الصين الملاعب الرياضية الـ(6) التي أقامت عليها كوت ديفوار نسخة بطولة الأمم الإفريقية عام 2023م، بإجمالي استثمارات (1.5) مليار دولار أمريكي. في مقابل أن تقوم كوت ديفوار بتصدير ما قيمته (700) مليون دولار أمريكي من مواردها الخام للصين سنويًّا([12]).
2- فتح الباب أمام الشركات الصينية للعمل في إفريقيا:
عند بناء الملاعب الرياضية تستعين الصين بعمالتها الوطنية وشركاتها؛ مما يعني إزاحة الوظائف للعمال المحليين، بل إن العمالة الإفريقية التي قد تشارك في هذه المشاريع لا تحصل على كافة حقوقها في العمل، كما حدث مع العمال في إستاد “مابوتو الوطني” في موزمبيق؛ حيث اشتكوا من أن الشركة الصينية التي شيّدت الإستاد لم تلتزم بالعقود الخاصة بهم، ولم تدفع لهم ما تم الاتفاق عليه([13]). هذا إلى جانب أن المشروعات الخاصة بالملاعب الرياضية قد تكون لها أهداف أخرى بعيدة المدى، من أهمها ما يلي:
- إعطاء الشركات الصينية امتيازات خاصة بمشروعات أخرى أكثر حيوية، كما حدث في كوت ديفوار؛ حيث نجحت الصين في الحصول على عقد امتياز من الحكومة الإيفوارية في توسعة ميناء أبيدجان.([14])
- تُعدّ المشروعات الخاصة بالملاعب الرياضية وسيلة لفتح الأسواق أمام الشركات والبنوك الصينية للعمل في إفريقيا؛ من أجل توظيف أكبر قدر من الأموال والعمالة بالخارج. بالرغم من عدم كفاءة كثير من هذه الملاعب؛ حيث كشفت بعض التقارير أن الملاعب التي أنشأتها الصين في الدول الإفريقية تُعاني من مشكلات تتعلق بطبيعة البنية التحتية. فعلى سبيل المثال تعرّض ملعب ليفي مواناواسا (Levy Mwanawasa Stadium) في زامبيا، إلى أعمال صيانة بعد أقل من عام واحد من افتتاحه، كما أن المناطق التي تختارها الصين في كثير من الأحيان تكون بعيدة عن المناطق السكنية، ويتم بناء الملاعب الرياضية في المناطق التي يفتقر فيها السكان المحليون إلى الموارد اللازمة للاستخدام المنتظم لمثل هذه المرافق([15]). كحالة ملعب توماس سانكارا في بوركينا فاسو، الذي بلغ تكلفة إنشائه ملايين الدولارات، ولم يُستخدم بسبب موقعه والافتقار إلى ثقافة رياضية قوية في المنطقة.
3- التبعية الاقتصادية:
يمكن أن تؤدي دبلوماسية الملاعب الصينية إلى الاعتماد الاقتصادي على الصين؛ فقد تصبح الدول الإفريقية معتمدة على القروض والاستثمارات الصينية لبناء الملاعب، مما قد يؤدي إلى محدودية التنويع الاقتصادي. وبذلك تصبح الدول الإفريقية خاضعة لفخّ التبعية الاقتصادية للصين؛ مما قد يؤثر على تقويض السيادة، وبخاصة أن الصين تحاول الترويج لمثل هذه المشروعات وعلاقتها بشعبية النظام الحاكم في الدول الإفريقيةـ بمعنى آخر تحاول الصين إقناع القادة الأفارقة بأن لإنشاء وافتتاح هذه المشروعات أثرًا على زيادة شعبيتهم بين المواطنين([16]).
الاتجاه الثاني: تفنيد رواية الغرب المُسيّسة
ينطلق هذا الاتجاه من اعتبار أن الصين ساعدت إفريقيا في الحصول على بنية تحتية متطورة، وبأن الوجود الصيني أزعج الغرب في إفريقيا، لذلك سعت هذه الدول الغربية إلى بذل جهودها لمحاولة التصدي للوجود الصيني في إفريقيا؛ من خلال تشويه صورة الصين هناك. واعتبر أنصار هذا الاتجاه أن المنشآت الرياضية الصينية في إفريقيا ساعدت القارة في امتلاك بنية تحتية رياضية متطورة كالتالي:
1- الجودة العالية للمنشآت الرياضية:
تتميز المنشآت الرياضية التي بنتها الشركات الصينية حديثًا بجودة عالية، وبكونها مُجهَّزة بملعب داخلي ومسار رياضي، ومرافق إضاءة ذات مستوى عالمي، لم تعرفه القارة من قبل. مما غيَّر من صورة الرياضة في إفريقيا، وساعدها في التخلص من التسمية التي أطلقها الغرب على أنها قارة “مظلمة ويائسة”.
عملت الصين على مراعاة المعايير التي حددها الاتحاد الدولي لكرة القدم في إنشاء الملاعب الرياضية؛ حيث ساعدت إفريقيا في تعزيز الرياضة، والتغلب على قيود البنية التحتية في المنطقة، مما يسمح باستضافة الأحداث الرياضية الإفريقية([17]).
2- تعزيز البنى التحتية والمنفعة للقارة:
يُنظَر إلى الملاعب الصينية في إفريقيا على أنها جزء من إستراتيجية أوسع للصين نحو تنمية القارة، وبأنها تُحقّق منفعة متبادلة للطرفين، وتُعزّز من قِيَم الصداقة والتعاون؛ حيث تُوصَف الملاعب عالية الجودة في إفريقيا بأنها رمز للصداقة بين الصين وإفريقيا، والتي تجسَّدت في ملعب الحسن واتارا في كوت ديفوار، الذي استضاف مباريات بطولة أمم إفريقيا 2023م([18]) .
إلى جانب الرياضة، تمتد الاستثمارات الصينية في إفريقيا عبر قطاعات مختلفة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية العامة. ويساعد هذا النهج الشامل على معالجة بعض التحديات التنموية الحاسمة التي تواجهها البلدان الإفريقية؛ حيث يوفر المرافق التي تشتد الحاجة إليها، ويعزز الاقتصادات المحلية.([19])
3- تعزيز الاقتصادات المحلية الإفريقية:
يرى أنصار هذا الاتجاه أن إيجابيات دبلوماسية الملاعب الصينية في إفريقيا تتمثل في أنها أسهمت في تعزيز الاقتصادات المحلية لدول القارة؛ من خلال زيادة السياحة، وتوفير الظهور الدولي للرياضيين في أثناء إقامة الفعاليات الرياضية المختلفة. أيضًا يرون أن هذه المُنشآت الرياضية وغيرها تساعد في توفير فرص عمل للشباب؛ حيث يُقدّر بأن أكثر من (60%) من شباب القارة تحت سن (25) عامًا، ومن المقدر بحلول عام 2030م أن يُشكّل الشباب الأفارقة (42%) من شباب العالم. ويواجه غالبيتهم تحديات عديدة؛ كالفقر والبطالة، وغيرها، ولذلك فإن المشروعات الصينية ستساعدهم في التغلب على بعضٍ من هذه المشكلات.([20])
رابعًا: مستقبل دبلوماسية الملاعب الصينية في إفريقيا:
أظهرت دبلوماسية الملاعب أنه حتى عندما يتعلق الأمر بالسياسة والدبلوماسية، فإن الإبداع والابتكار هما أيضًا عنصران أساسيان. وأثبتت استخدام الرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص، أنها وسيلة فعّالة لصياغة روابط سياسية واقتصادية قوية بين الدول. ومع استمرار إدراك قيمة الرياضة كشكل من أشكال الدبلوماسية، يمكننا أن نتوقع رؤية التأثير الصيني في إفريقيا في إطار دبلوماسية الملاعب والرياضة بشكلٍ عام، وليس أدل على ذلك من إدراج لعبة الكونغ فو أو “الووشو الصيني” كحدث رسمي في دورة الألعاب الأولمبية للشباب المزمع إقامتها في داكار بالسنغال 2026م([21]).
ولذلك، قد تتجه الصين إلى تطوير هذه الأداة السياسية لتصبح شكلًا فعّالًا وقابلًا للتطوير كشكل من أشكال القوة الناعمة تجاه قارة إفريقيا([22])، وستعمل الصين أيضًا على التوسع في الجانب الرياضي بالقارة من خلال الاهتمام بالألعاب الشعبية في الدول الإفريقية الأخرى في القارة. وبشكلٍ عام ومن خلال ما تم عرضه يمكن الإشارة إلى مجموعة العوامل التالية التي تُشكّل مستقبل دبلوماسية الملاعب الصينية في إفريقيا كالتالي:
- مدى قدرة الشركات الصينية على تحقيق الاستثمار المستدام في البنية التحتية للقارة.
- طبيعة الموقع الجغرافي للدولة الإفريقية وأهميته بالنسبة للصين.
- حجم الاستفادة من المشاريع التعاونية، والمنافع المتبادلة، والتبادلات الثقافية بين الصين وإفريقيا.
وختامًا: يمكن القول: إن مشاركة الصين في بناء الملاعب الرياضية والمنشآت الحديثة في إفريقيا، يأتي كجزء من مبادرة الحزام والطريق، والتي تعكس تنوع مشاركة الصين في القارة باستثمارات شاملة، عملت من خلالها على بناء دبلوماسية تقوم على الاهتمام بتطوير البنى التحتية، والتي من صورها: إنشاء الملاعب والمنشآت الرياضية، التي تم تمويلها وبناؤها وتجديدها وتسليمها إلى البلدان الإفريقية. الأمر الذي أدى إلى وجود وجهتي نظر حول طبيعة جدوى هذه المشروعات والمستفيد الأكبر منها؛ خاصةً أنها تُقَدّم في غالبيتها كقروض ميسرة التكلفة. ففي حين أنها توفر مزايا واضحة فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية وتعزيز الرياضة، فإنها تثير أيضًا أسئلة مهمة حول الآثار طويلة المدى لهذه الاستثمارات على مسارات السيادة والتنمية في الدول الإفريقية. ولكن من المرجّح استمرار الصين في استخدام دبلوماسية الملاعب مستقبلًا، مع تطورها لتشمل مجالات أخرى مثل التعليم والرعاية الصحية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
[1] Charlie Q.L. Xue, Guanghui Ding, Wei Chang” Architecture of “Stadium diplomacy” – China-aid sport buildings in Africa”, Habitat International, Volume 90, August 2019.
[2] Steve Menary, “China’s programme of stadium diplomacy”, The International Centre for Sport Security (ICSS), Vol (3), N (3),2019, p.4.
[3] Elliot Ross, CHINA’S STADIUM DIPLOMACY IN AFRICA, Roads & Kingdoms, JAN
28,2014, at: https://shorturl.at/HNU67
[4] Valentin Lindlacher, Gustav Pirich,” The Impact of China’s “Stadium Diplomacy” on Local Economic Development in Sub-Saharan Africa”, Working Papers (Munich: Maximilians University, The international platform of Ludwig’s, No. (10893), January 10, 2024) p.1
[5] Charlie Q.L. Xue, Guanghui Ding, Wei Chang, op.cit.
[6] Africa Cup of Nations: China’s ‘Stadium Diplomacy’ Scores Big, Stadium Db, 02.02.2024, at: https://shorturl.at/zNY12
[7] Valentin Lindlacher, Gustav Pirich, op.cit., p.8
[8] Joseph Splitz, The Negative Impacts of China’s Global Stadium Diplomacy, in depth Solomons, August 22, 2023, at: https://shorturl.at/giCDF
[9] Simon Chadwick and Chris Toronyi, “Africa Cup of Nations: China Deploys Its “Stadium Diplomacy”, January 12, 2024, at: https://shorturl.at/inopF
[10] Idem.
[11] Simon Chadwick, How China is fuelling the African Cup of Nations, Asia & the Pacific Policy Society, 11 January 2017, at: https://shorturl.at/bxBJ0
[12] China: The ‘other player’ in 2024 Afcon tournament, business daily Africa, January 15 2024, at: https://shorturl.at/opHW4
[13] Preethi Amaresh, “China’s Stadium Diplomacy: All that Glitters is Not Gold, diplomatist”, 3 November, 2020, at: https://shorturl.at/isxEN
[14] Expansion of Abidjan Port in Cote d’Ivoire Financed by China Eximbank Successfully Completed, The Export-Import Bank of China, 2021-07-15, at: https://shorturl.at/uwH12
[15] Joseph Splitz, op.cit.
[16] Larry Hanauer, Lyle J. Morris, “China in Africa Implications of a Deepening Relationship”, BRIEF, RAND Corporation, Mar 12, 2014, at: https://shorturl.at/hjoS5
[17] Jevans Nyabiage, “How China’s ‘stadium diplomacy’ is looking to make its mark at the Africa Cup of Nations”, South China Morning Post, 28 Jan 2024, at: https://shorturl.at/foBI0
[18] Idem.
[19] Preethi Amaresh, op.cit.
[20] Dennis Munene, ‘Stadium diplomacy’ proves China is African countries’ true partner, Global Times, Mar 12, 2024, at: https://shorturl.at/egko1
[21] The Success of China-Africa Sports Diplomacy, capital FM, November 21, 2023, at: https://shorturl.at/flnE8
[22] Hugh Vondracek, “China’s Stadium Diplomacy and its Determinants: A Typological Investigation of Soft Power”, Journal of China and International Relations, Vol. (7) No. (1), (2019), p.63.