محمد الأمين غي
مدير موقع دكارنيوز
تعتبر السنغال تقليديًّا منارة للاستقرار في غرب إفريقيا؛ لأنها لم تشهد أيّ انقلاب عسكري، وذلك لما عُرف عنها من استقرار وهدوء ظلت عليه منذ نيلها الاستقلال عن فرنسا عام 1960م.
ولذلك، ورغم تصاعُد التوترات السياسية في السنوات الماضية، كان الشعب السنغالي يخرج بوعيه التام لتجاوز العقبات عبر صناديق الاقتراع، فيتم الوصول إلى تناوب سلمي لم يسبق له مثيل.
عثمان سونكو معارض شرس للنظام:
إن ظهور عثمان سونكو زعيم حزب الوطنيين الأفارقة في السنغال -عن العمل والأخلاق والأخوة-(باستيف) المنحل، بشكل غير متوقّع في المشهد السياسي منذ عام 2014م، حقّق للشعب السنغالي صحوة سياسية؛ نظرًا لما يتّسم به خطابه السياسي من مواصفات معارض وثائر يحمل في طيّاته مشروعًا يهدف إلى الدفاع عن الإفريقانية ومحاربة الإمبريالية.
الأمر الذي دفع العديد من السنغاليين إلى الاهتمام بخطابه السياسي ومشروعه، لا سيما بعد إقالته من منصبه (مفتش ضرائب)، عقب اتهامه للحكومة -وعلى رأسها ماكي سال- بالفساد وسوء الإدارة؛ مما كان له أكبر الأثر في فوزه بمقعد برلماني في الانتخابات التشريعية لعام 2017م، وحلَّ ثالثًا في رئاسيات 2019م.
هذا، وازدادت شعبيته إبَّان أحداث مارس 2021م عقب اتهامه باغتصاب فتاة في العشرينيات من عمرها، تدعى أجي رابي سار، وتهديدها بالقتل؛ حيث اعتبر زعيم حزب باستيف، الاتهامات مؤامرة حكومية تنفيذًا لرغبة الرئيس ماكي سال في إقصائه من المشهد السياسي، ومنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2024م تحت ذريعة قضائية.
ولقد دعا المعارض عثمان سونكو أنصاره والمتعاطفين معه إلى الصمود في مواجهة النظام الحالي، وتم توقيفه أثناء ذهابه إلى المحكمة، والتي أعقبتها تحركات شعبية كبرى في دكار، وفي مناطق أخرى في السنغال، أسفرت عن مقتل 14 مواطنًا وسقوط مئات الجرحى.
بَشِيرو جُومَاي انْيَاخَارْ فَاي: خطة “ب” لباستيف :
إن تزايد شعبية عثمان سونكو على مستوى الشباب كان يُخيف النظام، الذي اعتبره منافسًا قويًّا يجب التخلص منه فورًا، وذلك هو سبب إقصائه من السباق الرئاسي كحال كَرِيم مَيْسَا وَاد ابن الرئيس الأسبق عَبْد الله وَاد، وخَلِيفَة أَبَا بَكَر صَال عمدة بلدية دكار السّابق في رئاسيّات 2019م.
إلا أن عثمان سونكو بحنكته السياسية وتجربته الواسعة تَمَكَّن من ترشيح بَشِيرو جُومَاي انْيَاخَار فَاي بديلاً له، وذلك بعد أن أمر العديد من كوادر حزبه بسحب نماذج من قوائم الرعاية الانتخابية الخاصة به، وتوجيهها إلى دعم ترشيح بشيرو جوماي.
وقد وضّح سونكو في تسجيل صوتي أن اختياره لبَشِيرو جُومَاي فَاي ليكون مرشحه في رئاسيّات 2024م كان مبنيًّا على نزاهة الرجل وصدقه وإيمانه بالمشروع السياسي الذي وعد به حزب “باستيف” المنحل الشعب السنغالي.
ومن المفاجآت بالنسبة للدولة: قبولها ترشح ملف بَشِيرو جُومَاي انْيَاخَار فَاي من طرف المجلس الدستوري، الأمر الذي دفع رئيس الدولة ماكي سال إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية عن موعدها الأول؛ ليتمكن من التلاعب بالدستور وفق إستراتيجيته.
إقبال كبير من الشباب على بَشِيرو فَاي:
يُعتبر بَشِيرو فَاي مثقفًا كبيرًا نال إعجاب جمهور كبير من الشباب؛ نظرًا لما حظي به من دعم مرشده السياسي ورفيق دربه في نقابي قسم الضرائب والمجالات عثمان سونكو.
ولذلك أطلق ائتلاف “جُومَاي رئيسًا” الذي يجمع العديد من القادة السياسيين شعار “سُونْكُو يساوي جُومَاي – وجُومَايْ يساوي سُونْكُو”؛ مما كان له أثر كبير في الدعاية وإقناع المواطنين بأن الرجلين متساويان ووجهان لعملة واحدة، وليتمكن من نقل شعبية سُونْكُو إلى جُومَاي بسهولة.
وبعد إطلاق سراحهما بموجب مشروع قانون العفو الذي تقدم به رئيس الجمهورية إلى البرلمان، أطلق المرشح الرئاسي بَشِيرو جُومَاي انْيَاخَار فَاي حملته الانتخابية في جنوب البلاد رفقة حليفه عثمان سونكو رئيس حزب باستيف المنحل.
وهكذا قضى فَاي حملته الانتخابية في قافلة كبيرة تُقِلُّه في جميع المدن السنغالية؛ حيث نال استقبالاً كبيرًا لدى الشباب خاصة، والمواطنين عامة في غضون أسبوع عقب خروجه من السجن.
استقطاب يليق بـ فَاي في مراكز الاقتراع:
كانت المؤشرات تشير إلى ارتفاع عدد الناخبين بنسبة 61% بخلاف رئاسيات 2019م، وذلك ما دفع العديد من الناخبين إلى التصويت لصالح المعارضة، وخصوصًا المرشح فَاي بصفته بديلاً لعثمان سونكو، الأخير الذي يحمل شعبية كبيرة منذ عام 2021م.
ولقد دعا سونكو أثناء الحملات الدعائية المواطنين السنغاليين إلى التصويت لصالح مرشحه فاي، مما يضمن لهم التغيير ومحاربة الفساد والرشوة، الأمر الذي شارك بشكل كبير في فوز فَاي بالرئاسة.
ومن أسباب تزايد الإقبال على مشروعه السياسي: ما فعله فَاي من وضع تحدٍّ كبير أمام مرشح الحزب الحاكم أمدو باه بالإعلان عن أصول أمواله وملكياته الخاصة، قبل يومين من اختتام الحملة الدعائية.
وقام فَاي بإعلان جميع ممتلكاته وأصول أمواله بشكل علني في تحدٍّ كبير لجميع المرشحين، وخصوصًا مرشح المعسكر الحاكم أمدو باه الذي يعتبر موظفًا حكوميًّا، وأحد الأشخاص الذين شغلوا مناصب عالية في الدولة لسنوات عديدة.
هذا ما ساعد المرشح فاي بالفوز من الرئاسة بسهولة، ومن الجولة الأولى بنسبة 54،28% لأول مرة في تاريخ السنغال؛ حيث لم يسبق لأيّ رئيس أن يفوز في الجولة الأولى بهذه النتيجة الممتازة.
رجل النزاهة:
“لديه مهارات استماع رائعة، وصارم للغاية”؛ قال له مرشده السياسي عثمان سونكو خلال مؤتمر صحفي مشترك مع فاي: “إن صديقه يتمتع بكل الصفات اللازمة لقيادة البلاد، والأكثر من ذلك أنه رجل نزيه”.
يشترك عثمان سونكو وبَشِيرو فَاي -اللذان يشغلان منصبي رئيس الحزب والأمين العام على التوالي-، في عدة نقاط مشتركة تتجاوز الضرائب والمجالات؛ حيث يُوصَفان بالنزاهة وعدم التورط في أعمال الفساد والرشوة خلال كونهما موظفين.
العقل المدبر لمشروع باستيف :
يعتقد الجميع أن مشروع “باستيف” يهدف إلى بناء قاعدة سياسية بحتة في عموم التراب الوطني، وإنما هو مشروع إصلاحي كبير لبناء مواطن سياسي مُحِبّ لوطنه غيور عليه، مدافع عن حقوقه، وجاهز للتضحية مقابل حماية المشروع الوطني؛ كما وصفه بذلك عثمان سونكو.
فإذا كان أمادو باه مرشح الائتلاف الحاكم “بينُو بُوك يَاكَار” في رئاسيات 2024م مهندسًا لبرنامج السنغال الناشئة PSE، وهو الإطار التشغيلي لرؤية الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال لبناء سنغال ناشئة إلى عام 2035م؛ حيث يتم تصوره ببنيات تحتية خلال 12 سنة؛ فإن “بشيرو فَاي” الأمين العام لحزب “باستيف” المنحل يمكن اعتباره المهندس المعماري لرسم خريطة المشروع الإصلاحيّ لباستيف .
يُوصَف فَاي بالعقل المدبر للمشروع؛ حيث فكّر وأبدَع وكتب الكثير من المشروع الإصلاحي لباستيف؛ ولكونه رئيس كوادر الحزب “MONCAP” فقد قاد العديد من ورشات العمل، وأثناء فترة حبسه في السجن كان أيضًا يكتب الكثير عن برنامجه السياسي؛ على حدّ شهادة أحد رفقائه من السجن البروفيسور شيخ عمر جانج.
إِلاَّ أَنَّ الْمُرَوِّج للمشروع هو عثمان سونكو الذي قدَّمه ورشَّحه في العديد من المهرجانات السياسية، وفي القنوات الفضائية، وذلك كان له أثر كبير في تزايد شعبيته وفوزه في الانتخابات الرئاسية.
ويترقب الشعب السنغالي من الحكومة التي سيتم تشكيلها في الساعات القادمة بعد تنصيب الرئيس المنتخب بَشِيرو جُومَاي انْيَاخَار فَاي، الإسراع بتقليص نفقات الدولة ومحاربة الرشوة والفساد، وإعادة تنظيم المؤسسات الجمهورية والإصلاح في الإدارة العامة حسب وعودهم في الحملات الدعائية.
أسئلة كثيرة تدور حول علاقة الرئيس بشيرو جوماي فاي ومرشده السياسي عثمان سونكو في كيفية إدارتهما للحكم؛ فبشيرو جُومَاي هو المنتخب شرعيًّا، وسونكو هو الوجه الآخر في قيادة الحزب، ولولاه لما وصل إلى سدة الحكم، وربما تأتي الإجابة مع مرور الأيام لاحقًا.