إعداد: نشوى عبد النبي
باحثة سياسية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء – مصر
في عام 2019م، اتخذت القارة الإفريقية خطوة تاريخية نحو الوحدة الاقتصادية؛ من خلال تأسيس منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. وتُشكّل هذه الاتفاقية علامة فارقة في مسيرة القارة نحو تحقيق التكامل المنشود، تضم منطقة التجارة الحرة 54 دولة إفريقية، أي ما يعادل 1.2 مليار نسمة، مما يجعلها أكبر سوق تجارية في العالم. وتهدف الاتفاقية إلى استغلال إمكانات القارة الضخمة من خلال إزالة الحواجز التجارية، وتعزيز التجارة بين دول القارة، كما تلتزم الدول الأعضاء بإزالة الرسوم الجمركية عن 90% من البضائع، مما سيساهم في خفض تكاليف التجارة وزيادة حجم التبادل التجاري بين الدول الإفريقية. وتُعدّ منطقة التجارة الحرة خطوة أساسية نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الكامل في إفريقيا، مما سيفتح آفاقًا جديدة للنمو والازدهار في القارة.(1)
في الحقيقة تواجه إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تحديات كبيرة في مجال الخدمات اللوجستية تُعيق نموها الاقتصادي والاجتماعي. ومع ذلك؛ فإن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) تقدم مجموعة من الحلول المحتملة لهذه التحديات؛ وقد شهدت إفريقيا في السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا، وأصبحت وجهةً تجاريةً مزدهرة، إلا أن قطاع الخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد ما يزال يواجه تحديات كبيرة. وفقًا لصحيفة “بزنيس داي”، تؤدي العقبات التي تعيق الخدمات اللوجستية في إفريقيا، مثل ارتفاع تكلفة نقل البضائع داخل القارة والبنية التحتية غير الكافية للنقل، إلى انخفاض الكفاءة في سلسلة التوريد.
مع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) مِن قِبَل دول القارة؛ تجلَّت إمكانية ازدهار قطاع الخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد وتعزيز التجارة البينية الإفريقية، وذلك بشرط ضخّ المزيد من التمويل والتعاون الجمركي والبنية التحتية اللازمة.(2)
يؤكد المقال على أهمية الخدمات اللوجستية في تطوير سلاسل القيمة الإفريقية، ويسلط الضوء على مسارات التطوير المحتملة التي قد تنشأ على المدى المتوسط. ويهدف المقال إلى:
- تحليل التحديات اللوجستية التي تواجه اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية.
- فرص اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) لنمو قطاع الخدمات اللوجستية في إفريقيا.
- تحديد مسارات التطوير لسلاسل القيمة المستقبلية في ظل اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية.
- اقتراح حلول محتملة لهذه التحديات.
بدايةً، أود الإشارة إلى أن هناك تركيزًا علميًّا حول تقييم وقياس الإمكانات المستقبلية لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) في التجارة البينية الإفريقية، من منظور اقتصادي كلي. وعلى الرغم من عدم التشكيك في دور الخدمات اللوجستية في التجارة البينية الإفريقية، وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية، ووجود دراسات من وجهة نظر الخدمات اللوجستية تحدد التحديات اللوجستية الحالية لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية؛ إلا أن هناك نقصًا في الكتابات العلمية التي تُحلّل هذه التحديات من منظور شامل، واقتراح حلول قابلة للتطبيق لتحسين البنية التحتية اللوجستية في إفريقيا. ولذلك يهدف هذا المقال إلى: سدّ هذا الفراغ من خلال تحليل التحديات اللوجستية الرئيسية التي تواجه اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية من منظور شامل، واقتراح حلول قابلة للتطبيق لتحسين البنية التحتية اللوجستية في إفريقيا.
في الواقع وعلى الرغم من ضخامة تأثير الخدمات اللوجستية على تنمية القارة الإفريقية بموجب اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية؛ إلا أن هناك القليل من المناقشات حول التأثيرات المختلفة للاتفاقية على الدول الأعضاء الأكثر نموًّا والأقل نموًّا، خاصةً فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد.
إن تحديات الخدمات اللوجستية، وخاصةً في إفريقيا جنوب الصحراء، هائلة، ولكن غالبًا ما يتم تجاهلها عند مناقشة إمكانات اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية. فلا يؤدي مجرد توقيع اتفاقية تجارية بالضرورة إلى شبكات لوجستية أو شبكات إنتاج قيمة إقليمية أو داخل إفريقيا. يجب فهم مثل هذه الاتفاقية على أنها أساس لهذه التطورات، ولكن هناك حاجة إلى إزالة حواجز إضافية للاستفادة من الإمكانات الكاملة.(3)
اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية وتحديات الخدمات اللوجستية في إفريقيا:
تمتلك القارة الإفريقية إمكانات لأن تكون لاعبًا رئيسيًّا في الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، تُواجه القارة بعض التحديات اللوجستية الكبيرة التي يجب معالجتها، والتي تشمل: ضعف البنية التحتية، ومحدودية الوصول إلى التمويل، وعدم الاستقرار السياسي، وتفتت الأسواق، ونقص العمالة الماهرة.(4)
تبلغ التجارة البينية الإفريقية 13٪ فقط، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالتجارة الإقليمية التي حققتها أوروبا بنسبة 60٪، وأمريكا الشمالية بنسبة 40٪، وآسيا بنسبة 30٪. ويُعزَى سبب انخفاض التجارة البينية الإفريقية إلى ضعف جودة الطرق، وضعف البنية التحتية للنقل في ظل سياسات تجارية تقييدية. وبناءً على ذلك، يقر الاتحاد الإفريقي بأن هذه التحديات تُعيق التجارة البينية الإفريقية منذ فترة طويلة. وتُواجه الدول فترات تأخير طويلة في الجمارك، ونقصًا في الطرق المُمهّدة التي يمكن نقل البضائع عليها، وارتفاعًا في خسائر السلع بسبب محدودية سلاسل التبريد مقارنة بالمناطق الأخرى عالميًّا.
علاوةً على ذلك، ووفقًا لبيانات صحيفة Business Day، تعاني الدول الست عشرة غير الساحلية في إفريقيا من نقص في شبكات الطرق، كما أن خيارات النقل البديلة مُكلّفة. أظهرت بيانات من مجلة The Economist للعام الماضي أن تكلفة نقل حاوية من الصين إلى بيرا في موزمبيق تبلغ حوالي 2000 دولار أمريكي، بينما تكلف نقلها مسافة 500 كيلو متر داخل البلاد إلى ملاوي 5000 دولار أمريكي.(5)
في الوقت نفسه، يعتمد قطاع الخدمات اللوجستية بشكل كبير على أنظمة المعلومات والتنسيق الجيد لأنشطة الخدمات اللوجستية، وهو ما يفتقر إليه العديد من الدول الإفريقية بشكل واضح. لا تزال بعض شركات الخدمات اللوجستية في إفريقيا تعتمد على إدارة المخزون اليدوية لتتبع البضائع ومراقبتها وإدارة توزيعها. إن هذه التحديات المنتشرة تؤثر سلبًا على قطاع الخدمات اللوجستية الإفريقية، ولذلك ليس مثيرًا للدهشة حصول الدول الإفريقية على ترتيب متدنٍّ في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية لعام 2023م؛ حيث تصل تكاليف الخدمات اللوجستية إلى زيادة أسعار السلع المتداولة داخل إفريقيا بنسبة تصل إلى 75٪. هذا الأمر مثير للقلق بشكل كبير، خاصةً وأن المرحلة التشغيلية لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) قد تمّ إطلاقها للتوّ.
إن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) فرصة فريدة لمعالجة تحديات الخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد في إفريقيا، وذلك بهدف ضمان عدم تحميل المستهلكين النهائيين أسعارًا باهظة عند تنقل السلع والخدمات والأفراد داخل القارة.
على مر السنين، تم ضخ مليارات الدولارات لربط أجزاء القارة ببعضها البعض؛ من خلال توسيع الطرق والسكك الحديدية والمجالات الجوية والممرات المائية القائمة، بالإضافة إلى بناء أخرى جديدة. وسيؤدي تطوير نظام النقل إلى خفض تكلفة استيراد وتصدير وتوصيل السلع بشكل ملحوظ. ومع دخول اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) حيز التنفيذ، يمكن للدول الأعضاء أن تلتزم بشكل أكبر وتتخذ نهجًا إستراتيجيًّا تجاه تطوير شبكات البنية التحتية للنقل بشكل شامل. ويشمل ذلك تحسين شبكات الطرق والسكك الحديدية، وزيادة عدد المنافذ والمطارات، وتقليل زمن نقل البضائع.)6)
تحديات الخدمات اللوجستية التي تَحُدّ من إمكانيات اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية:
تتضح تحديات الخدمات اللوجستية في إفريقيا، والتي تم تسليط الضوء عليها أيضًا في دراسات أخرى، على وجه الخصوص في: تكاليف الخدمات اللوجستية المرتفعة إلى جانب أوقات التسليم الطويلة وغير المستقرة في الشحنات عبر البلدان، والتي تشكل عقبة كبيرة أمام حركة التجارة. بالإضافة إلى التحديات المادية للبنية التحتية، فهناك حاجة ماسة إلى ضرورة الاستفادة بشكل أكبر من التقنيات الرقمية عند محاولة تحويل المزيد من الهياكل اللوجستية الوطنية إلى شبكات لوجستية عبر وطنية على مستوى عموم إفريقيا.
القطاع الخاص الإفريقي بما في ذلك منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي قد تستفيد من هذه الاتفاقية يجب أن تصبح أكثر إلمامًا بمختلف أبواب الاتفاقية، وأن تتعلم كيفية الاستفادة من الموضوعات التي تتناولها؛ مثل: تحرير تجارة الخدمات لتعزيز أعمالها وأنشطتها.
على مستوى السياسات الداخلية:
- استمرار الصراعات السياسية رغم الجهود المبذولة لتوحيد إفريقيا تحت مظلة اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية.
- استمرار وجود عوائق غير تجارية مختلفة أو ظهور عوائق جديدة، على الرغم من الإلغاء المحتمل للرسوم الجمركية.
- الإشارة إلى نقص سياسات حلّ المشكلات في حالة منازعات التجارة.
على المستوى الثقافي
تُعدّ اللغة عنصرًا مهمًّا في التواصل الفعّال، وتعتبر حواجز اللغة من أهمّ التحديات الثقافية التي تواجه توسيع التجارة في إفريقيا، كما تُعيق هذه الحواجز التواصل بين الشركات في الدول المختلفة، وتعرقل من تنفيذ شبكات القيمة الإقليمية على أرض الواقع.
التحديات:
- صعوبة التواصل: عدم القدرة على التواصل بشكل فعّال بين الشركات من الدول المختلفة يُعيق التعاون التجاري.
- سوء الفهم: قد تؤدّي حواجز اللغة إلى سوء الفهم بين الشركاء التجاريين.
- تأخير في تنفيذ المشاريع: قد تؤدّي صعوبة التواصل إلى تأخير في تنفيذ المشاريع التجارية.
- ارتفاع تكلفة الترجمة: تُعدّ تكلفة الترجمة عبئًا على الشركات الصغيرة والمتوسطة.
- نقص المترجمين المؤهلين: نقص المترجمين المؤهلين في بعض اللغات الإفريقية.
على المستوى المعرفي:
- صعوبة مواكبة التطورات واللوائح المتغيرة والفرص الناتجة عنها بسبب نقص الأفراد المؤهلين لتحليل التطورات واستنتاج التداعيات؛ وذلك بسبب سرعة التغييرات.
- الحاجة إلى المزيد من المعرفة حول خيارات المصادر المحتملة أو أسواق العملاء من أجل استغلال إمكانات تطوير شبكات لوجستية عابرة للحدود.
- لم يُنظر إلى الاستيراد من دول إفريقية أخرى كخيار على مدى العقود الماضية؛ بسبب ارتفاع تكاليف الخدمات اللوجستية ورسوم التخليص الجمركي. وهذا هو سبب قلة المعرفة بالكفاءات الموجودة في مناطق مختلفة والتي يمكن البناء عليها.
فرص اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) لنمو قطاع الخدمات اللوجستية في إفريقيا:
سلّط تقرير حديث صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الضوء على فرص النمو في قطاع النقل والخدمات اللوجستية التي ستتيحها اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية؛ فيما يلي أهم النقاط:
- تحرير التجارة الداخلية في إفريقيا سيؤدي إلى ارتفاع هائل في الطلب على الخدمات اللوجستية. كما أن المزيد من الشركات الصغيرة والمتوسطة ستصبح بحاجة إلى مزودي الخدمات اللوجستية للوصول إلى أسواق أكبر. ومن شأن خفض أسعار السلع، بفعل إزالة الحواجز التجارية وتكاليف الاستيراد، أن يحفّز الاستهلاك والطلب، مما يصبّ في مصلحة كلٍّ من المصنّعين الأفارقة وقطاع الخدمات اللوجستية والنقل.
- في الوقت الحالي، يوفر نقل البضائع برًا وبحرًا أكبر الفرص؛ حيث لا تزال البنية التحتية للنقل الجوي والسكك الحديدية قيد التطوير.
- هناك إمكانية لدى شركات الخدمات اللوجستية الرقمية للتدخل وتقليل التكاليف، إضافةً إلى تحسين جودة الخدمات. إحدى الشركات البارزة في هذا المجال هي شركة Kobo360 النيجيرية التي تعمل حلقة وصل بين مالكي الشاحنات والعملاء الذين يحتاجون إلى خدمات نقل البضائع؛ أي ما يشبه تطبيق “أوبر”، ولكن للشاحنات. ومن بين الشركات الأخرى التي تتبع نماذج أعمال مشابهة كلٌّ من Lori Systems و Sendy.
- يوفر سد الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية فرصًا كبيرة لقطاع الخدمات اللوجستية؛ فالبنية التحتية غير الكافية للطرق في المناطق الريفية يمكن أن تخلق عزلة وصعوبات للشركات العاملة هناك. ولمعالجة هذا الأمر، تقوم الشركات الناشئة بتطوير حلول مبتكرة مثل طائرات الشحن بدون طيار والممرات المائية الداخلية والموانئ وأشكال بديلة من وسائل النقل لتحسين إمكانية الوصول والاتصال.
- من المتوقع أن تسيطر لوجستيات الأعمال إلى الأعمال (B2B) على قطاع الخدمات اللوجستية في إفريقيا على المدى القصير والمتوسط. وستعمل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) على تسريع الفرص أمام الشركات التي تقدم خدمات B2B، بما في ذلك تلك المتخصصة في الخدمات اللوجستية الرقمية.
- على الرغم من ذلك، ستستمر لوجستيات الأعمال إلى المستهلك (B2C) في النمو مع ارتفاع إنفاق المستهلكين وشيوع التجارة الإلكترونية وزيادة التحضر.
إستراتيجيات معالجة تحديات الخدمات اللوجستية لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية:
تشكل تحديات الخدمات اللوجستية عقبة رئيسية أمام التنفيذ الكامل لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية. ولكن، هناك العديد من الإستراتيجيات التي يمكن وضعها لمعالجة هذه التحديات وتحقيق إمكانات اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية. وفيما يلي بعض الإستراتيجيات المهمة:
- يمكن اقتراح عمل تدابير داخلية أو عبر الشركات لبناء القدرات، وسد الفجوة في تعليم المحترفين في مجال الخدمات اللوجستية. سيشمل ذلك التدريب على أخلاقيات الأعمال، والاحتراف في ممارسة الأعمال التجارية، والتدريب على الوعي بالتقنيات الحديثة.
- اقتراح العديد من الإجراءات التي يُرجّح تنفيذها على المستوى الحكومي، والتي يجب على الدول الإفريقية حلّها بشكل مشترك. فليس هناك حاجة فقط إلى اتفاقية تجارية، ولكن أيضًا إلى قيادة وحوكمة موحدة لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية. وهنا يُستشهد بالاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان كمثال على إنشاء هياكل لفرض سياسات وأنظمة مشتركة عبر البلدان.
- تشمل القيادة والحوكمة الموحّدة لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية أيضًا سياسات تطوير البنية التحتية، ومعايير سلامة مشتركة لطرق النقل، وسياسات صناعية مشتركة، وسياسات مكافحة الفساد، وإنشاء شراكات بين الكتل الاقتصادية؛ حيث سيؤدي هيكل الحوكمة الموحّد هذا أيضًا إلى تسهيل تنفيذ إجراءات متعلقة بالبنية التحتية. وهذا يشمل صناديق تمويل البنية التحتية عبر الوطنية والتنمية المشتركة لشبكات الطرق والسكك الحديدية.
- إن الاستخدام الأكثر كفاءة للسكك الحديدية للنقل عبر الحدود لا يمكن أن ينجح إلا إذا تم التخلص من المصالح الفردية. بالإضافة إلى إمكانية خصخصة الموانئ الحالية ومقدمي خدمات الخدمات اللوجستية الوطنية كطريقة لتحقيق مكاسب في الكفاءة.
- تجدر الإشارة أيضًا إلى أن العديد من الدول الإفريقية تواجه مشكلات كبيرة في إنشاء عملة مستقرة يمكن استخدامها في التجارة الدولية. كما تواجه العديد من الدول صعوبة في الوصول إلى العملات الأجنبية، وغالبًا ما يرجع ذلك إلى اختلال في التوازن التجاري. وبالتالي فهناك اقتراح إنشاء اتحاد نقدي، وسياسات نقدية موحدة يمكن أن تنبثق منها أيضًا عملة موحدة مادية أو رقمية، لاستغلال إمكانات اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية. ولكنّ الإجراءات المتعلقة بالعملة لن تكون قابلة للتنفيذ إلا على المدى الطويل.
مسارات التطوير لسلاسل التوريد المستقبلية الناشئة عن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية:
إن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) لديها القدرة على تحويل إفريقيا اقتصاديًّا، كما أن إنشاء منطقة تجارة حرة قارية من شأنه أن يعزّز التجارة الإقليمية، ويجذب الاستثمار الأجنبي، ويخلق فرص عمل جديدة.
ومع ذلك؛ فإن تحقيق الإمكانات الكاملة للاتفاقية يتطلب معالجة التحديات اللوجستية الكبيرة. وبمجرد معالجة هذه التحديات، يمكن أن تظهر نماذج جديدة لسلاسل التوريد في جميع أنحاء إفريقيا. فيما يلي بعض المسارات المحتملة لتطور سلاسل التوريد في ظل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية:
- سلاسل توريد إقليمية أكثر تكاملًا: سيؤدي خفض الرسوم الجمركية وتبسيط إجراءات التجارة الحدودية إلى جعل التجارة عبر الحدود أكثر جاذبية. وهذا بدوره سيؤدي إلى ظهور سلاسل توريد إقليمية أكثر تكاملًا؛ حيث يمكن للشركات في مختلف البلدان الإفريقية الاستفادة من المزايا التنافسية لبعضها البعض. على سبيل المثال، قد يتولى مصنع في إثيوبيا إنتاج الملابس، بينما تقوم شركة في كينيا بتصنيع الأحذية المرافقة.
- تعزيز القيمة المضافة المحلية: مع وجود سلاسل توريد إقليمية أقوى، ستكون هناك فرص أكبر للشركات الإفريقية لإضافة قيمة إلى المنتجات في إفريقيا نفسها. على سبيل المثال، يمكن لمصنع تجميع السيارات في جنوب إفريقيا أن يستورد قطع غيار من بلدان أخرى في المنطقة بدلًا من استيرادها من خارج القارة. وهذا من شأنه أن يخلق فرص عمل جديدة، ويسهم في التنمية الاقتصادية المحلية.
- استخدام أكبر للتكنولوجيا الرقمية: يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تلعب دورًا رئيسيًّا في تحسين كفاءة سلاسل التوريد الإفريقية. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد منصات التجارة الإلكترونية الشركات على العثور على موردين وشركاء جدد في جميع أنحاء القارة. ويمكن أن تساعد أنظمة إدارة النقل الذكية في تحسين تتبع البضائع وتقليل وقت التسليم.
- ظهور مراكز تجارية إقليمية: من المرجح أن تظهر مراكز تجارية إقليمية رئيسية في جميع أنحاء إفريقيا. ستكون هذه المراكز بمثابة نقاط انطلاق للشركات التي تتطلع إلى التوسع في أسواق جديدة عبر القارة.
هذه مجرد بعض المسارات المحتملة لتطور سلاسل التوريد في ظل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية. من السابق لأوانه تحديد بالضبط كيف ستتطور الأمور، لكن من الواضح أن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية لديها القدرة على إحداث تحول كبير في المشهد الاقتصادي الإفريقي. (7)
استنتاجات وملاحظات ختامية:
إن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية لديها القدرة على تغيير تصميم شبكات الخدمات اللوجستية داخل الدول الإفريقية، ومعها وعلى المدى الطويل يمكن أن تتنوع وتتوسع شبكات التوريد الإقليمية إذا تم دمج الكفاءات والقدرات للدول الإفريقية في شبكات لوجستية معقَّدة بطريقة مستهدفة. إن فهم تلك التحديات اللوجستية الراهنة التي تعيق الشركات عن الاستفادة من إمكانات اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية أمر مهم لفهم سبب بطء التطورات الحالية، ولا تزال الشركات العاملة في الدول الإفريقية مترددة في إعادة تصميم سلاسل التوريد الخاصة بها.
في حين أن هناك إمكانية لتقارب إفريقيا كقارة لتصبح منطقة اقتصادية مهمة بسبب الاتفاقية، لا تزال هناك العديد من التحديات اللوجستية التي يجب التغلب عليها لتحقيق الإمكانات الكاملة. وكان هدف هذا المقال تحديد هذه التحديات واقتراح حلول للتعامل معها. بالإضافة إلى ذلك، تم تقييم مسارات التطوير الناتجة عن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية لاكتساب رؤى حول كيفية تغيير شبكات الخدمات اللوجستية على المدى المتوسط نتيجة للاتفاقية. تُعدّ تكاليف الخدمات اللوجستية المرتفعة، بالإضافة إلى عجز البنية التحتية، من بين أكثر التحديات اللوجستية الملحة حاليًّا، والتي تمنع الشركات من الاستفادة من كامل إمكانات اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية. هناك حاجة إلى مزيد من المعرفة بالسوق حول أسواق الموردين والعملاء المحتملين لتعزيز التطورات على المدى القصير.
على الرغم من أن قطاع الخدمات اللوجستية يمكن أن يكون المستفيد الرئيسي، إلا أن معظم التحديات والحلول المرتبطة بها يجب أن تبدأ على المستوى الحكومي، لذلك لا يمكن للصناعة معالجتها بمفردها. لذلك، فإن حوكمة اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية القوية والقيادة التي تعكس وتدمج آراء الصناعة والسياسة والأوساط الأكاديمية ضرورية على المدى المتوسط.
يجب أن تصبح المؤسسات الحكومية الأخرى في كل بلد أيضًا على دراية باتفاقية التجارة الحرة، وأن تتفهم الدور الرئيسي الذي قد يتعيَّن عليها أداؤه في تنفيذها على أرض الواقع. ولمعالجة العقبات والحواجز غير الجمركية التي تؤثِّر على انتقال السلع عبر الحدود أهمية بالغة. والأمر كذلك لتقليص الحواجز أمام تجارة الخدمات؛ لأن لكل بلدٍ لوائحه التنظيمية الخاصة به التي تُغطِّي صناعات مثل الخدمات اللوجستية والنقل والخدمات المالية والسياحة والاتصالات.
وهكذا؛ فإن توقيع الاتفاقية هو مجرد الخطوة الأولى، وسيتطلَّب الأمر أكثر من ذلك بكثير لإطلاق العنان للمكاسب المحتملة لاتفاقية التجارة الحرة في مجالات التجارة والاستثمار، والوظائف. وسيتعيَّن على البلدان الإفريقية مساندة الأمانة الدائمة لاتفاقية التجارة الحرة -ومقرها أكرا في غانا-، والمكلَّفة بإدارة شؤون الاتفاقية. وسيلزم المواءمة بين القوانين واللوائح التنظيمية المحلية وبروتوكولات الاتفاقية في مجالات الاستثمار وحقوق الملكية الفكرية والمنافسة والتجارة الرقمية . ولتذليل التحديات الهيكلية القائمة منذ وقت طويل، سيتعيَّن على البلدان الإفريقية أيضًا القيام بما يلي:
- تشجيع التحرير التدريجي للتجارة العابرة للحدود وسياسات الاستثمار وفقًا لبروتوكولات الاتفاقية من أجل إرساء الأساس لسلاسل القيمة الإقليمية في إفريقيا.
- تبسيط الإجراءات الجمركية والمعاملات على الحدود، وتحديث البنية التحتية من أجل تقليص حالات التأخير الطويلة على الحدود التي تُبطِّئ انتقال السلع وتزيد تكاليف التجارة، وإقامة مراكز فعالة للخدمات اللوجستية.
- تدعيم التجارة العابرة للحدود والاستثمار في الخدمات عن طريق تسهيل التجارة في الخدمات الرقمية، وإزالة القيود على الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحرير انتقال الأيدي العاملة.
ويعود الأمر الآن إلى الدول الأعضاء وقادتها للعمل بالتعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل أن يصبح ما تُبشِّر به اتفاقية التجارة الحرة في نهاية المطاف نقطة تحوُّل لإفريقيا وحتى تجني شعوبها ثمارها الكثيرة. (8)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
- الدكتورة سمر الباجوري، منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية: الفرص والتحديات، دراسة، 9 أبريل 2022م، حركة ناصر الشبابية، https://2u.pw/bSUrqpsY
- AfCFTA’s Potential Solutions in Solving Africa’s Logistics Challenges, Report, Brickstone, https://2u.pw/OdyOJx4z
- Benjamin Nitsche, Henry Kofi Mensah, Frank Straube , Leveraging the Potential of the African Continental Free Trade Area: Logistics Challenges and Development Paths for Future Value Chains in Africa, Article, 29 February 2024, MPDI, https://2u.pw/7k0kbCF
- AFCFTA AND LOGISTICS IN AFRICA, Report, June 2021, tonyelumelufoundatio, https://2u.pw/n3ldl8kA
- Africa’s logistics sector set to deliver results as free trade agreement kicks in, Report, March 2023, World Economic Forum, https://2u.pw/DgZGCM1N
- AfCFTA’s Potential Solutions in Solving Africa’s Logistics Challenges, Previous reference.
- Leveraging the Potential of the African Continental Free Trade Area: Logistics Challenges and Development Paths for Future Value Chains in Africa, Previous reference.
- هل يُمكِن أن يكون التكامل التجاري الإفريقي نقطة تحوُّل؟، مدونات البنك الدولي، فبراير 2023م، https://n9.cl/38khma