يواجه رئيس الكونغو الديمقراطية “فيليكس تشيسيكيدي” صعوبة في الوفاء بما تعهّد به أثناء حملاته الانتخابية بمكافحة الفساد وتحسين مناخ العمل، بالإضافة إلى القضاء على الجماعات والميليشيات المتمردة في مقاطعة شمال “كيفو” المضطربة، وذلك بعد ثلاثة أشهر من توليه سلطة البلاد.
ويكافح “تشيسيكيدي” من أجل اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن تعيين الوزراء، وتطويق البرلمان والمسؤولين المحليين الذين تدعم غالبيتهم الرئيس السابق “جوزيف كابيلا”، ما يشكَّل تحدّيًا لـ”تشيسيكيدي” في ممارسة سلطته في الدولة التي تزخر بكنز من المعادن وتتمتّع بكميّات كبيرة من الذهب والماس والنحاس والكولتان -وهو معدن أساسي للبطاريات المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة-.
جوزيف كابيلا ..الغائب الحاضر
أكدت المحكمة الدستورية للكونغو الديمقراطية، في يناير الماضي، فوز “فيليكس تشيسكيدي” في الانتخابات الرئاسية، ورفضت الطعن الذي أقامه “مارتن فيولو” -زعيم معارض آخر-، والذي ادّعى فوزه بأكثر من 60٪ من الأصوات، مُتّهمًا “تشيسكيدي” والحزب الحاكم بتزوير وصياغة النتيجة من عندهم بسبب صفقة سرية بين “تشيسيكيدي” والرئيس السابق (منتهي الولاية وقتذاك) “جوزيف كابيلا”. وهي اتهامات نفاها معسكرا “كابيلا” و “تشيشيدي”.
واتضح بعد تأديته لليمين الدستورية يوم 24 يناير كرئيس الكونغو الديمقراطية، أنّ استبدال “كابيلا” -الذي تولى السلطة لمدة 18 عامًا مضطربًا على رأس أكبر دولة في إفريقيا جنوب الصحراء- بمثابة تحدٍّ كبير للرئيس الجديد، وأن بعض القضايا الوطنية معقَّدة للغاية، خصوصًا وأن ائتلاف “الجبهة المشتركة للكونغو” الذي يقوده الرئيس السابق “كابيلا” يتمتع بأغلبية مريحة في مجلسَيِ البرلمان والمجالس المحلية.
بل ويؤكد فوز مؤيدي “كابيلا” وأعضاء ائتلافه بمقاعد كثيرة في انتخابات مجالس المقاطعات على أن تشكيل حكومة جديدة سيكون مهمة صعبة للرئيس “تشيسكيدي”. ولا يزال غالبية الذين يعملون مع “تشيسكيدي” -بعد تولّيه السلطة– هم وزراء أو وسطاء “كابيلا” السابقين.
إذن، قد يكون الحلّ المتاح أمام “تشيسكيدي” في محاولات تشكيل تحالف مع الائتلاف المهيمن في البرلمان وحكومات المقاطعات، ما يعني أيضًا أن الرئيس السابق “كابيلا” سيواصل السيطرة على سياسات البلاد.
التحديات الأمنية
إن التخبطات التي تشهدها إدارة الرئيس الجديد “تشيسكيدي” تساهم في عدم استقرار الوضع الأمني في أجزاء من البلاد؛ فمدينة “بني” تعاني من تفشي فيروس الإيبولا منذ تسعة أشهر، وما زالت هناك ميليشيا تمارس أنشطتها في مقاطعة شمال “كيفو”.
وتنشط في هذه المنطقة الحدودية “تحالف القوات الديمقراطية” (ADF) -وهي جماعة متمردة نشأت في غرب أوغندا عام 1995م، إلى جانب الميليشيات المسلحة الأخرى التي وُجِّهت إليها تهمة تجنيد الأطفال وقتل مئات المدنيين منذ عام 2014م، وكذلك استهداف أطباء منظمة الصحة العالمية، وأفراد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية.
وفي زيارة مع المسؤولين والعسكريين في الأسبوع الماضي، لتفقد أحوال الجنود الجرحى في عيادة عسكرية بمستشفى “بني” العام، أكّد الرئيس “تشيسكيدي” دعمه للجيش والطاقم الطبي الذين أصبحوا في الأشهر الأخيرة مستهدفين مِن قِبَل الجماعات المسلحة.
وبالنسبة لـ “تشيسيكيدي”، فإن الزيارة والهجوم الأخير على مستشفى بمدينة “بوتيمبو” القريبة بمثابة تذكير بالتحديات الأمنية القائمة التي يجب عليه التعامل معها. وقد حثّتْه الأمم المتحدة الشهر الماضي على التحرك بسرعة.
“توقعات الشعب الكونغولي عالية، ومن الأهمية بمكان ألا يُترَكوا منتظرين لفترة طويلة، أو أن يشعروا بخيبة أمل”؛ هكذا قالت مبعوثة الأمم المتحدة ليلى زروقي لمجلس الأمن.
انعدام الثقة العامة واحتواء الإيبولا
ويتعين على “تشيسيكيدي” التعامل مع أزمة إيبولا، ومعالجة العوامل التي تعيق احتوائه بشكل كامل، بالإضافة إلى أهمية توحيد صفوف البلاد وتلبية توقعات مؤيديه بشأن تخفيف حدة الفقر الذي يعاني منه النسبة الكبرى من المواطنين البالغ عددهم 80 مليون نسمة.
وعلى حدّ تعبير الرئيس “تشيسيكيدي” نفسه في مقابلته مع “مجلس العلاقات الخارجية” (CFR) الأمريكي؛ فإن “المشكلة التي نواجهها اليوم هي القضاء على المرض.. عندما وصلت (إلى السلطة) في نهاية شهر يناير، لم أتأخر عن دعوة وزير الصحة حتى يكون لي موقف بشأن الحالة. وهذا سمح لي أن أرى أن هناك بعض القضايا، لا سيما في استخدام معرفتنا ومواردنا – كالاستخدام غير الكافي للموارد”.
ووفقًا للدراسة المنشورة في مجلة “لانسيت” للأمراض المعدية، فإن فقدان السكان للثقة في مسؤوليهم يشكِّل أيضًا عقبة أمام وقف الوباء؛ إذ وجد الباحثون أن الثقة في السلطات العامة قد انخفضت في مدينتي “بني” و”بوتيمبو” قبل وبعد اندلاع الإيبولا، بسبب عقود من الصراع وسوء الإدارة.
وأشارت الدراسة إلى أنّ واحدًا من كل أربعة أشخاص الذين أُجرِيَ معهم مقابلة في شرق الكونغو الديمقراطية (DRC) في العام الماضي يرى أن الإيبولا لم يكن حقيقيًّا، وبالتالي يرفضون اللقاحات، ويقاومون العلاج، ويُخْفُون أعراض الوباء.
ويعيق القضاء على الأمراض الفاشية أيضًا سلسلة من الهجمات القاتلة على المراكز الصحية المخصصة للإيبولا قبل وبعد انتخاب الرئيس الحالي. ونتيجة لذلك، أوقفت منظمة “أطباء بلا حدود” تشغيل مركزين صحيين في أماكن اندلاع المرض بعد هجمات عنيفة.
هجمات الجماعات المسلحة كلعبة سياسية
أصدر الرئيس “تشيسيكيدي” في الأسبوع الماضي بيانًا قويًّا، قائلاً: “لقد حذرت جميع الجهات الفاعلة التي تتلاعب بالجماعات المسلحة. سيتم تطبيق القانون عليهم بكل قوة”.
“سيتم تقديم جميع المعتقلين على المستوى الوطني أو الإقليمي إلى العدالة. وسيتم محاكمتهم للتواطؤ في عمليات القتل”؛ كما يقول البيان.
وتعدّ شمال “كيفو” المطلة على بحيرة “كيفو” والغنية بالمعادن، واحدة من أسوأ المناطق التي تعاني من هجمات الجماعات العنيفة التي تتنافس فيما بينها للاستيلاء على مواردها.
“مع السلام سيكون كل شيء على ما يرام، ومع السلام سيكون هناك مالٌ”؛ هكذا قال “ماناسي موتابيشا” -وهو جندي مُسرَّح- عندما وصل “تشيسيكيدي” إلى عاصمة الإقليم “غوما” الأسبوع الماضي كجزء من جولته الأولى في البلاد. وأضاف “مع السلام سيكون هناك عملٌ”.
وأُبلِغ الرئيس في اجتماع لمجلس الأمن الذي يضم كبار مسؤولي الجيش والمخابرات، عن اندلاع الهجمات مؤخرًا في “غوما”. وأشار وزير الداخلية بالنيابة “باسيلي أولونغو” في محضر الاجتماع إلى أنّ “المسلحين يدخلون غوما ويقتلون مواطنين مسالمين دون خوف من الشرطة أو الجيش”.
أما من وجهة نظر بعض المواطنين الكونغوليين؛ فإن هذا البيان والتحذير الرئاسي لم يكن سوى مجرّد كلمات كثيرة بأفعال قليلة؛ إذ لم يصدر أيّ حكم حقيقي ملموس حتى الآن تجاه الممولين المشتبه بهم والواقفين وراء الحركات المسلحة وهجماتها.