نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) تقريرًا تحت عنوان “كينيا: الاستفادة من المناخ السياسي العالمي”، تطرَّقت فيه الباحثة “كارولين إيكهوف”، في مجموعة أبحاث إفريقيا والشرق الأوسط بالمعهد، إلى دولة “كينيا” باعتبارها دولة جديدة في تصنيف الدول التي يُنظَر إليها حاليًّا كقوة وسطى في نطاق الجهات الفاعلة في السياسة الدولية، كما سلَّطت الضوء على العوامل والأسباب التي تُؤهِّل كينيا لمثل هذا الدور، وهي أسباب جيوسياسية، في المقام الأول.
بقلم: كارولين إيكهوف
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
لفترة طويلة، ظل وضع كينيا غير واضح سياسيًّا فيما يتعلق بإمكانية تحقيق الاستقرار في شرق إفريقيا، وكونها موقعًا مُفضلًا للتعاون التنموي. لا تتجاوز حصة كينيا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، قياسًا بالقوة الشرائية 0.2 في المائة. وإلى جانب قطاع السياحة، يمثل القطاع الزراعي العمود الفقري للاقتصاد الوطني.
وفي عام 2014م، صنَّف البنك الدولي كينيا ضمن البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى. ووفق مؤشر التنمية البشرية، الذي يأخُذ الأبعاد الاجتماعية للتنمية في الاعتبار؛ تحتل كينيا المركز 152 من بين 191 دولة.
وحقيقة أن الحكومات من جميع أنحاء العالم تتودد إليها حاليًّا بشكل لا مثيل له في أيّ دولة أخرى في إفريقيا، لا يرجع إلى أدائها الاقتصادي، بل إلى قوة أدائها العسكري (أو) ثرواتها من المواد الخام. ومِن ثَم، تُعدّ أسباب جاذبية كينيا أسبابًا جيوسياسية، في المقام الأول؛ إذ تتمتع البلاد بموقع جغرافي مهم باعتبارها “مَنْفَذ” للمنطقة إلى التجارة العالمية.
وتتمكن الحكومة الكينية من لعب هذا الدور إستراتيجيًّا في ظل الوضع العالمي المتوتر، وحفاظها على قنوات التعاون مع كافة الأطراف.
وبدون كينيا، ربما يصعب تصوُّر إحراز أيّ نجاح اقتصادي في شرق إفريقيا؛ حيث يربط ميناء “مومباسا” البحري الكيني دول المنطقة بالسوق العالمية، فيما تعد البنية التحتية للنقل في البلاد متطورة نسبيًّا. وهذا يجعل كينيا مركزًا لسلاسل التوريد. كما أنها بمثابة أقوى اقتصاد في المنطقة.
ومع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5 في المائة (2022م)، والزيادات المعتدلة المتوقعة في السنوات المقبلة، ينمو اقتصاد كينيا بشكل أسرع من اقتصاد العديد من البلدان الأخرى في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث بلغ متوسط النمو 3.6 في المائة في عام 2022م.
من جهة أخرى، تُعدّ كينيا أيضًا المقر الإقليمي للشركات الكبرى مثل جوجل ومايكروسوفت. وفي الوقت نفسه، يسعى الرئيس “ويليام روتو” إلى وضع كينيا في مكانة صانع الأجندة السياسية للقضايا العالمية التي تهمّ البلاد وإفريقيا. وعلى الساحة الدولية، ويدعو علنًا إلى تحسين شروط الائتمان للبلدان المَدينة، وإصلاح البنية المالية متعددة الأطراف، وإيجاد حلول عالمية للتعامل مع تغيُّر المناخ. وهو يعرض على الحكومات الأجنبية آفاق التعاون في مجال الطاقة المتجددة. وقد حَظِيت مواقف “روتو” بترحيب كبير في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الجنوب العالمي.
وعلى هذه الخلفية، كثَّفت الحكومة الفيدرالية الألمانية علاقاتها الدبلوماسية مع كينيا. وفي مارس 2023م، حل روتو ضيفًا في برلين؛ حيث روّج لبلاده كوجهة للاستثمار. وأعقب ذلك زيارة قام بها المستشار الألماني أولاف شولتس إلى كينيا في مايو الماضي. وفي مؤتمر صحفي في نيروبي، وصف شولتس كينيا بأنها ديمقراطية راسخة وعنصر فاعل لتحقيق الاستقرار في منطقة مضطربة، وينبغي توسيع التعاون معها وجعلها أكثر إستراتيجية.
وعلى الرغم من قرب “روتو” المُؤكَّد من الدول الصناعية الغربية؛ إلا أن الحكومة الكينية مُنفتِحة على عروض التعاون من جميع أنحاء العالم. فهي تتعرَّض لضغوط سياسية ومالية محلية كبيرة، وتعتمد، بشكل كبير، على الاستثمار الأجنبي للتغلُّب على التحديات الاقتصادية.
النمو الاقتصادي والاستقرار: مصالح سياسة كينيا الخارجية
إن السيادة الوطنية والازدهار الاقتصادي والاستقرار الإقليمي تمثل المصالح الأساسية الدائمة لسياسة كينيا الخارجية ودبلوماسيتها. فعندما يتعلق الأمر بالقضايا العالمية، تعتمد نيروبي على التعددية؛ إذ تحرص الدولة على تعزيز سُمعتها العالمية؛ وفي الآونة الأخيرة، تم استخدام عروض الوساطة الإقليمية والدبلوماسية البيئية الدولية لتحقيق ذلك.
كجزء من خطة التنمية الوطنية “رؤية كينيا 2030” المُعتمَدة في عام 2008م، والتي تهدف إلى تحويل البلاد إلى دولة ناشئة متوسطة الدخل؛ وضعت الحكومات المتعاقبة الدبلوماسية الاقتصادية في قلب علاقات كينيا الخارجية. لقد ركّز “أوهورو كينياتا” (2013-2022م) على إنشاء بنية تحتية وطنية كبيرة. وللقيام بذلك، حصلت كينيا على قروض واسعة النطاق من المُقرضين الأجانب، بما في ذلك مقدمو الخدمات التجارية والصين. وخلال فترة ولايته ارتفع الدَّيْن الوطني من نحو 18 مليار دولار إلى 72 مليار دولار. واليوم يبلغ 70.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتعاني كينيا من معدلات بطالة إلى جانب نقص العمالة بما يُقدر بنحو 40 في المائة، فضلًا عن ارتفاع معدلات التضخم. يُقيّم كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حاليًّا وضع البلاد بأنه (مرتفع) فيما يتعلق بخطر الإفلاس. ولكن في الوقت نفسه، تظل الحاجة إلى الاستثمار الأجنبي مستمرة.
وبالتالي، لا ينبغي لـ “وليام روتو”، الذي حل محل “كينياتا” في أغسطس 2022م، أن يعمل على تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد فحسب، بل يتعين عليه أيضًا تخفيف التداعيات المترتبة على عبء الديون. ومثل سلفه، يركّز في المقام الأول على الدبلوماسية الاقتصادية والتجارة. وفي الوقت نفسه، فهو يجمع بين المخاوف المتعلقة بالنمو الاقتصادي والقضايا العالمية المتعلقة بتغير المناخ وإصلاح المؤسسات المالية متعددة الأطراف. ويتضح ذلك في ظهور “روتو” على الساحة الدولية؛ حيث يقدم إفريقيا وكينيا على وجه الخصوص كمحرك للنمو الأخضر والحلول المناخية المستدامة.
وفي قمة باريس المالية في يونيو 2023م، دعا إلى فرض ضرائب عالمية لتمويل العمل المناخي، وتحسين ظروف الائتمان لبلدان الجنوب العالمي. وفي سبتمبر الماضي، تحدث “روتو” لصالح الاستثمار في الطاقة المتجددة وتجارة الانبعاثات العالمية في قمة المناخ الإفريقية في نيروبي. ويشكو منتقدوه من أن مواقفه ترتكز، بشكل وثيق، على أجندات السياسة الخارجية للدول الصناعية الغربية. ولا تستطيع كينيا أيضًا أن تتحدث باسم تلك الدول الإفريقية التي تعتمد بشكل أكبر على الوقود الأحفوري لتحقيق تنميتها الاقتصادية. ولكن في المجمل، ينجح “روتو” في رفع سمعة بلاده في مجال السياسة الخارجية ووضع كينيا على المستوى الدولي كـ “مُدافِع” عن الجنوب العالمي.
وفي مجال الأمن والاستقرار الإقليميين، يعمل “روتو” على زيادة ظهور بلاده من خلال عروض الوساطة في السودان، باعتبارها الدولة الرائدة في قوة التدخل في شرق الكونغو، ومن خلال التعاون الوثيق في مجال السياسة الأمنية مع الصومال. وتساعد هذه التدابير في الإشارة إلى زعامة كينيا الإقليمية وزيادة جاذبية البلاد كشريك أمني في نظر الحكومات الأجنبية. وفي الوقت نفسه، فإنها تخدم المصالح الاقتصادية؛ حيث تنشط البنوك والشركات الكينية في البلدان المجاورة، ومِن ثَمَّ الاستفادة من الاستقرار السياسي ومعاملات التجارة والدفع دون عوائق.
سياسة الباب المفتوح: التعاملات الإستراتيجية مع الشركاء الدوليين
خلال الحرب الباردة، اتبعت كينيا سياسة خارجية تعتمد على “الدبلوماسية الهادئة”(1). ونادرًا ما اتخذت البلاد موقفًا بشأن القضايا الدولية، وكانت تميل إلى اتباع مواقف القوى الاستعمارية السابقة؛ بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية. بعد انتهاء الصراع بين الشرق والغرب ونظام الحزب الواحد في كينيا، اتبعت الحكومة في عهد الرئيس مواي كيباكي (2002-2013م) سياسة “الباب المفتوح”. وكان الهدف هو تنويع العلاقات الاقتصادية للبلاد، وبالتالي تعزيز استقلالها(2).
في عهد خليفته كينياتا، توجهت الحكومة، وفقًا لسياسة “التوجُّه شرقًا”، بشكل متزايد نحو الصين والهند واليابان، بالإضافة إلى الشراكات القائمة. وقبل ذلك، كانت هناك توترات مع أطراف في الدبلوماسية الغربية فيما يتعلق بالتحقيقات التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية ضد كينياتا ونائبه آنذاك روتو(3).
ومع ذلك، يُنظَر إلى إجراءات السياسة الخارجية للرئيس روتو على أنها أكثر توجُّهًا نحو الغرب، فكانت رحلاته الخارجية الأولى إلى بريطانيا العظمى والولايات المتحدة وعواصم أوروبية أخرى. وفي يوليو 2023م، انتقد روتو انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب مع أوكرانيا؛ وقاطَع القمة الروسية الإفريقية التي عُقِدَت في سان بطرسبرج.
وعلى هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي؛ أعرب روتو عن دعمه للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي؛ وفي الوقت نفسه، اتخذ الترتيبات اللازمة لإنشاء نقطة إعادة شحن للحبوب الأوكرانية في ميناء مومباسا. وكانت كينيا أيضًا من بين الدول التي أدانت الهجوم الروسي على أوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. واعتبر المراقبون هذه الخطوات بمثابة التزام بالنظام العالمي القائم.
ولا تتخذ كينيا أي خطوة حاليًّا لتجهيز نفسها لعضوية مجموعة بريكس، على الرغم من أن روتو أعرب مرارًا وتكرارًا عن انتقاداته لهيمنة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية، على غرار دول المجموعة. وفي قمة بريكس في جنوب إفريقيا في أغسطس 2023م، مثَّل كينيا كضيف وزير الخارجية ألفريد موتوا.
وربما ترجع المسافة الحالية من مجموعة بريكس، التي يُنظَر إليها على أنها ذات دوافع جيوسياسية وتهيمن عليها الصين، إلى حقيقة مفادها أن كينيا تتمتع بالفعل بعلاقات راسخة مع الدول الأعضاء فيها، وخاصة الصين والهند. ولن يكون هناك الكثير من المكاسب الاقتصادية من العضوية، ولكن من الناحية السياسية فإن ذلك ينطوي على مخاطر. وباعتبارها مركزًا اقتصاديًّا، تعتمد البلاد على حرية حركة البضائع، بالإضافة إلى استيراد البنزين والمواد الغذائية. ومِن ثَمَّ، ستكون العقوبات المتبادلة والحصار مِن قِبَل القوى والكتل الكبرى المتنافسة من شأنها أن تضرّ بمصالح كينيا.
وفي الوقت نفسه، فإن البلاد منفتحة بشكل أساسي على التعاون مع الدول التي تعتبر مثيرة للمشاكل في الولايات المتحدة وأوروبا، مثل روسيا وإيران. إن رؤية كينيا لفرص التعاون مع الحكومات الأجنبية تحركها المصالح وليست موجهة نحو المعسكرات السياسية. وفي واقع الأمر، فإن تفضيلات كينيا في تصويتات الأمم المتحدة بشأن القضايا العالمية أقرب إلى حد كبير إلى تفضيلات الصين وروسيا منها إلى تفضيلات الولايات المتحدة وألمانيا(4).
ومع ذلك، فإن الشراكات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى لها أهمية كبيرة في السياسة الأمنية الكينية. وفي المعركة الإقليمية ضد أعمال العنف والجماعات المسلحة؛ تقوم الدولتان بتوريد المعدات، وتدريب قوات الأمن الكينية، وتحتفظان بقواعد في البلاد.
وتعتبر واشنطن، على وجه الخصوص، مؤثرة في السياسة الكينية؛ ويقال: إن إعلان كينيا بأنها “ستقود مهمة مستقبلية للأمم المتحدة في هايتي تضم 1000 ضابط شرطة” جاء بناءً على طلب الولايات المتحدة التي تدعم العملية ماليًّا وفنيًّا. وبالإضافة إلى التعاون في مجال السياسة الأمنية، ترغب الولايات المتحدة وبريطانيا في توسيع تعاونهما الاقتصادي مع كينيا. ووقَّعت لندن اتفاقية تجارة حرة مع البلاد في عام 2022م، على غرار الاتفاقية التي وقَّعتها كينيا منذ ذلك الحين مع الاتحاد الأوروبي. ويجري حاليًّا التفاوض على اتفاقية تجارة حرة شاملة مع واشنطن، والتي تهدف إلى المساعدة في تعزيز الاستثمار الأمريكي في كينيا. وكجزء من “الحملة الترويجية للأعمال” في سبتمبر 2023م، تمكَّن روتو من تأمين التزامات استثمارية من جانب العديد من الشركات الأمريكية الكبرى.
وفي الوقت نفسه، يخلق النفوذ الأمريكي في البلاد حالة من عدم الثقة والتناقض لدى الجمهور(5)، ولذا فليس مستغربًا أن يتم انتقاد روتو باعتباره متأثرًا بالتأثيرات الغربية. كما تقلصت النظرة إلى الولايات المتحدة باعتبارها “ديمقراطية نموذجية” في السنوات الأخيرة. وكذلك ترى النخب الكينية رمزيًّا أن نموذج الدولة الغربية في انحدار؛ حيث تعد كلّ من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية شريكتين إستراتيجيتين للبلاد، لكنّهما بعيدتان عن أن يكونا كذلك بلا منازع.
وعلى مدار العقد الماضي، اعتمدت كينيا، في المقام الأول، على البنية التحتية الإستراتيجية والشراكة التجارية مع الصين لتحقيق تنميتها الاقتصادية؛ إذ ترتبط المشاريع الكبرى مثل خط السكك الحديدية من مومباسا إلى نيروبي في الأغلب بجمهورية الصين الشعبية. وبحصة تبلغ 20.5 في المائة (2022م)، وتُعدّ الصين أيضًا أهمّ مُصدِّر للسلع المستوردة. ومع ذلك، فإن صورة البلاد بين الجمهور الكيني تُخيّم عليها حاليًّا الخلافات المحيطة بنماذج الأعمال الصينية في البلاد وحصة الصين المرتفعة من ديونها الخارجية. ولم يُظهر المقرضون الصينيون حتى الآن أيّ استعداد لإعادة التفاوض بشأن شروط وأحكام سداد القروض. علاوةً على أن الالتزامات للحصول على مزيد من القروض آخِذة في الانخفاض بشكل ملحوظ، بينما تظل العلاقات الاقتصادية بين كينيا والجمهورية الشعبية وثيقة.
وفي أكتوبر، حضر روتو منتدى الحزام والطريق في بكين، داعيًا إلى المزيد من الاستثمارات الصينية في بلاده.
من جهة أخرى، تُعد الدول الأوروبية أيضًا أهم سوق تصدير لكينيا. ففي يونيو 2023م، أبرمت كينيا والاتحاد الأوروبي اتفاقية تجارة حرة تهدف إلى تسهيل تبادُل السلع من خلال إلغاء الرسوم الجمركية. وتنشط الدول والمؤسسات الأوروبية أيضًا بشكل كبير في مجال التعاون التنموي، بما في ذلك ألمانيا.
وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد حاليًّا أيّ دليل على وجود دور أوروبي إستراتيجي في العلاقات الخارجية لكينيا. ومن الممكن أن يبدأ ذلك في مجال تعزيز الطاقات المتجددة. وفي قمة المناخ في نيروبي، وقَّع روتو ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين اتفاقية لتعزيز صناعة الهيدروجين الأخضر في كينيا. ولكنْ من المشكوك فيه ما إذا كانت أوروبا قادرة على ترسيخ نفسها كشريك مُفضَّل في مجال الطاقات المتجددة على المدى الطويل؛ حيث يدخل لاعبون آخرون، بما في ذلك الصين، إلى السوق بشكل متزايد، والشراكة مع الجانب الأوروبي ليست حصرية بأيّ حال من الأحوال.
استنتاجات وتوقعات:
من وجهة نظر ألمانية وأوروبية، تعد كينيا حاليًّا واحدةً من أكثر الدول الشريكة جاذبية في إفريقيا؛ حيث تظهر الطاقات المتجددة كمجال عمل يشهد تداخلات كبيرة في المصالح بين القيادات السياسية. ويمكن للدول الأوروبية تقديم الاستثمارات والتكنولوجيا ذات الصلة في هذا المضمار. فضلًا عن ذلك فإن كينيا تُعَدّ مرشحًا واعدًا لسياسة خارجية “ترتكز على القواعد”(6)؛ حيث تجري البلاد بانتظام انتخابات على أساس المبادئ الديمقراطية. وتحاول الحكومة خلق مناخ استثماري جيد للشركات الأجنبية.
وعلى المستوى الدولي، تشكّك نيروبي في كفاءة ونزاهة المؤسسات والعمليات متعددة الأطراف، ولكن ليس النظام العالمي القائم في حد ذاته. لقد حافظت الحكومة حتى الآن على مسافة سياسية -وليس اقتصادية- مع التحالفات التي تسعى إلى إقامة نظام عالمي مختلف تمامًا. وعلى هذا فإن التوقعات طيبة بالنسبة لألمانيا وأوروبا للتنسيق بشكل بنّاء مع الحكومة الكينية بشأن مستقبل التعددية ـ ولو أنه لا ينبغي الاستهانة بتوقعاتهما فيما يتعلق بالإصلاح.
بالنسبة لكينيا، لا يوجد تحالف ثابت. ما يهمّ هو مَن يقدّم عروضًا جيدة للبلاد للتعاون المالي والفني ويشاركهم مواقفهم بشأن التحديات العالمية. كما أن أجندة الرئيس حاسمة أيضًا. وسيحتاج روتو إلى تمويل كبير، لذلك سيبحث عن تحالفات جديدة في المستقبل المنظور؛ لأن الحملة الانتخابية في كينيا مُكلِّفة وتبدأ مبكرًا (الانتخابات المقبلة في عام 2027م).
وبالنظر إلى كل هذه المعطيات، تستفيد البلاد إلى حد كبير من المناخ السياسي العالمي؛ إذ ينشأ النفوذ النسبي لكينيا من دورها في شبكة العلاقات الإقليمية، ولكن بدرجة محدودة للغاية مقارنةً بقوتها المادية. إن النطاق الفعلي لعمل الحكومة محدود للغاية. وتؤدي أقساط القروض المرتفعة إلى الضغط على ميزانية الدولة. ولكي تظل كينيا قادرة على العمل ماليًّا؛ إذ تعتمد على المساعدات المالية من صندوق النقد الدولي ــ وخاصةً في منتصف عام 2024م، عندما يحين موعد استحقاق سندات حكومية بقيمة 2 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالسياسة الداخلية، يواجه روتو بالفعل تحديات كبيرة. ويتوقع ناخبوه أن يتحسن الوضع الاقتصادي والظروف المعيشية بشكل سريع وملحوظ. ومع ذلك، فإن إجراءات التقشف والضرائب الإضافية، التي يفرضها صندوق النقد الدولي، تُسبِّب استياءً جماهيريًّا واسع النطاق. وكانت فرص فوز روتو الأخير في الانتخابات ضئيلة للغاية. وذهب حوالي نصف الأصوات إلى منافسه رايلا أودينجا، الذي أظهر في الأشهر الأخيرة أنه قادر على حشد الاحتجاجات ضد الحكومة.
كما تستمر المنافسات والتوترات في الظهور داخل النخبة الحاكمة في كينيا. وعلى هذه الخلفية، قد تكون البلاد عُرضة للتقلبات السياسية في بعض المناطق أكثر مما تبدو عليه حاليًّا على الساحة الدولية. ولذلك لا ينبغي للحكومة الفيدرالية الألمانية أن تضع كل رهاناتها في سلة واحدة في الإقليم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
- صامويل ماكيندا، “من الدبلوماسية الهادئة إلى سياسة الحرب الباردة: سياسة كينيا الخارجية”، في: مجلة العالم الثالث الفصلية، 5 (1983م) 2، الصفحات من 300 إلى 319 (303).
- بيتر كاجوانجا، سياسة كينيا الخارجية: عودة الجغرافيا السياسية وانتقام النظام الليبرالي، مرصد البحيرات الكبرى في إفريقيا، 2014م (ملاحظة رقم 2، 2014)، <http://observatoire-grands-lacs.org /wp-lacs/uploads/Note_2_Kenya_Geopolitics_ site.pdf> (تم الاطلاع في 2 أغسطس 2023م).
- نجوكي واماي، “العلاقات الدولية والمحكمة الجنائية الدولية”، في: نيك تشيزمان/كاروتي كانيينجا/جابرييل لينش (محرران)، دليل أكسفورد للسياسة الكينية، أكسفورد: مطبعة جامعة أكسفورد، 2020م، الصفحات من 562 إلى 575 (572).
- الحسابات التي أجراها فريق حزب العمال الاشتراكي “البيانات والإحصائيات”، استنادًا إلى مايكل أ. بيلي/أنطون ستريجنيف/إريك فويتن، “تقدير تفضيلات الدولة الديناميكية من بيانات التصويت في الأمم المتحدة”، في: مجلة حل الصراعات، 61 (2017م) 2، الصفحات من 430 إلى 456، دوي: https://www.jstor.org/stable/ 26363889. مجموعة البيانات متاحة على: https://doi.org/7910/ DVN/LEJUQZ، الملف: CovenantScoresAll_Jul2023 csv ( (اعتبارًا من يوليو 2023م).
- صامويل إل أرونسون، “مساعدة الولايات المتحدة لكينيا: دراسة حول الأمن الإقليمي والمساعدة في مكافحة الإرهاب قبل وبعد 11 سبتمبر”، في: المجلة الإفريقية لعلم الجريمة ودراسات العدالة، 5 (2011) 1/2، ص. 119-126 (124).
- يوهانس بلاجمان/هنريك مايهاك، نحن لسنا جميعنا. الجنوب العالمي وجهل الغرب، ميونخ 2023م، ص124.
_____________