محمود السقا
باحث متخصص في الشأن الإفريقي
يُمثل إعلان النيجر إنهاء الاتفاق العسكري الذي يربطها بالولايات المتحدة الأمريكية في 16 مارس الجاري، ووصفه مِن قِبَل النيجر بانتهاكه القواعد الدستورية والديمقراطية؛ لحظةً محوريةً في تاريخ العلاقات بين الدولتين، وخطوةً قد تؤدي إلى تراجع الحلفاء التقليديين، وصعود حلفاء جدد، وعلى رأسهم روسيا والصين.
وبموجب الاتفاقية الملغاة كان يُسمح للعسكريين والموظفين المدنيين العاملين بوزارة الدفاع الأمريكية بالعمل من خلال قواعد عسكرية على أرض النيجر لمكافحة الإرهاب، والآن أصبح مصير هذه القوات محل تساؤل، لا سيما في ظل زيادة العمليات الإرهابية وتزايد نفوذ جماعات العنف خلال الشهور الماضية.
ويتضح من خلال رد الفعل الأول مِن قِبَل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) على إلغاء هذه الاتفاقية، حالة التخبط التي تواجهها السياسة الخارجية الأمريكية في النيجر من ناحية؛ حيث تمحور الرد حول “العمل عبر القنوات الدبلوماسية للحصول على توضيحات بشأن هذا القرار”، كما يتضح حرص الولايات المتحدة الأمريكية على ممارسة الضغوط على النيجر للتراجع عن هذا القرار من ناحية ثانية، فضلًا عن التخوفات الأمريكية من تداعيات هذا القرار على نفوذها في الساحل الإفريقي، وخاصةً ما يتعلق بمصير قواتها في النيجر من ناحية ثالثة.
كيف تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع الانقلاب العسكري في النيجر؟
تُعدّ النيجر شريكًا أمنيًّا رئيسيًّا للولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث قامت الأخيرة بإقامة قاعدتين عسكريتين بالنيجر منهما القاعدة الجوية 201 التي تُعدّ أهم القواعد العسكرية الأمريكية بغرب إفريقيا، والتي تُمكِّن القوات الأمريكية من جمع المعلومات الاستخباراتية عن التنظيمات المسلحة النشطة بإفريقيا جنوب الصحراء، وتم إنشاؤها بتكلفة مالية تقرب من 110 ملايين دولار، كما يوجد بالقواعد العسكرية الأمريكية ما يقرب من 1100 جندي أمريكي من القوات الخاصة التي تتولى مهام تدريب جيش النيجر([1]).
وعلى الرغم من اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية على الانقلاب العسكري في النيجر؛ إلا أنها اتبعت عددًا من السياسات في محاولة للإبقاء على الشراكة الأمنية معها، ومن هذه السياسات:
أولها: عدم وصف ما حدث في النيجر بالانقلاب العسكري، مثل رد الفعل السريع مِن قِبَل فرنسا، حتى لا يؤدي ذلك إلى تفعيل تشريع الكونجرس الذي يُعلّق كافة المساعدات التي تُقدّمها الولايات المتحدة الأمريكية للدول التي تشهد تغييرات غير دستورية للسلطة.([2]) ومع إصرار المجلس العسكري النيجري على عدم إعادة المسار الديمقراطي، وصفت واشنطن ما حدث في النيجر بالانقلاب العسكري، الأمر الذي أدى إلى تخفيض المساعدات المالية المقدَّمة إلى النيجر، مع الإبقاء على المساعدات التي تُقدّم في مجالي التعليم والتدريب العسكري، وجهود مكافحة أعمال العنف، وتخفيض حجم القوة العسكرية الموجودة بالنيجر من 1100 جندي إلى 650 جنديًّا، مع ضمان استمرار عمل القاعدة الجوية 201؛ لما لها من أهمية في خدمة المصالح الأمريكية.([3])
وثاني هذه السياسات: أوفدت سفيرها إلى النيجر، مع تجنُّب تسليم أوراق اعتماده للمجلس العسكري؛ في محاولة للتوازن بين عدم الاعتراف بشرعية المجلس العسكري من جهة، مع عدم قطع العلاقات بشكل نهائي من جهة ثانية.
وثالثها: رفضت قرار الإيكواس بالتدخل العسكري في النيجر، وأكدت حرصها على العمل الدبلوماسي، وأن عودة النظام الديمقراطي في النيجر ليس محصورًا في عودة الرئيس محمد بازوم، بما يتيح للمجلس العسكري مخرجًا لوضع مسار للتحول الديمقراطي([4]).
لماذا أنهت النيجر الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية؟
على الرغم من حرص الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز التعاون مع النيجر في المجال العسكري، حتى بعد الانقلاب العسكري؛ للحفاظ على مصالحها في منطقة غرب إفريقيا، ومنع النفوذ الروسي من التمدد بشكل أكبر، بعد أن أصبحت مالي وبوركينا فاسو شريكتين رئيسيتين لروسيا؛ إلا أن ذلك لم يحدث، وما قامت به أمريكا من سياسات دفع المجلس العسكري النيجري إلى اتخاذ قرار بإنهاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك يمكن إجماله في عدة أسباب، فيما يلي أبرزها:
1– التعامل الاستعلائي من الجانب الأمريكي
بالرغم مما شهدته النيجر عقب الانقلاب العسكري من جملة من الأحداث التي تحمل دلالات تؤكد الرفض الرسمي والشعبي للهيمنة الغربية؛ إلا أنه ما تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل بنوع من الغطرسة السياسية مع النيجر بوجه خاص ودول غرب إفريقيا بوجه عام. ومن أمثلة ذلك: قيام وفد أمريكي بزيارة النيجر ومخالفته للقواعد الدبلوماسية، فضلًا عن تدخُّله في الشركات الجديدة التي أبرمتها النيجر مع حلفاء جدد، وذلك وفق ما أعلنت النيجر، بالشكل الذي أسهم في توتر العلاقات بين البلدين، كما قامت رئيسة الوفد بتوجيه تهديدات ضد النيجر حكومةً وشعبًا([5]).
2– وجود القوات الأمريكية في النيجر تحت ذريعة مكافحة الإرهاب
اعتبرت النيجر أن وجود قوات أمريكية على أراضيها أمر غير قانوني وينتهك القواعد الدستورية والديمقراطية، وأنه لا يوجد لدى النيجر علم عن عدد القوات الموجودة على أرضها، ولا طبيعة تسليحهم ولا المعدات التي تعمل داخل قواعدهم.
لقد ضعف دور القوات الأمريكية في مكافحة الإرهاب منذ قتل أربعة جنود أمريكيين في دورية مشتركة مع جيش النيجر في ظل التعاون في مكافحة الإرهاب، واكتفت القوات الأمريكية بتقديم المعلومات الاستخباراتية وتدريب القوات الخاصة لجيش النيجر، وصرحت أنها غير ملزمة بالتعاون أو تقديم الدعم لجيش النيجر في مكافحة الإرهاب، الأمر الذي أدى إلى عدم جدوى وجود القواعد العسكرية بالنسبة لحكومة النيجر([6]).
3– تقارب المجلس العسكري النيجري مع روسيا
حذت النيجر حذو مالي وبوركينا فاسو؛ حيث قامت بطرد القوات الفرنسية من أراضيها، وبمجرد خروج الفرنسيين رحَّب المجلس العسكري باستقبال نائب وزير الدفاع الروسي؛ حيث تعتبر هذه الزيارة الأولى لمسؤول روسي رفيع المستوى للنيجر.
لم يختلف الحال في النيجر عن بوركينا فاسو ومالي؛ فقد أعلن المجلس العسكري تعزيز التعاون الدفاعي مع روسيا، وتم التوقيع على بروتوكول للدفاع، لكنه سري للغاية وغير مُعلَن؛ حيث استغلت روسيا حالة الفراغ التي سبَّبها خروج أوروبا من المنطقة لتعزيز مصالحها وزيادة تمدد النفوذ الروسي الذي أصبح يهدد النفوذ الأمريكي.
كما سمحت حالة التنافس الروسي الأمريكي بمنطقة غرب إفريقيا للدول الإفريقية باختيار الشريك الذي ترى أن التعاون معه يحقق مصالح مشتركة لكلا الجانبين([7]).
4- توريد اليورانيوم إلى إيران
رفضت حكومة النيجر الادعاءات الكاذبة التي أطلقتها رئيسة الوفد الأمريكي بشأن توقيع اتفاق سري بإمداد إيران باليورانيوم، وأفادت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة ستقدم المعلومات عن الصفقة المزعومة طبقًا للضرورة التي تراها. جاء ذلك بعد انقطاع العلاقات الفرنسية مع النيجر، والتي كانت الأخيرة تُصدِّر لها معظم إنتاجها من اليورانيوم([8]).
5- تراجع الإيكواس عن موقفها المناهض للمجلس العسكري في النيجر
حيث إن عدم قدرة الإيكواس على تنفيذ تهديداتها بالتدخل العسكري في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم، أسهم في تقوية المجلس العسكري، وتماديه في استخدام اللغة التهديدية، وقطع العلاقات مع القوة الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والاتجاه نحو التعاون مع روسيا.
مصير القوات الأمريكية الموجودة في النيجر:
عقب إعلان النيجر إنهاء اتفاقها مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ يظل مصير القوات الأمريكية العاملة في النيجر بشكل رسمي يتسم بالغموض، خاصةً أن النيجر لم تطلب مغادرة القوات الأمريكية لأراضيها؛ إلا أنه توجد ثلاثة احتمالات لمصير القوات الأمريكية على أرض النيجر.
الاحتمال الأول: تمسك الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة استمرار الوجود العسكري في النيجر، وذلك انطلاقًا من أن الوجود في النيجر يضمن النفوذ في غرب إفريقيا، خاصةً أن النيجر تعتبر محورًا مهمًّا في السياسة الأمريكية في مكافحة الإرهاب؛ بسبب الدور الذي تقدمه القاعدة الجوية 201.
كما أن الوجود الأمريكي في النيجر يضمن مواجهة النفوذ الروسي المتنامي في المنطقة، بعد أن توسعت العلاقات الروسية مع كلٍّ من مالي وبوركينا فاسو، ووصلت إلى حد الشراكة الدولية.
الاحتمال الثاني: تعقّد العلاقات بين الدولتين وطرد النيجر القوات الأمريكية، بعد إلغاء النيجر الاتفاق العسكري المبرم على غرار ما حدث مع القوات الفرنسية.
الاحتمال الثالث: نقل الولايات المتحدة الأمريكية قواعدها العسكرية من النيجر إلى دول أخرى حليفة في غرب إفريقيا، خاصةً أن الولايات المتحدة تخطط لإنشاء قواعد جديدة للطائرات بدون طيار في كلٍّ من غانا وكوت ديفوار وبنين، ورجّحت الولايات المتحدة إقامة قاعدة للطائرات بدون طيار في قاعدة تامالي للقوات الجوية في غانا على مقربة من حدود بوركينا فاسو، وإنشاء مطار في بنين؛ حيث يقع في منطقة بعيدة عن هجمات التنظيمات المسلحة.
إلا أنه مع ذلك يُستبعد هذا الاحتمال بسبب الرفض الشعبي لتنامي الوجود الغربي على أراضي هذه الدول، وهو ما ظهر من تأييد عدد كبير من مواطني غرب إفريقيا للانقلابات العسكرية وطرد النفوذ الفرنسي بشكل خاص والغربي بوجه عام.
ومن خلال ما سبق، يمكن استنتاج عدد من السيناريوهات التي قد تنتج عن إنهاء الاتفاق العسكري بين النيجر والولايات المتحدة الأمريكية، وأبرزها ما يلي:
السيناريو الأول: فرض عقوبات أمريكية على النيجر
ينطلق هذا السيناريو من تنفيذ تهديدات رئيسة الوفد الأمريكي أنه في حالة عدم الامتثال للرؤية الأمريكية سوف تقوم الولايات المتحدة بحرمان النيجر من المساعدات التي بلغت 233 مليون دولار في عام 2023م، بعد أن كانت 1.8 مليار دولار في عام 2021م، وتحتل النيجر المرتبة الثانية بعد نيجيريا من حيث الحصول على المساعدات الأمريكية التي قد ينتج عن عدم الحصول عليها آثار كارثية تصيب اقتصاد النيجر، وخاصةً بعد تعليق فرنسا وألمانيا للمساعدات التي كانت تقدمها للنيجر بعد انقلاب 2023م.
انطلاقًا من رؤية الولايات المتحدة لمدى حاجة النيجر للمساعدات الأمريكية سوف تقوم الولايات المتحدة بالضغط بشكل مستمر على النيجر لتنفيذ رؤيتها، مع إمكانية زيادة المساعدات الخارجية برجوع النيجر للمسار الديمقراطي وتنفيذ رؤية الجانب الأمريكي.
السيناريو الثاني: إحلال قوات أخرى محل القوات الأمريكية
ينطلق هذا السيناريو من حرص روسيا على زيادة نفوذها في إفريقيا جنوب الصحراء بعد أن دفعت بقوات فاجنر للعمل بدولة مالي منذ انقلاب 2021م، وتحرص روسيا على التعامل مع الدول الإفريقية من منطلق الشراكة، وهو الأمر الذي يلقى رضًا في نفس قادة الدول الإفريقية.
كما عملت روسيا على تطوير علاقتها بالنيجر، ووعدت بزيادة الاستعداد القتالي للجيش، ولم تقتصر سبل التعاون بين روسيا والنيجر على التعاون في مجال الأمن فقط، بل امتدت لمجال الزراعة والطاقة؛ حيث تواجه النيجر مشكلات تؤثر على أمنها الغذائي نتيجة موجات الجفاف التي تتعرض لها بعد إعلان رغبتها بالخروج من الإيكواس.
وانطلاقًا من علاقات الشراكة بين روسيا والنيجر، فمن المحتمل أن تقوم النيجر بطرد القوات الأمريكية من أراضيها بعد إعلانها أن القوات الأمريكية موجودة بشكل غير دستوري وغير ديمقراطي، وإحلالها بقوات فاجنر الروسية أو قوات من الجيش النظامي الروسي لتصبح أول قاعدة عسكرية روسية في المنطقة.
السيناريو الثالث: تمسك الولايات المتحدة بالحلول الدبلوماسية
يفترض هذا السيناريو وعي الولايات المتحدة بخطورة العلاقة بين روسيا والنيجر، ومِن ثَم التخلي عن العجرفة الأمريكية واللجوء إلى الحلول الدبلوماسية؛ لحرمان روسيا من زيادة نفوذها في المنطقة، وقد يؤدي ذلك إلى معاودة التفاوض عن طريق تشكيل وفد آخر يعود للنيجر للتفاوض والوصول لحلول وسط ترضي الطرفين؛ من خلال التعامل مع النيجر على أنها شريك إقليمي، ومحاولة الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة؛ من خلال الإبقاء على العلاقات مع النيجر قائمة.
السيناريو الرابع: تراجع النيجر عن قرارها
ينطلق هذا السيناريو من حرص النيجر على استمرار تدفق المساعدات الأمريكية إليها، ومحاولة الحفاظ على اقتصادها، ورضوخ النيجر إلى الضغوط التي تتخذها الولايات المتحدة لضمان استمرار قواعدها العسكرية في غرب إفريقيا.
ويُعتبر هذا السيناريو مستبعدًا إلى حد ما؛ فبالنظر لسياسة المجلس العسكري تجاه قطع العلاقات مع الجانب الفرنسي نجد أنه لم يرضخ إلى أيّ ضغوط تجاه عودة العلاقات الفرنسية؛ رغم الخسائر التي تعرضت لها النيجر جراء قطع العلاقات مع فرنسا.
……………………………………………
[1] – Us . department of stat , U.S. Relations With Niger, united state of amerce , JUNE 16, 2021, https://www.state.gov/u-s-relations-with-niger/ .
[2] – National Public Radio , Cameron Hudson discusses future of U.S.-Niger military relations following the coup , Washington, DC , JULY 28, 2023 , https://www.npr.org/2023/07/28/1190663505/cameron-hudson-discusses-future-of-u-s-niger-military-relations-following-the-co .
[3] – reuters , US military mission in Niger in focus after coup , Washington, DC , August 10, 2023 , https://www.reuters.com/world/africa/us-military-mission-niger-focus-after-coup-2023-08-10/ .
[4] – الجزيرة نت، ملاحظات لافتة بشأن الموقف الأمريكي من انقلاب النيجر اعتبره البعض طعنًا لفرنسا في الظهر، قطر، 18 أغسطس 2023م، متاح على الرابط التالي: https://www.ajnet.me/news/2023/8/18/%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%A8%D8%B1%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%B6-%D8%B7%D8%B9%D9%86%D8%A9-%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B8%D9%87%D8%B1-10 .
[5] – Mitchell McCluskey and Heather Chen , cnn , Niger ends military agreement with US, calls it ‘profoundly unfair ,united state of amereca , 16 March, 2024, https://edition.cnn.com/2024/03/16/africa/niger-ends-us-military-agreement-intl-hnk/index.html .
[6] – Reuters , Niger Revokes Military Accord With US, Junta Spokesperson Says , London , March 16, 2024 , https://www.voanews.com/a/niger-says-announces-end-to-military-cooperation-with-us/7530719.html .
[7] – le monde – Niger chooses Russia over Europe , Paris , March 18, 2024 , https://www.lemonde.fr/en/le-monde-africa/article/2023/12/06/niger-chooses-russia-over-europe_6318064_124.html .
[8] – Iran international , Niger Ends US Alliance Amid Accusations Of Uranium Deal With Iran , iran , 18 marsh 2024 . https://www.iranintl.com/en/202403184053 .