نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) دراسةً مطولةً بعنوان “القوى الوسطى.. الجهات الفاعلة المؤثرة في السياسة الدولية”، تضمّنت اثنتي عشرة دولة، من بينهم ثلاث دول من القارة الإفريقية لها دور إقليمي أو دولي وقوة عمل تُميّزهم عن الدول الأخرى؛ إذ يتمتعون بمجموعة من الخصائص مثل الجغرافيا، أو التركيبة السكانية، أو الأداء الاقتصادي، أو ثروة المواد الخام، أو القوة العسكرية، أو الكاريزما السياسية.
ويُشكّل التعاون والتبادل مع هذه القوى الوسطى أهمية كبيرة بالنسبة لألمانيا والاتحاد الأوروبي، سواء على صعيد مواجهة الأزمات بشكل مشترك، أو صياغة السياسات أو تقليل المخاطر الجيواقتصادية عبر تنويع علاقات السياسة الخارجية.. وتحت عنوان “إثيوبيا: القوة الهشَّة في القرن الإفريقي” تطرَّق البروفيسور “جيريت كورتز”، عالِم في مجموعة أبحاث إفريقيا والشرق الأوسط بالمعهد، إلى وضع إثيوبيا على خارطة الاهتمام الدولي بالقوى الوسطى ودورها سواء في الماضي أو الحاضر.
بقلم: جيريت كورتز
ترجمة وتقديم: شيرين ماهر
على مدار عقود، كانت إثيوبيا شريكًا رئيسيًّا للجهات الفاعلة الخارجية، ليس فقط بسبب موقعها الإستراتيجي في القرن الإفريقي، والذي يُمكِّنها من لعب أدوار مختلفة؛ بل أيضًا لكونها جسرًا بين العالمين العربي الإسلامي والإفريقي.
لقد كانت إثيوبيا واحدةً من أقدم الدول المسيحية، ثم أصبحت، لاحقًا، قوة إمبراطورية إفريقية رأت نفسها على قدم المساواة مع القوى الأوروبية الكبرى. واليوم هي مقر (الاتحاد الإفريقي) بالعاصمة، أديس أبابا. ولكن خلال السنوات الأخيرة شهدت علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حالةً من الفتور الملحوظ. والسبب الرئيسي هو الحرب الأهلية مع جبهة تحرير شعب تيجراي في شمال البلاد، والتي أسفرت عن انتهاكات حقوقية جسيمة؛ إذ يتبع رئيس الوزراء “آبي أحمد” مسارًا قوميًّا للتجديد يتخطّى حدود قدرات الدولة الإثيوبية على صعيد السياسة الداخلية والخارجية، لكنّه في الواقع لا يفتقر إلى الطموح. ففي عام 2021م، قال “آبي أحمد” للبرلمان الوطني: “إن إثيوبيا يجب أن تصبح إحدى قوتين عُظميين عالميتين بحلول منتصف هذه القرن”(1)، بينما يرى خبراء إثيوبيون أن البلاد لا ترقى حاليًّا إلى أن تكون على مستوى دول القوى الوسطى(2).
لكن هناك بعض المؤشرات المادية التي تدعم، على أقل تقدير، طموح إثيوبيا في القيادة؛ إذ يبلغ عدد سكانها 126 مليون نسمة، وهي ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان بين بلدان إفريقيا، وتنمو بوتيرة سريعة.
وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، كانت إثيوبيا واحدة من البلدان التي تتمتع بأعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم، وقد زاد إنتاجها المحلي الإجمالي أكثر من ستة عشر ضعفًا خلال تلك الفترة. كما تمتلك إثيوبيا الآن أكبر قوة عسكرية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، بعد أن زادت، بشكل كبير، من إنفاقها الدفاعي في أعقاب الحرب الأهلية(3).
والواقع، تتعارض إمكانات البلاد وتطلعاتها، بشكل واضح، مع هشاشتها. لقد كانت الحكومة السابقة، بقيادة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، يراودها القلق بالفعل بشأن استقرار الدولة متعددة الأعراق. ووفقًا لإستراتيجية السياسة الخارجية والأمنية للحكومة في ذلك الوقت، فقد شكَّل العجز الاقتصادي والديمقراطي (وفقًا لرؤيتها) في إثيوبيا الخطر الأمني الأكبر، ولهذا السبب كان من الضروري تكريس الأولوية القصوى لضمان تحقيق المزيد من الحِراك التنموي(4). وعلى الرغم من ذلك، فقد تعرَّض النموذج الاقتصادي، الذي سعت الدولة نحو تنفيذه بقوة، إلى ضغوط متزايدة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ لكونه لم يستطع توفير ما يكفي من فُرص العمل.
وعقب تولّيه منصبه نتيجة تغيير السلطة داخل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي في أبريل 2018م؛ عدّل “آبي أحمد” مساره بواسطة إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية. ولكن سرعان ما توقفت هذه الإجراءات بسبب جائحة كورونا؛ حيث أدت الحرب ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، منذ نوفمبر 2020م، إلى انزلاق البلاد في منعطف أزمة عميقة. لقد تسببت عملية السلام التي بدأت باتفاق بريتوريا في نوفمبر 2022م، في خلق صعوبات جديدة. وكان احتكار الحكومة للعنف يتراجع على نحو متزايد، فيما تعاني اليوم ولايتا “أمهرة” و”أوروميا” -الأكثر اكتظاظًا بالسكان في إثيوبيا-، فضلًا عن أجزاء أخرى من البلاد؛ من تبعات الصراع المسلح والجريمة والنزوح. كما تدهورت العلاقة مع إريتريا، لدرجة وجود خطر تجدُّد الصراع المسلح بين الدولتين على المدى المتوسط، فلا تزال الحرب الإريترية الإثيوبية من عام 1998م إلى عام 2000م لها تداعياتها حتى اليوم.
وكذلك تظل إثيوبيا ذات أهمية بالنسبة لـ”صُناع القرار” الألمان والأوروبيين. فمن وجهة نظرهم، إن البلاد ببساطة أكبر من أن يُسمَح لها بالفشل كدولة؛ لأن هشاشتها تُشكّل خطرًا نظاميًّا يهدد النظام الإقليمي في إفريقيا؛ حيث يوجد للاتحاد الأوروبي مصالح ذات أهمية. ففي الماضي، قدمت إثيوبيا مساهمات مهمة في حل النزاعات في بيئتها، ودعت إلى التكامل الإقليمي.
وفي الواقع إن تنمية إثيوبيا لا تعتمد، في المقام الأول، على أوروبا. ففي السنوات الأخيرة، ابتعدت إثيوبيا عن خط التوازن الدولي الذي طالما حافظت عليه. ورغم أن النُّخبة السياسية ترى نفسها مرتبطة بالدول الغربية والقيم الديمقراطية بفضل سنوات طويلة من التعاون المشترك، لكنّ الحكومة باتت تعتمد، بشكل كبير، على التعاون مع الصين وروسيا والإمارات العربية المتحدة. وإذا ما كانت إثيوبيا قادرة على لعب دور قيادي في المستقبل، يبقي السؤال هو: كيف ستقوم بذلك؟ وهذا ما سوف يحدّد قدرتها على العمل في السياسة الخارجية، بشكل خاص، من خلال تنمية البلاد داخليًّا وتوجهها الإقليمي.
مبادئ السياسة الخارجية الأساسية في عهد “آبي أحمد”:
تنتهج حكومة “آبي أحمد” مسارًا أيديولوجيًّا جديدًا يدعو إلى العودة إلى جذور الدولة الإثيوبية القديمة(5)؛ فمنذ الانتصار على القوات الاستعمارية الإيطالية في معركة “أدوا” عام 1896م، رأت الإمبراطورية الحبشية نفسها على قدم المساواة مع النظام الدولي.
وعلى النقيض من نُخَب الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية المتأثرة بالاشتراكية، يُمثّل “آبي أحمد” نهجًا أكثر ليبرالية من الناحية الاقتصادية، والذي يحاول استكماله برأس المال الثقافي والانتماء لجذور الحضارة القديمة. ولا تزال سياسات إثيوبيا الداخلية والخارجية، والتي تركّز بقوة على رئيس الوزراء، غير مُنتظمة جزئيًّا في عهد “آبي أحمد”، فلا يوجد حاليًّا سوى نطاق محدود للحديث عن هوية السياسة الخارجية الشاملة للبلاد. ومع ذلك، فإن مسار القوة الوطنية الذي تسعى إليه الحكومة الحالية مقيّد، بصفة متكررة، بحكم عوامل طويلة المدى؛ مثل التعددية الإفريقية وسعي إثيوبيا إلى تحقيق التوازن بين القوى الكبرى. فعلى سبيل المثال، لا تنبع مطالبة “آبي أحمد” بمنح البلاد منفذًا مباشرًا على البحر الأحمر(6) من الرغبة في الهيبة الوطنية والهيمنة الإقليمية فحسب، ولكن تنبع أيضًا من هدف جَعْل الاقتصاد المحلي أكثر استقلالية عن صراعات القوى الكبرى التي يمكن أن تؤثر على جيران إثيوبيا.
ويمكن رؤية عواقب إعادة التنظيم السياسي في التوجه الإقليمي لإثيوبيا. ففي حين لعبت حكومة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية -التي كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي هي الجزء المهيمن فيها- دائمًا دورًا رائدًا في المنظمات الإقليمية الإفريقية، ظل “آبي أحمد” يميل إلى إهمال هذه المنظمات. وتؤدي الشراكات الإقليمية المتغيرة لـ”آبي أحمد” إلى تعقيد التكامل الإقليمي. وخلال الحرب ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، عملت إثيوبيا، بشكل وثيق، مع إريتريا والصومال عسكريًّا. لقد أرسلت أسمرة وحدات كبيرة لمحاربة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. وفي الوقت نفسه، كانت هناك مناوشات حدودية مع السودان. وخلال هذه المرحلة، انخفضت مساهمة إثيوبيا في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي كانت البلاد أكبر مساهم فيها حتى منتصف عام 2020، بنسبة قوات تزيد عن 75 بالمائة. كما لعب الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) دورًا مهمًّا في التفاوض على اتفاق بريتوريا، الذي كان يهدف إلى إنهاء الحرب في شمال إثيوبيا. ولكن نتيجة لذلك، تعرَّضت علاقات إثيوبيا مع إريتريا إلى حالة من الفتور، لعدم أخذ مصالحها بعين الاعتبار في السلام مع جبهة تحرير تيجراي. وبعد أن وعدت إثيوبيا أرض الصومال، في الأول من يناير 2024، بأنها ستعترف باستقلالها عن الصومال مقابل خمسين عامًا من الوصول البحري عبر ميناء لإثيوبيا في أرض الصومال، تدهورت أيضًا العلاقات الثنائية مع الصومال.
لا تريد إثيوبيا أن يتم إخبارها عن الدول التي يجب أن تعطي الأولوية للعمل معها. لقد تغيرت شراكاتها بسبب الحرب الأهلية. فقد كانت للولايات المتحدة علاقات جيدة مع حكومة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية. ومن وجهة النظر الأمريكية، كانت إثيوبيا بمثابة مَرساة للاستقرار في القرن الإفريقي وشريكًا مهمًّا في الحرب ضد أعمال الإرهاب وجماعات العنف. ولكن مع تقدُّم الحرب، قطعت واشنطن العديد من هذه العلاقات وسحبت الامتيازات التجارية من إثيوبيا. ويرى بعض المراقبين أن تراجع دور البلاد كشريك أمني إقليمي لأمريكا كان بمثابة “أحد أكثر الكوارث الإستراتيجية أهمية التي شهدتها السياسة الخارجية الأمريكية في إفريقيا خلال الثلاثين عامًا الماضية”(7).
لقد استثمرت الصين، بالفعل، بكثافة في إثيوبيا في ظل حكومة الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، وخاصة في قطاعي النقل والطاقة. وقد أثر ذلك على خط السكة الحديد بين أديس أبابا وجيبوتي. وكانت القروض الصينية لإثيوبيا قد وصلت بالفعل إلى الحد الأقصى منذ حوالي عقد من الزمن(8). وتعد جمهورية الصين الشعبية الآن أكبر حليف أجنبي للبلاد(9). ولا تزال العلاقات وثيقة على المستوى الدبلوماسي. وكانت الرحلة الأولى لوزير الخارجية الصيني “تشين جانج” إلى أديس أبابا في يناير 2023. وقبل ذلك بعام، كانت الصين قد قدّمت، بالفعل، مبادرتها من أجل “التنمية السلمية في القرن الإفريقي”(10).
كذلك تعود علاقات إثيوبيا مع روسيا إلى عام 1898م، عندما كان كلا البلدين نظامين ملكيين. وفي حين تأثرت إثيوبيا بالتداعيات الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا (وخاصة في مجال الأسمدة)، فقد استفادت أيضًا من حماية موسكو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال الحرب مع جبهة تحرير تيجراي. ومن أجل بناء محطة الطاقة النووية الخاصة بها، تتعاون إثيوبيا مع وكالة الطاقة الذرية الروسية روساتوم.
علاوةً على ذلك، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة أحد أهم شركاء البلاد؛ حيث عرضت الإمارات تمويلًا سريعًا على “آبي أحمد” في بداية أجندته الإصلاحية في عام 2018م. وفي وقت قصير، أصبحت أيضًا الشريك التجاري الأكثر أهمية لإثيوبيا؛ حيث ذهب أكثر من 25% من جميع الصادرات الإثيوبية، وخاصة الذهب، إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2022، أي أكثر من 25% من إجمالي الصادرات الإثيوبية، وخاصة الذهب، من القارة الإفريقية بأكملها(11). كما سلّمت الإمارات (إلى جانب تركيا وإيران) طائرات مُسيَّرة مسلحة إلى إثيوبيا، والتي لعبت دورًا حاسمًا في صدّ تقدُّم قوات دفاع تيجراي في خريف 2021م(12).
ونظرًا لهذا التوافق الجيوسياسي، قررت قمة “بريكس” الخامسة عشرة في أغسطس 2023م قبول إثيوبيا في المجموعة. بالنسبة لـ”آبي أحمد”، يُعدّ الانضمام إلى دول “بريكس بلس” في عام 2024م “أحد أعظم الانتصارات الدبلوماسية للبلاد في العقود الأخيرة” (13). يتوافق التعاون بهذه الصيغة مع هدف “آبي أحمد” المتمثل في تطوير إمكانات إثيوبيا لتصبح قوة رائدة، ولكنه قبل كل شيء، يخدم أيضًا المصالح الاقتصادية للبلاد واحتياجاتها المالية.
مشاركة إثيوبيا الإقليمية والدولية:
وحتى في ظل الحكومة السابقة، نادرًا ما كانت إثيوبيا شريكًا وثيقًا لألمانيا في القضايا المهمة، كما يتبين من سلوك التصويت في البلدين في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى مدار أكثر من عشرين عامًا، صوّتت إثيوبيا لصالح الصين أكثر من تصويتها لصالح ألمانيا. والأخيرة هي الآن واحدة من الدول العشر التي تتفق معها إثيوبيا في كثير من الأحيان في الأمم المتحدة (14).
والواقع أن اهتمام ألمانيا بإثيوبيا لا يكمن في مساهماتها في التعاون الإقليمي وبناء السلام والوكالة الإفريقية على المستوى العالمي فحسب، وإنما تشارك البلاد أيضًا في مكافحة التمرد العسكري في الصومال. ويتم ذلك من خلال بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس/ (ATMISالتي يُموّلها الاتحاد الأوروبي وفرقة العمل الإقليمية لدول المواجهة. وتعد إثيوبيا أيضًا واحدة من أهم الدول المُستقبِلة للاجئين في إفريقيا.
وعلى المستوى القاري، تأثرت إثيوبيا اقتصاديًّا في أعقاب جائحة كورونا. وفي مارس 2020، دعا “آبي أحمد” دول مجموعة العشرين إلى حشد موارد مالية إضافية لجميع الدول الإفريقية، لكونها الطريقة الوحيدة لمكافحة الوباء بشكل شامل (15). وفي هذا السياق، كانت إثيوبيا المركز القاري لتوزيع الإمدادات الطبية، التي استخدمتها الخطوط الجوية الإثيوبية لمكافحة الوباء(16).
منذ اتفاق بريتوريا، تحاول إثيوبيا إعادة التواصل مع الدول الغربية، وقد حققت بعض النجاح؛ حيث شارك “آبي أحمد” في القمة الأمريكية الإفريقية في واشنطن نهاية عام 2022م. وفي العام التالي زار باريس وروما مرتين. والواقع تُولي إثيوبيا اهتمامًا خاصًّا لتعميق التعاون الاقتصادي وإعادة هيكلة الديون ودعم قرض من صندوق النقد الدولي.
إن التكاليف الهائلة للحرب الداخلية والمشكلات الأمنية المستمرة في أجزاء كثيرة من البلاد أثقلت كاهل الميزانية الوطنية. ويضاف إلى ذلك ارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت 30% وتراجُع احتياطيات النقد الأجنبي اللازمة لتمويل الواردات. وعلى الرغم من هذه الصعوبات الاقتصادية، تعارض الحكومة الإثيوبية فرض شروط قوية على المساعدات المالية الدولية.
خاتمة:
لا تحتل إثيوبيا “موقعًا وسطيًّا” في القطبية الثنائية الناشئة، ولكنها أكثر توجهًا نحو نظام تشكله الصين وروسيا. ويجب على ألمانيا أن تستعد لمواجهة حقيقة أن إثيوبيا ستواصل التأكيد على سيادتها وعلاقاتها الهيكلية بطريقة تجارية. ولكن في ظل سياسة عالمية أكثر مرونة؛ حيث لا يوجد سوى عدد قليل من التحالفات الجديرة بالثقة، هناك نقاط مبدئية للتعاون الثنائي.
ينبغي على ألمانيا أن تتعاون مع الحكومة الإثيوبية في مجالات السياسة ذات الاهتمام المشترك بطريقة لا تقوّض الأولويات الألمانية الشاملة فيما يتعلق بمصداقية المعايير الدولية وأدوات التعاون الخاصة بها والمؤسسات متعددة الأطراف. وفيما يتعلق بالاتصالات، يجب على الحكومة الفيدرالية تجنُّب إعطاء الانطباع بأن إثيوبيا دولة ديمقراطية لمجرد إجرائها الانتخابات.
وتظل إثيوبيا دولة شريكة في “الميثاق مع إفريقيا”، وهو الشكل الذي تتم بموجبه دعوة رؤساء حكومات جميع البلدان الشريكة بانتظام مِن قِبَل الحكومة الفيدرالية لحضور مؤتمرات القمة الاقتصادية في برلين. ولكن، من المشكوك فيه إلى أيّ مدى يمكن لهذه الاجتماعات الدبلوماسية وأدوات التمويل المُقدَّمة من الحكومة الفيدرالية أن تساعد في تحفيز استثمارات القطاع الخاص مِن قِبَل الشركات الألمانية في إثيوبيا، فيما تنبع أكبر عقبة أمام مثل هذه الاستثمارات من السياق السياسي والاقتصادي هناك، وخاصةً الصراعات المسلحة والضوابط الصارمة على رأس المال.
إن المباحثات رفيعة المستوى مع أديس أبابا لتشجيع الاستثمار لن تنجح إلا إذا تم تناول قضايا الحكم الحساسة بشكل علني ومباشر. كما توفر مساعدات الاقتصاد الكلي متعددة الأطراف التي تحتاجها إثيوبيا وسيلة مهمة للمطالبة بمزيد من الشفافية والمساءلة من الحكومة تجاه شعبها.
لدى ألمانيا وإثيوبيا مصالح مشتركة في مضمار حماية المناخ. هنا تلتزم الدولة بزراعة الأشجار على نطاق واسع كجزء من مبادرة “البصمة الخضراء”. علاوةً على ذلك، من مصلحة ألمانيا أن تتعامل إثيوبيا مع الصراعات في بلدها وفي المنطقة بطريقة سلمية، حتى تعود إثيوبيا، مرة أخرى، مصدرًا للسلام والاستقرار في القرن الإفريقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
- مولوبرهان باليهجن، “سياسة ومشاكل إنجيل حزب الازدهار”، في: إثيوبيا إنسايت (على الإنترنت)، 4 أبريل 2021،<https://www.ethiopia-insight.com/2021/04/04/the-politics- و-problems-of-prosperity-party-gospel/> (تم الاطلاع في 28 سبتمبر 2023).
- مقابلات في أديس أبابا، أكتوبر 2023.
- المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، التوازن العسكري 2023، لندن 2023، ص 420.
- وزارة الإعلام الإثيوبية، الشؤون الخارجية وسياسة واستراتيجية الأمن القومي لجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية، أديس أبابا، نوفمبر 2002.
- جويتوم جبرويل، “الأيديولوجية والاستراتيجية الكبرى وصعود وتراجع مكانة إثيوبيا الإقليمية”، في: الشؤون الدولية، 99 (2023) 3، ص 1127-1147.
- أجري موتامبو، “سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر يهز أمناء الموانئ في إريتريا”، في: ذا إيست أفريكان (على الإنترنت)، 23 أكتوبر 2023، <https://www.theeastafrican.co.ke/tea/rest-of-africa/ ethiopia -s-quest-for-sea-access-rattles-port-custodians-eritrea-4408782> (تم الاطلاع في 31 أكتوبر 2023).
- هاري فيرهوفن/مايكل ولد مريم، من خسر إثيوبيا؟ “تفكيك دولة مرساة إفريقية والسياسة الخارجية الأمريكية”، في: سياسة الأمن المعاصرة، 43 (2022) 4، ص 622-650 (624) (ترجمة المؤلف).
- جامعة بوسطن، مركز سياسات التنمية العالمية، “قاعدة بيانات القروض الصينية لإفريقيا”، 2022، <https://www.bu. edu/gdp/chinese-loans-to-africa-database/> (تم الاطلاع في 28 سبتمبر 2023).
- تمثل الديون المستحقة للصين نحو 30 بالمئة من إجمالي الدين الخارجي لإثيوبيا. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من الديون إلى التنمية: ما هي خيارات إثيوبيا؟، أديس أبابا، أبريل 2023 (سلسلة أوراق العمل، رقم 3)، ص 5.
- كارولين إيكهوف/نادين جودهاردت، مبادرة الصين للقرن الإفريقي. تعزيز السلام أم تفتيته؟، برلين: مؤسسة العلوم والسياسة، أكتوبر 2022 (ورقة عمل الاتجاهات الكبرى 2022/1).
- صندوق النقد الدولي، اتجاه إحصاءات التجارة (تم الاطلاع في 6 نوفمبر 2023).
- ديكلان والش، “الطائرات الأجنبية بدون طيار تقلب التوازن في الحرب الأهلية في إثيوبيا”، في: نيويورك تايمز (على الإنترنت)، 20 ديسمبر 2021، <https://www.nytimes.com/2021/12/20/world/africa / Drones-ethiopia-war-turkey-emirates.html> (تم الاطلاع في 28 سبتمبر 2023).
- عضوية إثيوبيا في البريكس ستساهم بشكل كبير في تحقيق التعاون بين بلدان الجنوب: رئيس الوزراء آبي أحمد”، وكالة الأنباء الإثيوبية الإنجليزية، 28 سبتمبر 2023، <https://www.ena.et/web/eng/w/eng_3244934> (تم الاطلاع في 28 سبتمبر 2023) ، 2023 ) (ترجمة المؤلف).
- الحسابات التي أجراها فريق حزب العمال الاشتراكي “البيانات والإحصائيات”، استنادًا إلى مايكل أ. بيلي/أنطون ستريجنيف/إريك فويتن، “تقدير تفضيلات الدولة الديناميكية من بيانات التصويت في الأمم المتحدة”، في: مجلة حل الصراعات، 61 (2017) 2، ص 430-456، <https://www.jstor.org/stable/2636 3889>. مجموعة البيانات متاحة على: 10.7910/DVN/LEJUQZ، ملف CovenantScoresAll_Jul2023.csv (اعتبارًا من يوليو 2023).
- آبي أحمد، “إذا لم يتم التغلب على جائحة كورونا في إفريقيا فسوف يعود ليطاردنا جميعًا”، في: فايننشال تايمز (أون لاين)، 25 مارس 2020، <https://www.ft.com/content/c12a09c8- 6db6 -11ea-89df-41bea055720b> ( تم الوصول في 28 سبتمبر 2023).
- يوناس تاريكو، “دبلوماسية كوفيد: مبادرات إثيوبيا لمكافحة الوباء العالمي في إفريقيا”، مدونة مركز ويلسون (عبر الإنترنت)، 14 أكتوبر 2020، <https://www.wilsoncenter.org/blog-post/covid-diplomacy-ethiopias – مبادرات-مكافحة-الوباء-العالمي-في-إفريقيا> (تم الاطلاع في 28 سبتمبر 2023).
- انظر نتيجة إثيوبيا في مجموعة بيانات “أصناف من الديمقراطية”، <https://v-dem.net/data_analogy/RadarGraph/> (تم الاطلاع في 29 سبتمبر 2023).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط التقرير: