إعداد: نشوى عبد النبي
باحثة سياسية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار – مجلس الوزراء
مقدمة:
تُعد القارة الإفريقية المنطقة الوحيدة التي لا يزال من الممكن فيها تحقيق نمو اقتصادي وتجاري هائل، وتضم القارة بعضًا من أسرع الاقتصادات نموًّا في العالم. ولكن، على الرغم من إمكانيات النمو الهائل، لا تملك العديد من الموانئ الإفريقية الحالية القدرة على استيعاب الطلب المتزايد على السلع المستوردة. وهناك حاجة ماسَّة إلى استثمارات كبيرة في تطوير القطاع البحري الإفريقي؛ إذا أرادت المنطقة التعامل مع حركة البضائع المتوقعة، والتي يمكن أن تزيد عن 2 مليار طن بحلول عام 2040م.
يوجد في إفريقيا أكثر من 50 ميناءً فقط من أصل 100 ميناء إفريقية لديها القدرة على مناولة البضائع والحاويات؛ إلا أن السعة الملاحية للموانئ منخفضة بشكل عام (أكبر ميناء في إفريقيا: ميناء بورسعيد، يمكنه التعامل مع أقل من 3 ملايين حاوية نموذجية، ومعظم الموانئ الصغيرة في إفريقيا لديها سعة مناولة أقل من مليون حاوية نموذجية).
كما تعاني موانئ إفريقيا، وخاصةً تلك الواقعة على سواحل غرب وشرق ووسط القارة، من صعوبة مواكبة حركة مرور السفن المتزايدة، مما يسلّط الضوء على قيود البنية التحتية للشحن البحري في إفريقيا؛ حيث تعاني العديد من الموانئ في هذه المناطق من ضعف الكفاءة التشغيلية، وتفتقر إلى التكنولوجيا الحديثة للموانئ، وروابط النقل البري الملائمة.
بسبب هذه العوامل، تشهد الموانئ عادةً معدلات إشغال عالية لأرصفة السفن، مما يؤدي إلى انتظار طويل للسفن وازدحام في الموانئ على كلٍّ من جانبي البر والبحر. ونتيجة لذلك؛ فإن معظم الموانئ الإفريقية تشهد مدة تخزين طويلة (أي الفترة التي تظل فيها البضائع في الميناء)؛ حيث يبلغ متوسط مدة تخزين البضائع في معظم الموانئ الإفريقية حوالي 20 يومًا، مقارنة بـ3 إلى 4 أيام في الموانئ الدولية الأخرى.
ولذلك، يُعدّ تحديث البنية التحتية للموانئ ضروريًّا إذا أرادت إفريقيا الاندماج في سلاسل القيمة العالمية وتحقيق تطلعاتها الصناعية. ومع ذلك، وعلى الرغم من امتلاك الحكومات الإفريقية والمجتمعات الاقتصادية الإقليمية لخطط طموحة لمجمعات الموانئ الصناعية؛ إلا أنها تفتقر إلى رأس المال اللازم لتمويل هذه التطورات.
وعلى مدى العقد الماضي، أظهرت الحكومات الإفريقية والمجتمعات الاقتصادية الإقليمية (RECs) والاتحاد الإفريقي إرادة سياسية واضحة لتحسين البنية التحتية البحرية للقارة. تتضمّن العديد من خطط التنمية الاقتصادية الإقليمية والوطنية (مثل رؤية كينيا 2030 ورؤية شرق إفريقيا 2050) تصريحات طموحة لتحسين عمليات الموانئ وتحديث البنية التحتية للنقل البحري[1].
البنية التحتية للموانئ البحرية: عامل رئيسي في التوسع العالمي لجمهورية الصين الشعبية في القارة الإفريقية
لجأت العديد من الدول الإفريقية إلى الصين (وشركاتها المملوكة للدولة في مجال البناء والهندسة) لتمويل وتطوير موانئها، أو تحسين البنية التحتية البحرية الحالية، باعتبارها أكبر ممول للبنية التحتية الإفريقية. لعبت مؤسسات الدولة الصينية دورًا رئيسيًّا في التوسع الخارجي، مدفوعةً بأهدافها المالية الخاصة. وسبقت العديد من مشاريعها إطلاق مبادرة الحزام والطريق رسميًّا مِن قِبَل الدولة. وتختلف مشاريع البنية التحتية للموانئ التي تقودها الصين في إفريقيا اختلافًا كبيرًا في طبيعتها وتأثيراتها. فبعضها قد يكون مفيدًا لتنمية البلدان الإفريقية، بينما يحمل البعض الآخر مخاطر محتملة مثل “مصائد الديون”.
وتعتبر الصين الشريك الأجنبي الوحيد الذي يُوافق على تمويل مشروعات البنية التحتية الضخمة، على عكس الدول الغربية والمؤسسات الغربية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين يضعان شروطًا أكثر صرامة، فإن بنوك الإقراض الصينية أقل صرامة في شروطها وإجراءاتها المعقدة، كما أن الائتمان الصيني متاح عادة بشروط أكثر جاذبية. ولا تقتصر المزايا على أسعار الفائدة المواتية، بل تمتد إلى فترات سداد القروض التي تكون ملائمة أكثر للاقتصادات الإفريقية التي تواجه صعوبات. وقد عملت الشركات الصينية المملوكة للدولة على ضخ كميات هائلة من الموارد والخبرات في تطوير الموانئ الإفريقية. ففي عام 2017م، بلغ إجمالي الاستثمارات الصينية في الموانئ الإفريقية 25.549 مليار دولار أمريكي، وشملت 24 ميناء في 20 دولة إفريقية[2].
وتُشكّل الاستثمارات في الموانئ الإفريقية عنصرًا رئيسيًّا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وخاصةً مشروع “طريق الحرير البحري” الذي تبلغ قيمته 40 مليار دولار أمريكي؛ حيث تعمل هذه الموانئ على ربط الصين بأوروبا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. بالنسبة للصين، تمثل الموانئ الإفريقية نقاط دخول للمُصدّرين الصينيين إلى الأسواق الإفريقية المتنامية، كما تمنح الصين نفوذًا سياسيًّا على القارة، وتلعب دورًا مهمًّا في حساباتها الجيوإستراتيجية.
قبل مطلع القرن الحالي، كان الاستثمار الصيني في الموانئ الإفريقية محدودًا للغاية؛ حيث شمل ميناءين فقط هما: ميناء نواكشوط (موريتانيا)، وميناء السودان، وكلاهما يقعان في شمال إفريقيا. بحلول عام 2009م، كانت الصين تُموّل وتبني ثلاثة مشروعات أخرى للموانئ، وهي: محطة حاويات بورسعيد (مصر)، وتوسعة ميناء نواكشوط (موريتانيا)، وإعادة إعمار وتوسعة ميناء باتا (غينيا الاستوائية). ومنذ ذلك الحين، شهد الاستثمار والإنشاء الصيني في الموانئ الإفريقية نموًّا متسارعًا بدفع من مبادرة الحزام والطريق الصينية.
عناصر الإستراتيجية البحرية الصينية:
تعتمد الصين في مقاربتها للاستثمار في الموانئ الإقليمية على إطار “عجلتين وجناحين “(2W2W)، وهي منظومة دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي في يوليو 2018م دول المنطقة إلى تعزيز التعاون مع بكين في الاستثمارات البحرية من خلالها. وتشمل العجلتان قطاع الطاقة بشقيه التقليدي (النفط والغاز) والنظيف. بينما يشير الجناحان إلى التعاون في مجال التكنولوجيا الفائقة، والاستثمارات المباشرة والتمويل.
وتعتمد هذه المقاربة على منظومة “ميناء -منطقة صناعية- مدينة”، وهي الصيغة المعروفة أيضًا باسم نموذج “شيكو” التنموي المعتمد منذ ثمانينيات القرن الماضي في تطوير منطقة شاندونغ وشنجن الساحلية الصينية، وفي مشروعات الصين التحديثية في دول جنوب شرقي آسيا. وتنطلق الفلسفة الأساسية في هذا النموذج من بناء علاقة تكاملية طويلة الأمد بين المكونات الثلاثة تساعد على “استمرارية الميناء، بحيث تستمر بفضله (الميناء) أيضًا”.
تركز الصين على توسيع نفوذها الاقتصادي في أربعة موانئ إقليمية؛ هي: دقم العُماني، والعين السخنة في مصر، وجازان السعودي، ودوراليه في جيبوتي، إلى جانب المناطق الحرة الأهم الملحقة بهذه الموانئ، وهي: منطقة الصين-عُمان الصناعية في دقم، والمنطقة الصناعية الصينية في ميناء جازان السعودي، ومنطقة “تيدا”-السويس في ميناء العين السخنة المصرية[3].
نموذج “شيكو” الصيني للموانئ… وبداية تطبيقه:
كانت منطقة شيكو الصناعية أول منطقة اقتصادية خاصة في الصين، وقد أدت إلى تحول مدينة شِنزْين إلى مركز تجاري وصناعي مهم. ونتيجةً لجهود مجموعة الصين التجارية China Merchants Group (CMG)، في بناء قرية شيْكَو وتحويلها إلى منطقة صناعية عالمية المستوى، تحولت منطقة كانت تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية إلى مركز حضري حديث. يتضمن نموذج شيْكَو “تطوير مجمعات صناعية مجاورة ومباني تجارية وطرق سريعة ومناطق تجارة حرة ومناطق سكنية ومحطات طاقة”. ويركّز هذا النموذج على الميناء، ولا يهدف فقط إلى تسهيل نقل البضائع، بل إلى “تطوير نظام أكبر متكامل يساهم في دعم الميناء، ويستفيد منه في المقابل”. في عام 2017، ذكر لي شياوبنغ، رئيس مجموعة الصين التجارية، أن شركته تَستخدم نموذج شيكو كقالب أو مفهوم يمكن تطبيقه وتعديله ليتناسب مع مشروعات الموانئ التي تُنفّذها في جميع أنحاء العالم.
وتحت مظلة مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ تسعى مؤسسات الدولة الصينية، وخاصة مجموعة الصين التجارية إلى تكرار عناصر نموذج “الميناء في المقدمة – (المنطقة الصناعية) في الوسط – المدينة في الخلف”، أو نموذج “الميناء- المدينة الصناعية- المدينة” في إفريقيا. ويستند النموذج إلى منطقة شيْكَو الصناعية Shekou Industrial Park في مدينة شِنزْين بمقاطعة قوانغدونغ في الصين، والتي تأسست في عام 1979م[4].
تطبيق نموذج (شيكو) التنموي في جيبوتي:
ترتبط البنى التحتية الكبرى التي تربط الدول الإفريقية ببعضها البعض، ارتباطًا عميقًا بعلاقات القوة الاستعمارية. ويمكن اعتبار الاستعمار نفسه مشروعًا للبنية التحتية يهدف إلى تسريع وتوجيه والتحكم في حركة السلع والأشخاص إلى إفريقيا. ويبدو أن التنافس الحالي على البنية التحتية الذي يجتاح شرق إفريقيا يعيد إنتاج أنماط استعمارية تتماشى مع نماذج التنمية الغربية. ومع ذلك، تُواجه القوى الاستعمارية التقليدية منافسةً غير متوقعة من لاعبين جدد يطوّرون نماذجهم الخاصة لتحقيق التنمية. ولا تقتصر شركات الخدمات اللوجستية العالمية اليوم على تمويل مشروعات البنية التحتية، بل إنها تسعى بنشاط إلى الترويج لمسارات تنموية.
جيبوتي، البلد الصغير الواقع في منطقة القرن الإفريقي، نشأت نتيجة للتنافس الإمبريالي الأوروبي في البحر الأحمر وخليج عدن بعد افتتاح قناة السويس عام 1869. تكمن أهمية جيبوتي الإستراتيجية في موقعها الجغرافي عند مضيق باب المندب، الذي يربط المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، ويصل حجم التجارة البحرية العالمية التي تمر عبره إلى أكثر من 30٪.
يتجلى الارتباط الوثيق بين القوة الاقتصادية والعسكرية بشكل مباشر في جيبوتي الحالية؛ حيث أصبحت أيضًا مركزًا للتنافس الجيوستراتيجي على القواعد العسكرية، لا سيما في سياق الحرب العالمية على الإرهاب. تستضيف الدولة الصغيرة عدة قواعد عسكرية خارجية بما في ذلك قواعد فرنسا والولايات المتحدة والصين. وبفضل موقعها عند مصب البحر الأحمر، أصبحت جيبوتي محورًا للتنافس على البنية التحتية وموضوعًا لنماذج تنموية متعددة[5].
إستراتيجية التوسع العالمية لشركة الصين التجارية في جيبوتي:
تطبيق إستراتيجية شركة الصين التجارية للتوسع الدولي على جيبوتي، مع التركيز على مدة عقود الامتياز الطويلة التي تثير تساؤلات حول “دبلوماسية مصيدة الديون”.
مدة امتياز طويلة (99 عامًا).
-توقع شركة الصين التجارية عقود امتياز طويلة الأجل (99 عامًا)؛ لضمان جدوى المشروع وتوفير الوقت الكافي لتحقيق أهداف التنمية الأوسع.
-يثير هذا انتقادات من البعض الذين يعتبرون العقود طويلة الأجل “دبلوماسية مصيدة الديون”.
-من بين أكثر من 50 ميناء تشغلها شركات جمهورية الصين الشعبية في الخارج (حتى منتصف عام 2020)، تتمتع 8 موانئ بمدد امتياز أطول من المتوسط وفقًا للمعايير الصناعية، ويتم تشغيل نصف هذه الموانئ أو تشارك فيها شركة الصين التجارية.
-يشمل ذلك ميناء جيبوتي ومحطة دوراليه متعددة الأغراض، حيث تبلغ مدة الامتياز 99 عامًا[6].
تحويل جيبوتي إلى “شيكو شرق إفريقيا“:
يمثل قطاع خدمات النقل البحري بالموانئ حوالي 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي، ولذلك فهو يعتبر جزءًا مهمًّا من التنمية الاقتصادية بها، وهذا هو السبب الذي يجعل حكومة جيبوتي تُولي أهميةً كبيرةً لتطوير ميناء جيبوتي[7].
بدأت شركة موانئ الصين التجارية القابضة، وهي ذراع النقل والخدمات اللوجستية للمجموعة، ببناء ميناء جديد في جيبوتي في عام 2012. ويمثل هذا المشروع تطبيقًا أوليًّا لـ”نموذج شيكو” الناجح في الخارج؛ حيث يجمع بين تطوير الموانئ والمناطق الصناعية والمدنية لخلق مركز اقتصادي متكامل. حقق ميناء جيبوتي الجديد نجاحًا كبيرًا خلال السنوات الأربع الأولى من تشغيله. فقد ارتفع ربح الميناء بنسبة 200٪ مقارنة بأربع سنوات سابقة، كما زاد حجم حركة البضائع بشكل ملحوظ نتيجة لزيادة معالجة الحاويات والبضائع. بالإضافة إلى ذلك، شهد العاملون المحليون نموًّا سنويًّا في رواتبهم بنسبة 8٪ خلال نفس الفترة[8].
حتى وقت قريب، كانت جيبوتي تتبع نموذج ميناء جبل علي والمنطقة الحرة في دبي، الذي يقدّم نموذجًا للتنمية من خلال تطوير البنية التحتية. ولكن، بعد الخلاف بين جيبوتي وشركة دبي العالمية للموانئ (DP World) في عام 2018م، تحوّلت أنظار جيبوتي نحو الشرق، إلى الصين. حيث توفّر الصين، التي بنت أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي عام 2017م، نموذجًا موحدًا يعتمد على مدينة الموانئ شيكو. حيث تهدف مجموعة الصين التجارية إلى تحويل جيبوتي إلى “شيكو شرق إفريقيا”؛ أي مركزًا للخدمات اللوجستية والتجارية الإقليمية[9].
ميناء دوراليه متعدد الأغراض:
من بين المشروعات التي موَّلتها الصين وبنتها في هذه الدولة الصغيرة، نجد ميناء دوراليه متعدّد الأغراض الذي تبلغ قيمته 590 مليون دولار أمريكي، وهو امتداد لميناء جيبوتي وأول ميناء للمياه العميقة في البلاد. تم تطوير ميناء دوراليه متعدد الأغراض لتخفيف الازدحام في ميناء جيبوتي وتحفيز تطوير منطقة الأعمال في وسط المدينة. ويعزّز المشروع مكانة جيبوتي كمركز تجاري رئيسي في إفريقيا، ويُظهر قدرة البلاد على تنفيذ مشروعات البنية التحتية الضخمة.
يتم إدارة الميناء بشكل مشترك مِن قِبَل هيئة موانئ ومناطق التجارة الحرة في جيبوتي (DPFZA) ومجموعة الصين التجارية. و في يناير 2021، وافقت مجموعة الصين التجارية مع شركة الاستثمار القابضة لبحر القرن الإفريقي، وهي شركة استثمار مملوكة لهيئة موانئ ومناطق التجارة الحرة في جيبوتي على توسعة بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي لتحويل ميناء جيبوتي إلى مركز إقليمي، ومن المتوقع أن يصبح وجهة الشحن البحري الرائدة في شرق إفريقيا ضمن طريق الحرير البحري الصيني.
ويعتبر ميناء دوراليه متعدد الأغراض منفصلًا عن مشروع منطقة التجارة الحرة الدولية في جيبوتي (DIFTZ) الذي تبلغ قيمته 3.5 مليار دولار أمريكي. ومن المتوقع أن يكتمل مشروع منطقة التجارة الحرة الدولية في جيبوتي بحلول عام 2028م، وستصبح أكبر منطقة تجارة حرة في إفريقيا.
منطقة التجارة الحرة في جيبوتي: انطلاقة مبكرة بمساعدة من موانئ دبي العالمية
بدأ برنامج مناطق التجارة الحرة في جيبوتي في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت شركة موانئ دبي العالمية (DPW) أول من رأى إمكانات “موقعها الجغرافي ومينائها العميق”. تأسست منطقة التجارة الحرة في جيبوتي (DFZ) في عام 2004م، وهي توفر مساحات مكتبية ومستودعات للشركات الأجنبية، وتعفي الشركات من ضرائب الشركات والضرائب على القيمة المضافة والضرائب الجمركية على الواردات والصادرات. كما أن منطقة التجارة الحرة في جيبوتي لديها تاريخ مستقل عن استثمارات الصين الكبيرة، وتعمل بمعزل عن منطقة التجارة الحرة الدولية في جيبوتي (DIFTZ) التي تقع تحت إشراف مجموعة الصين التجارية.
منذ افتتاحها، نجحت منطقة التجارة الحرة في جيبوتي في جذب شركات صينية رائدة؛ وذلك من خلال التركيز على إستراتيجية صناعية تتمحور حول “مدينة واحدة، ومنصتين اثنتين، وأربعة مراكز” one city, two platforms and four centers. وقد ساهم هذا في إثراء وتوسيع خدماتها الصناعية بشكل مستمر، وبناء مركز تجاري ولوجستي دولي، ومركز لمعالجة الصادرات. بحلول أكتوبر 2021، استقرت 189 شركة دولية في منطقة التجارة الحرة، وشهد قطاع التجارة والخدمات اللوجستية نموًّا ثابتًا؛ حيث بلغ إجمالي حجم البضائع التي تم التعامل معها 890 ألف متر مكعب[10].
منطقة التجارة الحرة الدولية في جيبوتي (DIFTZ) :
يقود عملية تطوير منطقة التجارة الحرة الدولية في جيبوتي (DIFTZ) هيئة موانئ ومناطق التجارة الحرة في جيبوتي (DPFZA) ، وتحالف من شركات صينية يشمل مجموعة الصين التجارية وهيئة ميناء داليان، ومجموعة IZP. وتعتبر منطقة التجارة الحرة الدولية في جيبوتي جزءًا من خطة تحالف شركات صينية لتطوير منطقة صناعية ومالية لدعم المرافق البحرية في جيبوتي. وبالاشتراك مع مشروعات تطوير أخرى في قطاعي النقل والطاقة في جيبوتي، تسعى هيئة موانئ ومناطق التجارة الحرة في جيبوتي (DPFZA) ومجموعة الصين التجارية التي تمتلك حصة 23.5٪ في هيئة موانئ ومناطق التجارة الحرة في جيبوتي إلى تطوير مجمع ضخم للموانئ والصناعات على غرار مجمع ميناء شيكو-شنتشن في مقاطعة قوانغدونغ بالصين.
وبمجرد اكتمالها، ستضيف منطقة التجارة الحرة الدولية وحدها حوالي 4 مليارات دولار أمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي. ولا يُعتبر استخدام مجموعة الصين التجارية لنموذج شيْكَو في جيبوتي أمرًا فريدًا، بل هو في الواقع “نهج قياسي إلى حدّ ما، يناسب الجميع”؛ لتطوير الموانئ ومناطق التجارة الحرة على طول طريق الحرير البحري الصيني. وفي إفريقيا، تطوّر مجموعة الصين التجارية مشروعات أخرى على غرار شيْكَو في طنجة (المغرب) ولومي (توغو).
مركز معارض البحر الأحمر The Red Sea Exhibition Centre (RSEC)
يعمل مركز معارض البحر الأحمر كمنصة إطلاق لرؤية “جيبوتي الجديدة”؛ حيث تعرض الصور والرسوم البيانية والصور الفوتوغرافية والأفلام القصيرة المعروضة في المركز هذه الرؤية لتصبح جيبوتي مركزًا يقع على مفترق طرق مختلفة جغرافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.
يعرض المعرض تفاصيل مراحل تطوير نموذج “ميناء- منطقة صناعية -مدينة” لجيبوتي على ثلاث مراحل:
1-توسيع وبناء الموانئ: يتضمن ذلك تحديث ميناء دمرجب لتصدير الماشية، وبناء ميناء في تاجورة لتصدير البوتاسيوم المستخرج في إثيوبيا، وبناء ميناء في جويبة متخصص في تجارة الملح. كما تشمل الخطط بناء مرافق للغاز والنفط ومنطقتين حرتين وميناء متعدد الأغراض ثانٍ.
2-إنشاء منطقة صناعية (بما في ذلك المناطق الحرة): سيتم إنشاء منطقة صناعية تجذب الشركات الأجنبية للاستثمار في مجالات مثل الصناعات التحويلية الخفيفة والتجميع. وسيشمل ذلك أيضًا تطوير منطقتين حرتين توفران حوافز ضريبية للشركات.
3-تطوير القطاعات الثلاثية والتنمية الحضرية: يركز هذا البعد على تطوير قطاعات الخدمات مثل السياحة والخدمات المالية والتعليم. كما يشمل أيضًا بناء بنية تحتية حضرية جديدة مثل الطرق والمرافق العامة والمناطق السكنية.
وترتبط الموانئ والمحطات بشبكات النقل التي تظهر الأهمية المستمرة لجيبوتي بالنسبة إلى إثيوبيا، وتشمل هذه الشبكات:
خط سكة حديد يربط ميناء جيبوتي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا: يوفر هذا الخط السريع والفعَّال نقل البضائع والأفراد بين البلدين.
طريق سريع جديد يربط مدينة “تجاراه” في شرق جيبوتي بميكيلي، عاصمة منطقة تيغراي الإثيوبية: تم افتتاح هذا الطريق في عام 2019م، مما يسهّل التجارة والسفر بين المنطقتين.
شبكة طرق تخطط لربط موانئ جيبوتي السبعة بمطار دولي ومحطات سكك حديدية: ستعزز هذه الشبكة التكامل والترابط بين الموانئ والبنية التحتية للنقل، مما يرفع كفاءة حركة البضائع والمسافرين.
يعمل مركز معارض البحر الأحمر على الترويج لإمكانات جيبوتي للمستثمرين الأجانب، ويرى المعرض أن “جيبوتي الجديدة” لن تتحقق إلا إذا تمكَّنت البلاد من “بيع” هذه الرؤية للمستثمرين. قد يكون هذا هو السبب أيضًا في عدم ذِكْر العلاقة المتوترة بين جيبوتي وشركة موانئ الصين التجارية (CMG) من جهة، وشركة دبي بورت ورلد من جهة أخرى، والتي استثمرت الملايين في الميناء، ولكن تم إنهاء عقدها لاحقًا، مع وجود قضايا محاكم في عدة ولايات قضائية[11].
ختامًا، ستلعب صناعة النقل البحري في القارة دورًا رئيسيًّا في تحويل الأحلام الإفريقية للازدهار الاقتصادي إلى واقع؛ حيث يوفر النقل البحري أرخص وأسرع طريقة لشحن كميات كبيرة من البضائع عبر مسافات طويلة. ونتيجة لذلك، ومع عدم رغبة العديد من شركاء التنمية في استثمار ملايين الدولارات في تحديث الموانئ الإفريقية، سيظل الاستثمار الصيني في موانئ إفريقيا أمرًا حاسمًا لتحسين عمليات الموانئ وقدرتها على التعامل مع كميات متزايدة من البضائع المنقولة بحرًا والموجهة إلى المنطقة.
………………………………………….
[1] Mandira Bagwandeen, China Merchants Group exporting its Shekou Model of port – industrial development to Africa, article, China Global South Project, November 4, 2021, https://2u.pw/wg7nkJV
[2] فاطمة الزهراء أحمد أنور، آليات التواجد الصيني في القارة الإفريقية بين الفعالية والإخفاق، دراسة، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، 2022، https://2u.pw/sdBXWq9
[3] إستراتيجية قيد التطوير: طموح الصين البحري المُتصاعِد في الشرق الأوسط، دراسة، 12 سبتمبر 2022، مركز الإمارات للسياسات، https://2u.pw/1DcaI7
[4] Mandira Bagwandeen, previous reference.
[5] Amina S. Chire, May Darwich, Jutta Bakonyi, Abdirachid M. Ismail, Djibouti fiddles amid the scramble for the Red Sea, study, 15 March 2023, University of Birmingham, https://2u.pw/zXRR9R8
[6] Dr. April A. Herlevi, Competing or Colluding Commercial Interests? Ports and Free Zones along China’s Maritime Silk Road in Africa, study, Journal Of Indo – Pacific Affairs, November 18,2021, https://2u.pw/sPCr4Jy
[7] Experience of China’s Shekou inspires port development in Djibouti, Report, December 19, 2022, Belt And Road Portal, https://2u.pw/lHb9mES
[8] Luo Wangshu, China Merchants Group looks to promote ‘Shekou model’, Report, 2017-06-16 , Chia Daily, https://2u.pw/ZZ1Q0fT
[9] Amina S. Chire, previous reference.
[10] Dr. April A. Herlevi, previous reference.
[11] Amina S. Chire, previous reference.