أعلن المدعي العام للمحكمة العليا في إنجامينا عمر محمد كديلاي، يوم الخميس الماضي الموافق 29 فبراير، خلال مؤتمر صحفي عن مصرع زعيم المعارضة التشادية يحيى ديلو، خلال تبادل لإطلاق النار بين قوات الأمن وأعضاء من “الحزب الاشتراكي بلا حدود”؛ الذي كان يترأسه الراحل يحيى ديلو، وهو ما أسفر عن سقوط عددٍ من القتلى من الطرفين؛ كان على رأسهم رئيس الحزب وزعيم المعارضة يحيى ديلو، الذي كان ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في تشاد، لينافس رئيس المرحلة الانتقالية الحالي محمد إدريس ديبي.
وعقب الإعلان عن مصرع يحيى ديلو توالت ردود الفعل الداخلية والخارجية، والتي أدانت في أغلبها مصرع يحيى ديلو، والذي يُعبِّر مقتله عن تجذّر فكرة العنف والدم للوصول إلى السلطة في تشاد أو الحفاظ عليها والبقاء فيها.
كما يشير إلى استبعاد حدوث عملية تداول سلمي للسلطة في تشاد أو التنازل عنها بسهولة؛ حيث يؤكد التاريخ السياسي الحديث لتشاد تلك الفرضية، بدءًا من اغتيال أول رئيس لتشاد فرانسوا تومبالباي في أبريل 1975م، وانتهاءً بقتل الرئيس السابق لتشاد إدريس ديبي في أبريل 2021م، وما بين ذلك من صراعات على السلطة قام بها أمراء الحرب في تشاد مثل كوكوني عويدي، وحسين حبري، وإدريس ديبي ارتبطت بالسلاح والدم والحركات المتمردة، فضلاً عن ارتباطها كذلك بقائمة من الاغتيالات لزعماء المعارضة التشادية الذين حاولوا الوقوف أمام أمراء الحرب الذين حكموا تشاد بالحديد والنار، ليكون آخر هؤلاء يحيى ديلو.
ومن خلال هذه الدراسة سوف نتناول أسباب وتداعيات مقتل زعيم المعارضة التشادية يحيى ديلو من خلال المحاور التالية:
أولاً: الخلفية التاريخية والسياسية لزعيم المعارضة يحيى ديلو:
وُلِدَ يحيى ديلو دجيرو بيتشي في 18 ديسمبر 1974م في مدينة كاورا التابعة لمنطقة إنيدي الشرقية التي تحدّها ليبيا من الشمال، والسودان من الشرق، وقد وُلِدَ لأسرة تنتمي إلى مجموعة الزغاوة الإثنية، التي استولت على السلطة في تشاد منذ تولي الرئيس الراحل إدريس ديبي للسلطة بعد نجاحه في التمرد العسكري الذي قام به ضد الرئيس حسين حبري في ديسمبر 1990م؛ حيث يقال: إن يحيى ديلو هو ابن أخي الرئيس الراحل إدريس ديبي، والبعض يقول: إنه ابن أخت إدريس ديبي وليس ابن أخيه.
وشارك يحيى ديلو منذ سن المراهقة في العمل السياسي والعسكري في تشاد؛ حيث شارك في دعم تمرد إدريس ديبي ضد الرئيس حسين حبري، وبعد نجاح التمرد وتولّي إدريس ديبي السلطة، أكمل يحيى ديلو دراسته؛ حيث حصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات، ثم سافر إلى كندا والتحق بجامعة أوتاوا المرموقة، وحصل منها على شهادة في الهندسة الكهربائية والاتصالات.
ومنذ مرحلة الشباب كان يحيى ديلو يَنظر لنفسه نظرة مختلفة عن باقي أقرانه، ويُردِّد أنه قُدِّر له أن يلعب دورًا رئيسيًّا في مستقبل بلاده، وبعد عودته إلى تشاد لم يحظَ بالترحيب الذي يتفق مع توقعاته، كما تم تجاهله مِن قِبَل إدريس ديبي، وهو ما جعَله يبدأ في نشر بعض المقالات التي تنتقد النظام الحاكم، وسرعان ما ترك حركة الإنقاذ الوطني وهي الحزب الحاكم، وشارك في تمرد الشقيقين توم وتيمان إرديمي أبناء أخ إدريس ديبي في 2005، وأصبح يحيى ديلو المتحدث باسم “حركة التغيير والوحدة الوطنية والتنمية SCUD” التي تم تأسيسها.
ولكن حدث خلاف بينه وبين مؤسسي الحركة، والذين اتهموه بتخريب التمرد والتجسس لصالح النظام، ومن ثم تمَّ أسره في ملجأهم في السودان، وأسسوا حركة أخرى أسموها “تجمع القوى من أجل التغيير”.
وعقب ذلك تم إطلاق سراح يحيى ديلو ونقله إلى الخرطوم ليعود إلى تشاد، ويتحالف مع إدريس ديبي من جديد؛ حيث تم تعيينه وزيرًا للدولة، ثم وزيرًا للزراعة، ثم وزيرًا للمناجم والطاقة بين عامي 2008-2009م؛ فضلاً عن تعيينه مستشارًا للرئيس التشادي. ومن 2018 حتى مايو 2020م تولَّى يحيى ديلو منصب سفير تشاد في الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا.
وفي تحوُّل دراماتيكي للأحداث يصبح يحيى ديلو معارضًا من جديد لحكم إدريس ديبي، وخاصةً بعد أن تم فصله من عمله بسبب تصريحاته عن حدوث فساد في مؤسسة القلب الكبير “Grand Cœur”؛ التي كانت تديرها السيدة الأولى لتشاد هندا ديبي زوجة الرئيس الراحل إدريس ديبي، وهو ما جعله محلاً للمحاكمة بتهمة التشهير والإهانة مِن قِبَل هندا ديبي.
وبعد طلاقه السياسي مع نظام إدريس ديبي حاول تأسيس حزب سياسي خاص به، لكنه لم يستطع الوصول لذلك الهدف بسبب العقبات الإدارية التي فرضها نظام ديبي الأب تجاهه، مما جعله ينضم إلى الحزب الاشتراكي بلا حدود (PSF) في 2021م، وهو أحد أحزاب المعارضة في تشاد، وقد أعلن يحيى ديلو عن نيته للترشح في الانتخابات الرئاسية لتشاد التي كان مقررًا إجراؤها في أبريل 2021م؛ ليكون مرشحًا عن الحزب الاشتراكي بلا حدود؛ لمنافسة إدريس ديبي الذي كان يسعى للولاية السادسة، وهو ما جعل النظام الحاكم يُعيد فتح قضية التشهير بالسيدة الأولى هندا ديبي، واستدعائه للمحكمة، وفي ليلة 27 فبراير 2021م قامت مجموعة من قوات النخبة المحصَّنة بشاحنات عسكرية ودبابات ومركبات مدرعة بمحاولة اعتقاله من منزله، وتحطيم باب المنزل بالمدرعات وإطلاق النار على مَن كان فيه، وهو ما أسفر عن مقتل ما بين اثنين إلى خمسة من أقاربه من بينهم والدته وأحد أبنائه وبعض أبناء عمه، بجانب إصابة أخته الكبرى وعدد من أقاربه بجروح خطرة.
غير أنه تم تهريب يحيى ديلو من المنزل، بمعاونة بعض أفراد أسرته وبعض أقاربه من ضباط الجيش، ليظل مختفيًا عن الإنظار؛ حيث قيل إنه هرب إلى خارج تشاد، وسافر إلى بلجيكا، ليظل هاربًا حتى مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي في 20 أبريل 2021م.
وبجانب ذلك، فقد تم رفض طلب ترشحه للانتخابات الرئاسية 2021، وبسبب ما حدث له ولأسرته فقد أعلن ثلاثة مرشحين انسحابهم من الانتخابات، وعلى رأسهم زعيم المعارضة صالح كيبزابو، كما أعرب الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وفرنسا عن قلقهم بسبب تلك الأحداث العنيفة التي سبقت العملية الانتخابية.
وعقب مصرع إدريس ديبي عاود يحيى ديلو الظهور من جديد، وتم انتخابه رئيسًا للحزب الاشتراكي بلا حدود في 6 أغسطس 2021م خلفًا لمؤسس الحزب دينامو دارام، ومع تولي محمد ديبي للسلطة في تشاد خلفًا لأبيه إدريس ديبي، فقد واصل يحيى ديلو معارضته لحكم الابن، منتقدًا له طوال الوقت، رافضًا لحكم المجلس العسكري، ومعلنًا عن طموحه للترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة المقرر عقدها في مايو المقبل لمنافسة محمد ديبي على منصب الرئيس، غير أن التحول المفاجئ للأحداث وعملية اغتياله في 28 فبراير 2024م، لم تُمهله لتحقيق طموحه السياسي، ليلحق بعشرات المعارضين التشاديين الذين قضوا نحبهم على يد أمراء الحرب في تشاد.
ثانيًا: تفاصيل عملية مقتل يحيى ديلو:
توجد روايتان لعملية مقتل أو اغتيال زعيم المعارضة يحيى ديلو؛ أولهما الرواية الحكومية، والثانية هي رواية أنصار يحيى ديلو من أعضاء الحزب الاشتراكي بلا حدود، ويمكن عرض هاتين الروايتين فيما يلي:
أ- الرواية الحكومية:
انطلاقًا مِن تتبُّع الخيوط الأولى للأحداث؛ نجد أن الرواية الحكومية تشير إلى اتهام أحمد الترابي والذي تسميه بعض المصادر “أباكار الترابي”، وهو السكرتير المالي “للحزب الاشتراكي بلا حدود” بمحاولة اغتيال رئيس المحكمة العليا في تشاد سمير آدم نور، يوم 19 فبراير 2024م في مقر المحكمة، وذلك انتقامًا من رئيس المحكمة الذي أصدر قرارًا يتعلق بالصراع الداخلي للحزب الاشتراكي بلا حدود، لم يكن في صالح يحيى ديلو؛ حيث إن الحزب الاشتراكي كان قد شهد صراعًا داخليًّا بين جبهة يحيى ديلو، وجبهة مؤسس الحزب دينامو دارام، وقد وصل هذا الخلاف إلى ساحات القضاء بين الطرفين، وهو ما جعل يحيى ديلو يصرح بأن الخلافات المتصاعدة داخل الحزب تم تدبيرها مِن قِبَل النظام الحاكم في تشاد، كما اتهم وزير الإدارة الإقليمية، ورئيس المحكمة العليا، ورئيس المجلس الدستوري بالسعي لزعزعة استقرار الحزب من أجل مَنْعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة والمقرر عقدها في 6 مايو 2024م، وقد تصاعد هذا الخلاف عندما أعلن رئيس الحزب السابق ومؤسسه دينامو دارام يوم 18 فبراير 2024م أنه هو الرئيس الوحيد للحزب، مضيفًا بأنه اتخذ قرارًا بفصل يحيى ديلو من الحزب نهائيًّا.
ورجوعًا للرواية الحكومية نجد أن وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة التشادية عبدالرحمن غلام الله قد أدلى بتصريحات يوم 29 فبراير ليكشف عن حقيقة أحداث يومي 27 و28 فبراير 2024م أفاد خلالها بأنه عقب محاولة اغتيال رئيس المحكمة العليا يوم 19 فبراير أُجريت التحقيقات وأسفرت عن أن منفذ محاولة الاغتيال هو نائب الأمين العام للشؤون المالية بالحزب الاشتراكي بلا حدود “أحمد الترابي”، وذلك بتحريض من يحيى ديلو رئيس الحزب، وبناءً على ذلك فقد حاولت قوات الشرطة القبض على الترابي لكنه قاوم وأطلق النار عليهم، مما جعل الشرطة تتبادل إطلاق النار معه ليسقط جريحًا، ويتم نقله إلى مستشفى النهضة للعلاج، لكن يحيى ديلو رئيس الحزب وبعض أنصاره ذهبوا إلى المستشفى لمحاولة إخراجه منها بالقوة، مما جعل الشرطة تقوم بنقله إلى مبنى جهاز أمن الدولة.
وفي مساء هذا اليوم قام يحيى ديلو ومعه بعض أنصاره المدججين بالسلاح على متن 11 مركبة بالذهاب إلى مبنى جهاز أمن الدولة (ANSE)، وقاموا بمهاجمته بطريقة عنيفة لكي يُخرجوا زميلهم الترابي بالقوة، وحدث تبادل لإطلاق النار أسفر عن سقوط عدد من القتلى.
وفي صباح اليوم التالي استمرت التحقيقات وذهبت الشرطة في حوالي الساعة الثانية ظهرًا لاعتقال يحيى ديلو والعناصر المعاونة له، والذين كانوا موجودين في مقر الحزب بمنطقة كليمات بالعاصمة إنجامينا، وقد رفض يحيى ديلو ورجاله الاستسلام للشرطة، وقاموا بمواجهة رجال الشرطة بالأسلحة الثقيلة، مما جعل قوات الشرطة ترد على مقاومتهم، وهو ما أسفر عن سقوط 4 قتلى من قوات الشرطة، و3 قتلى من عناصر الحزب من بينهم يحيى ديلو رئيس الحزب، الذي أعلن وزير الإعلام أنه توفي متأثرًا بجراحه.
وأضاف وزير الإعلام أن الأمين المالي للحزب على قيد الحياة وبصحة جيدة، وفي عهدة المدعي العام، مؤكدًا عدم وجود نية لقتل يحيى ديلو، مضيفًا عن خضوع جميع المعتقلين للمحاسبة على أفعالهم أمام المحكمة، معلنًا عن استعادة الهدوء وممارسة المواطنين لأعمالهم بشكل طبيعي، وأنه لا ينبغي لأيّ تشاديّ مهما كان أصله أن يكون فوق القانون.
ب- رواية أنصار الحزب الاشتراكي بلا حدود:
تبدأ رواية الحزب الاشتراكي للأحداث من يحيى ديلو نفسه، والذي كان قد نشر عبر حسابه على منصة فيسبوك مساء 27 فبراير أن أجهزة الأمن قتلت أباكار الترابي بالرصاص، وأن الاتهامات الموجهة لشخص يحيى ديلو ليست إلا عملية مدبَّرة ومسرحية كاذبة مِن قِبَل الحكومة تستهدف استبعاده من الترشح للانتخابات الرئاسية، وسعيها إلى تصفيته جسديًّا وفقًا للتصريحات التي أدلى بها يحيى ديلو قبل اغتياله بيوم.
كما أفادت وسائل الإعلام أن عملية قتل الترابي تمت في منطقة سابانجالي في الدائرة الثالثة في إنجامينا العاصمة، مضيفة أن أجهزة الأمن بعدما قتلت الترابي أخذت جثته معها، وبناء على ذلك فقد ذهب مجموعة من أعضاء الحزب وبعض من أقارب وأسرة الترابي إلى مقر جهاز أمن الدولة لاستعادة جثة الترابي التي قيل: إنها ألقيت أمام المبنى، لكنهم فوجئوا بتعرُّضهم لكمين تم نصبه لهم مِن قِبَل الجنود، مما أسفر عن مقتل عدة أشخاص.
وفي اليوم التالي انتشرت الآليات العسكرية في المدينة، وحاصرت مقر الحزب الاشتراكي بلا حدود في منطقة كليمات؛ حيث كان يحيى ديلو أعلن عبر فيسبوك عن حصار أجهزة الأمن لمقر الحزب، كما قامت القوات بإطلاق نار مكثف على مبنى الحزب، وتم قطع الإنترنت عن البلاد، وهرع السكان إلى منازلهم، وتم إغلاق الطرق المؤدية إلى مبنى الحزب؛ حيث تم اقتحام مبنى الحزب وكسر الأبواب المصفحة التي كان يختبئ خلفها يحيى ديلو ورفاقه مِن قِبَل قوات الحرس الرئاسي، ليتم قتله برصاصة في الرأس عن قرب، حسبما تم الإعلان مِن قِبَل بعض مَن شاهدوا الجثة، وهو ما جعل أنصاره يعلنون عن كون عملية قتله حادثة اغتيال وتصفية جسدية مدبَّرة؛ لمنعه من خوض الانتخابات الرئاسية، مضيفين أن يحيى وأنصاره الذين كانوا في مقر الحزب لم يكونوا مسلحين، وفي الأول من مارس قامت الجرافات التابعة لأجهزة الأمن بهدم مبنى الحزب الاشتراكي بلا حدود، كما قيل: إن جثة يحيى ديلو تم نقلها إلى منزل تيمان إرديمي.
ثالثًا: أسباب ودوافع اغتيال يحيى ديلو:
توجد مجموعة من الأسباب الموضوعية التي يمكن أن تكون هي الدافع الحقيقي لقيام النظام التشادي الحاكم بإعطاء الضوء الأخضر للتخلص من يحيى ديلو تتمثل فيما يلي:
1- تصميم يحيى ديلو على الترشح للانتخابات الرئاسية ومنافسة محمد ديبي:
نظرًا لكون محمد ديبي يدرك الطموح السياسي القوي لدى يحيى ديلو، ورغبته في الترشح للرئاسة، وما قد يُشكّله ذلك الترشح من مخاطر على مستقبل محمد ديبي وبقائه في السلطة؛ فقد سارع بالتخلص من يحيى ديلو الذي أصبح بمثابة شوكة في حَلْقه، خاصةً بعد استمرار معارضته، مثلما كان معارضًا لأبيه إدريس ديبي الذي قُتِلَ عقب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في 2021م، وهو ما يزيد الضغط على محمد ديبي الذي تطالبه المعارضة التشادية بعدم الترشح للرئاسة، وترفض التعديلات الدستورية التي سمحت له بالترشح للانتخابات واصفةً تلك العملية بأنها عملية توريث تدعم بقاء السلالة الحاكمة في السلطة عن طريق استخدام القوة.
2- النظر إلى يحيى ديلو على كونه المعارض الحقيقي للنظام الحاكم:
حيث إنه بعد نجاح محمد ديبي في تحييد بعض خصومه السياسيين الذين كانوا قادة للمعارضة مثل صالح كيبزابو الذي تولى رئاسة الحكومة الانتقالية خلال الفترة من 12 أكتوبر 2022م حتى 31 ديسمبر 2024م، ليعقبه في رئاسة الحكومة منذ 1يناير 2024م المعارض الشرس لنظام ديبي سيكسي مسار رئيس حزب “المتحولون”، والذي عاد من المنفى بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تشاد بعد العفو عنه مِن قِبَل محمد ديبي، غير أن تحالفه مع ديبي البن وقبوله بمنصب رئيس الحكومة جعله محلاً للانتقاد مِن قِبَل أعضاء حزبه وأنصاره من المعارضة، مشككين في شخصه لقبوله مثل تلك الصفقة.
ومع تراجع دوره كزعيم للمعارضة؛ فقد بدء نجم يحيى ديلو في الصعود، والتفت حوله الجماهير بوصفه المعارض الوحيد والحقيقي والصادق في معارضته للنظام، ومع فشل محمد ديبي في استقطابه وتحييده مثلما فعل مع بعض زعماء المعارضة، فقد تم تبني فكرة الخلاص منه نهائيًّا فيما يبدو؛ منعًا لتصاعد شعبيته.
3- نجاح يحيى ديلو في استقطاب صالح ديبي للمعارضة:
نجح يحيى ديلو في استقطاب صالح ديبي إتنو الأخ الأصغر للرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، إلى عضوية الحزب الاشتراكي بلا حدود؛ وذلك في يوم 10 فبراير 2024م، وهي خطوة من الخطورة بمكان على محمد ديبي؛ وذلك لكونها تعبّر عن تصاعد معارضة عشيرته من الزغاوة لبقائه في السلطة، ويأتي انضمام صالح ديبي لحزب يحيى ديلو بعد إعلانه الانفصال عن الحزب الحاكم في تشاد؛ بسبب فشل الحزب في تحقيق أيّ تقدُّم كبير للبلاد على مدار ثلاثة عقود.
وقد سبقت هذه الخطوة بفصل صالح ديبي من وظيفته كمراقب عام للشرطة الوطنية، وحرمانه من حقوق التقاعد، وذلك بموجب مرسوم صادر في 5 يناير 2024م موقَّع مِن قِبَل محمد ديبي رئيس الفترة الانتقالية، ورئيس الوزراء، ووزير الأمن العام، واتهامه بارتكاب سوء سلوك خطير ضد الشرف وتشويه سمعة المهنة بعد قيامه بالحديث في تسجيل صوتي متداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي يشير فيه إلى اغتيال أخيه إدريس ديبي.
ومع انضمام صالح ديبي لحزب يحيى ديلو أصبح هناك تهديد حقيقي لسلطة محمد ديبي؛ وذلك لكون صالح ديبي شخصية ذات أهمية واحترام لدى الزغاوة، فضلاً عن التزامه بتمويل الحزب الاشتراكي بلا حدود خلال مرحلة الاستعداد للانتخابات، ولهذا كان تحالف صالح ديبي ويحيى ديلو خطرًا حقيقيًّا على محمد ديبي، ولذلك فقد تم اعتقال صالح ديبي في نفس يوم مقتل يحيى ديلو؛ حيث أعلن وزير الإعلام عن اعتقاله وتسليمه إلى المدعي العام لتتم محاكمته دون ذِكْر الاتهامات الموجَّهة له، مضيفًا أن حياته ليست في خطر، وأنه استسلم لقوات الأمن التي اعتقلته، ولو كان يحيى ديلو فعل نفس الأمر واستسلم لقوات الأمن كان سيحتفظ بحياته كذلك؛ لعدم وجود نية لقتله؛ على حد تصريحات وزير الإعلام عبدالرحمن غلام الله.
ويُذْكَر أن صالح ديبي يُعد من الشخصيات المهمة التي يمكن أن تكون قادرة على منافسة محمد ديبي في الانتخابات الرئاسية المقبلة مع احتمالات سعيه إلى مثل ذلك الأمر، وهو ما عجَّل باعتقاله أيضًا للخلاص من خطره خلال الانتخابات.
4- خوف محمد ديبي من تمكُّن يحيى ديلو من الحصول على دعم كامل من الزغاوة:
منذ اللحظات الأولى لتولي محمد ديبي للسلطة في تشاد عقب مقتل أبيه إدريس ديبي، توجد حالة من التشكيك في عدم شرعيته وعدم أحقية حصول محمد ديبي على هذا المنصب؛ وذلك نظرًا لأنه لا يُعد منتميًا إلى الزغاوة بصورة خالصة؛ لأن والدته تنتمي إلى مجموعة القرعان الإثنية، وكذلك زوجته الثالثة الحالية، والتي تحمل لقب السيدة الأولى واسمها “دهبايا عمر سوني” تنتمي أيضًا إلى مجموعة القرعان الإثنية، وتتولى منصب المستشارة الإعلامية للرئيس لزوجها.
وتُعد مجموعة القرعان هي المنافس الرئيسي للزغاوة على السلطة، بل إن التمرد الذي قُتل خلاله إدريس ديبي كانت مجموعة القرعان الإثنية هي الفاعل الأساسي فيه، ولهذا فهناك انقسام متصاعد بين مجموعة الزغاوة الإثنية حول مسألة تولي محمد ديبي للسلطة مستقبلاً، ولهذا فقد كان من المتوقع حدوث ترتيبات داخل مجموعة الزغاوة لتقديم الدعم إلى يحيى ديلو لمنافسة محمد ديبي وانتزاع السلطة منه؛ لكونه لا يحظى بالإجماع الكامل من الزغاوة، ولهذا فقد بادَر برعاية عملية التخلص من يحيى ديلو منعًا لحدوث مثل ذلك الأمر.
5- خوف محمد ديبي من حدوث دعم عسكري من داخل الجيش ليحيى ديلو:
نظرًا لكون المناصب المهمة في الجيش التشادي يهيمن عليها مجموعة الزغاوة الإثنية التي ينتمي إليها محمد ديبي، ويحيى ديلو؛ فقد خشي من حدوث دعم عسكري ليحيى ديلو مِن قِبَل بعض القيادات العسكرية التي ترفض بقائه في السلطة، خاصةً بعد اعتماده على إنشاء وحدات عسكرية جديدة موالية له لكي تحميه وتعزّز سلطته وهيمنته على الأجهزة الأمنية؛ لعدم ثقته في أجهزة الجيش التي فشلت في حماية والده من القتل في 2021م، ولهذا يبدو أنه كانت هناك هواجس لدى محمد ديبي جعلته يسارع بالتخلص من يحيى ديلو لمنع حدوث مثل تلك الأمور، خاصةً بعد عزله للعديد من الجنرالات الذين كانوا موالين لوالده، مع انتشار شائعات خلال الأسابيع الماضية عن حدوث محاولة انقلاب على محمد ديبي مِن قِبَل ضُبّاط كانوا مقربين سابقًا لوالده وحلفاء ليحيى ديلو وصالح ديبي.
6- سعي يحيى ديلو إلى توحيد قوى المعارضة:
منذ تولي يحيى ديلو رئاسة الحزب الاشتراكي بلا حدود، فقد سعى لتوحيد قوى المعارضة تحت راية ما يُعرَف باسم “اتحاد المعارضة ذات المصداقية” (FOC)، والتي كان لها تأثير مشهود خلال الفترة الماضية؛ حيث دعا يحيى ديلو بوصفه رئيس الاتحاد إلى مقاطعة استفتاء 17 ديسمبر 2023م، واستمر في التنسيق مع كافة أحزاب المعارضة لإخراج محمد ديبي من السلطة؛ منددًا طوال الوقت بالحكم العسكري في تشاد، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية فإن وجود يحيى ديلو في المشهد السياسي كان محلاً للقلق مِن قِبَل محمد ديبي؛ لكون ديلو أصبح قادرًا على جمع قوى المعارضة حوله وهو ما سيشكل خطرًا على محمد ديبي في حال توحُّد المعارضة على اختيار شخصية واحدة يمكنها منافسة محمد ديبي، وتتنزع منه السلطة، وهو يرفض حدوث مثل ذلك الأمر.
7- تقليل عدد معارضي محمد ديبي وتخويفهم من مصير يحيى ديلو:
حيث تُعد عملية اغتيال يحيى ديلو بمثابة رسالة ضمنية موجّهة إلى معارضي محمد ديبي لبثّ الرعب في نفوسهم وإخافتهم وإسكاتهم؛ حتى لا يواجهوا مصير يحيى ديلو، وبذلك يستطيع تأمين حصوله على الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة والبقاء في السلطة بكل سهولة دون وجود منافسين أقوياء له بعد تحييد سيكسي مسار، وقتل يحيى ديلو، واعتقال عمه صالح ديبي.
8- تراجع شعبية النظام الحاكم في تشاد وانتظار الخلاص منه:
حيث هناك نظرة شعبية رافضة لبقاء محمد ديبي في السلطة، والنظر له على أنه امتداد لحكم والده إدريس ديبي، والذي عجز عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعب التشادي، مع استمرار وتصاعد الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار الذي دفَع العديد من الأحزاب المعارضة وحركات المجتمع المدني تدعو للتظاهر ضده، فضلاً عن النظر إلى محمد ديبي على كونه أحد رجال فرنسا في المنطقة، والذي استفاد من دعم باريس للصعود إلى السلطة في الوقت الذي ينظر إلى حلفاء فرنسا في منطقة غرب ووسط إفريقيا على كونهم عملاء وسط تصاعد موجة العداء للوجود الفرنسي في القارة الإفريقية، ولهذا فإن شخصية مثل يحيى ديلو كان يمكن النظر إليها بمثابة المخلص من حكم أسرة ديبي والتي لا ينتظر الشعب التشادي منها خيرًا للوطن.
رابعًا: تداعيات عملية اغتيال يحيى ديلو:
أسفرت عملية اغتيال/قتل زعيم المعارضة التشادية يحيى ديلو عن مجموعة من التداعيات على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي يمكن عرضها فيما يلي:
أ- على المستوى الداخلي:
1-حكوميًّا:
وصفت الحكومة عملية مقتل يحيى ديلو بأنها تمت نتيجة لتبادل لإطلاق النار، دون وجود تعمُّد لقتل يحيى ديلو الذي رفض الاستسلام للشرطة ورفع السلاح في وجوههم، كما أعلن رئيس الحكومة الجديد سيكسي مسار عن حزنه للأحداث التي شهدتها تشاد في يومي 27, 28 فبراير، وتقديم خالص تعازيه. كما وعدت الحكومة بإجراء تحقيقات شفافة في الحادث، وتقديم جميع المتهمين إلى العدالة؛ استجابةً للمطالب الدولية المتعلقة بذلك الأمر، فضلاً عن قيامها بقطع الإنترنت عن البلاد، ونشر قوات الجيش والشرطة على الطرق الحيوية في العاصمة إنجامينا.
2-ومن جانب المعارضة المدنية والمسلحة:
وصفت العديد من أحزاب المعارضة مقتل المعارض يحيى ديلو بأنها عملية اغتيال تم التخطيط لها للخلاص من يحيى ديلو، كما تمت إدانة اعتقال عشرات الأشخاص المنتمين للحزب الاشتراكي بلا حدود، ونقلهم إلى سجن كوروتورر بعد تدمير مبنى الحزب بالجرافات الحكومية، ومن بين الأحزاب التي أدانت عملية القتل ووصفتها بأنها عملية اغتيال كلّ من حزب اتحاد الديمقراطيين من أجل التنمية والتقدم CNRD، بجانب جبهة الوفاق والتغيير FACT)) التشادية المسلحة التي قامت بالتمرد في 2021م، والتي أعلنت في بيان عن أن جريمة قتل يحيى ديلو الشنيعة لن تمر دون عقاب، وأن مرتكبيها سيُقدّمون إلى المحاكم عاجلاً أم آجلاً، معتبرةً أن قتله عملية اغتيال ممنهج؛ لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية، وأن اغتياله يأتي بعد اغتيال والدته بثلاث سنوات.
وجبهة الوفاق والتغيير كانت قد أعلنت عن حملها السلاح ضد الجيش التشادي والنظام الحاكم مجددًا في أغسطس 2023م بعد قتل وجرح بعض عناصرها خلال قصف استهدف معاقل الحركة على الحدود الليبية، ووعدت برد مؤلم للجيش التشادي؛ حيث ادعت أنه منفّذ الهجوم.
كما أشار حزب (URT) إلى أن يحيى ديلو لم يرتكب أيّ جرائم، وكان معارضًا بشكل ديمقراطي للمسار الخطير الذي يقوم به الحكم العسكري في تشاد، الذي يسعي لإسكات المعارضة السياسية، كما دعا العديد من المعارضين إلى ضرورة أن يكون هناك وقفة موحدة ضد محمد ديبي؛ لأن السماح بمرور هذه الحادثة دون مساءلة حقيقية سيسمح لمحمد ديبي بقتل جميع خصومه بسهولة فيما بعد، ويُذكر أيضًا أنه تم تنظيم مظاهرات أمام السفارة التشادية في باريس وفي كندا للتنديد بعملية اغتيال يحيى ديلو.
3-وبالنسبة للمجتمع المدني:
أعربت العديد من الجمعيات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني عن غضبها وإدانتها لعملية اغتيال يحيى ديلو، ومن بينها كلٌّ من: تجمع جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان (CADH)، ومركز قانون المصلحة العامة (PILC)، وجمعية حقوق الإنسان بلا حدود (DHSE)، والتحالف ضد الإفلات من العقاب (CCI)، وجمعية المرأة من أجل تنمية وثقافة السلام في تشاد (AFDCPT)، مطالبين بفتح تحقيق دولي مستقل ومحايد للكشف عن عملية الاغتيال السياسي ليحيى ديلو.
4- وفيما يخص موقف نقابة المحامين:
عقد مجلس نقابة المحامين في تشاد اجتماعًا عاجلاً في 2 مارس 2024م أعرب فيه عن سخطه من الأحداث الأخيرة، معربًا عن أسفه لفقدان الأرواح، منددًا بعدم الالتزام بقاعدة افتراض البراءة، مذكّرة السلطات الانتقالية باحترام القانون والخضوع له.
5- موقف الجنرال عثمان ديلو شقيق يحيى ديلو:
أشارت بعض التقارير إلى إعلان الجنرال عثمان ديلو شقيق المغدور يحيى ديلو عن تعازيه لأسرة الفقيد، داعيًا الحزب والمعارضة إلى مواصلة الكفاح، ويذكر أن الجنرال عثمان ديلو موجود بقواته الموالية له في منطقة دارفور السودانية، ويمكن أن يقوم بعمل تمرُّد عسكري ضد محمد ديبي وذلك للأخذ بثأر أخيه يحيى ديلو.
ب- على المستوى الإقليمي والدولي:
1- إقليميًّا:
قدّم موسى فكي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي تعازيه لعائلة يحيى ديلو وأنصاره، واصفًا الوفاة بالمأساوية، والتي تستحق الألم العميق، كما دعا بعض الزعماء الإقليميين إلى تهدئة الأوضاع في البلاد والتركيز على العملية الانتخابية المقبلة
2- دوليًّا:
دعت الأمم المتحدة إلى الهدوء والاستعداد للانتخابات المقبلة، كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق من الأحداث التي شهدتها تشاد إزاء أعمال العنف الأخيرة، ودعا إلى كشف الحقائق وتحديد المسؤولين عنها بطريقة موثوقة ومستقلة، ومن جانبها فقد دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية إلى إجراء تحقيق مستقل ومدعوم من الخارج للكشف عن حقيقة مقتل المعارض يحيى ديلو، معلنةً عن وجود مخاوف جدية بشأن بيئة الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفيما يتعلق بموقف فرنسا فيبدو أنها مستفيدة من الأحداث الجارية في تشاد، والتي يعد النظام الحاكم فيها بقيادة محمد ديبي حليفًا وثيقًا لفرنسا في المنطقة وسط تراجع النفوذ الفرنسي في منطقة وسط وغرب إفريقيا، لذلك تود البقاء على محمد ديبي في السلطة، كما يمكنها أن تَستخدم عملية اغتيال يحيى ديلو كورقة ضغط ضد محمد ديبي إذا ما قرر السير بعيدًا عن فلك باريس.
خامسًا: السيناريوهات المستقبلية للانتخابات الرئاسية والمشهد السياسي في تشاد:
من خلال قراءتنا للتفاعلات السياسية في تشاد، فإن السيناريوهات المستقبلية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية في تشاد تتمثل فيما يلي:
السيناريو الأول:
إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر في 6 مايو المقبل، والتي أعلن محمد ديبي رئيس المرحلة الانتقالية عن الترشح لها رسميًّا يوم السبت الماضي 2 مارس 2024م، مدعومًا من الحزب الحاكم وتحالف من أجل تشاد موحدة، والذي يضم نحو 221 حزبًا سياسيًّا، مع عدم وجود شخصية سياسية معارضة لها ثقل سياسي يمكنها منافسته بعد اغتيال يحيى ديلو، واعتقال عمه صالح ديبي، مع خوف العديد من قيادات المعارضة من القمع والبطش السياسي للنظام الذي اضطرهم إلى الفرار إلى المنفى خارج البلاد، مع خوف المعارضين في الداخل من تعرُّضهم لمصير يحيى ديلو، وبالتالي سيكون محمد ديبي ضامنًا للفوز في الانتخابات المقبلة بلا منافس قويّ لتصبح الانتخابات بمثابة عملية شكلية لمدينة السلطة فقط
السيناريو الثاني:
ظهور منافس قويّ لمحمد ديبي في الانتخابات يستطيع أن يجمع المعارضة حوله، ويتم دعمه مِن قِبَل عشيرة الزغاوة التي تأثَّرت بالأحداث الأخيرة، ولم تَعُد راضية بتصرفات محمد ديبي، وبالتالي تدعم منافسًا قويًّا ضد محمد ديبي، قد يكون أحد رؤساء أحزاب المعارضة كالرئيس الأول للحزب الاشتراكي بلا حدود دينامو دارام، أو رئيس الوزراء الحالي سيكسي مسار رئيس حزب “المتحولون”، وهو معارض تاريخي لحكم أسرة ديبي رغم قبوله مؤخرًا بتولّي منصب رئيس الحكومة، لكن توجد أحاديث عن وجود رغبة لديه في الترشح للرئاسة ومنافسة محمد ديبي، كما أنه في حالة الإفراج عن صالح ديبي، يمكن أن يتمكن من الترشح للانتخابات؛ إذا ما سمح له النظام بذلك.
وعلى كلّ فإن هذا السيناريو لن يسمح محمد ديبي بنجاحه؛ حيث إنه من غير المتصور أن يترك السلطة عن طريق الخسارة في صندوق الانتخابات؛ لأن الفرضية الأقرب التي تتفق مع الواقع السياسي في تشاد يتم: ترك السلطة من خلال التمرد المسلح فقط، وعبر الإجبار بالقوة على تركها.
السيناريو الثالث:
حدوث تمرد مسلح مِن قِبَل جبهة الوفاق والتغيير (FACT) وزحفها من ليبيا إلى العاصمة التشادية إنجامينا ومحاولتها منع العملية الانتخابية بالقوة، مستغلة انشغال قوات الأمن بتأمين الانتخابات، ومن ثم ستعيد نفس المشهد المتعلق بانتخابات 2021م، والذي أسفر عن قتل الرئيس الراحل إدريس ديبي أثناء مكافحة التمرد؛ حيث يمكن نجاح التمرُّد والتخلُّص من محمد ديبي، كما يمكن أيضًا أن يقوم الجنرال عثمان ديلو شقيق المغدور يحيى ديلو بتمرد مسلح قادمًا من الأراضي السودانية؛ للأخذ بثأر أخيه، ولا يُستبعد حدوث تحالف مشترك بين جبهة الوفاق والتغيير وقوات الجنرال عثمان ديلو لعمل تمرد وزحف مشترك ضد محمد ديبي، قد يتم دعمه مِن قِبَل الجماعات المسلحة الأخرى الموجودة في إفريقيا الوسطي، والتي ترغب في إسقاط نظام محمد ديبي، وبجانب ذلك قد يعود زعيم التمرد السابق تيمان إرديمي إلى المعارضة ويشارك في التمرد، خاصةً بعد استلامه جثة يحيى ديلو وتجهيزها في منزله، وهو ما يحمل دلالة رمزية عن عدم رضاه عن عملية اغتيال يحيى ديلو، رغم تحالف تيمان إرديمي حاليًّا مع نظام محمد ديبي وقبوله بمنصب وزير في الحكومة.
السيناريو الرابع:
حدوث انقلاب عسكري يطيح بمحمد ديبي، مدعومًا من زعماء وقادة الزغاوة في الجيش، وذلك بعد تصاعد الرغبة في الانتقام من محمد ديبي ، والسعي لتنحيته عن الحكم مِن قِبَل جزء كبير من الزغاوة، حيث إن مسألة بقائه في السلطة أصبحت تُهدِّد مستقبل بقاء العشيرة الحاكمة كلها في السلطة، ولهذا يمكن التضحية به من خلال عملية انقلاب عسكري أو حتى عملية اغتيال مدبر تمنعه من البقاء على رأس السلطة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات والهوامش:
(1)-“The deadly ambition of Yaya Dillo, Chad’s staunchest opponent “، at، https://apanews.net/the-deadly-ambition-of-yaya-dillo-chads-staunchest-opponent/، 1/3/2024 .
(2)- TORBO SOULYEMANE ;” Tchad: Yaya Dillo Djerou Betchi, toute une vie pour la lute “، at، https://lendjampost.com/tchad-yaya-dillo-djerou-betchi-toute-une-vie-pour-la-lutte/، 1/3/2024 .
(3)-“Many killed as attack targets Chadian intelligence”، at، https://apanews.net/many-killed-in-attack-on-chads-intelligence-services/، 28/2/2024 .
(4)-” Tchad: qui était l’opposant Yaya Dillo Djerou, tué par les forces de sécurité ?”، at، https://www.france24.com/fr/afrique/20240301-tchad-qui-%C3%A9tait-l-opposant-yaya-dillo-tu%C3%A9-par-les-forces-de-s%C3%A9curit%C3%A9، 1/3/2024 .
(5)-” Au Tchad, « plusieurs morts » dans une attaque contre une agence des services de renseignement”، at، https://www.lemonde.fr/afrique/article/2024/02/28/au-tchad-plusieurs-morts-dans-une-attaque-contre-une-agence-des-services-de-renseignement_6219004_3212.html، 28/2/2024 .
(6)- ” Chad opposition leader killed in foiled state attack”، at، https://www.monitor.co.ug/uganda/news/-top-chadian-opposition-leader-killed-in-clashes-with-forces-4540578، 29/2/2024 .
(7)- David Lewis ; ” Yaya Dillo: What does killing mean for Chad and its ruling elite?”، at، https://www.reuters.com/world/africa/killing-chad-exposes-divisions-within-ruling-elite-2024-03-01/، 1/3/2024 .
(8)-” Chad fighting: Heavy gunfire in N’Djamena after attack on security HQ “، at، https://www.bbc.com/news/world-africa-68424115، 29/2/2024 .
(9)-” Tchad: Yaya Dillo ou l’ambition mortelle “، at، https://fr.apanews.net/ouest/tchad-yaya-diallo-ou-lambition-mortelle، 29/2/2024 .
(10)- ” Tchad: Saleh Deby Itno révoqué du corps de la police pour “manquement professionnel grave”، at، https://www.alwihdainfo.com/Tchad-Saleh-Deby-Itno-revoque-du-corps-de-la-police-pour-manquement-professionnel-grave_a130541.html، 1/3/2024 .
(11)- ” Tchad: plusieurs morts dans une attaque contre une agence des services de renseignement”، at، https://www.francetvinfo.fr/monde/afrique/tchad/tchad-plusieurs-morts-dans-une-attaque-contre-une-agence-des-services-de-renseignement_6393463.html، 28/2/2024 .
(12)-” Human Rights Watch Urges Investigation of Chadian Opposition Figure”، at، https://www.voaafrica.com/a/human-rights-watch-urges-investigation-of-chadian-opposition-figure/7511629.html، 3/3/2024 .
(13)- DALIAM GÉRARD ; ” Tchad: Moussa Faki Mahamat présente ses condoléances à la famille de Yaya Dillo”، at، https://lendjampost.com/tchad-moussa-faki-mahamat-presente-ses-condoleances-a-la-famille-de-yaya-dillo/، 29/2/2024.
(14)-” Chad’s transitional leader Déby confirms candidacy for May 6 presidential vote”، at، https://www.france24.com/en/africa/20240302-chad-s-transitional-leader-d%C3%A9by-announces-candidature-for-may-6-presidential-vote، 2/3/2024 .
(15)- ” Chad’s interim leader Deby confirms plan to run for president “، at، https://www.rfi.fr/en/africa/20240302-chad-s-interim-leader-deby-confirms-plan-to-run-for-president، 2/3/2024 .