مقدمة:
أطلقت شركة White shield، وهي شركة استشارية للسياسات العامة والإستراتيجيات، النسخة الأولى من مؤشر مرونة التجارة العالمية Global Trade Resilience Index(GTRI) للعام 2023، الذي يسلط الضوء على الاقتصادات الأكثر مرونة في مواجهة صدمات التجارة الخارجية مثل؛ النزاعات الجيوسياسية، والاختناقات التجارية، والحروب والأوبئة.
يوفّر المؤشر رؤًى لبناء المؤسسات، واعتماد السياسات التي من شأنها أن تعمل على تخفيف تأثير أيّ صدمة على التجارة، وضمان مسار متواصل نحو النمو المستدام.
وتُعدّ الصراعات بمثابة تذكير صارخ بالمخاطر الجيوسياسية التي يمكن أن تُؤثِّر على التجارة العالمية، مما يزيد من أهمية قيام الدول بتعزيز مرونتها التجارية في هذه الأوقات المضطربة. ويركّز هذا التقرير على تحديد وقياس مُحرّكات مرونة التجارة التي تؤثر على التدفق السلس للتجارة داخل الحدود وعبرها.
ولا يقيس المؤشر المخاطر التجارية التي تتعرَّض لها الدول فحسب، بل يسهم أيضًا في تحديد مجالات التدخلات المستهدفة للتخفيف من هذه المخاطر؛ من خلال معالجة الركائز الفرعية والمؤشرات ذات الأداء الضعيف.
وإن فهم هذه الجوانب أمر بالغ الأهمية لصانعي السياسات والشركات؛ لتطوير وتنفيذ التدابير الإستراتيجية التي تُعزّز مرونة التجارة، وبالتالي الإسهام في الاستقرار والازدهار الشامل للاقتصاد العالمي.
ومن هنا استهدفت الدراسة القراءة التحليلية لمؤشر مرونة التجارة العالمية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2023م من خلال المحاور التالية:
-المحور الأول: مؤشر مرونة التجارة العالمية.. اللبنة الأولى والمنهجية.
-المحور الثاني: قراءة في مؤشر مرونة التجارة العالمية على مستوى العالم.
-المحور الثالث: تحليل تطوّر مؤشر مرونة التجارة العالمية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2023م.
-خاتمة.
المحور الأول:
مؤشر مرونة التجارة العالمية:
اللبنة الأولى والمنهجية:
المؤشر هو مبادرة تم تمويلها وتطويرها مِن قِبَل White shield، وهي شركة استشارية للسياسة العامة والإستراتيجيات نشأت من مجتمعات جامعة هارفارد ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. قامت الشركة بتطوير مؤشر مرونة التجارة العالمية؛ لدعم البلدان في جهودها الرامية إلى تعزيز تكاملها التجاري، وفي الوقت نفسه تقليل تأثير الصدمات على اقتصاداتها([1]).
تم إطلاق المؤشر على هامش مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغير المناخ (COP28)، استجابةً للحاجة المتزايدة لقادة الدول والهيئات الحكومية؛ لفهم كيفية تأثير التجارة والسياسات التكميلية، فضلاً عن أحداث البجعة السوداء، على التدفقات التجارية والتنمية الاقتصادية. ويغطي المؤشر ما يقل قليلًا عن 140 اقتصادًا.
حيث أظهرت أزمات مثل الأزمة المالية العالمية 2007-2009م، وجائحة كوفيد-19 في عام 2020م، والصراعات العسكرية الأخيرة والتوترات المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، بشكل كبير ما يمكن أن يحدث عندما تصبح المخاطر حقيقة واقعة، ويتم اختبار القدرة على الصمود. وإنّ فهم وتوقع طبيعة هذه الصدمات وغيرها، وكيفية تأثيرها على البلدان على مستويات مختلفة من التنمية الاقتصادية، وبناء المؤسسات والأُطر السياسية المناسبة للتكامل التجاري، أمر أساسي لتحقيق النمو المستدام.
ويُعدّ المؤشر مقياسًا شاملاً وكليًّا يلتقط مستوى مرونة التجارة في أيّ بلد. ويعتمد على مجموعة غنية من البيانات مكونة من 58 مؤشرًا، تم تقدير 16 منها بناءً على البيانات التجارية، و42 من مصادر عامة دولية، وهو ما يتجاوز المقاييس التقليدية للتنويع والتكامل الاقتصادي. وتتراوح درجات المؤشر بين 0 و100.
وعلى وجه التحديد، يتضمن النهج الذي نتبعه أساليب مبتكرة متجذرة في نظرية الشبكة، ويتضمن عمليات محاكاة للصدمات التجارية، وتتبع تأثيرها المحتمل على التدفقات التجارية.
ويسلط المؤشر الضوء على القدرة الإجمالية لأيّ بلد على تحمُّل الصدمات التجارية والتعافي منها. وهو يرتكز على بُعْدَيْن: القدرة الاستيعابية، والقدرة على التعافي.
شكل (1) المكونات الرئيسية لمؤشر مرونة التجارة العالمية
المصدر: الباحث من https://whiteshield.com/wp-content/uploads/2023/12/ws_gtri_report.pdf
أولاً: القدرة الاستيعابية
تعكس القدرة الاستيعابية “قدرة الدولة على استيعاب التأثيرات الأولية للصدمة، والحفاظ على مستوى معين من الاستقرار في الأنشطة التجارية في أعقابها مباشرة. ويشمل ذلك قدرة البلد على إدارة التغيرات المفاجئة في الطلب أو العرض، والتكيف مع القيود التجارية الجديدة، وتقليل الاضطرابات في الخدمات الأساسية. ولذلك، فإن القدرة الاستيعابية لدولةٍ ما تسمح بتقدير عمق الصدمة التجارية المحتملة. ويتم تمثيل هذا البُعْد من خلال ركيزة “مرونة الشبكة“. وتشكل هذا البعد 50% من درجة المؤشر.
وتمثل ركيزة مرونة الشبكة حداثة في تحليل التجارة العالمية، والتي تكمن في تطبيق نظرية الشبكة لتقدير مرونة البلدان في شبكات المنتجات. وفي إطار هذا النهج، يتم فحص الصادرات والواردات لكل مُنتَج؛ من خلال تطبيق المقاييس القائمة على نظرية الرسم البياني للمركزية والتجميع، فضلًا عن تدابير التنويع. ويتم استكمال هذه المقاييس بمؤشر قائم على البيانات التجارية للتعقيد الاقتصادي. وضمن هذه الركيزة، يتم دراسة ثلاثة جوانب لمرونة الشبكة: الأهمية والتنوع والمتانة.
حيث تعكس مؤشرات الأهمية؛ القوة السوقية الحالية لبلدٍ ما في الشبكات التجارية؛ بناءً على الأساس المنطقي القائل بأن “البلدان التي تتمتع بقوة سوقية كبيرة تجتذب شركاء تجاريين أقوياء، وتمارس نفوذها على الشبكة العالمية، ويمكن أن تؤثر على ديناميكيات التجارة العالمية”.
وتقوم مؤشرات التنويع بتقييم التنوع في المحافظ التجارية عبر المنتجات والشركاء التجاريين، حيث إن وضع كلّ البيض في سلَّة واحدة قد يكون محفوفًا بالمخاطر. وفي الواقع، يعكس التنويع الفرصة لإعادة توجيه التدفقات التجارية الحالية نحو منتجات أخرى أو شركاء تجاريين آخرين في حالة الصدمات.
وتقدر مؤشرات المتانة بشكل واضح مدى حساسية البلدان تجاه اضطرابات الشبكات التجارية المحاكية مثل انسداد طرق التجارة الرئيسية أو الشركاء التجاريين.
ثانيًا: القدرة على التعافي
تشير قدرة التعافي إلى “قدرة الدولة على العودة إلى مستويات النشاط التجاري العادية على المدى القصير إلى المتوسط بعد حدوث الصدمة. وينطوي ذلك على القدرة على إعادة بناء سلاسل التوريد، واستعادة العلاقات التجارية، واستعادة الناتج الاقتصادي. ويتم تغطية هذا البعد من خلال ركائز “المرونة المؤسسية” و”المرونة التشغيلية“. ويشكل هذا البُعْد -متمثلاً في هاتين الركيزتين- 50% من درجة المؤشر.
وتتناول ركيزة المرونة المؤسسية العوامل التي تدعم أو تعيق التعافي من الصدمات التجارية وتلعب دورًا حاسمًا في مساعدة البلدان على العودة بأسرع ما يمكن إلى مسار التجارة قبل الصدمة. وهو يجمع بين مستويات التكامل التجاري بين البلدان، وبيئة التنظيم والحوكمة والأعمال، فضلاً عن أداء اقتصادها الكلي. وقد تم تنظيمه كمؤشر مُركّب يعتمد على بيانات من المصادر الدولية المتاحة للجمهور.
وتمثل ركيزة المرونة التشغيلية الجانب الملموس على أرض الواقع من التجارة. وهذه ركيزة مركبة تجسّد قدرة وجودة نظام دعم التجارة التشغيلي؛ من خلال فحص البنية التحتية والقدرة اللوجستية والجودة، فضلاً عن الكفاءة التشغيلية للجمارك.
المحور الثاني
قراءة في مؤشر مرونة التجارة العالمية على مستوى العالم
يتم نشر هذا التقرير في وقتٍ أدَّت فيه الاضطرابات الشديدة في الأسواق العالمية إلى تقويض مرونة التجارة وكشف نقاط الضعف في أمن توريد العديد من المواد الخام. تلك المواد ضرورية للانتقال إلى اقتصاد محايد مناخيًّا، والتحول الرقمي، وتصنيع التقنيات.
وفي الوقت الذي تقود فيه هذه التحولات الجارية ثورة صناعية على نطاق وسرعة غير مسبوقين، فإنها تعني أيضًا أن الطلب على بعض المواد الخام الصناعية المهمة سوف يتضاعف بحلول عام 2040م. على سبيل المثال، قدّرت وكالة الطاقة الدولية أن توسيع نطاق التكنولوجيات الخضراء اللازمة لتحقيق أهداف اتفاق باريس من شأنه أن يزيد الطلب العالمي على الليثيوم 42 مرة بين عامي 2020 و2040 و25 مرة للجرافيت، 21 مرة للكوبالت والمغنيسيوم، 19 مرة للنيكل، 7 مرات للمعادن الأرضية النادرة، 3.5 مرة للبورات. ومن ناحية العرض، يتركز الكثير هذه المواد الخام الحيوية في عدد قليل من البلدان، معظمها من البلدان النامية التي ترى في احتمالات زيادة الطلب على هذه المواد فرصة لتطوير صناعاتها التجهيزية.
والبلدان المتقدمة التي تفتقر إلى المعروض من هذه المواد تعتبر مثل هذا “الاعتماد الإستراتيجي” مضرًّا بأمن إمداداتها، وتعتمد إستراتيجيات “الفصل” أو “إزالة المخاطر”. “decoupling” or “de-risking” strategies.
لقد أهدرت كلتا المجموعتين حتى الآن فرصة إيجاد حلول تعاونية مفيدة للطرفين لتطوير أسواق أكثر كثافة وأكثر تنافسية لهذه المواد. والأسوأ من ذلك هو أنه تم إدخال تدخلات تمييزية في مجال التجارة والاستثمار والسياسة القطاعية المتبادلة، وهي تقوّض أمن سلاسل التوريد وهدف الانتقال إلى بيئة عالمية أكثر استدامة.
وتُظهِر نتائج المؤشر؛ أن قدرات البلدان على استيعاب الصدمات والتعافي منها مترابطة بقوة وتعزز بعضها بعضًا. ويتطلب تحقيق المرونة التجارية الشاملة اتباع نهج متوازن يأخذ في الاعتبار جميع العوامل التي تؤثر، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الشبكات التجارية والقدرات المؤسسية والتشغيلية المحلية. تم اختبار نتائج المؤشر في مواجهة صدمة كوفيد-19، وأثبتت أهميتها إحصائيًّا في التنبؤ بتأثير الصدمة على تجارة البلدان وكذلك سرعة تعافيها. كما تبين أن هناك علاقة قوية بين مؤشر ومستوى التنمية الاقتصادية في البلدان، مما يسلّط الضوء على العلاقة الإيجابية بين مرونة التجارة والنمو. ومن المهم في السياق الحالي أن تلعب المؤسسات التجارية القوية وتدابير تيسير التجارة دورًا حاسمًا في مساعدة البلدان على التعافي بشكل أسرع من الصدمات التجارية.
وتتصدر ألمانيا، ثالث أكبر مُصدِّر في العالم، المؤشر بناءً على شبكاتها التجارية القوية والتجارة المتنوعة للغاية؛ سواء من حيث المنتجات أو الشركاء التجاريين. وتحتل هولندا المجاورة، سادس أكبر دولة تجارية في العالم، المرتبة الثانية بسبب روابطها القوية مع أوروبا وبقية العالم، وأنظمة النقل والإمداد المتقدمة، وبيئتها الصديقة للأعمال. وتحتل الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، المركز الثالث في الترتيب، مع احتلال فرنسا واليابان والمملكة المتحدة وإيطاليا وسنغافورة والصين وبلجيكا المراكز العشرة الأولى.
وتحتل العديد من البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، بما في ذلك الصين وماليزيا وتايلاند، مرتبة عالية في المؤشر بسبب روابطها القوية مع مراكز التجارة العالمية. وتحتل الصين المرتبة التاسعة، وهي الدولة الوحيدة ذات الدخل المتوسط الأعلى في قائمة العشرة الأوائل. وتحتل الصين، الدولة المُصدّرة الأولى في العالم، والتي تتمتع بأكبر قدرة جمركية، درجات عالية في الشبكة والمرونة التشغيلية. ومع ذلك، تتخلف عن الدول الأخرى ذات الأداء الأفضل، خاصة فيما يتعلق بمرونتها المؤسسية، بسبب سياساتها المشوهة للتجارة الحدودية وانخفاض حماية الخصوصية.
وتقع البلدان التي تتمتع بأدنى درجات المرونة التجارية في المقام الأول في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب آسيا، وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وهي متخلّفة في جميع أبعاد المؤشر.
وغالبًا ما تظهر الدول غير الساحلية تصنيفات منخفضة بشكل ملحوظ في مؤشر مرونة التجارة العالمية بسبب ارتفاع تكاليف العبور نسبيًّا، وانخفاض مستويات التكامل التجاري. ومن المثير للاهتمام أنه كلما ارتفع حجم تجارة أي دولة -سواء من حيث القيمة المطلقة أو نسبة إلى مساهمة التجارة في دخلها الوطني- ارتفعت درجاتها في مؤشر التجارة العالمية.
كما أثبتت الدول التجارية الصغيرة قدرتها على التطور والحفاظ على أُطُر مؤسسية فعّالة. وفي الوقت الذي تُعد مراكز التجارة العالمية جميعها من بين البلدان العشرة الأولى من حيث المرونة التشغيلية.
وتميل البلدان التي تتاجر بالمنتجات البسيطة مثل الحيوانات والخضراوات والمنسوجات والأخشاب والمعادن الأساسية والأحجار إلى أن تكون أقل تنوعًا وأقل قوةً مقارنةً بالبلدان التي تتاجر في السلع المعقدة التي تتطلب أبحاثًا مكثَّفة مثل المواد الكيميائية والأدوية. وبالتالي، فإن التجارة في المنتجات الزراعية والنسيجية البسيطة تؤدي إلى انخفاض درجات الأهمية والتنوع والقوة في التجارة العالمية.
يشهد الاقتصاد العالمي تجزئة جيوسياسية مدفوعة بالسياسات وتحديات جيواقتصادية. تتزايد التوترات التجارية، وتتسبّب، إلى جانب الصراعات العسكرية، في حدوث اضطرابات هائلة في التدفقات المالية والغذاء والمواد الخام والطاقة في جميع أنحاء العالم. وقد زادت القيود الجديدة على السلع والخدمات والاستثمار في عام 2022م بنسبة 14% عن العام السابق، لتصل إلى أكثر من 2600.
قد يكون التفتت مكلفًا للاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، وفقًا لمنظمة التجارة العالمية، فإن انقسام الاقتصاد العالمي إلى كتلتين تجاريتين منفصلتين؛ واحدة متحالفة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والأخرى متحالفة مع الصين وروسيا، من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 5%. وتحدد مراجعة صندوق النقد الدولي لدراسات النمذجة الاقتصادية الأخيرة الخسائر الناجمة عن هذا التشرذم ما بين 0.2% و7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي حين أن أساليب “المساندة القريبة” أو “دعم الأصدقاء” من الممكن أن تعمل على زيادة القدرة على الصمود في مواجهة المخاطر الجيوسياسية في الأمد القريب؛ إلا أنها تجعل البلدان أقل قدرة على الصمود في مواجهة أنواع أخرى من الصدمات مثل جائحة كوفيد-19 الأخيرة.
ويظل التعاون متعدد الأطراف، وليس التشرذم، هو النهج الأفضل لإحراز التقدم نحو الأهداف المشتركة. في عالم تهيمن عليه التجارة في المدخلات الوسيطة، لا يُعدّ التشرذم خيارًا قابلاً للتطبيق خاصةً عند النظر في العرض الجغرافي المكاني للمواد الخام المهمة التي تُعدّ مكونات أساسية للتحول الأخضر. وإن تعزيز النظام التجاري متعدد الأطراف المنفتح يشكل جزءًا لا غِنَى عنه من الحل لتحقيق تحوّل شامل ومنخفض الكربون.
والواقع أن التجارة تشكل جزءًا أساسيًّا من النشاط الاقتصادي في كل مكان في العالم ومحركًا رئيسيًّا للكفاءة والنمو. إلا أنها أيضًا تعمل على نشر الصدمات، بدءًا من العرض وتؤدي الاضطرابات المتسلسلة والتوترات السياسية والكوارث الطبيعية وغيرها من الصدمات غير المتوقعة.
المحور الثالث
تحليل تطور مؤشر مرونة التجارة العالمية
في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2023
ونتناول في السياق التالي: تحليل المؤشر العام، ثم تحليل الأبعاد الرئيسة.
أولاً: تحليل مؤشر مرونة التجارة العالمية على مستوى المؤشر العام
بحساب متوسط المؤشر على مستوى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، والمتوسط العالمي، والقيام بنفس الشيء على أبعاده الرئيسية، ومؤشراته الفرعية وفقًا للشكل (2) نجد أن بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ممثلة في 27 دولة ذكرها التقرير، حققت ما متوسطه (32.06) درجة على مقياس المؤشر المكون من 100 درجة، مقارنةً بالمتوسط العالمي (136) البالغ (49.96) درجة.
وجاءت درجة مؤشر مرونة الشبكة في المنطقة (34.08) مقارنة بـ(50.20) عالميًّا. أما مؤشر المرونة المؤسسية فقد سجّل (28.60) بالمنطقة، مقارنةً بـ(48.33) عالميًّا. وأخيرًا سجّلت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء (31.52) درجة في مؤشر المرونة التشغيلية، مقارنةً بالدرجة العالمية (51.11).
شكل (2) مؤشر مرونة التجارة ومكوناته الرئيسية في المنطقة مقارنة بالعالم
الرسم: عن طريق الباحث من بيانات جدول (1)
وقد قسم التقرير العالم إلى ثماني مناطق؛ جاءت أمريكا الشمالية في المرتبة الأولى محققة 65.6 درجة على مقياس المؤشر، بينما جاءت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء في المرتبة الأخيرة. وفقًا للشكل (3).
شكل (3) مؤشر مرونة التجارة في مناطق العالم الثماني
المصدر: رسم الباحث من: https://www.consultancy-me.com/news/7454/whiteshield-launches-global-trade-resilience-index
وعلى المستوى القُطري ووفقًا للجدول (1) على مستوى المؤشر العام، نجد تصدُّر بلدان جنوب إفريقيا (60.4)، وموريشيوس (48.6)، وبتسوانا (43.5)، والسنغال (42.5) وكينيا (41.1)؛ المراكز الخمسة الأولى في المنطقة. محتلةً المراكز (45)، و(69)، و(83)، و(87)، و(91) عالميًّا على التوالي. بينما جنوب إفريقيا فقط تتخطَّى المتوسط العالمي بمراحل. واحتلت ليسوتو بدرجات (18.7)، وجزر القمر (20)، الكونغو الديمقراطي (20.3)، وزيمبابوي (20.5)، وبوركينا فاسو (22)، المراتب الخمسة الأخيرة في المنطقة، محتلة المراتب (136)، و(135)، و(134)، و(132)، و(131) عالميًّا، وهي المراكز الأخيرة على مستوى العالم.
جدول (1) مؤشر مرونة التجارة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء عام 2023م
المصدر: https://whiteshield.com/wp-content/uploads/2023/12/ws_gtri_report.pdf
ثانيًا: تحليل الأبعاد الرئيسية للمؤشر
مؤشر مرونة الشبكة
سجَّلت جنوب إفريقيا ونيجيريا وموريشيوس والسنغال وإثيوبيا المراكز الخمسة الأولى في المنطقة بدرجات (61.6)، و(49.10)، و(46.7)، و(46.1)، و(44.7) على التوالي في مؤشر مرونة الشبكة؛ المعبّر عن القدرة الاستيعابية محقّقة المراكز؛ 39، و67، و75، و78، و83 عالميًّا. وفقًا للشكل (4). في حين جاءت ليسوتو (6.3)، وزيمبابوي (17.10)، وغامبيا (21.6)، والكونغو الديمقراطي (22.9)، وجزر القمر (24) في المراكز الأخيرة إقليميًّا، وفي المراتب 136، و133، و130، و127، و125 في زيل الترتيب العالمي.
شكل (4) مرونة الشبكة
المصدر: الباحث من بيانات الجدول(1)
مؤشر المرونة المؤسسية
جاءت موريشيوس وجنوب إفريقيا وبتسوانا وناميبيا والسنغال في المراكز الخمسة الأولى إقليميًّا و(53)، و(58)، و(59)، و(86)، و(104) عالميًّا بدرجات؛ 52.4، و49.4، و41.8، 34.7 على التوالي. وتذيلت بوروندي والكونغو الديمقراطية، وملاوي، وزيمبابوي، وإثيوبيا المراكز الخمسة الأخيرة إقليميًّا بدرجات؛ 10.5، و16.10، و20.8، و21.20، و21.7. وبترتيب عالمي 136، و135، و134، و132، و131. على التوالي، وفقا للشكل (5).
شكل (5) المرونة المؤسسية
المصدر: الباحث من بيانات الجدول (1)
المرونة التشغيلية
يظهر الشكل (6) أن جنوب إفريقيا (69.2)، وبتسوانا (50.5)، وموريشيوس (48.8)، وكينيا (46.3)، والسنغال (43.4)؛ جاءت في المراكز الخمسة الأولى إقليميًّا. وفي المراكز: 33، و71، و72، و75، و79 عالميًّا.
في الوقت الذي احتلت فيه مدغشقر (5.9)، وبورندي (9)، وبوركينا فاسو (16.6)، والكونغو الديمقراطي (19.3)، وغامبيا (21.5). المراكز الأخيرة إقليميًّا و136، و134، و131، و127، و125 عالميًّا.
شكل (6) المرونة التشغيلية
المصدر: الباحث من بيانات الجدول(1)
خاتمة:
لقد كشف وباء كورونا، الذي كان بمثابة حافز للتغيير، عن نقاط القوة والضعف في شبكة التجارة العالمية، مما يدل على ضرورة قيام البلدان ليس فقط بحماية علاقاتها التجارية، ولكن أيضًا بتعزيز قدرتها على التكيف بسرعة مع الاضطرابات. وإن فهم وتوقُّع طبيعة هذه الصدمات وغيرها، وكيفية تأثيرها على البلدان على مستويات مختلفة من التنمية الاقتصادية، وبناء المؤسسات والأُطر السياسية المناسبة للتكامل التجاري، أمر أساسي لتحقيق النمو المستدام.
وقد قبعت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في قاع مؤشر مرونة التجارة العالمية، في بُعْديه الرئيسيين ومكوناتهما الفرعية، وقد كانت المرونة المؤسسية؛ البيئة التنظيمية والحوكمة والأعمال، وأداء الاقتصاد الكلي أضعف حلقات المرونة الضعيفة في الأساس.
كما يعود أيضًا إلى تخصُّصها في تجارة السلع الأولية والمواد الخام وانخفاض درجات التنوع لديها، فضلاً عن انخفاض نصيبها في التجارة العالمية من حيث القِيَم المطلقة والمساهمة النسبية.
ويعتبر المؤشر بمثابة جرس إنذار لبلدان المنطقة، ومرآة لمرونة تجارتها الدولية، وإنذار لها بأن أفضل إستراتيجياتها التجارية يكمن في التعامل على مبدأ الربح المشترك، لا على أساس الشريك التجاري الواحد أو التكتل الواحد في ظل الصراع العالمي بين الشرق والغرب.
………………………………………..
[1])Whiteshield, Global Trade Resilience Index 2023: Economic security & sustainability, can the twain meet?( Whiteshield: London,2023)