عقدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة اختصارًا بـ(ECOWAS) قمة طارئة يوم السبت الموافق 24 فبراير 2024 في العاصمة النيجيرية أبوجا، برئاسة رئيس نيجيريا بولا أحمد تينوبو، والذي تتولَّى بلاده الرئاسة الدورية للمنظمة؛ وذلك لبحث آخر التطورات المتعلقة بالوضع السياسي والسلام والأمن في منطقة غرب إفريقيا، بعد تصاعد الأزمات السياسية في دول المنطقة، والتي أخفقت مجموعة ايكواس في تسويتها، وما نتج عن ذلك من انقسام سياسي كبير بين دول المجموعة، تجلّت معالمه في إعلان مالي وبوركينا فاسو والنيجر انسحابهم من المنظمة بصورة فورية، وهو ما شكَّل خطرًا كبيرًا على تماسك المنظمة التاريخية، وهدد بتفككيها.
ولهذا يتضح أن دلالات عقد هذه القمة في ذلك التوقيت يتمثل في رغبة المنظمة في محاولة الوصول إلى تسوية تجعل قادة الدول المنسحبة تتراجع عن قرار الانسحاب؛ للإبقاء على تماسك المنظمة ومنع انهيارها، وعدم تشجيع باقي دول المنظمة على السير في طريق الدول المنسحبة، خاصةً بعد الاتهامات التي تم تداولها ضد المنظمة، وعلى رأسها أنها تابعة لفرنسا، وأنها تنفّذ السياسة الخارجية لباريس في المنطقة، فضلاً عن اتهام الإيكواس بأنها تتبع سياسة الكيل بمكيلين؛ وذلك لأنها تسامحت مع الانقلابات الدستورية التي قام بها العديد من الرؤساء في المنطقة، واستمرارهم في السلطة بطرق لا تتفق مع الديمقراطية، بينما تعاملت مع قادة الانقلابات العسكرية بصورة مشددة، وفرضت عليهم العقوبات؛ رغم أن وصولهم إلى السلطة عن طريق الانقلاب العسكري يتساوى في الجرم مع البقاء في السلطة عن طريق الانقلاب الدستوري، وكسر المدد الرئاسية، أو عن طريق الانتخابات المدارة التي تتسامح معها الإيكواس؛ رغم أنها تتم في غياب النزاهة والشفافية، بالإضافة إلى أن تهديدات الإيكواس بالتدخل العسكري في النيجر للحفاظ على الديمقراطية، تم الرد عليه أيضًا بأنه كان من الأولى أن تتدخل قوات الإيكواس وتتحرك الجيوش للتصدي للجماعات الإرهابية المنتشرة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، من أجل الحفاظ على أرواح الأبرياء التي لا تقل أهمية عن الحفاظ على الديمقراطية.
أولاً: أسباب انعقاد القمة الطارئة للإيكواس
يمكن عرض الأسباب التي دعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لعقد قمة طارئة فيما يلي:
1- إعلان كلّ من النيجر ومالي وبوركينا فاسو انسحابهم الفوري وغير المشروط من عضوية الإيكواس، وهو ما سيكون له تداعيات سلبية خطيرة على المنظمة، قد يؤدي إلى تفكيكها مثلما حدث مع مجموعة دول الساحل الخمس بعد انسحابهم منها.
2- وجود حملة إعلامية تشوّه صورة الإيكواس في غرب إفريقيا، وتصفها بأنها أداة سياسية في يد فرنسا والغرب الأوروبي؛ يقومون من خلالها بتنفيذ سياساتهم الخارجية في المنطقة، وهو ما يُظْهِر تبعية المنظمة للخارج، والتزامها بتنفيذ رغبات فرنسا.
3- قيام عدد من الزعماء الأفارقة بتوجيه نصائح إلى قادة الإيكواس بضرورة رفع العقوبات عن الدول التي شهدت انقلابات عسكرية؛ نظرًا للظروف الإنسانية الصعبة التي ترتبت على شعوب المنطقة نتيجةً لتلك العقوبات، مثلما فعل رئيس نيجيريا الأسبق يعقوب جون؛ حيث نادى بضرورة رفع العقوبات؛ مراعاةً لمنع الانقسام وتفكيك المنظمة.
4- وقوع قادة الإيكواس في الحرج بعدما تم اتهامهم بالازدواج في التعامل بشأن مسألة الديمقراطية؛ وذلك بسبب تسامحهم مع الرؤساء الذين قاموا بانقلابات دستورية، وكسروا حدود المدد الرئاسية، واستمروا في السلطة، برغم إدارتهم للعمليات الانتخابية وهندستها بما يضمن فوزهم، وعدم تسامحهم في ذات الوقت مع النظم العسكرية الحاكمة التي صعدت للسلطة عن طريق الانقلابات، وهو ما يتساوى مع الانقلابات الدستورية في ذات النتيجة.
5- عجز الإيكواس عن تنفيذ تهديداتها بالتدخل العسكري في النيجر لاستعادة النظام الشرعي للرئيس بازوم، وفشل كل الوسائل للإفراج عنه، وهو ما جعلها تغيّر سياساتها مع المجموعة العسكرية الحاكمة في النيجر بقيادة عبدالرحمن تياني، خاصةً بعد لوم الإيكواس شعبيًّا بأنها هدّدت بالتدخل العسكري لاستعادة الديمقراطية، ولم تُهدّد بالتدخل لمكافحة الجماعات الإرهابية المنتشرة في الساحل الإفريقي والتي سيطرت على العديد من المناطق في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وقتلت مئات الأبرياء، وكان من المهم تدخُّل الإيكواس للحفاظ على أرواحهم كما كانت تودّ التدخل العسكري للحفاظ على الديمقراطية المزعومة.
ثانيًا: الدول المشاركة في القمة، وجدول أعمال القمة:
أ- الدول المشاركة في القمة:
لقد شارك في حضور هذه القمة كلّ من:
1- رؤساء نيجيريا، وبنين، وساحل العاج، وغانا، والسنغال، وغينيا بيساو، وسيراليون، وتوجو، بينما حضر عن جامبيا نائب الرئيس، وعن دولة الرأس الأخضر حضر سفيرها لدى نيجيريا والإيكواس، وكذلك حضر سفير ليبيريا لدى نيجيريا والإيكواس نيابةً عن الرئيس.
2- رئيس مفوضية الإيكواس عمر أليو توراي.
3- مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن بمفوضية الاتحاد الإفريقي نيابةً عن رئيس المفوضية موسى فقي محمد.
4- الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب إفريقيا ومنطقة الساحل ورئيس مكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا.
5- رئيس بنك الإيكواس للاستثمار والتنمية (EBID).
6- محافظ البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO)
7- المبعوث الخاص للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لمكافحة الإرهاب.
بينما تغيَّب عن المشاركة في القمة رؤساء مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا.
ب- جدول أعمال القمة:
تركّز جدول أعمال هذه القمة الطارئة فيما يلي:
1- تلقي مذكرات رئيس مفوضية الإيكواس بشأن الوضع السياسي والسلام والأمن في منطقة غرب إفريقيا.
2- مناقشة التطورات التي تحدث في دول المنطقة بشكل موسَّع.
3- مناقشة الوضع في جمهورية النيجر بداية من 26 يوليو 2023 عندما أطاح جيش جمهورية النيجر بحكومة الرئيس محمد بازوم، ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
4- مناقشة الإخطارات المقدمة من بوركينا فاسو ومالي والنيجر بشأن قرار الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
ثالثًا: النقاشات التي تمت خلال اجتماع القمة:
تركزت النقاشات بصورة أساسية حول تطورات الأوضاع في النيجر، ومسألة انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من الإيكواس، ويمكن عرض تلك المناقشات كما يلي:
أ- النقاشات المتعلقة بالنيجر:
1- بدأت النقاشات المتعلقة بالوضع في النيجر بالتذكير بالقرارات التي كانت اتخذتها الإيكواس خلال الدورتين الاستثنائيتين الأولى في 30 يوليو 2023، والثانية في 10 أغسطس 2023، بجانب القرارات التي اتُّخذت في الدورة العادية 64 للإيكواس التي عُقدت في 10 ديسمبر 2023.
2- ثم تطرقت للإعراب عن الأسف من استمرار احتجاز الرئيس المعزول محمد بازوم حتى الآن رغم الجهود المتعددة التي بذلتها الإيكواس لتحريره.
3- الإعراب عن الأسف من عدم التزام المجلس العسكري الحاكم في النيجر(CNSP) بوضع خطة انتقالية متفق عليها لتسليم السلطة حتى الآن.
4- إعلان التزام الإيكواس بمبدأ عدم التسامح مطلقًا مع التغيرات غير الدستورية للحكومات المنصوص عليه في بروتوكول وميثاق الجماعة، والاتحاد الإفريقي.
5- إعلان التزام الإيكواس بمواصلة الحوار مع حكومة النيجر الحالية بهدف تأمين إطلاق سراح الرئيس بازوم، والاتفاق على جدول زمني للمرحلة الانتقالية.
6- إعلاء الظروف الإنسانية، وعلى رأسها اقتراب شهر رمضان، والاستجابة للنداءات الإنسانية، وعلى رأسها نداء رئيس نيجيريا الأسبق يعقوب جون أحد الآباء المشاركة في تأسيس الإيكواس، والذي دعا إلى رفع العقوبات المفروضة على دول المجموعة التي شهدت انقلابات عسكرية؛ خشيةً عليها من التفكك.
ب- النقاشات المتعلقة بقرار انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر من الإيكواس:
أشارت الإيكواس إلى أن قرار انسحاب الدول الثلاث من المنظمة سيكون له تداعيات سلبية على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمالي والمؤسسي للدول الثلاث، وكذلك على المنظمة ذاتها، وذلك يتضح مما يلي:
1- ستُحرَم الدول الثلاث من المخصصات المالية التي كانت تستفيد بها في مكافحة الإرهاب؛ حيث كانت هذه الدول قد استفادت من إطار التعاون الإقليمي لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة بمبلغ يقدر بنحو 100 مليون دولار تم توفيره في إطار خطة عمل الإيكواس لمكافحة الإرهاب.
2- حرمان الدول المنسحبة من المخصصات المالية اللازمة لتوفير المعدات المتعلقة بمساعدتها في مكافحة الإرهاب.
3- الحرمان من المشاركة في التعاون الأمني مع دول المجموعة، وأبرزها الشراكة الاستخباراتية، والشراكة في المبادرات الإقليمية لمكافحة الإرهاب مثل مبادرة أكرا، وفِرَق العمل المشتركة متعددة الجنسيات.
4- وقوع الدول المنسحبة في حالة من العزلة الدبلوماسية والسياسية على الساحة الدولية؛ حيث كان يتم تقديم دعم جماعي من دول الإيكواس لمرشحي هذه الدول للتنافس على المناصب الدولية داخل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وغيرها من المؤسسات الدولية.
5- حرمان مواطني هذه الدول من المزايا التي كانت تمنحها لهم العضوية في المنظمة، والمتعلقة بحرية التنقل والإقامة وجوازات السفر؛ حيث سيُطْلَب من مواطنيها ضرورة الحصول على تأشيرة لدخول كل دولة، فضلاً عن إلزامهم بشروط للإقامة وإنشاء الأعمال التجارية، مع خضوعهم لقوانين وطنية متنوعة.
6- منع الدول الثلاث من استخدام جواز سفر الإيكواس الموحَّد، وبطاقة الهوية الوطنية الخاصة بالإيكواس، وكذلك البطاقة البُنّية التابعة للإيكواس الخاصة بالمركبات، وهو ما سيكون له آثار سلبية على مواطني تلك الدول.
7- التأثير سلبًا على الناتج المحلي الإجمالي للإيكواس في حالة تصميم تلك الدول على الانسحاب؛ لأنهم يمثلون نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة، ومِن ثَم فإن رحيلهم سوف يشكل انخفاضًا في حجم سوق الإيكواس، فضلاً عن احتمالات تعطل التجارة في السلع غير المصنّعة مثل تجارة الماشية، والأسماك، والمنتجات الزراعية والمعدنية، والحِرَف اليدوية التقليدية.
8- حرمان الدول الثلاث من المشاريع والبرامج الإقليمية المستفيدة منها، وأبرزها ما يلي:
– برنامج الاحتياطي الإقليمي للأمن الغذائي: حيث تستضيف الدول الثلاث مخزونًا من الاحتياطي الإقليمي بكمية تقارب 17 ألف طن أو 52% من المخزون الإقليمي.
– برنامج الدعم الإقليمي للرعي في منطقة الساحل (PRAPS – بتمويل من البنك الدولي) بمبلغ 215 مليون دولار أمريكي للدول الثلاث.
– برنامج دعم الري الإقليمي في الساحل (باريس – بتمويل من البنك الدولي) بمبلغ 103.43 مليون دولار أمريكي للدول الثلاث.
– برنامج دعم قدرة النظام الغذائي الإقليمي (FSRP بتمويل من البنك الدولي) بمبلغ 230 مليون دولار أمريكي للدول الثلاث.
– مشروع الهوية الواحدة، والتكامل والشمول الإقليمي لغرب إفريقيا.
– مشروع سوق الكهرباء الإقليمي للإيكواس (مجمع الطاقة لغرب إفريقيا) الذي يربط جميع الدول الأعضاء بشبكة كهرباء إقليمية لتحسين الوصول إلى الكهرباء، ويشمل الدول الأعضاء الثلاثة.
– كما يمكن أن يؤدي انسحاب الدول الأعضاء الثلاث إلى وقف أو تعليق جميع مشاريع وبرامج الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي تبلغ قيمتها أكثر من 500 مليون دولار أمريكي.
9- وقف المؤسسات المالية التابعة للإيكواس مشروعاتها الجارية في الدول الثلاث؛ حيث يقيم بنك الإيكواس للاستثمار والتنمية (EBID) حاليًّا 27 مشروعًا في القطاع العام؛ مخصّص للنيجر منها 10 مشروعات، ولبوركينا فاسو 9، ولمالي 8، بجانب تنفيذ 20 مشروعًا في القطاع الخاص، مخصّص لمالي منها 13، وبوركينا 5، والنيجر 2، كما أن بنك تنمية غرب إفريقياBOAD) ) هو أيضًا يمكن أن يجمّد تعاملاته مع الدول الثلاث في حالة انسحابهم رسميًّا، بجانب أن رأس مال هذه البنوك والمؤسسات المالية سوف يقل عند انسحابهم.
10- أما فيما يخصص التداعيات السلبية للانسحاب على المستوى المؤسسي؛ فإنه سوف يؤدي إلى إغلاق 4 كيانات إقليمية في بوركينا فاسو، وهيئتين إقليميتين في مالي، بجانب إغلاق مكتب إقليمي واحد في النيجر، بالإضافة إلى التأثير على الأمن الوظيفي لنحو 130 موظفًا في الإيكواس من مواطني الدول الثلاث موزعين بين عدد 77 شخصًا من بوركينا فاسو، و23 من مالي، و32 من النيجر.
رابعًا: المخرجات والقرارات التي أسفرت عنها القمة:
بعد سلسلة من النقاشات التي تمَّت بين الدول المشاركة في القمة؛ أسفرت القمة عن مجموعة من المخرجات المهمة، والتي تتمثل فيما يلي:
أ- المخرجات المتعلقة بالنيجر:
1- مطالبة المجموعة العسكرية الحاكمة في النيجر بالإفراج الفوري عن الرئيس السابق للنيجر محمد بازوم، هو وجميع أفراد أسرته، والمعتقلين السياسيين.
2- إعلان الإيكواس رفعها للعقوبات التالية التي كانت فرضتها على النيجر بأثر فوري، والمتمثلة في:
– إغلاق الحدود البرية والجوية بين دول الإيكواس والنيجر.
– فرض منطقة حظر الطيران التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على جميع الرحلات الجوية التجارية من وإلى النيجر.
– تعليق جميع المعاملات التجارية والمالية بين الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والنيجر.
– تجميد جميع المعاملات الخدمية بما في ذلك خدمات المرافق والكهرباء لجمهورية النيجر.
– تجميد أصول جمهورية النيجر في البنوك المركزية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
– تجميد أصول دولة النيجر والمؤسسات الحكومية والشركات شبه الحكومية في البنوك التجارية.
– تعليق حصول النيجر على جميع المساعدات المالية والمعاملات مع جميع المؤسسات المالية، ولا سيما EBID وBOAD.
– حظر السفر على المسؤولين الحكوميين من النيجر وأفراد أُسَرهم.
ب- المخرجات المتعلقة بمالي وغينيا والسنغال:
1- فيما يخص مالي: فقد أعلنت الإيكواس عن رفع القيود المفروضة على تعيين مواطني جمهورية مالي في المناصب المهنية داخل مؤسسات الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
2- فيما يخص غينيا: فقد تم الإعلان عن رفع العقوبات المالية والاقتصادية عن جمهورية غينيا.
3- فيما يخص السنغال: فرغم سخونة المشهد السياسي في السنغال خلال الفترة الماضية وخاصة عقب تأجيل الرئيس ماكي سال للانتخابات الرئاسية عن موعدها، وما نجم عنه من ازدياد حالة السخط السياسي على النظام الحاكم، واندلاع مظاهرات عارمة أسفرت عن سقوط قتلى، وعشرات المعتقلين، فقد تعاملت الإيكواس مع ذلك المشهد بنوع من البرود السياسي؛ حيث جاءت مخرجات القمة المتعلقة بالسنغال لتتحدث عن إحاطتها علمًا بانتهاء فترة ولاية الرئيس ماكي سال في 2 أبريل 2024، مشيدة بإنجازاته الهائلة التي حققها في مجال البنية التحتية والتنمية الاقتصادية خلال فترة حُكمه للسنغال، والثناء عليه أيضًا كقائد إفريقي وعالمي لا يُقدّر بثمن، وبجانب ذلك فقد دعت الإيكواس جميع أصحاب المصلحة في السنغال إلى إعطاء أولوية للحوار الوطني؛ بهدف الحفاظ على المكاسب الديمقراطية في السنغال من خلال تنظيم انتخابات رئاسية حرة وشاملة وشفافة.
ج- المخرجات المتعلقة بطلب الدول الثلاث الانسحاب من الإيكواس:
ركّزت مخرجات القمة على طلب مالي والنيجر وبوركينا فاسو الانسحاب من المنظمة، وحاولت إثناءهم عن ذلك القرار، وتمثلت تلك المخرجات فيما يلي:
1- طلبت الإيكواس من رئيس المفوضية دعوة الدول الأربع الأعضاء في الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي تمر بمرحلة انتقالية إلى الاجتماعات التشاورية للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وكذلك إلى جميع الاجتماعات المتعلقة بالأمن.
2- قررت الإيكواس الإبقاء على جميع التدابير الأخرى المنصوص عليها في القرارات والصكوك ذات الصلة الصادرة عن الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الإفريقي ومراجعتها من وقتٍ لآخر وفقًا للتقدم المُحرَز.
3- وجهت الدعوة إلى جميع مؤسسات الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والدول الأعضاء فيها، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، وجميع المؤسسات الإقليمية الأخرى إلى تنفيذ القرارات التي اتخذتها خلال هذه القمة الطارئة، وأهمها قرارات رفع العقوبات.
4- إعلان الإيكواس بإحاطتها علمًا بالإخطارات المقدمة من الدول الثلاث من أجل الانسحاب من المنظمة، لافتة نظرهم إلى المادة 91 من معاهدة الإيكواس المعدلة عام 1993، والخاصة بإجراءات الانسحاب والالتزام بها، كما حثتهم على إعادة النظر في ذلك القرار؛ حتى لا يتم حرمانهم من المكاسب التي يحصلون عليها من عضوية المجموعة، بجانب إعراب الإيكواس عن قلقها إزاء الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية والإنسانية لهذا القرار، ولا سيما على مواطني الدول الأعضاء الثلاث، وعلى عملية التكامل الإقليمي، وكذلك حثّت الدول الأعضاء الثلاث على اللجوء إلى الحوار والتفاوض والوساطة لتسوية الخلافات.
5- تكليف مفوضية الإيكواس بمواصلة تقارب الجماعة ومبادراتها مع الدول الأعضاء الثلاث ومواصلة متابعة الوضع فيها، بجانب إشراك الاتحاد الإفريقي، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى، وكذلك الشركاء الثنائيين في هذه القضية بهدف إقناع الدول الأعضاء الثلاث بالبقاء في الجماعة، وأيضًا توسيع نطاق التواصل المجتمعي مع الدول الأعضاء الثلاث ليشمل الزعماء التقليديين والدينيين والشخصيات البارزة والمجتمع المدني والقيادات النسائية من أجل وحدة المنطقة وأمنها.
د- المخرجات العامة الأخرى الناجمة عن القمة:
بجانب المخرجات السابقة فقد صدرت عدة مخرجات عن هذه القمة تتمثل في الآتي:
1- مكافحة الإرهاب: حيث أكدت القمة على تأكيدها على ضرورة قيام مفوضية الإيكواس بالتعجيل بتفعيل القوة الاحتياطية في شكلها الحركي لمكافحة الإرهاب في المنطقة، بما في ذلك عناصر قوة العمل المشتركة متعددة الجنسيات، ومبادرة أكرا، وفقًا لتوجيهات المنظمة، داعية إلى عقد اجتماع في أقرب وقت ممكن والتنسيق مع مسؤولي المالية والدفاع لاقتراح سبل تمويل وتجهيز قوة مكافحة الإرهاب.
2- مكافحة عملية تشويه الإيكواس: حيث أعلنت القمة عن تكليفها المفوضية لوضع إستراتيجية اتصال فعَّالة لإشراك الدول الأعضاء ومواطني الجماعة في ضوء استمرار المعلومات الخاطئة والمضللة التي تستهدف تقويض الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
3- التأكيد على مبدأ سيادة الدول: حيث أكدت القمة على التزام الإيكواس بسيادة إفريقيا ووحدتها واستقلالها، داعية جميع الشركاء إلى احترام سيادة الدول الإفريقية واستقلالها والامتناع عن التدخلات الخارجية التي تؤدي إلى زعزعة استقرار الدول الأعضاء، وتؤثر سلبًا على الوحدة الإقليمية.
4- الدعوة للشراكة العالمية: كان آخر المخرجات الناجمة عن القمة دعوة الإيكواس إلى إقامة شراكة عالمية فعَّالة من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة من خلال عدة أمور منها التجارة العادلة، والعدالة المناخية.
خامسًا: تحليل مخرجات القمة الطارئة للإيكواس:
مما لا شك فيه أن هذه القمة جاءت كمحاولة للحفاظ على منظمة إيكواس من التفكك والانهيار الفعلي بعد تصاعد الخلاف والانقسام بداخلها، خاصةً بعد الضغط الذي قام به قادة الانقلاب في مالي والنيجر وبوركينا فاسو على المنظمة؛ من خلال إعلانهم الانسحاب منها بصورة فورية؛ بسبب العقوبات المفروضة عليهم، ولهذا فإن قرار القمة برفع تلك العقوبات بمثابة انتصار لهذه النظم العسكرية على إيكواس، وإعلان عن عجزها وفشلها في التصدي للانقلابات العسكرية، وهو ما سيشجّع على تكرار الانقلابات في المنطقة في ظل تراجع الديمقراطية والحكم الرشيد خلال السنوات الماضية في المنطقة.
فضلاً عن أن هذه الخطوة بمثابة محاولة استرضاء للعسكر مع استجلاب ودّهم للبقاء في المنظمة، رغم انتهاكهم للديمقراطية، بجانب أن عملية رفع العقوبات عن النيجر دون الإفراج عن الرئيس محمد بازوم يمثل أيضًا تنازلاً كبيرًا عن مطلب كان أساسيًّا، وهو ما يدعمه وجود أحاديث أشارت إلى رفض بعض الدول المشاركة في قمة رفع العقوبات عن النيجر إلا بعد ما يتم الإفراج عن الرئيس بازوم وزوجته وباقي المعتقلين السياسيين المحبوسين معه، ولهذا فإنه عمليًّا يمكن أن تظل العقوبات مستمرة بصورة فردية من حلفاء الرئيس بازوم القدامى.
كما أن المنظمة سعت من خلال هذه القمة إلى تصحيح الصورة الذهنية السلبية عن المنظمة؛ حيث تم تشويهها خلال الفترة الماضية، وتم الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي لفكرة أن إيكواس عدو للشعوب الإفريقية، وأنها تابعة لفرنسا خاصةً بعد تهديدها بالتدخل العسكري في النيجر لاستعادة السلطات الدستورية، ولهذا فإن ذِكْر رفع العقوبات لدوافع إنسانية، ودوافع دينية كاقتراب شهر رمضان يشير إلى استخدام الإيكواس لتلك الشعارات لمحاولة ترميم صورتها في المنطقة بعدما تلطَّخت بدموع المتضررين اقتصاديًّا على مدار الشهور الماضية بسبب العقوبات التي اكتوت بها بطون الشعوب، ولم تضر سكان القصور من الانقلابيين إلا قليلاً.
ويُلاحظ أيضًا تبنّي الإيكواس لمبدأ البرجماتية في تعاملها مع قادة الانقلاب رغم إهمالها لذكر بوركينا فاسو من قرارات القمة، والتي كان قد أعلن قائد الانقلاب فيها إبراهيم تراوري تقليل الآثار السلبية على بلاده نتيجة لعقوبات الإيكواس، ورفع راية التحرُّر من التبعية للخارج؛ حيث كان يمكن للإيكواس أن تعقد صفقة تنص على الإفراج عن الرئيس بازوم وأُسرته، وتقديم خطة زمنية للمرحلة الانتقالية، مقابل رفع العقوبات لكنها فشلت في ذلك، وسارعت بتقديم حسن نيتها لعل المجموعة العسكرية تقدم تنازلات من جانبها.
وعلى كلٍّ، فإن الإيكواس تبتغي من وراء قرارتها تلك استئناف الحوار مع المجموعة العسكرية الحاكمة في الدول الأربعة لرأب الصدع المتنامي في المنطقة، ويذكر أيضًا أن الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) قام بعقد قمة استثنائية في نفس اليوم عقب انتهاء قمة إيكواس الاستثنائية؛ حيث عقدت كذلك في نيجيريا تحت رئاسة الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، وخصَّصت القمة كذلك لمناقشة لوضع الاجتماعي والاقتصادي لدول الاتحاد البالغ عددهم 8 دول، من بينهم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والذين تم فرض عقوبات عليهم أيضًا مِن قِبَل منظمة إيموا؛ حيث تم الإعلان عن رفع الاتحاد للعقوبات المفروضة عليهم بصورة جزئية دون إعلان كامل التفاصيل، وذلك بعد الحديث عن وجود رغبة مبيَّتة للدول الثلاث للانسحاب من مجموعة إيموا كذلك.
وفيما يتعلق بالمواقف التالية للقمة؛ فقد تم الترحيب شعبيًّا بعملية رفع العقوبات عن النيجر، وتداولت بعض الأنباء عن بدء رفع الحواجز المفروضة على الطرق من بعض دول الجوار، لكنَّ النُّظُم العسكرية المرفوع عنها العقوبات لم تتفاعل رسميًّا حتى الآن مع قرارات الإيكواس، رغم التوعية التي قدّمتها منظمة إيكواس من مخاطر وتداعيات سلبية قد تنجم عن التصميم على الانسحاب، بل يبدو أن ذِكْرها تلك المخاطر تفصيليًّا ابتغت من ورائه إشراك الرأي العام الداخلي والإقليمي بمخاطر تلك التداعيات لحثّ قيادات الدول الثلاث على عدم مغادرة الإيكواس؛ حفاظًا عليها وعلى مصالح باقي دول التكتل من الانهيار، وخاصة المصالح التجارية والاقتصادية.
سادسًا: السيناريوهات المستقبلية لأزمة الإيكواس مع النظم العسكرية:
بناءً على ما سبق يتضح أن إيكواس قد تبنَّت سياسات جديدة في تعاملها مع النظم العسكرية في مالي وبوركينا والنيجر وغينيا، وتحاول الوصول معهم إلى تسوية سياسية، ولهذا فإن السيناريوهات المتوقعة تتمثل فيما يلي:
السيناريو الأول: حدوث انفراجة بين النظم العسكرية والإيكواس ورجوعهم عن قرار الانسحاب؛ خاصةً بعد رفع الإيكواس للعقوبات، ومحاولاتها استرضاء قادة الانقلاب، رغبة في الحفاظ على المنظمة أولاً، وعدم وجود طرق عملية ترغمهم على الرضوخ لمطالبها، ومِن ثَم يمكن الوصول لحل وسط يرضي الجميع.
السيناريو الثاني: استمرار النظم العسكرية في طريقها ومماطلتها بعض الوقت للحصول على مزيد من المكاسب، خاصة فيما يتعلق بمدة الفترة الانتقالية؛ حيث تريد الإيكواس منهم تحديد جدول زمني للفترة الانتقالية، لتسليم السلطة، وهو ما سيشكل ضغطًا عليهم وعلى مستقبلهم السياسي ورغبتهم للبقاء في السلطة، ولذلك فقد يماطلون بعض الوقت حتى يصلوا مع الإيكواس إلى اتفاق يضمن لهم القيام بعملية مَدْيَنَة للسلطة، وإجراء انتخابات رئاسية تجعلهم رؤساء شرعيين وفقًا للمبادئ التي ترفعها المنظمة.
السيناريو الثالث: رفض قادة الانقلاب الرجوع نهائيًّا عن قرار الانسحاب، واستمرار مشروعهم السياسي الراغب في الخروج من إيكواس، وتأسيس منظمة جديدة، ترفع رايات الاستقلال والتحرر من الاستعمار الفرنسي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات والهوامش:
(1)- EXTRAORDINARY SUMMIT OF THE ECOWAS AUTHORITY OF HEADS OF STATE AND GOVERNMENT ON THE POLITICAL, PEACE AND SECURITY SITUATION IN THE REGION،” FINAL COMMUNIQUE“، Abuja, 24th February 2024.
(2)-” West Africa’s ECOWAS Bloc Lifts Sanctions on Junta-Led Niger”، at، https://www.voanews.com/a/west-africa-s-ecowas-bloc-lifts-sanctions-on-junta-led-niger-/7501323.html، February 24, 2024
(3)- “Experts Doubt ECOWAS Easing Sanctions on Juntas Will Have Impact”، at، https://www.voanews.com/a/experts-doubt-ecowas-easing-sanctions-on-juntas-will-have-impact/7503272.html، February 26, 2024
(4)-” La Cedeao lève des sanctions contre la Guinée et le Mali”، at، https://www.lemonde.fr/international/article/2024/02/25/la-cedeao-leve-des-sanctions-contre-la-guinee-et-le-mali_6218530_3210.html، 25 février 2024.
(5)-” Niger: la Cedeao lève une grande partie des sanctions prises après le coup d’Etat militaire”، at،
https://www.lemonde.fr/afrique/article/2024/02/24/niger-la-cedeao-leve-une-grande-partie-des-sanctions-prises-apres-le-coup-d-etat-militaire_6218384_3212.html، 24 février 2024.
(6)- ” Cédéao: le président de la Commission annonce la levée de la plupart des sanctions contre le Niger “، at، https://www.rfi.fr/fr/afrique/20240224-c%C3%A9d%C3%A9ao-le-pr%C3%A9sident-de-la-commission-annonce-la-lev%C3%A9e-de-la-plupart-des-sanctions-contre-le-niger، 24/02/2024.
(7)-” Un sommet extraordinaire de la Cédéao pour examiner la situation de la sous-région”، at، https://www.rfi.fr/fr/afrique/20240219-un-sommet-extraordinaire-de-la-c%C3%A9d%C3%A9ao-pour-examiner-la-situation-de-la-sous-r%C3%A9gion، 19/02/2024.
(8)-” Sanctions contre le Niger: barrières levées côté béninois pour le trafic de marchandises”، at، https://www.rfi.fr/fr/afrique/20240225-sanctions-contre-le-niger-barri%C3%A8res-lev%C3%A9es-c%C3%B4t%C3%A9-b%C3%A9ninois-pour-le-trafic-de-marchandises، 25/02/2024.
(9)-” Cedeao: Levée de sanctions contre la Guinée et le Mali”، at، https://www.africaradio.com/cedeao-levee-de-sanctions-contre-la-guinee-et-le-mali، 26 février 2024.
(10)- ” Is ECOWAS lifting sanctions a sign of weakness or playing the long game?”, at، https://www.theafricareport.com/338249/ecowas-lifting-sanctions-a-sign-of-weakness-or-playing-the-long-game/، February 26, 2024.
(11)- ” West African bloc lifts sanctions on junta-led Niger”، at، https://www.reuters.com/world/africa/west-african-ecowas-bloc-mulls-new-strategy-towards-junta-states-2024-02-24/، February 26, 2024.
(12)-” Nigeria’s Yakubu Gowon, the last living founding father of ECOWAS calls for its rescue ” ، at، https://www.africanews.com/2024/02/22/nigerias-yakubu-gowon-last-living-founding-father-of-ecowas-calls-for-its-rescue/، 22/2/2024.
(13)-” La Cedeao desserre l’étau des sanctions autour du Niger”، at، https://www.lepoint.fr/afrique/la-cedeao-desserre-l-etau-des-sanctions-autour-du-niger-26-02-2024-2553458_3826.php، 26/02/2024.
(14)- Rachel Chason: ” Niger, Mali and Burkina Faso break away from key West African bloc”، at https://www.washingtonpost.com/world/2024/01/28/ecowas-niger-mali-burkina-faso-leave/، January 28, 2024.
(15)- “Session extraordinaire de la Conférence des Chefs d’Etat et de Gouvernement de l’UEMOA”، at، https://www.financialafrik.com/2024/02/23/session-extraordinaire-de-la-conference-des-chefs-detat-et-de-gouvernement-de-luemoa/، 23 février, 2024.